هل كورونا جزء من العالم السري؟!

هل كورونا جزء من العالم السري؟!


24/03/2020

قيل كلامٌ كثير وتحليلات عديدة ومتشعبة عن كورونا، لكن ما يزال سؤال ما إذا كان هذا الفيروس مؤامرة مُدبّرة محفوفاً بالغموض والألغاز. ومع أنني أعارض التفكير المؤامراتي وأرى أنّ عقلية المؤامرة جزء من أزمة التفكير في منطقتنا العربية، إلا أنني أستسمح القارئ أن أشاركه في هذا النقاش. فمن شاهد الحوار مع ديفيد إيك، حول "الحقيقة خلف وباء كورونا"، وهو حصد ملايين المشاهدات، ومتوافر بالكامل على "يوتيوب" سيخلص، كما يكرر إيك دوماً في كتاباته بأنّ منظمة الصحة العالمية غير بريئة، وفق إيك، عن إثارة الغموض حول الفيروس من أجل إعادة ترتيب المصالح وشبكات القوة والنفوذ.

"تحت الضغط" يمكن للأفراد والمجتمعات والحكومات أن تكتشف طرقاً جديداً للعيش وأساليب العمل ووسائل التواصل

إيك، المشهور بأفكاره عن المؤامرة، يرى أنّ القوى المتنفذة في العالم ترى في الفوضى التي تثيرها بعض الأحداث الكبرى، مثل كورونا، فرصة لإعادة تقديم الحلول التي تراعي تكريس عالم الأقوياء والمتنفذين. وحسب إيك في حواره المطوّل والمذكور آنفاً، فإنّ كورونا مختلق من أجل التحكم في حياة الأفراد بفرض "حياة الديجتال"، وأنّ جمع أكبر قدر من المعلومات والبيانات عن الأفراد والناس من خلال عملية مواجهة الفيروس، تبدو ضمن مخطط مدروس، بحسب إيك، الذي يرى أنّ التذرع بكبار السن والتخويف من المرض من أجل تقبل إجراءات حظر التجول والعمل عن بعد والتسوق عن بعد إنما يصبّ في مخطط إعادة تشكيل أسلوب العيش على مستوى العالم بما يخدم كبار المتنفذين والأقوياء والشركات الكبرى والمهيمنة، وليس غريباً أن تكون الشركات والمؤسسات الصغرى هي أول ضحايا كورونا، كما يبدو.

اقرأ أيضاً: الكورونا وأوهام المعجزة الدينية
بمعنى آخر، فإن ديفيد إيك، صاحب كتاب "آليات المؤامرة الكونية لتركيع شعوب العالم"، والمهجوس دوماً في معظم أفكاره ومقارباته وكتبه ومقابلاته بالعوالم السرية، يميل إلى التشكيك بأنّ هذا الفيروس ليس جديداً، وإنما هو موجود قبل سنوات، لكن حملة التخويف منه حالياً هي مهندَسَةٌ لتحقيق أهداف إستراتيجية كبرى تتعلق بأوزان النفوذ والتحكم والسيطرة والهيمنة من جانب الأفراد والمجموعات والشركات الأكثر تأثيراً في تشكيل عالمنا وطريقة عيشنا وأساليب تواصلنا مع جميع مجالات الحياة، والفيروس، بناء على هذا التحليل، فرصة لتحقيق نقلات نوعية مذهلة باتجاه الانتقال نحو الحياة الرقمية، وبغير الفيروس لربما بقيت الكثير من العقبات أمام ذلك، واستغرق التغلب عليها أعواماً طويلة.

اقرأ أيضاً: فيروس كورونا والحالة التركية
ديفيد إيك بأسلوبه الدرامي الآسر، يُقدّم مقاربة مؤامراتية لتفسير ما يجري، ويكاد يُقْسِم للملايين من مشاهديه حول العالم، وخاصة في بريطانيا، بأنّ كورونا لعبة تم الإعداد والاستعداد لها من قبل فاعلين مؤثرين؛ وأنّه خطوة نوعية لتحقيق الـ (A cashless society)، وفي ذلك مزيد من السيطرة على الأفراد والمجتمعات. والكاتب الإنجليزي لا يملّ من تأكيد أنّ كورونا ما هو سوى أنموذج على طريق احتكار أدوات القوة والتحكم بأيدي قلة، وترسيخ الطبقية في إطار أقلية تتحكم وأغلبيات سكانية في جميع أنحاء العالم ما هم سوى مجرد متلقين، لا يد لهم في اللعبة الكبرى وقواعد التغيير وديناميكيات التحول والتأثير، وامتلاك أدوات القوة وإدارة الأحداث الدراماتيكية.

اقرأ أيضاً: إثيوبيا وإريتريا تواجهان كورونا بالكوميديا السوداء والأغاني
وعلى هذا فإنها السيطرة البيولوجية إذن، برأي ديفيد إيك، حيث تتعاظم مكانة البيولوجيا في الحرب الجديدة، وفي المواجهة مع الخصوم، وفي تدشين عصر جديد بسرعة قياسية، وإحداث تحولات مدروسة واسعة النطاق وعابرة للدول بأقل الأكلاف، وتحت تأثير صوت الطب والتكنولوجيا.
ولدى تعليق مجلة "فورين بوليسي" المرموقة على أفكار المؤامرة بشأن كورونا، يقول جوناثان تيبرمان في تحليل نشرته المجلة: "استغل الغوغائيون والمؤمنون بنظرية المؤامرة هذا الفايروس لمصلحتهم حتى إن موسوعة (ويكيبيديا) أنشأت صفحة لمتابعة هذه الخرافات المنتشرة. وعلى رأس هذه الخرافات، خرافة أنّ الصين طورت هذا الفايروس للقضاء على تظاهرات هونغ كونغ أو لإخضاع الإيغور، أو خرافة أنّ الفايروس جزء من مخطط للتحكم بعدد سكان العالم بدعم من بيل غيتس-الشريك المؤسس لشركة (مايكروسوفت)، أو خرافة أنّ الفايروس صُمم في مختبر كندي للأسلحة البيولوجية...".

اقرأ أيضاً: مستقبل الاقتصاد العالمي بعد كورونا: هل فقد الخبراء الأمل؟
وتضيف المجلة العريقة: (نظراً إلى ظهور كورونا من الصين -هدف الرئيس الأمريكي دونالد ترامب المفضل- وانتقاله عبر المسارات التي خلقتها العولمة لنقل البضائع والخدمات والأفراد، أصبح الفايروس يمثل كل ما يخشاه ويبغضه الشعبويون. هذه الحقيقة جعلت من الفايروس "تجسيداً وإثباتاً للمخاوف من العالم الخارجي ومن الآخر التي تسيطر على ترامب وأتباعه").

إيك: القوى المتنفذة بالعالم ترى بالفوضى التي تثيرها أحداث مثل كورونا فرصة لإعادة تقديم الحلول التي تراعي تكريس عالم الأقوياء

هذا نقاش وسجال مفتوح، ولكن، وبعيداً عن أفكار المؤامرة، ينبغي قبل إقفال هذه المقالة التنبه إلى أنّه "تحت الضغط" يمكن للأفراد والمجتمعات والحكومات أن تكتشف طرقاً جديداً للعيش وأساليب العمل ووسائل التواصل، وتغيّر بالتالي من أولوياتها وقيمها وسبل إدارتها للموارد، "وعلينا ألا ننسى أنّ الكثير من ابتكارات واختراعات البشرية في القرن العشرين إنما جاءت في ظل الحربين العالميتين؛ الأولى والثانية، وفي ظل الحرب الباردة؛ حينما كان سباق الحياة والموت هو الدافع الأكبر لابتكار أحدث الطائرات والقطارات وشبكات الاتصال وغزو الفضاء وعلوم الذرة..."، كما تقول نشرة "هارفارد بزنيس ريفيو".
في كل الأحوال، ربما تكون لحظة ما قبل كورونا ليس كما بعدها على كل المستويات، هي لحظة مصارحة الذات والآخرين، والحكومات والشعوب، والشركات والمؤسسات والزبائن، والكل مستعد لتلك المصارحة والتوقف والتأمل وإثارة التساؤلات واجتراح الجديد والتعلّم من الأزمة (التي ما تزال لم تبلغ ذروتها) بعيداً عن الروتين والمعتاد...لماذا...لأن بقاء الإنسان وصحته ووجوده ومصالحه هي الآن تحت أشدّ محك وجودي، ربما.



انشر مقالك

لإرسال مقال للنشر في حفريات اضغط هنا سياسة استقبال المساهمات

آخر الأخبار

الصفحة الرئيسية