أي مستقبل لإسلاميي السودان؟

أي مستقبل لإسلاميي السودان؟


07/05/2019

ترجمة: محمد الدخاخني


بمجرّد وصولهم لحضور اجتماعٍ في الخرطوم مؤخراً، استُقبِل أعضاء حزب المؤتمر الشّعبيّ، وهو حزب إسلامويّ سودانيّ، من جانب مجموعات من المتظاهرين الشّبّان بالإهانات والهتافات الّتي تصدح "لا للإسلامويّين".
وفي المشاجرات الّتي تلت ذلك، ألقى كلا الجانبين الحجارة على الآخر. وأصيب العشرات واعتقل أكثر من مائة.

يقول مراقبون إنّ النّفوذ الطّويل للإسلامويّين في السّودان يتعرّض للتّحدي كما لم يحدث من قبل

ويقول قصيّ عبد الله (38 عاماً)، وهو عضو بحزب المؤتمر الشّعبيّ، "لقد حدث ذلك مباشرةً بعد أن بدأنا الاجتماع. جاء بعض المُهاجمِين بالوقود لإحراق كلّ شخص كان داخل القاعة، لكنّنا دافعنا عن أنفسنا بإلقاء الحجارة عليهم. أعتقد أنّ بعضهم أراد لنا الموت. وعندما طالعنا وسائل التّواصل الاجتماعيّ، اكتشفنا أنّ هناك أشخاصاً من حركة الاحتجاج كانوا يقولون إنّ الإسلامويّين يَعقدون اجتماعات - فاذهبوا إليهم. كان ثمّة تحريض واضح".
لم يكن هذا حادثاً معزولاً. ففي أعقاب سقوط عمر البشير في 11 نيسان (أبريل) الماضي، أصبح دور الأحزاب الإسلامويّة السّودانيّة، الّتي ظلّ بعضها يدعم نظام البشير لفترة طويلة، تحت الأضواء.

خلال احتجاجات في الخرطوم

الثّوّار يطاردون الإسلامويّين
فيما وصف الإسلامويّون أنفسهم في الماضي بأنّهم "كيزان" - مستحضرين صورةً لأنفسهم أمام السّودانيّين كأوعيةٍ للشّرب يمكن للمؤمنين أن يتشرّبوا منها الدين-، فقد أُعيد استخدام المصطلح مرّة أخرى على يد السّودانيين ولكن باعتباره تعبيراً مُهيناً، وهتف به أولئك الّذين عطّلوا اجتماع حزب المؤتمر الشّعبيّ.

سعى التّرابيّ لتحويل السّودان لمركز إسلامويّ ودعا الجميع بداية من الشّخصيّات الإسلامويّة المعتدلة مثل الغنّوشيّ وحتّى بن لادن

ويوم الجمعة، طالب المصلّون في مسجد أنس بن مالك، في شارع امتداد ناصر في الخرطوم، ناجي عبد الله، وهو عضو بارز في حزب المؤتمر الشّعبيّ، بمغادرة المسجد بعد أن شجب الاحتجاجات في خطاب ألقاه في أعقاب صلاة الجمعة. كما ضُغِط على إمام مسجد الكفوري، في شمال الخرطوم، لمغادرة المسجد لأسباب مماثلة.
وفي خطوة منفصلة، أُجبر ثلاثة جنرالات إسلامويّين في المجلس العسكريّ الانتقاليّ الجديد على الرّحيل، وفي أعقاب الحادث الخاصّ باجتماع حزب المؤتمر الشّعبيّ، رفض الجيش طلب الدّاعية المُغالي عبد الحي يوسف، الّذي أيّد حزبه البشير أيضاً، بتنظيم مسيرة خاصّة به تدعو لتأييد الشّريعة.

اقرأ أيضاً: قرقاش: هؤلاء سبب السخط السياسي في السودان
ويقول مراقبون إنّ ذلك دليل على أنّ النّفوذ الطّويل للإسلامويّين في السّودان يتعرّض للتّحدي كما لم يحدث من قبل، وتلك حقيقة تثير قلق الكثيرين في الأحزاب الإسلامويّة، خوفاً من أنّ تقود المفاوضات الحالية بين الجيش وقوى الحرّيّة والتّغيير، المجموعة الّتي تمثّل المتظاهرين الّذين أشعلوا الثّورة في السّودان، إلى تنحية الإسلامويّين جانباً.
ومن جانبه، أعلن عليّ الحاج، الأمين العام لحزب المؤتمر الشّعبيّ، يوم الأحد، في غضبٍ، قائلاً "إنّنا لسنا ملزمين بأيّ اتّفاق لم نكن جزءًا منه"، وذلك تعليقاً على المحادثات الجارية لتأسيس مجلس عسكريّ مدنيّ مشترك لتوجيه عمليّة الانتقال السّياسيّ في البلاد بعد البشير. وأضاف: "لن نقبل بأيّ اتّفاق يستثني القوى السّياسيّة الأخرى [أي الأحزاب الّتي على شاكلة حزبه]. وهذا موقف مبدئيّ".

 النّفوذ الطّويل للإسلامويّين في السّودان يتعرّض للتّحدي كما لم يحدث من قبل

مناورة البشير
كلّ هذا له مغزى في بلدٍ عَمِلت فيه الأحزاب السّياسيّة العسكريّة والإسلامويّة، على مدار ثلاثة عقود، جنباً إلى جنب حتّى لو كان ذلك - كما هو الحال في كثير من الأحيان في السّياسة المضطّربة والمتمزّقة الّتي تحكم السّودان - يعني أنّ التّحالفات صُنعت ونُقضت وأعيد تشكيلها كلّما ناور البشير لتعزيز سلطته.

اقرأ أيضاً: أردوغان قلق بشأن ليبيا والسودان!! هذا ما قاله
وتُعدّ قصّة مؤسّس حزب المؤتمر الشّعبيّ، حسن التّرابي، وهو محام وباحث إسلاميّ توفّي عام 2016، مثالاً على ذلك.
قام التّرابيّ، وهو المهندس الأيديولوجيّ للجبهة الإسلاميّة القوميّة، الّتي تحوّلت فيما بعد إلى حزب المؤتمر الشّعبيّ تحت زعامة البشير، أوّلاً بتقنين الشّريعة داخل النّظام القانونيّ السّودانيّ في عام 1983، وكان حينها المدّعي العام - ثمّ ساعد البشير في تولّي السّلطة عبر انقلاب عسكريّ عام 1989 ضمن تحالفٍ مع الإسلامويّين.

اقرأ أيضاً: جان باخ: لهذه الأسباب يحتفظ السودان بربيعه
وفي أوج نفوذه، سعى التّرابيّ إلى تحويل السّودان إلى مركز إسلامويّ، وقام بدعوة الجميع بداية من الشّخصيّات السّياسيّة الإسلامويّة المعتدلة مثل التّونسيّ راشد الغنّوشيّ وحتّى أسامة بن لادن، الّذي اتّخذ من السّودان مقرّاً له في التّسعينيّات.
وبعد خلافه مع البشير في أواخر التّسعينيّات، شكّل التّرابيّ حزبه المعارض، لكن في السّنوات الأخيرة عاد التّرابي وحزب المؤتمر الشّعبيّ إلى الاقتراب من البشير. ولم يعارض هؤلاء نظام البشير في الجولة الأخيرة من الاحتجاجات في عام 2013 وظلّوا جزءًا من الائتلاف الحاكم حتّى إقالة البشير في وقت سابق من هذا الشّهر.
وظلّ ذلك نموذجاً على طريقة إدارة البشير للأمور حتّى سقوطه: تطعيم النّظام العسكريّ بالأيديولوجيا الإسلامويّة مع إبقاء الأحزاب الإسلامويّة بعيدة عندما تُهدّد سلطته واستعادتها عندما يحتاج إلى دعمها.

متظاهرون في اعتصام خارج مقر الجيش في الخرطوم

لا مستقبل للإسلاميّين في السّودان؟
المحلّل حافظ إسماعيل هو من بين أولئك الّذين يرون أنّ سقوط البشير يشكّل نكسةً كبيرةً للأحزاب الإسلامويّة السّودانيّة الّتي على شاكلة حزب المؤتمر الشّعبيّ الّذي أسّسه التّرابيّ. وفي إطار توضيحه أنّ ارتباط الإسلام السّياسيّ بالنّظام أصبح ساماً بالنّسبة إليه، يقول "يُعدّ هذا تغييراً مهمّاً للغاية".

النّور: لا أعتقد أنّ مستقبل الإسلامويين مشرق؛ فهناك شعور بالكراهية بين النّاس بالسّودان تجاههم وتجاه الإسلام السّياسيّ

ويضيف: "قبل الانقلاب [الّذي وقع عام 1989]، كان الشّعار هو 'الإسلام هو الحلّ'. ولكن بعد 30 عاماً من الوجود في السّلطة، وبعد 30 عاماً من الفساد والقتل، لم يعد بإمكانهم ادّعاء أيّ أرضيّة أخلاقيّة عُليا مجدّداً".
ويتابع: "لن تُنتَخب [هذه الأحزاب] مجدّداً. فقد كشفت الأحزاب الإسلامويّة نفسها بالطّريقة الّتي تصرّفت بها منذ أن تولّت السّلطة بعد الانقلاب العسكريّ، ولهذا السّبب لا أعتقد أنّ لديهم أيّ فرصة ضمن عمليّة ديمقراطيّة. هذا هو السّبب في أنّ الإسلام السّياسيّ لا مستقبل له".
وتقول الكاتبة المعروفة شمائل النّور: "لا أعتقد أنّ مستقبلهم مشرق. فهناك شعور قويّ بالكراهية بين النّاس في السّودان تجاههم وتجاه الإسلام السّياسيّ بشكل عام".
وتضيف: "لقد دعموا النّظام السّابق خلال حملته الوحشيّة ضدّ المتظاهرين طوال الأشهر الأربعة الماضية. ولكلّ هذه الأسباب، لا أعتقد أنّ لديهم أيّ مستقبل سياسيّ".
ومع ذلك، فإنّ قصيّ عبد الله، عضو حزب المؤتمرّ الشّعبيّ، غير مقتنع. ويشير إلى أنّ الأحداث الأخيرة قد افتُعلت لدقّ إسفين بين أحزاب مثل حزبه والمتظاهرين الّذين ساعدوا في إسقاط البشير.
يقول: "أعتقد أنّ هناك من يريدون جرّ البلاد إلى صراع بين الإسلامويّين واليساريّين. ولهذا السّبب شنّوا هذا الهجوم علينا، لكن الأحزاب الإسلاميّة ستبقى في السّودان، لأنّ السّودان بلد إسلاميّ".


المصدر: بيتر بومونت وزينب محمّد صالح، الغارديان



انشر مقالك

لإرسال مقال للنشر في حفريات اضغط هنا سياسة استقبال المساهمات

آخر الأخبار

الصفحة الرئيسية