مسجد الديسي... الكيان الصهيوني يمنع أن يذكر اسم الله عبر مآذنه

فلسطين

مسجد الديسي... الكيان الصهيوني يمنع أن يذكر اسم الله عبر مآذنه


24/03/2019

ما إن وصلنا إلى مشارف مسجد الديسي، الواقع بين حارتي الشرف والأرمن بالقدس المحتلة، والذي يسمّى لدى الكيان الصهيوني "الحي اليهودي"، بين موعد صلاتي العصر والمغرب، حتى بدأت مجموعة من المستوطنين بإطلاق وابل من الشتائم علينا، وترديد بعض العبارات العنصرية بحقنا، ونفخ الأبواق في وجوهنا لدفعنا إلى مغادرة المنطقة التي نتواجد بها بالقوة.

اقرأ أيضاً: من منع بلالاً من الأذان؟!

ويتعرض مسجد الديسي للاعتداءات الإسرائيلية المتواصلة، منذ الاحتلال الصهيوني للضفة الغربية، عام 1967، وقامت سلطات الاحتلال بالاستيلاء على مئات المنازل الفلسطينية المجاورة للمسجد، وبناء مجموعة من المساكن والمرافق والمدارس للمستوطنين بالحي، على أنقاض عدد كبير من العقارات الإسلامية والأثرية المصادرة، ليقع المسجد بين مطرقة التهويد وسندان الاستيطان، الذي استشرى بأنحاء مدينة القدس كافة، وغيّر معالمها التاريخية والحضارية.

 مسجد الديسي، الواقع بين حارتي الشرف والأرمن بالقدس المحتلة

تهويد مساجد القدس

رئيس هيئة أشراف بيت المقدس، ومراقب مساجد القدس، مازن أهرام، يقول لـ "حفريات" إنّ مسجد الديسي هو عبارة عن شكل نصف أسطواني، تعتليه مئذنة، يبلغ ارتفاعها 15 متراً، وانتزعت ملكية المسجد قسراً بعد الاستيلاء على حارة الشرف، عام 1967، وتسريب عقاراتها لإقامة ما يسمَّى "الحي اليهودي"، وهو الأمر الذي أثر في وضع المسجد ومكانته الدينية؛ كونه يقع بجوار عدد من منازل المستوطنين وحارة الأرمن بالقدس المحتلة".

الاحتلال الإسرائيلي نفذ أكثر من 100 اعتداء على أماكن مقدسة ودور عبادة في الأراضي الفلسطينية المحتلة خلال شهر واحد

ويضيف "معظم مساجد مدينة القدس، والتي يبلغ عددها ما يقارب من 35 مسجداً، وتشرف عليها وزارة الأوقاف الأردنية، تعاني من حملة إسرائيلية ممنهجة لتهويدها من خلال منع رفع الأذان فيها، ومصادرة مكبرات الصوت منها، وتغيير ملامحها الإسلامية؛ وذلك بهدف تنفيذ المحاولات الإسرائيلية الرامية إلى توسيع المستوطنات الإسرائيلية بالمدينة المقدسة، على حساب المعالم والمواقع الأثرية، الدينية والتاريخية، ومنازل المواطنين المقدسيين بالمدينة".
وتابع أهرام "تم إجراء عملية ترميم شاملة لمسجد الديسي على نفقة وزارة الأوقاف الأردنية، وتبرعات بعض المحسنين، لطلاء جدرانه الداخلية، واستبدال سجاده المهترئ، وترميم مرافقه الصحية وصيانة مئذنته، باعتباره معلماً إسلامياً وتاريخياً، حتى يصبح المسجد مؤهلاً لاستقبال المصلين، رغم تضييقات المستوطنين على القادمين إليه، ومنعهم من الوصول إلى المسجد لتأدية الصلاة بداخله".
 مساجد مدينة القدس تشرف عليها وزارة الأوقاف الأردنية

منع رفع الأذان وتأدية الصلاة
أستاذ التاريخ الإسلامي والمختص بشؤون القدس، خليل أبو جيش، أبلغ "حفريات" بأنّ "مسجد الديسي تمّ بناؤه في القرن 13 الميلادي، في عهد صلاح الدين الأيوبي، وتبلغ مساحته 60 متراً مربعاً، وهو يبعد أكثر من 700 متر جنوب غرب المسجد الأقصى المبارك، في حارة الحيادرة التي تقع بين حارتي الشرف والأرمن بالقدس، وتمنع سلطات الاحتلال رفع الأذان في المسجد، عبر مكبرات الصوت، وترفض إقامة الصلاة بداخله في أوقات عديدة، لوقوعه في وسط مجموعة من منازل المستوطنين والأرمن، بعد أن هُجِّر أهله المقدسيون، وصودرت منازلهم".

اقرأ أيضاً: قوات الاحتلال تشنّ حملة اعتقالات جديدة في القدس

ويشير إلى أنّ "المسجد كان يطلق عليه قديماً مسجد المعصرة ومسجد المصبنة والمسجد العمري، وجرى مؤخراً تسميته مسجد الديسي؛ نسبة إلى العائلة التي كانت تقوم بالإشراف عليه، ويقتصر رفع الأذان في المسجد من داخله، دون استخدام مكبرات الصوت، التي تمّت مصادرتها من قبل السلطات الإسرائيلية قبل عدة أعوام، كما تمّت إزالة الأضواء التي تم تركيبها على مئذنة المسجد بحجة إزعاجها المستوطنين والأرمن الذين يسكنون في المنطقة المجاورة له".

ونتيجة لقيام السلطات الإسرائيلية بهدم منازل المقدسيين المجاورة للمسجد لتطوير الحي اليهودي، وإنشاء مئات المنازل والمرافق الحيوية في الحي، وإقامة مجموعة من الكنائس، حدثت بعض التشققات في جدران المسجد ومئذنته؛ مما دفع أوقاف مدينة القدس وبعض أهالي المدينة للتبرع لإعادة ترميم المسجد، وذلك في الرابع من شباط (فبراير) الماضي، كما يقول أبو جيش.

المسجد كان يطلق عليه قديماً مسجد المعصرة ومسجد المصبنة والمسجد العمري

الاعتداء على المقدسات الإسلامية والمسيحية

وتضم البلدة القديمة بالقدس أكثر من مئتي موقع ومعلم أثري؛ كالمساجد والمقابر والمكتبات والأضرحة والزوايا والمنازل ومواقع أثرية أخرى، ولم تسلم معظم هذه المعالم من الاعتداءات الإسرائيلية المتواصلة لتهويد مدينة القدس، وجرى، بحسب أبو جيش "تحويل غالبية هذه المواقع الأثرية الإسلامية إلى حدائق ومرافق حيوية للمستوطنين في المدينة، مع استمرار السلطات الإسرائيلية بأعمال الحفر أسفل محيط المسجد الأقصى المبارك، للعثور على الهيكل المزعوم".

اقرأ أيضاً: قوات الاحتلال تعتقل رئيس مجلس أوقاف القدس

وتعمل السلطات الإسرائيلية على تغيير المعالم الأثرية والإسلامية للمدينة المقدسة، ضمن مخططات عنصرية تهدف لجعل القدس ذات أغلبية يهودية بما يخالف الأعراف والقوانين الدولية، والأدلة والشواهد التاريخية التي تدل على عروبة المدينة، التي يعود تاريخها إلى أكثر من 6 آلاف عام، وتحويلها إلى مدينة ذات أغلبية يهودية، كما حدث قبل وقت قصير؛ حين قامت إسرائيل بهدم حي المغاربة، وإزالة جميع المعالم الأثرية، الإسلامية والمسيحية، التي كانت داخله، وإزالة مسجد ومدرسة الأفضلية التي تعود للعصر الأيوبي، والاستيلاء على مسجدَي بني حسن وعكاشة وتحويلهما إلى مطعم وحديقة عامة.

اقرأ أيضاً: أسير فلسطيني على حافة الموت في سجون الاحتلال الصهيوني

ويؤكد الباحث الفلسطيني أنّ "السلطات الإسرائيلية تمعن في الاعتداء على المقدسات الدينية، سواء كانت إسلامية أو مسيحية، وتحويلها إلى مرافق يهودية؛ من خلال ابتداع لون يهودي لها، بهدف طمس معالمها الأثرية، كما حصل من تجريف لمقبرة باب الرحمة، التي تقع شرق القدس المحتلة، ومصادرة آلاف الدونمات منها، لإقامة عدد من المنشآت الإسرائيلية داخلها، وإقدام السلطات الإسرائيلية على هدم وإزالة مئات القبور من مقبرة مأمن الله المجاورة للمسجد الأقصى، والتي تضم رفات الآلاف من الصحابة والشهداء، وما تزال الاعتداءات الإسرائيلية بحق المقبرة مستمرة إلى يومنا هذا، كان آخرها شق طريق استيطاني يتوسط المقبرة، إضافة إلى إقامة عدد من الحدائق والمتنزهات على أنقاضها المدمرة".

3 صلوات فقط

مفتي الديار الفلسطينية الأسبق وخطيب المسجد الأقصى، عكرمة صبري، يقول إنّ "الصلاة في مسجد الديسي تقتصر على صلوات الظهر والعصر والمغرب فقط، وفي أوقات كثيرة تمنع سلطات الاحتلال الإسرائيلي رفع الأذان وإقامة الصلوات داخل المسجد، ومعظم مساجد مدينة القدس، ورغم كافة الإجراءات التعسفية الإسرائيلية، إلا أنّ المصلين يتوافدون لأداء الصلاة داخله، ولم تفلح تضييقات المستوطنين في إبعاد المواطنين المقدسيين عن المسجد وأداء الصلوات داخله".

الشيخ عكرمة صبري: جرى تحويل مساجد إلى بارات ومراقص وكنائس يهودية ومشاريع سياحية، ومواقف للسيارات، وحدائق عامة للمستوطنين

ويضيف صبري لـ "حفريات": "الانتهاكات الإسرائيلية بحق المقدسات الإسلامية لم تتوقف، وهناك خطة إسرائيلية ممنهجة للسيطرة على معظم المساجد والمواقع الأثرية الإسلامية، والأبنية التاريخية، للعصور المتعاقبة على مدينة القدس؛ حيث جرى تدنيس حرمة هذه المساجد وانتهاك قدسيتها، وتحويلها إلى بارات ومراقص وكنائس يهودية ومشاريع سياحية، ومواقف للسيارات، وحدائق عامة للمستوطنين".

ويؤكد أنّ مدينة القدس بشكل عام، والمسجد الأقصى بشكل خاص، يتعرضان لهجمة استيطانية كبيرة لطمس المعالم الأثرية والإسلامية في المدينة المقدسة؛ "من خلال العمل على تسريب مئات العقارات، وسرقتها من أصحابها المقدسيين، وقيام الاحتلال بنصب كاميرات مراقبة لرصد تحركات المصلين والمرابطين داخل المسجد الأقصى، والاستمرار في عمليات الحفر أسفل المسجد والبلدات المحيطة به، الذي أدّى إلى حدوث انهيارات داخل المسجد الأقصى ومنازل المقدسيين المحيطة به".

اقرأ أيضاً: لماذا عزز جيش الاحتلال قواته على الحدود اللبنانية؟

ويؤكد صبري أنّ السلطات الإسرائيلية مستمرة في تهويد حي المغاربة، وحارة الشرف التي يقع بها مسجد الديسي، "بهدف إخلاء سكانها المقدسيين منها وإقامة الحي اليهودي، كما تم افتتاح كنيس الخراب، والذي لا يبعد سوى أمتار قليلة عن المسجد الأقصى المبارك، وإقامة مشاريع تطويرية تخدم المصالح اليهودية بالمدينة، ليبقى المسجد الأقصى يعاني من صراع حضاري إسرائيلي يهدف طمس معالمه الإسلامية وتهويدها".

الانتهاكات طالت المسجد الأقصى المبارك

1210 انتهاكات للمساجد والكنائس

وكان وزير الأوقاف والشؤون الدينية، يوسف دعيس، قال إنّ عدد الانتهاكات والاعتداءات الإسرائيلية بحق المقدسات الإسلامية والمسيحية في الأرض الفلسطينية المحتلة، خلال العام الماضي (2018)، بلغ 1210 انتهاكات، طالت المسجد الأقصى المبارك، والحرم الإبراهيمي، والمقابر، والكنائس.

وأشار دعيس، خلال مؤتمر صحفي نظمته وزارة الإعلام الفلسطينية، إلى أنّ وتيرة هذه الاعتداءات تزايدت بعد إعلان الرئيس الأمريكي، دونالد ترامب، بشأن القدس، مؤكداً أنّ مدينة القدس عربية فلسطينية، وستبقى العاصمة الأبدية لدولة فلسطين، وهي مدينة محتلة من قبل الاحتلال الإسرائيلي، وكل الإجراءات التي يقوم بها الاحتلال هي إجراءات تعسفية تخالف كلّ المواثيق والمعاهدات الدولية.

اقرأ أيضاً: سكان الخان الأحمر يرفضون مهلة الاحتلال

وبحسب تقرير صادر عن وزارة الأوقاف والشؤون الدينية لعام 2017؛ فقد نفذ الاحتلال الإسرائيلي أكثر من 100 اعتداء على أماكن مقدسة ودور عبادة في الأراضي الفلسطينية المحتلة خلال شهر آب (أغسطس) فقط.

وتتمثل أبرز هذه الانتهاكات في الاقتحامات التي تجاوزت، خلال شهر آب (أغسطس)، أكثر من 54 اعتداء على المسجد الأقصى ودور العبادة والمقامات، ويظهر التقرير أنّ عام 2017 شهد أكثر من 700 اعتداء من قبل الاحتلال على مقدسات إسلامية، ومنع الاحتلال رفع الأذان في المسجد الإبراهيمي 50 وقتاً، وتم إغلاقه كلياً ليوم واحد.

ويشير التقرير إلى أنّ الاعتداءات الإسرائيلية بمنع رفع الأذان بلغت عام 2009 (615) وقتاً، وفي عام 2010 (651)، وفي 2011 منع الأذان 636 وقتاً، و2012 (457)، وفي 2013 (648)، ومنع الاحتلال رفع الأذان عام 2014 (624) وقتاً، وعام 2015 تخطى المنع 590 وقتاً، وفي عام 2016 منع الأذان 644 وقتاً، وفي 2017 بلغت 645 وقتاً.



انشر مقالك

لإرسال مقال للنشر في حفريات اضغط هنا سياسة استقبال المساهمات

آخر الأخبار

الصفحة الرئيسية