إبراهيم نافع.. كرامات ما بعد الرحيل

مصر

إبراهيم نافع.. كرامات ما بعد الرحيل


11/01/2018

في 1 كانون الثاني (يناير) 2018 رحل إبراهيم نافع عن 84 عاماً غريباً عن دياره، بعد أن وافته المنية في دبي التي أمضى فيها سنواته الأخيرة..لم يسعَ أحدٌ للكتابة عنه حياً أو الدفاع عنه، بعد أن أصبح مطارداً مطلوباً للإنتربول الدولي.. لكن بمجرد انتشار خبر وفاته اندلعت تظاهرات الحزن و"الوفاء" كما تبدى في جنازته، التي انطلقت من مبنى صحيفة "الأهرام" التي تولى منصب رئاسة تحريرها ربع قرن من الزمان.

إبراهيم نافع

وفاء أقلام متأخرة

وداع إبراهيم نافع، وجنازته المهيبة، والآلاف الذين أغلقوا ميدان الإسعاف، والتحرير بوسط القاهرة، كانت أكبر رد لاعتبار الرجل، الذي عاش بعيداً عن مصر لسنوات يتجرع ألم الفراق، بعد اتهامه بسرقة 5 مليارات جنيه مصري من المؤسسة التي كان يديرها.

الآن انبرت أقلام الجميع في تعداد محاسن الرجل، حتى ممن سبق أن هاجموه بتهمة أنه من "فلول" نظام الرئيس الأسبق حسني مبارك.. فتذكروا فجأة أنه استطاع أن يحقق إنجازات غير مسبوقة، سواء في الإدارة، عندما جعل "الأهرام" مؤسسة صحفية اقتصادية، وحقق للعاملين بها إنجازات وامتيازات يُتغنى بها، أم على مستوى التحرير الصحفي، وجعله العاملين في الأهرام يتسابقون في نشر الموضوعات الجديدة وبروح مختلفة عن التقليدية.

لم يسع أحد للكتابة عن إبراهيم نافع حياً أو الدفاع عنه بعد أن أصبح مطلوباً للإنتربول الدولي

يقول الأديب المصري يوسف القعيد في مقال له نشرته الأهرام بتاريخ 8 كانون الثاني (يناير) 2018: "سألت نفسي: لماذا أكتب هذا الكلام الآن؟.. كان السؤال الحاد: لماذا لم أفكر أو أحاول أو أسعى لكتابته وإبراهيم نافع حياً؟.. أعترف أنني لم أحاول، الأمر لم يخطر على بالي، السؤال الحرج الذي لا إجابة له عندي: هل لا بد أن يموت الإنسان لنكتب عنه؟!".

وفي هذا السياق يمضي الكاتب دندراوي الهواري في مقاله في موقع "اليوم السابع" بتاريخ 8 كانون الثاني (يناير) 2018 الذي حمل عنوان "نحن عباقرة" في تكريم "الموتى" والتنكيل بـ"الأحياء".. "إبراهيم نافع" نموذجا..!!": تابعت عاصفة العواطف الجياشة حزناً وألماً على رحيل الرجل، وأكاد لا أصدق نفسي، وتساءلت، هل الأستاذ إبراهيم نافع فجأة وبعد وفاته، ظهرت كرامات العبقرية في فنون العمل الصحفي والإداري والنقابي بجانب تعدد محاسنه وكم كان قدوة لنقباء الصحفيين، والإعلاميين بشكل عام؟ وهل إبراهيم نافع، عندما كان حياً غير إبراهيم نافع ميتا؟!".

عملاق الصحافة المصرية

ولد إبراهيم نافع في السويس في 12 كانون الثاني (يناير) 1934، وحصل على ليسانس الحقوق العام 1956 من جامعة عين شمس، وعمل بعد تخرجه في وكالة "رويترز"، ثم محرراً في الإذاعة المصرية، ومحرراً اقتصادياً في جريدة "الجمهورية"، ثم رئيساً لقسم الاقتصاد في جريدة "الأهرام"، كما عمل مساعداً لرئيس التحرير، ثم رئيساً للتحرير في العام 1979، ليتولى بعدها رئاسة مجلس إدارتها.

لنافع ثلاثة كتب، هي: "رياح الديموقراطية" (1984) و"سنوات الخطر" (1985) و"العالم ونحن وأنفسنا" (1986)، وترجم كتاب "شركاء في التنمية" لليستر بيرسون، ترك منصبيه في "الأهرام" في تموز (يوليو) 2005.

وواصل رئاسة مجلس إدارة "المنظمة العربية لمناهضة التمييز"، التي تركز اهتمامها على فضح عنصرية إسرائيل.

وداع نافع وجنازته المهيبة والآلاف الذين أغلقوا ميدان الإسعاف والتحرير بوسط القاهرة كانت أكبر رد لاعتباره

وكان قد انتخب نقيباً للصحفيين المصريين لدورات عدة، وكان أول مَن تولى رئاسة اتحاد الصحفيين العرب، وهو صاحب فكرة هدم مبنى نقابة الصحفيين القديم، وإعادة تشييده في الموقع ذاته بطراز حديث، تميّز بمدخله الواسع وسلالمه التي باتت تجتذب المحتجين على سياسات عهد مبارك، وكانت من الساحات البارزة لتظاهرات "الربيع المصري" في العام 2011 وما تلاه.

يُحسب لنافع كذلك أن إصدارات مؤسسة "الأهرام" توسّعت في عهده، واعتباره "قائد معركة التصدي للقانون 93 لسنة 1995"، حتى تم إلغاؤه، الذي كان ينطوي على تغليظٍ لعقوبات في جرائم النشر، ويلغي ضمانة عدم الحبس الاحتياطي للصحفيين في هذه الجرائم.

إنجازات لم تشفع

الإنجازات السابقة لم تشفع لنافع؛ إذ تم اتهامه بالفساد وتضخم ثروته، وفق تقارير صحفية، مِن 3100 مليون جنيه في العام 1979 إلى نحو 5.3 مليار جنيه في العام 2005، وهي مدة رئاسته تحرير "الأهرام"، من بينها 21 عاماً جمع خلالها بين ذلك المنصب ورئاسة مجلس إدارة المؤسسة التي تصدر الجريدة.

لم يتخذ الاتهام صبغة رسمية إلا بعد ثورة 25 كانون الثاني (يناير) 2011 التي أجبرت الرئيس السابق حسني مبارك على التخلي عن الحكم، ومن ثم فتحت الباب واسعاً لمساءلة مبارك نفسه ونجليه وعدد كبير من رموز فترة حكمه –الذين اعتبر نافع من بيتهم- قضائياً.

اليوم يتنافس الجميع فيما بينهم لنيل شرف تلمّس بركاته بعد أن ألصقوا به أبشع اتهامات الفساد

في آذار (مارس) 2014، طلب القضاء المصري من الإنتربول الدولي القبض على نافع، ووضع اسمه على لوائح الترقب والوصول، فانتقل إلى الإمارات، التي احتضنته، حتى وفاته في أحد مستشفياتها بمرض السرطان، وكان قبل وفاته يقول: "كده كفاية غربة وأتمنى أن أعيش أيامي الأخيرة في بلدي"، وهي الكلمات التي تناقلها عدد من الصحفيين ونسبوها إليه،  ما حدا بالكاتب، صلاح منتصر، أن يكتب يوم 25 كانون الأول (ديسمبر) الماضي، في زاويته في "الأهرام"، ملتمساً من السلطات المصرية السماح لنافع بالعودة، "ليمضي البقية الباقية من عمره قبل أن يلقى وجه ربه، ويكون الحساب العادل على حسناته وسيئاته"، لكنه فارق الحياة قبل أن تأتي الموافقات الرسمية لعودته.

إكرام الميت بعد دفنه

نجح الموت في اختطاف إبراهيم نافع، لكنه أعاد الحياة إلى روح "عملاق الصحافة"، فلقي عقب وفاته ما لم يلقه من مديح في حياته، وهكذا دأب المصريين منذ الأزل، يمجدون موتاهم ويبنون لهم الأهرامات، ويخفون حجرات دفنهم..

واليوم يتنافسون فيما بينهم لنيل شرف تلمّس بركاته بعد أن ألصقوا به أبشع اتهامات الفساد السياسي وعلى رأسها ما عُرف بقضية "هدايا الأهرام"، لتتلاحق عليه تهم الفساد الإداري بدعوى "تدمير" مؤسسة الأهرام العريقة، مما حدا بالرجل إلى الهروب خارج مصر، متحملاً آلامه الجسدية، والنفسية وانقلاب معظم المقربين منه وزملائه وتلاميذه وتنكرهم لكل ما صنعه من أجلهم! ليعود جسداً مسجى، ويخرج من ذات المكان، الذي ساهم في بنائه وقيادته وتوسعته وقد تركه إمبراطورية إعلانية وإعلامية يشار لها بالبنان.

الصفحة الرئيسية