احتجاجات الإيرانيين.. والسيناريوهات المحتملة

إيران

احتجاجات الإيرانيين.. والسيناريوهات المحتملة


31/12/2017

من الصعب التكهّن بمآلات أو مستقبل الاحتجاجات والتظاهرات التي امتدت منذ بدئها في مدينة مشهد يوم الخميس الماضي إلى العديد من المدن والبلدات الإيرانية، وصولاً إلى العاصمة طهران. وتكمن تلك الصعوبة في ظلّ القمع الشديد الذي يمارسه النظام الإيراني ضد أي معارضة أو احتجاج على سياساته في الداخل أو الخارج، وما تزال تفاصيل القمع الشديد التي واجهته "الحركة الخضراء" في إيران في العام 2009 حيّة في الذاكرة، وذاكرة الإيرانيين على وجه الخصوص.

خصائص التظاهرات الحالية ومعانيها

1. أنّ التظاهرات المنددة بالغلاء والفساد والتردّي الاقتصادي انطلقت الخميس الماضي في مدينة مشهد(شمال شرقي البلاد)، مسقط رأس علي خامنئي، قبل أن تمتد في الأيام التالية إلى مدن عدة، بينها العاصمة طهران وكرمانشاه وقم؛ حيث خرج آلاف المتظاهرين في مسيرات تطالب النظام بتغيير سياسته. ولا شك في أنّ شمول التظاهرات مدينة مشهد (ثاني أكبر المدن في إيران) ومدينة قم، يعني أنّها انطلقت من الحاضنتين اللتين يعتمد عليهما نظام الولي الفقيه في تكريس شرعيته الدينية.

الدوافع الأساسية الأولى للتظاهرات الحالية كانت مطلبيّة

2. أنّ الدوافع الأساسية الأولى للتظاهرات الحالية كانت دوافع مطلبية؛ حيث احتج المتظاهرون أول الأمر على الغلاء ورفع الأسعار وتردّي الأوضاع الاقتصادية وارتفاع أعداد البطالة، وذلك على خلاف مظاهرات 2009، التي كان أساسها سياسياً وانتخابياً، وصراعاً على السلطة ونتائج الانتخابات وتزويرها لصالح محمود أحمدي نجاد. لكنّ المظاهرات الحالية سرعان ما اتجهت إلى العوامل السياسية، وصارت تطالب بإنهاء قمع الشرطة وإطلاق سراح السجناء السياسيين في إيران وتعديل السياسة الخارجية، وتردّدت هتافات محدودة تدعو لعودة النظام الملكي.

3. أنّها تختلف عن مظاهرات العام 2009، حيث كان الطرف المشارك الأساسي في تلك المظاهرات الجناح الإصلاحي، لكن القمع الشديد والممنهج الذي تعرض له رموز هذا التيار وقياداته وقاعدته الشعبية الواسعة ومؤسساته، عقب 2009، أفضى في الحقيقة إلى تجريف واضمحلال هذا التيار، وصرنا في إيران في السنوات الأخيرة أمام تيارين رئيسيين: الأول أصولي يسيطر على مقاليد الحكم والأمن والسياسة والاقتصاد بشكل شبه تام، والثاني تيار وسطي معتدل، أقل راديكالية، لكنه لا يوصف بالإصلاحي؛ أي إنه لا يريد إصلاح النظام من خلال إصلاح العلاقة بين الثورة والدولة لصالح الأخيرة (وهو ما كان يدعو له محمد خاتمي ومهدي كروبي ومير حسين موسوي)، وإنما القيام بإصلاحات محدودة دون تجاوز الخطوط الحمر؛ التي ينسجها التحالف الحاكم بين مؤسسة المرشد علي خامنئي والحرس الثوري الإيراني، وهذا التحالف يستفيد من الصورة التي يقدمها للخارج، وخصوصاً للغرب، فريق روحاني وجواد ظريف وغيرهما، بوصفهما وجوهاً معتدلة، تختلف عن صورة خامنئي ومحمد علي جعفري (رئيس الحرس الثوري). بمعنى آخر، فإنّ الرئيس حسن روحاني، لا يسير على نهج خاتمي-كروبي-مير موسوي، وإنما هو وسطي معتدل من داخل النظام، ولا يعارضه، ولا يخرج عليه، ولا يعترض على ثنائية الثورة- الدولة في إيران، وكيف له ذلك وهو ابن مجلس الأمن القومي وأمينه العام السابق؟

وسائل التواصل الاجتماعي لعبت دوراً مؤثراً وأساسياً في التظاهرات الحالية

4. أن هذه التظاهرات تجيء في ظلّ حالة السيولة التي يعيشها النظام الإقليمي والتحولات الدراماتيكية في موازين القوى والفاعلين الرئيسيين وشبكة التحالفات والاصطفافات.

5. أنّ التظاهرات الحالية في إيران تأتي في ظل إدارة أمريكية ترفع شعار ضرورة منع إيران من زعزعة الاستقرار الإقليمي، وذلك على عكس إدارة أوباما، التي لم تقدّم دعماً حقيقياً وجاداً للثورة الإصلاحية "الحركة الخضراء" في 2009. وبرغم التفاعل الدولي المحدود حتى الآن، فإنّ إدارة ترامب أكدت أنّ النظام القمعي في إيران لن يدوم إلى الأبد. وكانت الخارجية الأمريكية اتهمت في بيان الجمعة "القادة الإيرانيين بتحويل دولة مزدهرة ذات تاريخ وثقافة غنيّيْن إلى دولة مارقة".

6. أنّ وسائل التواصل الاجتماعي لعبت دوراً مؤثراً وأساسياً في التظاهرات الحالية، التي كانت بلا قيادة سياسية، بالمعنى التقليدي.

إيران قوة إقليمية تعاني أزمات مركبة

لطالما قيل إنّ إيران تعاني أزمة هوية وأزمة نموذج وأزمة بناء القوة بمفهومها الشامل. فالجمهورية الإيرانية، التي وصلت بمليشياتها ووكلائها في الإقليم إلى سورية والعراق واليمن ولبنان، غير قادرة على بسط نفوذها وتكريس الهدوء والاستقرار والرضا في الداخل الإيراني، الذي ما يزال يعاني اختلالاً في توزيع الثروة، وفي المواطنة المتساوية، وفي الخدمات والرفاه؛ في ظل بلد يُعدّ من أهم بلدان العالم في تصدير النفط والغاز. وبدلاً من أن تُشكّل هذه الثروة الهائلة التي تحوزها إيران قنطرة لخلق نموذجٍ تنموي جاذب للآخرين يقوم على خلق الرفاهية والراحة للشعب الإيراني، نجد، على العكس، تخلفاً تنموياً، وتضخماً تصل نسبته إلى 8%، وبطالة تبلغ على أقل التقديرات 12.4% (وفق مركز الإحصاءات الإيراني)، وتهميشاً للأطراف، يكرسه الفساد والهدر غير الخاضع لأي رقابة. ويمكن اعتبار التظاهرات الحالية في إيران بمنزلة إدانة لكل ذلك، واحتجاج على فشل السلطات في تأمين الحياة الكريمة لفئات واسعة من الشعب الإيراني، وخاصة في صفوف الشباب، الذين رفعوا في جامعة طهران شعارات " أيها الاصلاحي الأصولي، يكفي زيفك... واستح سيد علي (خامنئي) واترك الحكم... والموت للدكتاتور". وفي كرمنشاه، خرج المتظاهرون يهتفون، على الرغم من القمع الشديد من قبل قوى الأمن الإيرانية: "لا غزة ولا لبنان، روحي فداء إيران"، في انتقاد متكرر منذ سنوات إلى ما يراه المتظاهرون تركيزاً من قبل الحكومة الإيرانية على الشؤون والمسائل الخارجية وليس القضايا الداخلي، وليس أدلّ من ذلك من تخصيص إيران ميزانية يبلغ قدرها نحو مليار دولار لحزب الله اللبناني. وقد أعطت التظاهرات مؤشراً جديداً إلى أنّ النموذج الطائفي مصيره الفشل.

"رجال دين يتصرفون كالآلهة"

وقد اتّضح أنّ الهتافات ضد الفساد والركود الاقتصادي، ومعها الصيحات ضد "حزب الله" والتوسع الميليشاوي الذي يقوده ويرعاه تحالف المرشد-الحرس الثوري في المنطقة العربية، وصلت حدّ الاختناق، وعبّر الإيرانيون عن ذلك بهتافاتهم، كما نقلت "بي بي سي"، التي تصدرها قولهم "الناس يتسولون، ورجال الدين يتصرفون كالآلهة"، و"انسحبوا من سورية وفكروا بنا".

 

 

سيناريوهات

لعلّ أي سيناريو خاص باستشراف، ولو أوّلي، لمآل المظاهرات الحالية في إيران، محكوم بمحدِديْن، على الأقل:

الأول، مدى كثافة المنخرطين في المظاهرات والاحتجاجات؛ إذْ لا يمكن في ظل السلطوية الإيرانية وإغلاق المجال الإعلامي في إيران وعدم انفتاحه على وسائل الإعلام المحايدة أو الخارجية، تقدير الأعداد الفعلية للمتظاهرين، أو تقدير حجم الاحتجاجات ومدى تشكيلها خطراً على النظام.

الثاني، أنه في ظل القمع الشرس الذي يتوافر لدى النظام الإيراني، من الصعب معرفة مدى قدرة هذه المظاهرات على الديمومة والصمود واستجلاب المساندة، والقدرة على التأثير الحقيقي وفرض الشروط.

في ظل القمع الشرس الذي يتوافر لدى النظام الإيراني، من الصعب معرفة مدى قدرة هذه المظاهرات على الديمومة

وعليه، فقد نكون، بناء على ما سبق ذكره، أمام ثلاثة سيناريوهات محتملة:

1. تمكن السلطات الإيرانية من قمع التظاهرات، والتحكم بها وإخمادها، وبالتالي التمكن من شراء الوقت، على غرار ما حدث في 2009. لكنّ حتى لو حدث ذلك، فإنّ التظاهرات التي فاجأت النظام الإيراني، أعطت مؤشرات مقلقة لهذا النظام، وبعثت برسالة أنّ القوة الإقليمية الإيرانية مهددة وقبل شيء من قبل الداخل الإيراني الهشّ والمحبط والناقم على سياسات المسؤولين الإيرانيين وسوء إدارتهم.

2. امتداد المظاهرات واتساعها، بما قد يكسبها مزيداً من التأثير والجدية في فرض شروط على النظام لتعديل المسار. وإذا ما حدث هذا السيناريو فإنّ المرجح أن يترك تداعيات على التدخل الإيراني في الإقليم باتجاه التقليص، وباتجاه تكريس إيران كقوة إقليمية تعاني الهشاشة الداخلية، واقتصار قوتها على القوة العسكرية، فيما تغيب القوة التنموية والمعرفية والرفاه والعيش الكريم والحريات والنموذج الجاذب وعناصر القوة الناعمة.

3. تراجع حدة المظاهرات، جرّاء اتباع النظام سياسة مزدوجة تقوم أولاً على قمع السلطات للمتظاهرين، بوصفهم "تجمعات مخالفة للقانون"، و"مجموعات معادية للثورة تحاول إثارة الاضطرابات في البلاد"، على ما صرّح مسؤولون إيرانيون، وتقوم ثانياً على استجابة حكومة الرئيس روحاني لبعض مطالب المحتجين ذات الأبعاد المطلبية، وربما التراجع عن بعض السياسات التقشفية أو زيادة الأسعار.

الصفحة الرئيسية