عراقيات يفضّلن الغربة على الموت بعد اغتيال ناشطات وعارضات أزياء

العراق

عراقيات يفضّلن الغربة على الموت بعد اغتيال ناشطات وعارضات أزياء


15/10/2018

لم يهدأ الفضاء المحلي العراقي من التنديدات والاستنكارات المستمرة منذ شهرين، إثر مقتل أربع ناشطات نسويات في البلاد. أصابع الاتهام وجهت الى جماعات دينية "ثأرت" لعمليات حرق المباني الحزبية والبعثة الإيرانية في البصرة، مطلع الشهر الماضي، بحسب ناشطين.

وشهدت مدينتا البصرة وبغداد، مقتل ناشطتين نسويتين (سعاد العلي وتارة فارس)، برصاص مسلحين مجهولين في وضح النهار، فيما لقيت ناشطتان بغداديتان أُخريان، (رفيف الياسري ورشا الحسن) مصرعهما بظروفٍ ماتزال غامضة للرأي العام.

اقرأ أيضاً: حصيلة الأحداث الدموية في البصرة.. الغضب الشعبي يتصاعد في العراق

ويعزو الناشط المدني في محافظة البصرة وهاب سالم، مقتل زميلته سعاد العلي إلى تهديدات أطلقتها فصائل شيعية "متطرفة"، بعد يومين على حرق مقارها الحزبية والقنصلية الإيرانية في المحافظة. ويضيف لـ "حفريات"، أنّ "ميديا الإسلام السياسي الشيعي، عملت منذ أزمة البصرة، على بث إشاعات بشأن ارتباط العاملين في مجال النشاط المدني بالسفارات الأجنبية والأمريكية تحديداً، بغية تخوين الحراك الاحتجاجي القائم في المحافظة".

متظاهرون يحرقون القنصلية الإيرانية في احتجاجات أيلول الماضي بالبصرة

وأشار سالم إلى أنّ "مقتل الناشطة العلي جاء بعد شيوع تلك الاتهامات التي رافقتها أساليب التهديد والوعيد بحق القائمين على الحراك"، مؤكداً أنّ "شعارات وسلوكيات المحتجين في البصرة كانت خير دليل على وطنيتهم، التي لا يزاود عليها بهم أحد".

وكانت جهات مجهولة، قد نفّذت خلال الشهر الماضي، حملات اعتقال واسعة شملت نحو 35 ناشطاً، اتهموا بعمليات العنف الأخيرة التي رافقت تظاهرات محافظة البصرة.

تهديدات أمنية تدفع المشاهير إلى الهجرة

بعد مقتل الناشطة وعارضة الأزياء تارة فارس في الـ 27 من الشهر الماضي، وسط العاصمة بغداد، والتي كانت الضحية الأخيرة من مجموع الضحايا الأربع، أعلن مشاهير عدة مغادرتهم العراق، خشية مصائر مشابهة لما حصل.

اقرأ أيضاً: اغتيال تارة فارس.. دولة الموت تتوسع في العراق

وكشفت ملكة جمال العراق السابقة شيماء قاسم، عن تلقيها تهديدات عبر رسائل  نصية من خلال هاتفها الجوال بـ "التصفية الجسدية"، عقب أيام على مقتل وصيفتها تارة فارس.

وقالت قاسم، في مقطع فيديو عبر حسابها الرسمي في "إنستغرام"، إنها "غادرت العراق، وحالياً مقيمة في العاصمة الأردنية عمّان". وقالت "لن أعود دون كشف الأجهزة الأمنية عن الأسباب والدوافع التي أدت الى مقتل رفيف الياسري ورشا الحسن وسعاد العلي وتارة فارس"، متهمة السلطات الأمنية بـ "التسويف والتكتم على نتائج التحقيقات إزاء تلك العمليات الإرهابية التي طالت المغدورات".

ملكة جمال العراق السابقة شيماء قاسم تغادر العراق بعد تهديدها بالتصفية

كما تلّقت نجمة برنامج (the voice) في موسمه الرابع، دموع تحسين، تهديداً بالقتل أيضاً، بحسب ما كشفته على حسابها الشخصي في إنستغرام؛ حيث قالت "وصلتني رسائل تهديد تشير إلى أني الشخصية المرشحة لعملية القتل المقبلة"، لافتة إلى وقوف من أسمتهم بـ "الشخصيات المريضة وغير الواعية" خلف عملية التهديد.

حقوقيات يتواصلن عبر سكايب ويطلقن حملة كفى لمواجهة العنف ضد المرأة  ويطالبن البرلمان بتشريع قانوني لحماية النساء

وإلى جانب قاسم وتحسين، أعلنت الموديل جيهان هاشم والإعلامية لبان البياتي، مغادرتيهما البلاد، خشية تعرضهن لعمليات التصفية الجسدية، نتيجة تدهور الوضع الأمني في بغداد.

وتقول ينار محمد، وهي ناشطة في مجال حقوق المرأة، لـ"حفريات" إنّ "عدم رضوخ تلك الفتيات لأعراف وقوانين وعقائد التشدد الديني في العراق، عرّضهن للخطر، ودفع البعض منهن حياتهن ثمناً ذلك".

نفي رسمي لإرهابية الدوافع

وعلى مدار الشهرين الماضيين، تؤكد السلطات الأمنية مواصلتها عمليات التحري والبحث عن منفذي عمليات الاغتيال التي طالت الناشطات المدنيات في العراق،  مستبعدةً في الوقت نفسه "الدافع الإرهابي" لمقتل بعضهن.

ويشير معاون قائد شرطة البصرة العميد سامي المالكي، في تصريح له، إلى أنّ "حادث مقتل الناشطة المدنية سعاد العلي يندرج ضمن الحوادث الجنائية الواضحة المعالم، ولا علاقة له بالتظاهرات، كما يتم التداول حوله"، لافتاً إلى "وجود تهديد مسبق موجه للشخص الذي رافق الناشطة وتعرضه أيضاً للإصابة، وذلك من قبل طليق الضحية".

موقف قيادة شرطة البصرة، قوبل باستهجان الأوساط المدنية في المحافظة؛ إذ قال الناشط البصري حيدر الصافي لـ "حفريات"، إنّ "تصريحات قيادة شرطة البصرة، حول قيام طليق الضحية سعاد العلي بقتلها غير صحيحة، ولا توجد أدلة كافية تثبت ذلك"، متسائلاً عن "سبب تركه طليقاً وعدم إلقاء القبض عليه، خاصةً أنه يزاول عمله اليومي، فيما لو كانت قيادة الشرطة تمتلك دليلاً على إدانته".

الوزير يدخل على خط الحدث

حِدَة الانتقادات الشعبية للجهات الرسمية في العراق، دفعت بوزير الداخلية ورئيس جهاز الأمن الوطني قاسم الأعرجي، إلى التلويح بوقوف "مجاميع متشددة" خلف بعض عمليات الاغتيال التي شهدتها العاصمة بغداد، مؤخراً .

وقال الأعرجي، في تصريحات صحفية، إنّ "مجموعةً متشددة تقف وراء عملية الاغتيال الأخيرة التي تعرضت لها عارضة الأزياء تارة فارس"، مبيناً أنّ "تلك المجموعة هي نفسها من قتلت كرار نوشي". والأخير هو ممثل مسرحي شاب، قتل على يد مجهولين في الخامس من تموز (يوليو) العام 2017 في بغداد.

ناشطون لـ"لحفريات": دوافع سياسية ودينية متطرفة وراء موجة اغتيال الشخصيات النسوية في العراق

ويعلق منتظر ناصر، وهو صحفي عراقي على تصريح وزير الداخلية الأخير، عبر مدونتهِ بالفيسبوك، قائلاً "لا تتعب نفسك يا معالي الوزير، فكما توقف التحقيق بمقتل رفيف الياسري ورشا الحسن وسعاد العلي، فإنه لن يتحرك خطوة واحدة في الكشف عن القاتل الطليق الذي يجوب الطرقات بحرية تامة وينتقي ضحاياه بمزاجٍ عال العال"، في إشارة إلى قاتل تارة فارس.

يذكر أنّ وزارة الداخلية، قد وعدت في نهاية شهر آب (أغسطس) الماضي، بالتحقيق بشأن مصرع خبيرتي التجميل والناشطتين المدنيتين رفيف الياسري ورشا الحسن، والكشف عن أسباب وفاتهما في أسبوعٍ واحد، في وقتٍ أكد ناشطون وجود حملات تصفية لمظاهر التمدن في العراق. 

خبراء ينتقدون إخفاقات المؤسسة الأمنية

وتؤشر الأحداث الأمنية الأخيرة إلى وجود أزمة ثقة بين الأوساط المجتمعية والسلطات الأمنية في العراق، وذلك جرّاء هيمنة "الجماعات المسلحة" على أغلب مناطق البلاد، بعناوين الأمن الرسمي.

ويعزو الخبير الأمني معن الراوي، كثرة الاغتيالات الدائرة في العراق إلى "فشل الجهد الاستخباري" في تعقب الجناة.

الضحايا الأربع لموجة الاغتيالات في العراق

ويؤكد الراوي لـ "حفريات"، أنّ "عمليات الاغتيال التي مرت في الفترة الماضية، والتي راحت ضحيتها شخصيات نسائية مؤثرة في المجتمع العراقي، تأتي جراء فوضى السلاح المنتشر في عموم البلاد، ما بين العشائر والجماعات المسلحة المنضوية في تشكيلات رسمية معينة".

ويتابع الراوي قوله، إنّ "الأجهزة الاستخبارية تؤشر في كل مرة إلى فشلها في تتبع منفذي العمليات الإرهابية، وذلك يعود إلى عدم وجود جهاز أمني يأخذ على عاتقه مسؤولية متابعة الحوادث المثيرة، ولاسيما التي حصلت مؤخراً في مدينتي البصرة وبغداد"، داعياً الحكومة الجديدة إلى "إعادة النظر بالتشكيل الإستخباري من جديد، والعمل على زجه بدماء جديدة ذات كفاءة، قادرة على تحمل المسؤولية الأمنية في البلاد".

حملات تضامنية لمواجهة العنف

ورداً على الممارسات العنفية، أطلقت مجموعة من الناشطات العراقيات حملة "كفى" لوقف الاغتيالات التي تتعرض لها النساء في البلاد، فيما طالبت البرلمان بتشريعِ قانونٍ يحمي المرأة العراقية من أيةٍ أخطارٍ لاحقة.

اقرأ أيضاً: من يقف وراء اغتيال الناشطات في العراق؟

ودشنت الناشطات حملتهن بوضع رابط إلكتروني لعقد عدد من الاجتماعات عبر برنامج تطبيق "سكايب"، خوفاً من الخروج إلى ميادين التظاهر والتعرض للخطر. وتقول الناشطة النسوية هناء أدوارد لـ"حفريات"، إنّ "الهدف من الحملة هو تعبئة الرأي العام لإزالة هذه الممارسات البشعة، بعد أن دُق ناقوس الخطر"، مبينة أنّ "هذه الحملة هي جزء من الدعوة إلى الإسراع لوضع قانون يحمي حياة العراقيات من عبث العابثين بحياتهن".

الصفحة الرئيسية