حول المقترح الفرنسي لتعديل القرآن!

حول المقترح الفرنسي لتعديل القرآن!


08/10/2018

في 21 نيسان (أبريل) 2018 نشرت جريدة "لو باريزيان" الفرنسية بياناً بعنوان "المانيفستو: ضد معاداة السامية الجديدة"، البيان جاء موقّعاً من أكثر من 250 شخصية عامة، بينهم الرئيس السابق للجمهورية نيكولا ساركوزي، وثلاثة رؤساء وزراء سابقون، وشخصيات رسمية، ومثقفون وفنانون، هاجم البيان الهجمات المتطرفة التي يقوم بها مسلمون في فرنسا، واعتبرها عملاً "ضد السامية" والتي لا تعني فقط -وفق البيان- اليهود، ولكنها تعني كامل الشعب الفرنسي، وأشاد البيان بما أسماه "الدور الحاسم" الذي لعبه اليهود في تاريخ أوروبا وتاريخ فرنسا تحديداً، متهماً الإعلام وكثيراً من السياسيين بالصمت المتعمد تجاه هذه القضية "لاستمالة" أصوات المسلمين في الانتخابات التي تبلغ -بحسب البيان أيضاً- عشرة أضعاف أصوات اليهود.

بيان مضاد

الجزء الأخطر في البيان هو الذي يطالب فيه أصحابه: "بخصوص الآيات القرآنية التي تدعو إلى قتل ومعاقبة اليهود، المسيحيين، وغير المؤمنين بأن يتم تجاوزها واعتبارها غير صالحة (to be rendered obsolete) من قبل السلطات اللاهوتية، أسوة بما قام به المجمع الثاني للفاتيكان من إزالة التناقضات، ومعاداة السامية. لا يجب لأي مؤمن أن يستند إلى نص مقدس لارتكاب جريمة".

اقرأ أيضاً: هل أخرج المتشددون كلمة "نصارى" عن سياقها القرآني؟

أثار هذا الكلام جدلاً واسعاً في الدوائر الفرنسية، ما دفع مجموعة أخرى من المثقفين للرد عليه ببيان مضاد اتهموا فيه أصحاب "المانيفستو" بالتلاعب بالأرقام، وتضخيم الإحساس باستهداف اليهود، والأهم، بتحميل الإسلام الأصولي -وحده- مسؤولية الجرائم ضد اليهود، وتجاهل توجيه تهمة "معاداة السامية" إلى اليمين المتطرف، الذي -بحسب البيان المضاد- مسؤول إحصائياً عن 95% من الجرائم المنفذة ضد يهود خلال العام 2017 على سبيل المثال.

لا تجد "الاجتهادات" الجديدة طريقها إلى الوعي العام للمسلمين بسبب المصدر الثالث من مصادر التشريع "الإجماع"

نبّه البيان المضاد كذلك إلى ضرورة عدم الخلط بين "السلفية" باعتبارها "أيديولوجيا دينية سياسية"، و"الإسلام" كديانة لا يجب اختزالها، كذلك أكد أنّ "النصوص المقدسة تبقى مقدسة"، لكن الطريقة التي يتم بها قراءتها وتأويلها هو ما يجب أن يتغير، مشدداً على أن ما يُطالب به "المانيفستو" لن يضيف إلا مزيداً من الكراهية بين أطياف الشعب الفرنسي، وحتى مزيداً من "العداء للسامية".

ثمة الكثير من الملاحظات السياسية التي يمكن استقراؤها من هكذا نقاش، وعلى رأسها الانقسام الواضح في المجتمع الفرنسي حول آلية ومعنى "الدمج الاجتماعي" للمسلمين في الجمهورية، وهو الانقسام الذي تأتي هذه المبارزة بين المانيفستو والمانيفستو المضاد في سياقه، وبشكل عام، الحديث عن الإسلام في أوروبا- وفي فرنسا تحديداً- ذو تعقيد بالغ، حيث يدخل على الخط كثير من القضايا الإشكالية الساخنة مثل اللاجئين والهجرة، وأخرى أكثر جوهرية مثل العلمانية والعلاقات الدولية والاقتصاد وغير ذلك.

نظرة شديدة الاختزالية

ولكن بتجاوز النقاش السياسي إلى منطقة أكثر رحابة، عن طريق مناقشة الاقتراح الذي قدمه "المانيفستو" بشأن آيات ونصوص القرآن، والتي يعتبر أنها تمثل سبباً مباشراً في "التطرف الإسلامي" ضد اليهود وغيرهم؛ فبقدر ما يحمل هذا الاقتراح موقفاً سياسياً، يحمل بدوره قدراً هائلاً من الخلط، وفهماً مشوشاً لطبيعة الاجتماع الإسلامي، وينتج هذا الخلط عن نظرة شديدة الاختزالية، تفترض أنه بتعديل آيات القرآن (هكذا ببساطة) سيصبح المسلمون أكثر انسجاماً مع قيم الحداثة الغربية!

اقرأ أيضاً: كيف وظفت السلفية الجهادية مفهوم الطاغوت في القرآن الكريم؟

وهذه النظرة الاختزالية تبدو شائعة في الغرب بشكل عام، وليس في فرنسا وحدها؛ يشير ألان غريش، على سبيل المثال، إلى نفاد نسخ القرآن المطبوعة بكافة اللغات من أرفف المكتبات صبيحة هجمات 11 أيلول (سبتمبر) العام 2001، ويتساءل بإزاء هذا الاتجاه: "هل كان القراء يأملون أن يجدوا في نصوص المسلمين المقدسة شرحاً للحوادث التي عصفت لتوها بالولايات المتحدة؟ هل يمكن أن تكشف لنا سورة ما عن مسوغات محمد عطا وقراصنة الجو الثمانية عشر الآخرين؟ هل سنتمكن من نبش مفتاح الأفعال المتطرفة للقاعدة وأسامة بن لادن بمقطع من القرآن؟".

من الناحية الأخرى، لا تبدو الأمور من "منظور" المانيفستو المضاد أكثر دقة، فبرغم أنه ينتمي لموقف سياسي معاكس تماماً، ويبدي قدراً أكبر من الانفتاح والمرونة تجاه المسلمين، إلا أنه يحمل نفس القصور في النظر إلى "الإسلام" كموضوع، فيبدو كما لو أن نظرته تحمل نفس الشرخ، وإن بدرجة أقل!

المسألة ليست أبداً "آية أو عدة آيات" تحرّض على العنف يمكن "نفيها" وبالتالي القضاء على "مصدر العنف"

وما يقترحه المانيفستو المضاد بدلاً من "تعديل" آيات القرآن، هو تعديل الطريقة التي يتم بها تأويله وتفسيره، وهو أيضاً ما يختصر بشكل ضمني مسألة المسلمين في القرآن، ويوحي بشكل ما بأن المشكلة في النهاية هي مشكلة تأويل "صائب" وتأويل "منحرف"، وهو نفس ما يطرحه الخطاب الديني الدفاعي "الرسمي" في المنطقة بعد كل هجمة إرهابية، قائلاً إنها لا تعبر عن الإسلام "الصحيح"، وإنما تصدر من أصحاب "الفهم المنحرف" للإسلام.

فضاء التفكير في مسألة الإسلام والمسلمين

    ما سأحاول أن أقوم به هنا هو أن أضيف بعض التفاصيل إلى فضاء التفكير في مسألة الإسلام والمسلمين، لعلها تساعد في "رفع جودة" الصورة -وليس بالضرورة تجميلها- في المنظور الغربي، متجنباً أي نبرة دفاعية أو هجومية على السواء، ومدركاً كذلك خطورة التعميم.

أولاً: النصوص القرآنية التي يتحدثون عنها والخاصة بقتل اليهود وغيرهم، ليست في انفصال عن المنظومة النصية الكاملة للعقل الفقهي المسلم، وبالتالي يبدو اختزالياً جداً النظر إلى هذه الآيات منفردة باعتبارها الباعث المحرض على "العنف". ربما هي أحد العناصر التي "تشرعنه" في سياقات ما، لكنها ليست كائنة في فراغ؛ على سبيل المثال هناك العديد من الأحاديث التي تتناول نفس المعنى، وهي من حيث التوثيقية، شديدة السيولة بحيث لا يمكن أبداً ضبط عملية "استخدامها" أو "منع استخدامها"، وربما القارئ غير المسلم يحتاج إلى قليل من التوضيح التقني لهذه النقطة تحديداً.

اقرأ أيضاً: النصوص الدينية لا تقتل.. التأويل الظلامي لها هو المجرم

تعتبر الأحاديث النبوية بشكل أو بآخر وضمنياً مكمّلة لعمل النص القرآني، وإن كانت من الناحية "الرسمية" ليست على نفس الدرجة من القداسة "نصاً نصاً"، ولكنها من الناحية الإجمالية كموضوع عام يتم التعامل معها باعتبارها الجسم الرئيسي لما يطلق عليه "سنة الرسول" أي طريقة عيشه في الحياة ووصاياه النصية، وهي ثاني المصادر الرئيسية "الملزمة" للتشريع في الفقه الإسلامي.

بطبيعة الحال، يجب لفت النظر إلى أن هذه الأحاديث -أو ما صدر منها بالفعل عن النبي، عليه السلام، هي في العادة أجزاء أو جمل حوارية مقتطعة من حوار أكبر أو من سياق أحداث بعينها، لكن في مرحلة لاحقة من زمن الرسول تم "تجميدها" لتتحول إلى "نصوص تشريعية" قائمة بذاتها، ومستقلة عن سياقها الحواري والتاريخي، ما جعل عملية توظيفها عرضة للتلاعب السياسي على مدار التاريخ الإسلامي؛ وبالتالي فليست المسألة أبداً مسألة "آية أو عدة آيات" تحرّض على العنف يمكن "نفيها" وبالتالي القضاء على "مصدر العنف"، فالمرجعية النصية للعقل الفقهي الإسلامي تحمل أكثر من ذلك بكثير. هذه هي النقطة الأولى.

لا توجد أي "مؤسسة" في الاجتماع الإسلامي تمثل السلطة الدينية "الرسمية" التي أشار إليها "المانيفستو"

النقطة الثانية: أن المانيفستو لا يميز التنوع الكامن في الاجتماع الإسلامي، وطبيعة حضور النص الديني الرسمي فيه، ويحيل عادة إلى نموذج الاجتماع الأوروبي الذي مثلت فيه "الكنيسة" السلطة الدينية الرسمية صاحبة سلطة التأويل، وهو قياس غير مفيد تماماً في الحالة الإسلامية، وهو بالضبط ما ورد نصاً في عبارات المانيفستو المقترح: "أسوة بما قام به المجمع الثاني للفاتيكان من إزالة..".

يجب أن نلاحظ هنا أنه لا توجد أي "مؤسسة" في الاجتماع الإسلامي تمثل السلطة الدينية "الرسمية" التي تشير إليها العبارة الواردة في المانيفستو، بحيث يمكنها إدارة التعديلات اللاهوتية التي تريد، كما لا يوجد -وهذا أهم- "قانون إيمان إسلامي" كذلك الموجود في المسيحية، وغياب المؤسسة الرسمية بقي سلاحاً ذا حدين في الحقيقة، إذ طالما نُظر إليه داخل الخطاب الدفاعي الإسلامي باعتباره "ميزة تفوقية" للإسلام على المسيحية تجعله "أقل سلطوية"، رغم أن غياب هذه المؤسسة الرسمية من الناحية الأخرى يعيق المجتمع الإسلامي عن "إدارة أي نوع من المراجعات" كالتي يتصورها كتاب المانيفستو.

    فذلك المشهد الذي تكرر كاثوليكياً في الأعوام الأخيرة عندما يخرج البابا فرانسيس ليعلن تصالحه مع قضايا خلافية مثل المثلية الجنسية، ونظرية التطور ونظرية الانفجار الكبير، هو مشهد لا يمكن تصوره داخل المجتمع الإسلامي، فلا توجد أي سلطة دينية واحدة على الأرض تملك هذه الصلاحية، لا سنياً ولا شيعياً بالمناسبة؛ فحتى في الحالة الشيعية، تكمن السلطة التشريعية والفقهية والروحية لمنصب "المرجع" وهو يملك صلاحيات أكثر مرونة بكثير من تلك التي يملكها حتى "الفقيه" السنّي، وهنا نحتاج أيضاً لبعض التوضيح.

أربع مساحات من "التدين"

    يمكن الحديث عن أربع مساحات من "التدين" في الاجتماع الإسلامي، السنّي تحديداً: أولاً، المؤسسات الدينية التاريخية مثل الأزهر والزيتونة، وهي مؤسسات دينية ذات ثقل تاريخي وحضور رمزي، لكنها لا تملك أي صلاحيات رسمية من الناحية الدينية، ولا يُنظر إليها في أي سياق اجتماعي باعتبارها مؤسسات ممثلة للإسلام بشكل حصري، لكنها تنظر إلى نفسها عادة باعتبارها "حارسة" للمدونة الدينية التراثية وتقاليدها التي تم تشكيلها عبر عصور طويلة من الإنتاج الفقهي، الملتبس بتجارب سياسية متنوعة.

اقرأ أيضاً: الفقه السياسي يقيم القطيعة مع الفكر الإصلاحي ويعادي الدولة

ثانياً، مجتمع الفقهاء والعلماء الدينيين، وهذه عبارة عن كتلة واسعة جداً غير محددة المعالم تنتمي إلى أطياف سياسية ودينية شديدة التباين ولا يمكن تحديدها تقريباً.

ثالثاً، هناك مساحة التدين الشعبي، وهو ما أعني به المسلم العادي، غير المرتبط بالضرورة بالمدونة النصية الدينية الرسمية، لكنه يتأثر فقط بالمنتج النهائي للخطاب الديني، والذي ينتج بدوره من ركام الفكر الديني المشرّب بكثير من التقاليد الموروثة. وأخيراً هناك مساحة التجمعات الدينية المغلقة، وجماعات الإسلام السياسي، وهذه تحديداً هي الحواضن المنتجة للتطرف الديني.

طالب بيان فرنسي بـ"تجاوز الآيات التي تدعو إلى قتل ومعاقبة اليهود والمسيحيين وغير المؤمنين واعتبارها غير صالحة"

يجب الانتباه هنا إلى أن طبيعة وتوجهات المساحة التي أسميتها "التدين الشعبي" تختلف في المنطقة العربية من بيئة إلى أخرى؛ ففي العراق مثلاً لا يمكن فصل هذه المساحة عن انحيازها السياسي والمذهبي، وكذلك لا يمكن في المملكة العربية السعودية تصور هذه المساحة دون ارتباطها بانحيازها المذهبي الذي يشكل هويتها السياسية في مقابل إيران.

    تختلف علاقة كل من هذه المساحات بالنص الديني كما ببعضها البعض؛ فالمؤسسات التاريخية هي الأقرب للمدونة النصية الرسمية كما أشرت، تليها المساحة غير المحددة من العلماء والفقهاء، الذين تتحدد درجة علاقتهم بالنص الديني الرسمي بعدة عوامل، منها انحيازهم المدرسي والسياسي، ومنها أيضاً رصيدهم من التعليم الديني نفسه، الذي قد يتنوع من المتدني جداً إلى أعلى من ذلك، نظراً لعدم وجود أي ضوابط مؤسسية "رسمية" تضبط عمل هؤلاء الخطباء والشيوخ.

دور الثقافة الدينية الحاسم

وكما أشرت أيضاً، لا يرتبط المسلم العادي في حياته اليومية بالنص الديني، بقدر ما يرتبط "بحالة عامة" غير ممنهجة من الثقافة الدينية التي يدعمها الخطاب الديني على تنوعه، وفي النهاية تأتي التجمعات الدينية المغلقة، وهذه تحديداً لا تملك أي اتصال أو اعتراف بالمؤسسات الدينية التاريخية، بل على العكس تنظر إليها باعتبارها مؤسسات تعمل لصالح "الدولة" وبالتالي لا يمكن الوثوق برأيها الديني. والقارئ الغربي يحتاج أن يلاحظ أن رنين كلمة "الدولة" في هذا السياق -أي في أذن الأفراد داخل هذه البيئات المغلقة- يحمل صدى سلبياً للغاية، على عكس الذي تحمله نفس هذه المفردة في أذنه، هذه البيئات المغلقة تتصل اتصالاً وثيقاً بالنص الديني التراثي، ولكن عبر أدواتها الفقهية الخاصة، فكل جماعة من هذه الجماعات تملك "مفتيها" الخاص، الذي -وفق جماعته- يملك من الأدوات التأويلية ما يمكنه من استنباط الأحكام الدينية.

اقرأ أيضاً: العنف والنص الديني بين التأويل والسياسة

يجب أن نلاحظ من خلال هذا التشريح المتشابك، أن كل "انفتاح" أو مرونة تبديها المؤسسات التاريخية -كالأزهر مثلاً- تجاه قضايا حداثية خلافية، يساهم في الحقيقة في تأكيد اتهامها داخل البيئات الدينية المغلقة باعتبارها "موجهة" من قبل الدولة (مرة أخرى بنفس المعنى السلبي المشار إليه سابقاً).

النقطة الثالثة التي يجب الانتباه إليها هنا، هي أن هذه "الآيات" التي يتم الحديث عنها، مثلما أنها ليست منفصلة عن السياق النصوصي كاملاً -قرآنا أو حديثاً- ولا عن البيئة الاجتماعية التي تعمل فيها، هي كذلك ليست منبتّة الصلة عن الطريقة التي يفهم بها المسلم الواقع الذي يعيش فيه، فمفاهيم مثل "الدولة"، "القانون"، "المواطنة" لم تتمأسس بشكل جذري في وعي المسلم المعاصر بمعناها الحداثي الذي يصرّ العقل الغربي على الانطلاق منه ومحاكمة العقل المسلم إزاءه، ويحمل عديد من هذه المفاهيم في الواقع صداماً عميقاً في كثير من الأحوال مع ركام التراث الديني المتألف، ليس فقط من النصوص، وإنما كذلك من رصيد الفتوى المتراكم في المذاهب الكبرى، وهذا الرصيد أيضاً هو أحد المصادر الملزمة للفقيه المعاصر -السني خاصة- حيث تلزم التقاليد الفقهية المتبعة لعصور طويلة المفتي المعاصر "بالانتقاء" من أحد الاجتهادات الواردة بالفعل في هذا التراث، وأي خروج "حادّ" عن هذا الرصيد يدخل عادة تحت مفهوم "البدعة" (وهي مفردة ذات معنى سلبي).

أثار البيان جدلاً واسعاً بالدوائر الفرنسية ما دفع مجموعة أخرى من المثقفين للرد عليه ببيان مضاد

ويحتاج الأمر إلى مجهود جبار من هذا المفتي أو ذاك للخروج بفتوى يمكن تبريرها تراثياً، وكذلك يمكن قبولها عملياً في الواقع المعاصر، وهو ما يمكن أن يعتبر في حالات نادرة جداً "اجتهاداً" (وهي مفردة ذات معنى إيجابي)، لكن عادة لا يتم قبول هذا "الاجتهاد" من التيار الفقهي العام إلا في حالات خاصة جداً من أشخاص استثنائيين بسبب مقامهم العلمي وتاريخهم، وحتى مع ذلك لا تجد هذه "الاجتهادات" الجديدة طريقها إلى الوعي العام للمسلمين، وذلك بسبب المصدر الثالث من مصادر التشريع الإسلامي السني "الإجماع"، الذي يمثل حجية "المتعارف عليه" تاريخياً في الأوساط الفقهية، وما هو مشترك -نظرياً- بين المذاهب السنية التشريعية الأربعة الكبرى.

ولو كانت الاجتهادات "التوفيقية" التي تحاول إنتاجها بعض المبادرات "الإصلاحية" المحدودة في المنطقة كافية لكبح التطرف -كما يطمح كتاب المانيفستو والمانيفستو المضاد أيضاً- لكان لاقتراحهم معنى، فكما ذكرت في البداية لا يملك المسلم العادي أي صلاحيات تأويلية للنص القرآني، ويرجع دائماً إلى أمور متعارف عليها ثقافياً باعتبارها تمثل "الشريعة" ويقوم الفقهاء -أو حتى خطباء المساجد - بترسيخ هذا الاتجاه أو ذاك.


آخر الأخبار

الصفحة الرئيسية