الفساد في إفريقا: الأرقام تتكلم

إفريقيا

الفساد في إفريقا: الأرقام تتكلم


25/07/2018

لن يصبح للبيان الختامي للقمة الإفريقية التي التأمت الشهر الماضي في العاصمة الموريتانية (نواكشوط)، قيمة ومعنىً، فيما يخص مكافحة الفساد، ما لم تكن هنالك إرادة سياسية حقيقية لابتدار ذلك على الأرض؛ فعبارة صغيرة وغامضة ترد في صدر البيان مثل: "ضرورة الانتصار على الفساد"، تبدو محاولة خجولة للاعتراف بسيادة واستشراء هذه الظاهرة، وعجز النخب الحاكمة التي كانت ملتئمة في نواكشوط عن محاربته، لجهة أنّ جلّها منخرط فيه، أو ساكت عنه.

150 مليار دولار حجم الفساد في إفريقيا و50 ملياراً مفقودة سنوياً بسبب التدفقات المالية غير المشروعة

150 مليار دولار حجم الفساد في إفريقيا، و50 ملياراً أخرى تفقدها القارة سنوياً بسبب التدفقات المالية غير المشروعة، بحسب رئيس مفوضية الاتحاد الإفريقي (موسى فقي)، الذي قال: "من شأن الإبقاء على هذه الأموال داخل القارة المساهمة بشكل كبير في تمويل تنميتها"، جاء ذلك خلال مخاطبته أشغال الدورة الـ33 للمجلس التنفيذي للاتحاد الإفريقي في العاصمة الموريتانية، التي رفعت شعار "كسب معركة الفساد.. مسار مستدام على درب تحوّل إفريقيا".

موسى فقي، رئيس مفوضية الاتحاد الإفريقي

الفساد والشعارات

يبدو من المتعذر إقناع المواطن الإفريقي بذلك الشعار؛ فطالما رفع قادة القارة وزعماؤها شعارات مماثلة، سرعان ما ذهبت أدراج الرياح؛ ونظرة إلى رواتب ومخصصات الرؤساء والملوك الأفارقة المُعلنة، مثلاً، قد يشير إلى ذلك؛ فبحسب موقع ""anirudhsethireport؛ فإنّ الدخل السنوي لرئيس جمهورية الكاميرون، بول بيا، يبلغ 610 آلاف دولار، في حين أنّ دخل الفرد سنوياً في بلاده يبلغ 2660 دولاراً، فيما يتقاضى الرئيس الجنوب إفريقي السابق، جاكوب زوما، 272 ألف دولار سنوياً، ومتوسط دخل المواطن لديه 12 ألفاً و240 دولاراً.

أما الرئيس التنزاني، جاكايا كيكويتي، فيحصّل سنوياً 192 ألف دولار، ومتوسط دخل الفرد في بلاده 1750 دولاراً سنوياً، في حين يتقاضى رئيس غينيا الإستوائية، تيودورو أوبيانج،  سنوياً 150 ألف دولار، ومتوسط دخل الفرد من مواطنيه 23 ألفاً و240 دولاراً، وفق المصدر ذاته.

أهم معارك تحقيق التنمية

الأمينة التنفيذية للجنة الاقتصادية لإفريقيا، التابعة للأمم المتحدة، فيرا سونغوي قالت في تصريح صحافي: إنّ التغلب على الفساد في إفريقيا أمر شائك، يحتاج إلى عمل طويل النفس، وإنّ مواطني القارة سيظلون رازحين تحت نير الفقر والفاقة، ما ظلت آفة الفساد موجودة، خاصة أنّ الفساد يمسّ حوالي 70% من الصفقات العمومية بالقارة، وإنّه من دون التدفقات المالية غير المشروعة، سترتفع رؤوس الأموال المتوفرة بالقارة بحوالي 60%، والناتج الداخلي الخام بحسب كلّ نسمة بـ15%، مشددة على أنّ محاربة الفساد تمثل المعركة الأم من أجل تحقيق التنمية المستدامة.

فيرا سونغوي، الأمينة التنفيذية للجنة الاقتصادية لإفريقيا، التابعة للأمم المتحدة

وكان مركز "The Institute for Security Studies"، قد نشر تقريراً للخبيرة في برنامج بحوث الأمن والسلام في بريتوريا، بجنوب إفريقيا، الدكتورة ليسل لو فودران، تطرقت خلاله إلى أجندة الاتحاد الإفريقي المعلنة لمكافحة الفساد، مشدّدة على أنّه "في ظلّ غياب الديمقراطية وضعف الإرادة السياسية وفساد النخب، فإنّ تحقّق الأمر يبدو عسيراً".

الدول الأكثر فساداً

أظهرت تقارير لجنة الفساد المالي والاقتصادي في إفريقيا؛ أنه بعد تولّي محمد بخاري الحكم في نيجيريا، تم الكشف عن فساد بعض رجال الحكومة، خاصة وزير النفط، الذي استولى على ملايين الدولارات في صفقات مشبوهة، من خلال تحويل الأموال من خزانة الدولة لحسابه الخاص، وكشفت اللجنة أيضاً فساداً كبيراً بين نخب أثيوبيا، الدولة الأكثر نمواً وصعوداً في القارة؛ حيث تورّط عدد كبير من أعضاء حكومة الرئيس الأسبق: ملس زيناوي، وخلفه هايلي ماريام ديسالين في صفقات مشبوهة مع بعض رجال الأعمال.

لطالما رفع قادة القارة شعارات مكرورة حول محاربة الفساد سرعان ما ذهبت أدراج الرياح

وفي تقرير منظمة الشفافية الدولية، للعام الحالي (2018)، حلّت الصومال في أعلى قائمة الدول الأكثر فساداً في إفريقيا، فيما احتلّ جنوب السودان والسودان المركزين الثاني والثالث على التوالي، وحققت كلّ من جزر القمر، وموريتانيا، وجيبوتي، والمغرب، ومصر، والجزائر وتونس معدلات كبرى بين الدول الأكثر فساداً في القارة والعالم.

اقرأ أيضاً: أفريقيا.. وجهة لـ"الدواعش"

ويقول تقرير الشفافية الدولية: إنّ كلّ إفريقي، سواء كان فقيراً أم ميسوراً، تعرّض خلال الـ39 عاماً الماضية، لسرقة سنوية تبلغ 989 دولاراً، عن طريق الرشوة، وغسيل الأموال، والتهرّب الضريبي، والتلاعب بالأسعار، والتزوير، والابتزاز، والعمولات، وعبر المؤسسات الوهمية، وتسهيل مرور المخدرات، كما أنّ النظام العالمي المصرفي في الغرب، وفق التقرير، سهّل تلك التدفقات المالية لصالح ناهبي مقدرات وثروات شعوبهم، من خلال التشريعات السرية على الحسابات والتغطية على الشركات الوهمية، والتواطؤ بين الأوساط المالية في الغرب والفاسدين؛ فالبنك الدولي نفسه، ومعه صندوق النقد، يقدّمان تقديرات أقل لحجم الفساد الذي تعرّض له الأفارقة، لكن أرقامه تظل مهولة إلى حدّ يصعب فيه تصديقها أحياناً.

نظرية نيدي

وعن معوقات مكافحة الفساد في إفريقيا، يقول ديفيد نيدي، الاقتصادي المعروف والأمين التنفيذي السابق في لجنة الأمم المتحدة الاقتصادية لإفريقيا: "إنّ غياب الشفافية، وقلّة المعلومات، وشحّ الإحصاءات والمصادر والأرقام الرسمية، يعيق عملية مكافحة الفساد"، لكن العامل الأساسي، برأيه، هو "غياب الديمقراطية ودول القانون، الأمر الذي  لا يمكّن من إيجاد  آليات قانونية تطبق على كبار المسؤولين الفاسدين أثناء وجودهم بالسلطة، إضافة إلى أنّ مكافحة الفساد في إفريقيا ليست نابعة من دافع ذاتي، إنّما بموجب ضغوط خارجية وتهديدات من المنظمات العالمية والدول المانحة بقطع إمداداتها، وتوقيع عقوبات على تلك الحكومات، إذا استمرّت بهدر الأموال والفساد في استخدام تلك المنح المالية".

ديفيد نيدي الأمين التنفيذي السابق في لجنة الأمم المتحدة الاقتصادية لإفريقيا

ويضيف نيدي في حديثه لـ"حفريات": "مكافحة الفساد في إفريقيا لا تتم إلى الآن وفق آلية منهجية؛ لذلك فهي تفتقر للرؤية الثاقبة التي تبدأ بعلاج أسبابه، فلا يوجد وعي مجتمعي بضرورة المساهمة في القضاء على الفساد، ولا توجد خطط قانونية ومؤسسية لمحاربته، إنما يتم الأمر بغرض الثأر والتنكيل السياسي بين المتنافسين على السلطة والمناصب والامتيازات، وما إن ينتهي التنافس وتتوافق المصالح حتى يختفي الحديث عن مكافحة الفساد، ويعود المتهمون بالفساد مرة أخرى للحياة السياسية من جديد، وكأنّ شيئاً لم يكن، ويتناسى الناس ما كان قد لحق بهم من تهم.

نيدي: أكثر من نصف الدول الإفريقية مرشحة للانهيار ما لم يحدث تغيير شامل في أنظمة الحكم

وبحسب وجهة نظره الشخصية؛ فإنّ "أكثر من نصف الدول الإفريقية مرشحة للانهيار خلال العقود الثلاثة المقبلة، ما لم يحدث تغيير شامل في أنظمة الحكم، وتوجه فوري إلى الديمقراطية"، مشيراً إلى أنّ" هنالك تلازماً بنيوياً بين الدول الفاشلة والدول فاسدة، لا يثبت شيئاً عن العلاقة السببية بين الأمرين".

الصفحة الرئيسية