أحمد مراد: اتهمني نقاد بسرقة رواياتي فجاء الرد من الجمهور

أحمد مراد: اتهمني نقاد بسرقة رواياتي فجاء الرد من الجمهور


12/07/2018

أجرى الحوار: سامح فايز


الكاتب الأكثر إثارة للجدل، هو التوصيف الأنسب للروائي المصري أحمد مراد، بداية من روايته الأولى "فيرتيجو"، مروراً بروايتيه الأشهر، "تراب الماس"، و"الفيل الأزرق"، وهي روايات تدور في فلك الجريمة والكتابة البوليسية، ثم روايتي؛ "1919"، و"أرض الإله"، التاريخيتين؛ حيث تدور الأولى حول أيام ثورة 19، والثانية تحكي عن رحلة خروج اليهود من مصر القديمة، وأخيراً، روايته الأحدث، "موسم صيد الغزلان"، والتي كتب عنها قراء، على موقع القراءة الأشهر، "جود ريدز"، بأنها رواية تدعو للإلحاد؛ لمجرد أنّ بطل الرواية عالم ملحد.

مراد: أهتم بالنقد المفيد أما من يكتب ليشتمني فإنني أقرأ مقالاته لأعرف حدود الكراهية وإلى أين وصلت

الرواية التي تدور أحداثها في المستقبل، تحكي عن أب فقد طفلته في حادث إرهابي تبنّاه تنظيم "دافا"، دولة الإسلام في ألمانيا وفرنسا، وكانت نتيجة مقتل طفلته تسرب شكوك إلى عقله في حقيقة وجود الله، ليبدأ الصراع بين العالم الملحد، وبطل آخر داخل الرواية، يحاول إقصاءه عن تلك الفكرة، وفي أثناء ذلك يستعرض الراوي رؤيته لمستقبل العالم، الذي سيطر عليه تطرف الجماعات الدينية، التي بدأت بتنظيم داعش، ثم انتقالها إلى أوروبا عن طريق تنظيم دافا، وانتشار الإلحاد بين البشر، نتيجة هروبهم من صورة الدين التي صدّرها المتطرفون.
ورغم تجاهل تام من المشهد النقدي والصحفي المصري لما يقدمه مراد، فقد نافست روايته "الفيل الأزرق" ضمن القائمة القصيرة للجائزة العالمية للرواية العربية "بوكر"، وحصل منذ أسابيع على جائزة الدولة للتفوق، وهي واحدة من الجوائز الأدبية الأهم في القاهرة، والتي يمنحها المجلس الأعلى للثقافة في مصر، بعد أن تم ترشيحه للجائزة من قبل أكاديمية الفنون؛ المؤسسة الفنية والنقدية العريقة في القاهرة.
"حفريات" أجرت حواراً مع الكاتب والروائي الشاب أحمد مراد، في محاولة لقراءة تجربته الأدبية.

وهنا نص الحوار:

رغم حصولك على واحدة من أرفع الجوائز الأدبية في مصر، بعد ترشيحك لها من قبل أكاديمية الفنون، لا يزال البعض ينظر إلى نوعية ما تقدمه على أنّها كتابات (بيست سيلر) لاعلاقة لها بالأدب، كيف ترى ذلك؟

التفكير العبثي في منطقة (البيست سيلر) على أنّه أدب "سيّئ أو جيد" يجب أن ينتهي، وعموماً فظهور أي شيء مختلف دائماً ما يقابله رد فعل سلبي من الاتجاه القديم، ولا أدعي هنا أنني أمثل الاتجاه الجديد، فقط أشير لمسألة الضدية بين القديم والجديد، أتذكر حديثي مع أحد آباء الأدب الكبار في مصر، عندما قال إنه لا يرى ما أكتبه أدباً إطلاقاً، مشيراً إلى أنّ ما أقدّمه ليس مما يعرفه وتعلمه على يد نجيب محفوظ، مستطرداً: "لكن ذلك ما قاله أيضاً طه حسين عندما ظهر نجيب محفوظ، ذلك ليس أدباً".
ولا أقصد هنا المقارنة، لكن أردت التدليل على أنّ الاتجاه الجديد دائماً يحارب بشكل ما. بالطبع الحصول على جائزة التفوق مسألة أفخر بها بشدة، فهي اعتراف رسمي من وطني الذي تربيت فيه، ويقف خلفها العديد من المثقفين المكرسين، والتفاتهم لنوع جديد من المرشحين لهذه الجائزة هو تغير جذري كامل في فكر المشهد الثقافي المصري العام.

الدراما الروائية الجيدة قائمة على المبالغة ولا أعني مبالغة الأفلام الهندية بل المبالغة القائمة على تحفيز الخيال

في النهاية أقول إنني لا أستطيع وصف "البيست سيلر" بالأدب الجيد أو السيئ، فقط هو نوع جديد ومفيد من التسويق للكتب كسلعة، مثل الفيلم والموسيقى، وهذا يعطي مؤلف الكتاب الشعبية، والتواجد بشكل أكبر.
بالضبط كما يحدث في الجوائز، عندما يتم اتهام جائزة بوجود شبهة محاباة أو مجاملة، أيضاً يتهم "البيست سيلر" بذلك، فقد يتهم الناشر بأنّه اشترى وجود إصداراته بقوائم الأعلى مبيعاً في المكتبات، نحن لا نخوض في الاتهامات، لكن في النهاية، الأصل في المسألة إنّ تواجد في قائمة "البيست سيلر" بطرق غير مشروعة لن يستمر طويلاً، فاستمرارية الكتاب لفترة طويلة في قائمة الأعلى مبيعاً عائد لحب القارئ لذلك العمل.

اقرأ أيضاً: عن السرقات الأدبية والقوانين الرخوة لحماية الملكية الفكرية

مراد: "البيست سيلر" بالأدب نوع جديد ومفيد من التسويق للكتب كسلعة

وجه المشتغلون بالثقافة في القاهرة انتقادات شديدة إلى لجنة تحكيم جائزة الدولة للتفوق نتيجة حصولك عليها، وامتلأت صفحات "السوشيال ميديا" بكتابات العديد من النقاد والأدباء ومحرري الثقافة الرافضين لحصولك على الجائزة.

لا أملك صفحة "فيسبوك" شخصية، لكن قرأت جميع المقالات النقدية التي تناولت خبر حصولي على جائزة التفوق، واهتمامي بقراءتها؛ لأنه ربما كانت هناك مسائل غائبة عني، ومن المفترض معرفتها، وفي النهاية، تعودت دائماً على النظر أمامي، عندما أقود السيارة لا أنظر بجانبي، فقط أنظر للأمام، وعدم الالتفات هنا لأي مؤثر خارجي ليس تعالياً، ولكن القصد هنا، أن أي فكرة هدامة ستجعلني أشك في نفسي، أو في مشروعي، دائماً ما أضعها جانباً، حتى أستطيع استكمال طريقي بشكل سليم.
أضف إلى ذلك سؤالاً مهماً: ما الذي يبقى في النهاية؟ عندما تنظر اليوم لمشروع كاتب من أعلامنا الكبار الراحلين، ماذا تجد؟ تجد أعمالهم راسخة، تجد التحليل الحقيقي المكتوب بنقد حقيقي يحتوي دراسة فعلية، وكل ما تم توجيهه إليهم في حينها من سُباب لن تراه الآن، ربما يتم تناقله عنهم من باب الإشاعات التي دارت حولهم، ففي الوقت الذي ينشغل فيه أحدهم بكتابة مقال عني، وكيف أنني أستحق الجائزة من عدمه، أفكر في الرواية الجديدة، وفي سيناريو الفيلم الجديد.

اقرأ أيضاً: إدانة القرني في قضية سرقة أدبية

مراد: في الوقت الذي ينشغل أحدهم بكتابة مقال عني، أفكر في رواية جديدة أو سيناريو جديد

تواجدت بروايتك الأشهر "الفيل الأزرق" في القائمة القصيرة للجائزة العالمية للرواية العربية (بوكر)، وحصلت على جائزة البحر الأبيض المتوسط للثقافة عن رواية "فيرتيجو"، وفزت بجائزة الدولة للتفوق عن مجمل مشروعك الأدبي، ورغم ذلك لم نرَ دراسة نقدية إيجابية واحدة تناولت أدب أحمد مراد بعد 6 روايات قدمتها خلال رحلتك، وثلاثة سيناريوهات للسينما، وعمل تلفزيوني، فكيف تفسر ذلك؟

الموضوع ببساطة أنّني أرى أنّ دور الناقد حدث فيه خلل، فهو نفسه أخل بمعاييره في فهم الأعمال. بداية، ما هو دور الناقد؟ الناقد هو راصد للحياة الأدبية في صعودها وهبوطها، وبما يحدث فيها، والمقارنات الموجودة، ويؤرخ لما هو موجود، بالتالي كقارئ، عندما أقرأ تلك الدراسة، أستطيع فهم تركيبة أي كاتب في الكتابة، وليس هدف الناقد أبداً لا التراشق، ولا تزايد عدد (اللايكات) على "فيسبوك" لمقالاته، لكنني أرى حالة من التوحش والنهش التي حدثت ما بين "السوشيال ميديا" والصحافة الإلكترونية في الفترة الأخيرة، ساهمت في خروج الناقد بعيداً عن إطاره المفروض، من البحث الجيد، والتحليل الجيد، دفعه للبحث عن اللايكات الأكثر، والبحث عن هجوم أكثر على مقالاته؛ حتى يُقرأ بشكل أكبر.

البيئة الأوروبية وجوانب الشخصية الغربية عامة تعد مادة خصبة للشخصيات المضطربة المتطرفة أكثر من المدن العربية

أيضاً سعى بعضهم لجعل نفسه قبلة يجب أن يمر عليها الكتَّاب؛ لجنة شرطية، وإلا "يهبش"، فتصبح حوله حالة من الرهبة، ويبدأ جزء من الكتَّاب في الابتعاد عنه وتجنب غضبته، وجزء آخر يحارب الناقد ويدخل معه في تراشق واتهامات، وفي الحالتين، الناقد مستفيد بشعبية على المنصات الإلكترونية.
يتشابه في تلك الحالة أيضاً ما حدث في الصحافة، فالنقد ليس صحافة، فما حدث أنّ الناقد دخل إلى منطقة الصحافة وأصبح مثل "بعض الصحفيين" المطالبين بصنع حالة من الجدل طول الوقت، فهو لم يعد مهتماً بتقديم مقال متزن، لكنه يبحث عن مقال له عنوان مثير يصنع لغطاً ويجذب الكاتب للدفاع عن نفسه.

اقرأ أيضاً: رشا عدلي: المرأة المقهورة التي تعالج ذاتها بالكتابة انتهت

"الفيل الأزرق" رواية مراد الأشهر

لم تسلم من الهجوم في جميع رواياتك التي أنتجتها، واتهمت دائماً بسرقة أفكارها من دراما أجنبية، بداية من "الفيل الأزرق" مروراً بـ"أرض الإله"، وأخيراً "موسم صيد الغزلان". وفي كل مرة لم يقدم أحد ممن اتهموك دليلاً يثبت ذلك، ولم يقاضك أحد؟

عندما اتهمت بسرقة رواية "الفيل الأزرق"، التزمت الصمت مدة أسبوع،  فضّلت أن أشاهد من بعيد لأرى ما الذي سيحدث، حتى بدأت في قراءة ما يكتب على "فيسبوك"، لأجد رسائل من عينة "صباح الخير ياحرامي"، "صباح الخير يابن الكذا"، "كنا فاكرينك محترم وطلعت مش محترم... اتخدعنا فيك". ثم انتابتني حالة من الضحك لسبب، أنني ذكرت في الرواية مصدرها من كتاب الجبرتي، والجبرتي طبعاً موجود من قبل الفيلم الأجنبي. وأصدرت بياناً وضّحت فيه ذلك، فرد الشخص الذى شتم قائلاً: "أهو رد أهو، ودا دليل إنه سرق"، حينها شعرت أن متابعتي لذلك ابتذال، فجزء من طبيعة البشر هي تمسكهم بالإشاعات ورفضهم التفسير المنطقي للأشياء، لأنه يبدو أقل بريقاً، فنحن نبطيء السيارات أمام مشهد حادث مميت، ولا نكترث لشاب اخترع جهازاً لتنقية مياه البحر بسعر رمزي!

اقرأ أيضاً: أم الزين بن شيخة: كيف للفنّ أن يقاوم ثقافة الموت؟

رواية "تراب الماس"

عندما حدثت أزمة "الفيل الأزرق" قبل تقديم الفيلم في دور السينما بشهر، وكتب صحفي أنني سارق للعمل، حاولت دراسة أبعاد موقفه، فوجدت أنه سعيد جداً بتلك الحالة التي أحدثها، إلى جانب ذلك، فهناك ما يسمى في الدراما بالثيمة، ومن يكتب يجب أن يعرف أولاً ما معنى ثيمة، وتناص، ونقل، واقتباس، أو مجرد نسخ عمل من عمل آخر، كل ما أريده فقط ممن يتحدث أن يتبع منهجاً علمياً، ويقوم برفع قضية على أحمد مراد، ونقارن في المحكمة بين النصين، وذلك ما قمت به بالفعل في تلك الأزمة، عندما خرجت إحدى الجرائد المصرية وكتبت في مساحة نصف صفحة، "أحمد مراد حرامي". كان هناك سب وقذف علني في نصف صفحة، على إثر ذلك وجهت لهم إنذاراً قضائياً، فتراجعوا عن المقال، ونشروا اعتذاراً على مساحة أقل بكثير جداً من المساحة التي خصصوها للسب والقذف، والإنذار الذي وجهته هنا كان بسبب خوفي من تعرض شركة الإنتاج التي تقدم أفلاماً من تأليفي لأي ضغط، لأوضح لهم أنني أثق في كتابتي، فدائماً عندما أبدأ في تجربة كتابة جديدة أشاهد جميع ما كتب وقد يكون على مقربة منها حتى أكتب شيئاً مختلفاً.

اقرأ أيضاً: فرانكشتاين سعداوي على قائمة مان بوكر العالمية

مراد: عندما اتهمت بسرقة "الفيل الأزرق" التزمت الصمت مدة أسبوع

حققتَ تواجداً كبيراً بين القراء، ورواياتك هي الأكثر مبيعاً في مصر لسنوات، وفيلمك الأول في السينما حقق أرباحاً ضخمة، لكن، هل تشعر أنك حصلت على ما تستحقه ككاتب، على المستوى النقدي؟

من أفضل الجوائز التي حصلت عليها كانت مناقشة تليفونية مع الأستاذ مصطفى بيومي، بعد أن أنجز مؤخراً كتاباً عن حركة الأدب في مصر وقال: "بدأت الكتاب بنجيب محفوظ وأنهيته بك"، عندما يتم تناول كتاباتي من شخصية بحجم مصطفى بيومي، فتلك جائزة، كذلك تناول كتابتي الكاتب والناقد أ. محمود عبد الشكور في كتابه "أقنعة السرد" رواية 1919 بالتحليل والنقد، وغيرهم من الأسماء التي تعد على أصابع اليدين، باختصار، أنا لا أنتظر حقاً من أحد، فحقي أحصل عليه بالفعل من قارئ لرواياتي، أو مشاهد لأفلامي، فالاعتراف من جهة ما ليس بذي أهمية كبيرة لدي، هي مجرد ورقة أحترمها، إن جاءت سوف تسبب سعادة، فالدولة عندما تعترف من خلال جائزة التفوق أنّ مسيرتي الأدبية خلال تلك السنوات قدمت فيها عملاً جعلني متفوقاً في ذللك المجال، وأنني ساهمت في وضع لبنة في جدار الثقافة للقارئ قبل المتخصص، فأنا في قمة السعادة، وذلك بمثابة تاج على رأسي.
لماذا لا نضع في الاعتبار أنّ النقاد ربما كانوا على حق، وأنا ما يقدمه مراد ليس أدباً؟
سوف نعرف بعد سنين طويلة. عموماً أنا أحترم كل من وجه نقداً لما كتبت، سواء بالسلب أو بالإيجاب، لكن غدا سوف يأتي جيل بعد رحيلنا جميعاً، ويقول هل كان ذلك الكاتب يقدم أدباً جيداً، أم أنّها كتابات غير جيدة، وأنّ المحيطين به قدروه بشكل خاطئ، وبالنسبة لي فأنا متقبل ذلك، لأنني أولاً لن أكون موجوداً، وثانياً فأنا غير مهتم.

اقرأ أيضاً: رواية آلموت.. رحلة أدبية في مجاهل الإرهاب المقدس

رواية "أرض الإله"

كيف تستطيع أن تكتب، وتستمر في الكتابة، حتى وصلت إلى الرواية السادسة، وسط تحفظ نقدي على ما تنشره؟

أهتم عادة بالنقد المفيد، لكن من يكتب لأنه يريد أن "يشتمني" أقرأ مقالاته لأعرف حدود الكراهية وإلى أين وصلت. في البداية كانت المسألة تسبب لى ألماً نفسياً، خاصة عندما يكون النقد شخصياً ويبتعد عن النص، وبالتالي يصبح مجرد تجريح، فهناك اتهامات بأنني دخيل على عالم الأدب، وأن ما أكتبه نص شعبي، وهدف كتابتي كثرة المبيعات، وكأن "البيست سيلر" من اختراعي. لاشك أنني سعيد لبدايتي في دار ميريت، وهي مختبر مهم للأدب الجديد في مصر، فهي دار يعلم الجميع حسها الطليعي الذي يفرز الأدب ويستكشفه بشكل جيد وجريء، ثم انتقلت إلى دار الشروق المعروفة بتاريخها الأدبي العريق، ثم حصلت على جوائز دولية ومحلية، بالإضافة لحب القراء وتفاعلهم، تلك كلها تعد مراحل من الفرز والغربلة التي أجدها مفيدة لرؤية وتصحيح اتجاهي الأدبي طول الطريق.
لكن ليس كل ما يكتب يعبر من الكره؟
بالطبع لا، فالنقد الذي أستفيد منه مادة مشبعة جداً كي أتحرك للأمام، وهناك أدباء أستفيد من تجاربهم، أنظر الى ما يعجبني عندهم، وأسأل، لماذا لم أفعل مثله، فأنا لا أدعي أن ما أقدمه أفضل شىء، لكن في النهاية يجب التفرقة  بين النقد البناء والهدام.
لجأت في "أرض الإله" للتعامل مع منطقة تاريخية ملتبسة وأنت كاتب معروف، فى حين أن أغلب من يتناولون هذه المناطق هم كتاب من الظل يفعلون ذلك بغرض الإثارة ولفت الأنظار إليهم، لكن في حالة كاتب ناجح ومتحقق مثلك تبدو المغامرة أكبر؟
هناك أسباب دفعتني لخوض هذه المغامرة، فقد لاحظت أن هناك ازدراءً شديداً لتاريخنا، نتعلمه في مدارسنا فقط لوضعه في أوراق الامتحان، كما أنّ أبناءنا على جهل بتاريخنا، على سبيل المثال: أحضر طفلاً ألمانياً واسأله من أحمس؟ سيحكي لك تاريخك بالكامل، كتب المصريات أغلبها كتبها ألمان وإنجليز، والأغرب من بين هذه الاتهامات أنّ يقال لك أنت تحاول بروايتك تنقية تاريخ مصر القديمة من الوثنيات! وكأن هؤلاء صعب عليهم أن يكتشفوا أنّ لهم تاريخاً عريقاً أسهم في تقدم حضارات العالم. هنري بريستد عندما سطّر كتابه "فجر الضمير" قال إننا أسسنا أهم اختراع في العالم: حقوق الإنسان".

اقرأ أيضاً: الروائي إبراهيم نصرالله يحصد جائزة البوكر... فلسطينياً

رواية "فيرتيجو" صدرت نهاية 2007

هناك شعور عام بأنّ رواية "1919" تم استقبالها بطريقة مختلفة عن الروايات السابقة. فهل كان ذلك بسبب تغيير الوصفة؟ بمعنى آخر كيف تنظر لفكرة الجمهور؟ ذلك أن أي كاتب صاحب جمهور دائماً ما يضع جمهوره في الحسبان، على عكس الكاتب المغمور أو المجرب القادم من المجهول؟

أحب الناس كتابتي، لأننى جازفت، فكيف أتوقف عن المجازفة بعد نجاحي. مثلاً رواية "فيرتيجو" صدرت نهاية 2007، كانت تحمل شيئاً من المغامرة، فكيف حين أنجح أتخلى عن المجازفة؟ في هذه الحالة أصبح فقط مجرد شخص يريد أن يحافظ على رفوف المكتبات و"البيست سيلر"، دون الاهتمام بما أريده أنا ككاتب. الناس أصبحت تعرف مراد وتشتري رواياته، إذاً فلنجرب، تعال لنر مناطق جديدة، حتى لو لم يأت ذلك على هواك، ما ترفضه اليوم ربما تقبله في الغد. ويكفي أن تعرف أن رد الفعل على رواية "1919" الآن ونسبة المبيعات هي الأعلى بين كل رواياتي.

الخط التاريخي الذي تميزت به أعمالك السابقة خصوصاً "1919" و"أرض الإله"، لم نره في رواية "موسم صيد الغزلان"، بعد أن انتقلت إلى عالم المستقبل فى روايتك الأخيرة، ما سبب التغيير الآن، ولماذا اخترت رواية "الديستوبيا" تقنية جديدة تستخدمها؟

بداية أختلف معك في أنّ الرواية هي من نوع "الديستوبيا" بمعنى أدب المدينة الفاسدة، فـ"موسم صيد الغزلان" رواية تدور أحداثها في مستقبل تم كتابتها بعناية "وببحوث علمية" ليقترب من المستقبل الحقيقي الذي قد نراه بعد 45 عاماً من الآن، فلا هو يوتوبيا مثالية ولا ديستوبيا لمدينة مظلمة، فقط هي رؤية لما ستؤول إليه حياتنا التي ألقينا بذرتها اليوم، بتوحشها وجمالها. أما عن اختياري المستقبل فليس هناك فرق عندي بين ماض وحاضر، فالحاضر يصير ماضياً مع عقارب الساعة وكذلك المستقبل، بمعنى أنني هنا أستشرف "تاريخ المستقبل"، وهو فقط إطار زمني يضع الشخصيات في ظروف ومعطيات تساعد في بناء القصة وتضفي روح الإثارة على الأحداث.

اقرأ أيضاً: "سارة" عبّاس محمود العقاد: رواية الفتنة والغموض والأسرار

مراد: روايتي "1919" هي الأعلى مبيعاً بين كل رواياتي

لماذا فضلت أن يكون بطل روايتك "موسم صيد الغزلان" عالماً ملحداً، حيث دارت أحداث الرواية بالكامل في ذلك الإطار؟

الإلحاد ليس شيئاً نتوارى منه الآن ونعتبره غير موجود، فهو فيل في غرفة ضيقة، وبالتالي فالملحد شخصية مؤثرة في العالم الذي نعيشه، لماذا لا يتم تناولها؟ خاصة وأن وجهة نظري ترى الملحد أكثر الأشخاص المهووسين بفكرة الإله والبحث عنه، وإلا فلماذا يلقي بالًا بالجدال والحديث لتبيان وجهة نظره وتوضيحها، وبالبحث والتنقيب حول الفكرة، أنا أجد الملحد شخصية درامية جريئة مثيرة؛ لأنها تواجه أشد قناعاتنا صلابة بصدر مفتوح، وهي موجودة ومتحققة ولها تأثير على المستوى العالمي.
هل ذلك الاختيار إسقاط على انتشار ظاهرة التخلي عن الأديان في العصر الحالي، وهل معالجة القضية في زمن المستقبل يأتي تجبناً لأي جدل قد يثار إن جعلنا زمن الرواية في العصر الحالي؟
الدراما الروائية الجيدة قائمة على المبالغة، ولا أعني هنا مبالغة الأفلام الهندية، بل المبالغة القائمة على تحفيز خيال القارئ ليعيش تجربة لا تخطر على باله، بمعطيات يعرفها ويفهمها ولكن لا يدرك نتائجها، لذلك اخترت المستقبل لنرى من خلالها ونتعايش ونتخيل إحساساً عاماً بفقد الإله كفكرة، ماذا سيحدث؟ كيف سيتعامل البشر؟ لأترك للقارئ فرصة التفكير والبحث عن إجابات.

اقرأ أيضاً: عبد الكريم قادري: السينما العربية اكتفت بالسخرية من الإرهابي

مراد: "موسم صيد الغزلان" رواية تدور أحداثها في المستقبل تم كتابتها بعناية "وببحوث علمية"

تحدثت عن تنظيم دافا الإرهابي، اختصاراً لدولة الإسلام في ألمانيا وفرنسا، على غرار تنظيم "داعش" دولة الإسلام في العراق والشام، فهل ترى أنّ الإرهاب سوف يستمر وينتقل إلى أوروبا؟

للأسف أعتقد ذلك؛ فالبيئة الأوروبية وجوانب الشخصية الغربية عامة تعد مادة خصبة للشخصيات المضطربة المتطرفة أكثر من المدن العربية التي استنزفت مقدراتها وشعوبها، والواقع يقول إنّ هناك تزايداً للهجمات الإرهابية في فرنسا وألمانيا وبأن الوضع يسير من سيئ إلى أسوأ. تلك الكيانات ستحفر لنفسها جحوراً في الجسد الأوروبي ببساطة بسبب قلة الخبرة في التعامل الأمني، وعلو قدر الضحية الأوروبية ومدى تأثير موتها مقارنة بالعرب على المستوى الإعلامي، فهم يدركون أهمية الصدى المرعب في تأكيد سيطرتهم.
هل تنظيمات مثل القاعدة وداعش تساعد على انتشار الإلحاد والتخلي على الدين؟
بالطبع، فلكل فعل رد فعل مساو له في القوة ومضاد له في الاتجاه، فحين أرى تطرفاً دينياً يجعل من كلام الإله أوامر للقتل والحكم والسيطرة على الشعوب، أدرك تماماً أنّ هناك نفوراً على الجانب الآخر من فكرة الإله ككل، فللأسف كل طرف يضع الإله خلفه أو أمامه في معركته الإنسانية مع الآخر.
حصرت المستقبل بين تفشي ظواهر التطرف وتعدد تنظيماته، إلى جانب إنتشار الإلحاد وتدريس نظرياته بكل تلقائية فى الجامعات والمعاهد العلمية، هل نعتبر أن ذلك توقعك للمستقبل؟
توقع مبني على حقائق وأبحاث علمية وآراء مفكرين مؤثرين وعلماء في طبيعة البيولوجيا الإنسانية وعلم النفس، ولكن في النهاية يجب أن يلتفت القارئ إلى أن الرواية تقوم في الأساس على كسر النمط الحياتي الطبيعي والشذوذ عن الأحداث العادية، هل هناك رواية قائمة بدون مشكلة؟ بدون صراع؟ بدون أزمة؟ بالطبع لا.

الصفحة الرئيسية