لماذا يُجبَر الفلسطينيون على اعتماد مناهج تعتبر إسرائيل دولة الشعب اليهودي؟

فلسطين

لماذا يُجبَر الفلسطينيون على اعتماد مناهج تعتبر إسرائيل دولة الشعب اليهودي؟


28/11/2019

في محاولة إسرائيلية لنسف الرواية الفلسطينية التاريخية، وتغيير الحالة الثقافية للفلسطينيين، وتكريس العنصرية بحقّهم، قرّر وزير المعارف الإسرائيلي اليميني المتطرف، رافي بيرتس، إدراج قانون القومية في المنهاج التعليمي بالمدارس العربية، واعتماد القانون كمادة أساسية للطلاب للتحضير لامتحان "البجروت"، أو ما يعرف محلياً بالتوجيهي؛ حيث يُظهر القانون والذي يشتمل أحد عشر بنداً؛ أنّ إسرائيل هي دولة الشعب اليهودي، وأنّ حقّ تقرير المصير فيها يخصّ الشعب اليهودي فقط، وتفضيل الهوية اليهودية على القيم الديمقراطية، الأمر الذي يستثني فلسطينيي الأراضي المحتلة، عام 1948، ويهمّش دورهم السياسي والاجتماعي والثقافي.



وصادق الكنيست الإسرائيلي على قانون القومية، بالقراءتين؛ الثانية والثالثة، في 19 تموز (يوليو) ٢٠١٨، بأغلبية طفيفة، ٦٢ عضواً مقابل ٥٥ عضواً، وأعاد طرحه عضو الكنيست الليكودي، آڤي ديختر، وتبناه بنيامين نتنياهو (رئيس الحكومة)، ونفتالي بينيت (رئيس حزب البيت اليهودي ووزير التعليم)، وبيّن استطلاع للرأي العام الإسرائيلي؛ أنّ "٥٨٪ من السكّان راضون عنه مقابل ٣٤٪ يعارضون القانون".

اقرأ أيضاً: كيف جعلت إسرائيل من الضفة الغربية مكباً للنفايات الصلبة والسامة؟

ويعارض فلسطينيو الداخل القانون ويرفضون تدريس قانون القومية العنصري للطلاب العرب وإقحامه في المناهج الدراسية، وقاموا بتنظيم العديد من الاحتجاجات ضدّه، باعتباره من أخطر القوانين العنصرية التي أقرتها إسرائيل في العقود الأخيرة، والتي تتنكر لوجودهم وتسلب حقوقهم وهويتهم الفلسطينية.
قانون عنصري
رئيس لجنة متابعة قضايا التعليم العربي في الداخل المحتل شرف حسان أبلغ "حفريات" أنّ "قانون القومية هو قانون عنصري يمسّ بالأقلية الفلسطينية وبالتراث واللغة العربية وبمكانة وثقافة المواطنين في الداخل وانتمائهم إلى الشعب الفلسطيني، وتهدف وزارة المعارف الإسرائيلية لإدخال هذا القانون في مادة المدنيات، لتزويد مضامينه وأفكاره لدى الطلاب، يهوداً وعرباً، وهو ما يرفضه المجتمع بشكل قاطع بتدريس هذا القانون بهذه الطريقة، والتي تتناقض مع قيم الديمقراطية والمساواة بين الجميع، ويحول إسرائيل إلى دولة أبرتهايد".

عبد الستار قاسم: قانون القومية ينفي حقّ الفلسطينيين في الأرض المحتلة في ظلّ الفكر الصهيوني

وأكد أنّ الفلسطينيين يرفضون بشدة تحويل جهاز التعليم الإسرائيلي إلى أداة لغسل أدمغة الطلاب العرب، "وهو ما يتنافى بشكل كبير مع أيّة عملية تربوية حقيقية وسليمة تهدف إلى تعزيز فكر الطالب النقدي لقضايا المجتمع، وقدرته على أن ينتقد ما يجري في الدولة"، مستدركاً أنّ "القانون يزود الطلاب ويعرفهم بأنّ دولة إسرائيل هي لليهود فقط، وأنّ الأرض تابعة لشعب آخر، وأنّ الطالب والمواطن العربي هو مواطن من الدرجة الثانية، لتعزيز حالة الاغتراب في المدارس العربية، وجعل المؤسسات التربوية عاجزة في المجتمع عن تطوير أبنائها لوصولهم مراحل تعليمية متقدمة كمّاً وكيفاً".


ولفت حسان إلى أنّ "المضامين الصهيونية هي التي تسيطر على معظم المناهج التعليمية، خاصة خلال العقد الأخير، منذ عودة حزب الليكود بقوة إلى سدّة الحكم، عام 2009، وهناك عملية ممنهجة لتغيير هذه المناهج لتتلاءم مع وجهة نظر اليمين المتطرف والأحزاب الصهيونية المتدينة كأحزاب المستوطنين، لإعادة صياغة المناهج التعليمية بما يتماشى مع الرواية الصهيونية، من أجل التأسيس لهيمنة هذه الأحزاب على كافة النواحي داخل دولة إسرائيل".
مناهج لا تلبّي الطموحات الفلسطينية
حسان بيّن أيضاً أنّ "المناهج التعليمية في إسرائيل لم تلبِّ على الإطلاق آمال وطموحات الأقلية الفلسطينية، لكن في مرحلة معينة، بعد اتفاقية أوسلو بين السلطة الفلسطينية وإسرائيل، حصل نوع من الانفتاح على بعض هذه المناهج، وتمّ السماح بذكر بعض المصطلحات، كالنكبة، وتمّ إدخال بعض الموضوعات المتعلقة بالرواية الفلسطينية، وبعودة اليمين المتطرف، تمّت إعادة استنهاض هذا القانون لتعزيز هيمنتهم على المناهج التعليمية".

اقرأ أيضاً: كيف نقرأ العملية الإسرائيلية ضدّ حركة الجهاد الإسلامي الفلسطينية؟
وأشار حسان إلى أنّ التعويل حالياً لمواجهة قانون القومية "يقع على عاتق المعلم العربي، الذي يعدّ الأساس في العملية التربوية؛ حيث إنّ تعزيز وعي المعلمين السياسي يساهم في تمرير المادة الدراسية إلى الطالب بشكل نقدي، ويستطيع المعلم إظهار وجهة النظر الفلسطينية لطلابه، حتى إن كانت مغيبة بداخل الكتب والمناهج الرسمية، بهدف استغلال المعلمين المساحات لعرض المواد التعليمية بشكل يبين ويوضح هويتنا الوطنية، ويعزز الانتماء بها، والمحافظة على اللغة العربية، وعدم إعطاء أيّة فرصة لتشويهها أو إضعافها".


وعن الخطوات التي اتخذتها الأحزاب العربية في الداخل الفلسطيني لمواجهة هذا القانون، قال حسان: "هناك حملة احتجاج واسعة، منذ إعلان هذا القانون وقبل إقراره، من خلال التوجه إلى المحكمة العليا الإسرائيلية باعتبار أنّ القانون يتناقض مع قوانين سابقة أقرها الكنيست"، مبيناً: "هناك تعويل على أن تقوم المحكمة برفض بعض بنود القانون التي تحمل مضامين عنصرية وتشرعن الاستيطان والفصل بين العرب واليهود، كما أنّ هناك جهوداً متواصلة على المستويات الدولية لرفض هذا القانون، دون التعويل على العالم العربي، الذي تقيم عدد من دوله علاقات جدية مع إسرائيل، وهو ما يضعف الموقف والنضال العربي على جميع الجبهات".
صهينة البرامج التعليمية
من جهته، يقول النائب في الكنيست الإسرائيلي عن القائمة العربية المشتركة، يوسف جبارين إنّ قانون القومية "جزء من المنظومة الدستورية في إسرائيل، وهو يضفي الشرعية القانونية على أفكار عنصرية جمعت في قانون واحد، بدءاً بقضية الرواية التاريخية الصهيونية، ومروراً بالتأكيد على أنّ القدس عاصمة إسرائيل، ووصولاً للبند الذي يؤسّس للأبرتهايد في مجال الأرض والسكن وأولوية الاستيطان اليهودي في دولة تدّعي الديمقراطية والمساواة بين سكانها".

النائب في الكنيست الإسرائيلي عن القائمة العربية المشتركة، يوسف جبارين: القانون الإسرائيلي يهدف إلى صهينة البرامج التعليمية

ويضيف جبارين، وهو رئيس المنتدى الحقوقي في لجنة المتابعة العليا في الداخل الفلسطيني، لـ "حفريات": "القانون الإسرائيلي يهدف إلى صهينة البرامج التعليمية، وإدخال الأيديولوجيات اليمينية المتطرفة إلى هذه البرامج، ومن شأن إقحام قانون القومية بمضامينه في العملية التعليمية، أن يحدث تغييراً جدياً في المناهج الدراسية؛ حيث يتمّ إسدال الستار على أيّة قيم تدعو إلى الديمقراطية والمواطنة المتساوية واحترام حقوق الآخرين، التي من المفترض أن تكون جزءاً من هذه المناهج، إلا أنّ ما يحدث بعد إقرار هذا القانون هو التركيز على يهودية الدولة، وتعزيز كراهية الطالب اليهودي، وحرمان الطالب الفلسطيني من التطوير وحقوقه المشروعة، وتشجيع العنصرية وإقصاء الآخرين".
مواد تعليمية بديلة
ولفت جبارين إلى أنّ "هناك مبادرات حثيثة لكتابة مواد تدريسية بديلة تطرح الهوية العربية وتاريخها وتناقش قيم الديمقراطية والمساواة، وتكشف أمام الطالب الفلسطيني خطورة مضامين قانون القومية اليهودي، والرسائل العنصرية الفوقية التي يحملها، بما يتناقض مع المبادئ الأساسية للمواطن العربي الفلسطيني".


وبيّن جبارين أنّ "وزارة المعارف الإسرائيلية ترفض هذه البدائل، وتعمل على عدم استيعابها، ورغم كلّ هذه الإجراءات سنواصل نضالنا لإدخال هذه المواد التعليمية، ولن نترك طلابنا أمام المناهج الدراسية العنصرية، رغم صعوبة حدوث ذلك في ظلّ وجود حكومة يمينية متطرفة تسيطر على إسرائيل، وهذا لن يمنعنا من مواصلة جهودنا للتصدي لهذا القانون وتعزيز الهوية والانتماء العربي لدى الطلاب الفلسطينيين".
تهويد العملية التعليمية
بدوره، يرى أستاذ العلوم السياسية في جامعة النجاح الوطنية، عبد الستار قاسم، في حديثه لـ "حفريات"؛ أنّ "قانون القومية ينفي حقّ الفلسطينيين في الأرض المحتلة، في ظلّ الفكر الصهيوني الذي يرى أنّ كلّ فلسطين من حقّهم، وأنّ سيطرة إسرائيل على الأراضي الفلسطينية عام 1967، هي تحرير وليست احتلالاً، لينسجم هذا القانون مع الفكر التوراتي، بهدف تحويل الصراع العربي الإسرائيلي إلى حرب دينية".

اقرأ أيضاً: إسرائيل تستهدف في غزة ودمشق قيادات الجهاد الإسلامي
وتعمد إسرائيل إلى تهويد العملية التعليمية، "كما يحصل في مدينة القدس المحتلة، ويهدف الاحتلال إلى القضاء، رويداً رويداً، على المؤسسات التعليمية التي تدرّس المناهج العربية، لدفع الطلاب الفلسطينيين للتوجه إلى المدارس اليهودية، والتي يتم فيها غسل أدمغتهم من خلال تعليمهم أنّ الأرض هي لليهود، وأنّ التاريخ يثبت ذلك، ليتعلم الطلاب الرواية اليهودية، وهو ما يحصل حالياً في مختلف المدارس في الأراضي المحتلة عام 1948، والذي سينتقل لاحقاً إلى المؤسسات التعليمية في الضفة الغربية المحتلة بعد تهويدها".


وعن الموقف الرسمي الفلسطيني لمواجهة قانون القومية، يقول قاسم: "السلطة الفلسطينية لا تمتلك أيّة خطط أو إستراتيجيات أو برامج لمواجهة قانون القومية، والبدائل تكمن في إعادة بناء المجتمع والإنسان الفلسطيني، والاستعانة بالخبراء في مختلف المجالات لإعداد خطط وإستراتيجيات يتمّ تنفيذها على أرض الواقع، والأهم من ذلك أنّه طالما توفرت الثقة المتبادلة بين القيادة والمجتمع سيتم التغلب على هذه القوانين؛ حيث يتمّ التمكن في الأرض والوطن".
وبحسب معطيات نشرتها دائرة الإحصاء المركزية الإسرائيلية؛ فقد بلغ عدد سكان إسرائيل، بحلول نهاية العام الماضي، 8 ملايين و972 ألف نسمة، ويبلغ تعداد العرب منهم مليوناً و878 ألفاً، ويشكلون 20.9% من السكان، وتشمل هذه المعطيات الفلسطينيين في القدس المحتلة والسوريين في الجولان المحتل، الذين يقدَّر عددهم بأكثر من 400 ألف نسمة.


انشر مقالك

لإرسال مقال للنشر في حفريات اضغط هنا سياسة استقبال المساهمات
الصفحة الرئيسية