المستوطنات والجدار العازل يهدّدان إنتاج العسل الفلسطيني

فلسطين

المستوطنات والجدار العازل يهدّدان إنتاج العسل الفلسطيني


25/11/2019

في داخل منحلته الواقعة في قرية اللبن الغربي، شمال غرب مدينة رام الله بالضفة الغربية؛ يراقب النحال وصفي معالي (45 عاماً) صناديق النحل، ليتفقد كميات العسل داخلها، ويقول لـ "حفريات" وقد بدت ملامح الحسرة على وجهه الشاحب: "موسم العسل شارف على الانتهاء وخلايا النحل أشبه ما تكون فارغة من العسل، ويبدو أنّ إنتاج العسل الذي أنتظره بفارغ الصبر سنوياً لسدّ رمق عائلتي واحتياجاتهم صعب للغاية، ليس كما أتوقعه كلّ عام".

النحال أسعد قبها: السلطات الإسرائيلية تقوم بتزويد النحالين الفلسطينيين بسلالات ضعيفة من النحل، التي لا تستطيع تحمل الأمراض

ويمتلك النحال معالي قطعة أرض تقدر مساحتها 6 دونمات مزروعة بأشجار الزيتون، وبعض النباتات البرية، وتتواجد داخلها 136 خلية نحل، موزَّعة في كافة أنحاء أرضه بالقرب من مستوطنة "عوفريم" الجاثمة على أراضي القرية، مستدركاً بأنّ "الخلايا لم تنتج العسل المطلوب، وما حصلنا عليه هو 5 كيلو غرامات تقريباً من العسل في الخلية الواحدة، وهناك بعض الخلايا الفارغة التي لا يتواجد بداخلها سوى القليل من العسل فقط".

وينتاب مربّي النحل الفلسطينيين الخوفُ من تكبدهم خسائر مالية فادحة بفعل الاعتداءات المستمرة من قبل قطعان المستوطنين على مناحلهم الواقعة بالقرب من البؤر الاستيطانية والأراضي المحاذية لجدار الفصل العنصري، الذين يعمدون إلى حرق وإتلاف خلايا النحل وسرقة بعضها؛ بهدف تقويض إنتاج العسل الفلسطيني، وترهيب العاملين لدفعهم للعزوف عن هذه المهنة.

ينتاب مربّي النحل الفلسطينيين الخوفُ من تكبدهم خسائر فادحة بفعل الاعتداءات من قبل المستوطنين

وتكتسب مشاريع تربية النحل في فلسطين أهمية كبيرة؛ لانخفاض تكلفتها، وتنوع الغطاء النباتي والمراعي الطبيعية، ومناسبة المناخ، الذي يساعد في نمو وتكاثر النحل للحصول على كميات جيدة من العسل العضوي، الذي يتميز بجودته العالية، محلياً وعالمياً.

اقرأ أيضاً: بيت حنينا من تجمّع فلسطيني إلى فسيفساء محاطة بالمستوطنات

وأطلقت وزارة الزراعة الفلسطينية، عام 2019، ميثاق جودة عسل النحل الفلسطيني؛ الأول من نوعه على مستوى الشرق الأوسط في هذا المجال، وأعدَّ تماشياً مع التوجه العالمي الجديد، للحصول على العسل الأجود والأكثر تميزاً، وتشجيع المزارعين الفلسطينيين على تطوير جودة المنتج وزيادة حصته السوقية في الأسواق المحلية والعالمية.

وحصل العسل الفلسطيني في الضفة الغربية، خلال العام 2014، على المرتبة الأولى في مؤتمر عقد في إيطاليا، بناءً على فحوصات حسية ومخبرية اعتبرت العسل الفلسطيني عسلاً عضوياً كاملاً.

اقرأ أيضاً: ماذا يحدث عند معبر الكرامة؟

وبحسب أرقام وإحصائيات وزارة الزراعة الفلسطينية؛ يعدّ قطاع النحل واحداً من أهم القطاعات الزراعية، التي تسهم بما نسبته 8% من مجموع الناتج الزراعي للثروة الحيوانية في القطاع الزراعي الفلسطيني.

ووفق دراسة أجرتها منظمة الأغذية العالمية؛ فإنّ الفرد الفلسطيني يستهلك 125 غراماً من العسل سنوياً، مقارنة ببعض الدول الأوروبية التي يستهلك الفرد فيها حوالي 2 كيلوغرام سنوياً.

تكتسب مشاريع تربية النحل في فلسطين أهمية كبيرة

اعتداءات إسرائيلية مستمرة

وعن أسباب قلة إنتاج العسل واختفاء النحل، يقول معالي: "المستوطنون في البؤرة الاستيطانية المجاورة يعمدون بشكل مستمر إلى حرق وقطع الأشجار ومن بينها الرحيقية، التي يتغذى عليها النحل، إضافة إلى سرقة وتدمير عدد من الخلايا بشكل ممنهج ومستمر"، مبيناً قيام المستوطنين في شهر آذار (مارس) الماضي بحرق 78 خلية نحل بشكل كامل داخل منحلته، الأمر الذي أدّى إلى تكبّده خسارة مالية تقدر بـ 13 ألف دولار أمريكي".

اقرأ أيضاً: أهالي "يعبد" الفلسطينية يتوارثون زراعة التبع جيلاً بعد جيل

وأدى رفض سلطات الاحتلال تزويد أصحاب مناحل العسل بالأدوية واللقاحات اللازمة لمعالجة الأمراض التي تهدّد النحل، وأخطرها مرض "الفارو"، بزعم دخول هذه المادة في صناعة المتفجرات، إلى "نفوق أسراب كبيرة من النحل، وهروب عدد آخر إلى المناطق الزراعية التي تقع خلف الجدار العازل".

قطف عسل النحل يتم خلال ثماني قطفات متتالية

سرقة خلايا النحل

وفي الوقت الذي ينشغل فيه معالي بلملمة خسارة منحلته، يستعدّ النحّال أسعد قبها، من قرية طورة الغربية غرب جنين، لتفقد خلايا النحل في أرضه المزروعة بأشجار السدر والمرار والزعتر البري واليانسون، ويشتكي أيضاً من تراجع إنتاج العسل لديه، بعد أن كانت الخلية الواحدة في الماضي تنتج 18 كيلوغراماً من العسل الصافي، أما حالياً، وخلال القطفات السابقة، فلم يتجاوز إنتاج الخلية الواحدة 11 كيلوغراماً".

اقرأ أيضاً: هل تكون الخلايا الضوئية في فلسطين بديلاً عن كهرباء إسرائيل؟

ويضيف قبها (37 عاماً)، والذي يمتلك 243 خلية نحل، لـ "حفريات": أنّ الاحتلال الإسرائيلي يمنعه من نقل صناديق النحل ووضعها على مقربة من جدار الفصل العنصري والمستوطنات الصهيونية، التي تقتطع مساحات واسعة من أرضه، مشيراً إلى أنّ "نقل الخلايا خلال القطفات الثمانية من منطقة إلى أخرى يزيد من كمية العسل أضعافاً مضاعفة، لتوفّر النباتات الرحيقية والزهرية بكثرة".

المعيقات الإسرائيلية ما تزال تمارس ضدّ النحالين بعدة مناطق بالضفة الغربية المحتلة

تدمير البيئة الفلسطينية

ولفت إلى أنّ "السلطات الإسرائيلية تقوم بتزويد النحالين الفلسطينيين بسلالات ضعيفة من النحل، التي لا تستطيع تحمل الأمراض والتكيف مع الظروف المناخية المختلفة، وترفض استيراد السلالات الجيدة من النحل والتي تتميز بقوتها ومقاومتها للأمراض المعدية وزيادة إنتاجها؛ كالنحل الأوكراني والقوقازي والإيطالي".

اقرأ أيضاً: إسرائيل تستغل الأراضي الفلسطينية لزراعة مخدر القنب الهندي

"وتعدّ اعتداءات المستوطنين بسرقة صناديق النحل، وقيام قوات الاحتلال بتجريف الأراضي بالقرب من الجدار العازل والبؤر الاستيطانية، برأي قبها، من أهم الأسباب التي تؤدي إلى تراجع إنتاج العسل في الضفة الغربية، إضافة إلى إغراق الأسواق¬ الفلسطينية بالعسل الإسرائيلي "المغشوش"، الذي تتمّ تغذية النحل في معظمه بالمحاليل السكرية لزيادة إنتاجه، وهو ما ألحق الضرر الكبير بمربّي النحل".

اقرأ أيضاً: السياحة الاستيطانية: شركات عالمية تتواطأ مع إسرائيل للسطو على التاريخ الفلسطيني

وتابع قبها: "السلطات الإسرائيلية تعمل على تدمير البيئة الفلسطينية والمساحات الزراعية، التي تعدّ مصدراً مهماً لغذاء النحل بتصريف مياه الصرف الصحي ونفايات المستوطنات المجاورة على مناحل المواطنين؛ للتأثير على هذا القطاع الحيوي ودفع النحالين للعزوف عن هذه المهنة".

جودة عالية

ويشيد مدير دائرة النحل في وزارة الزراعة الفلسطينية، وليد لحلوح، في تصريح لـ "حفريات" بالعسل الفلسطيني الذي يتميز بجودته العالية؛ نظراً إلى تنوع النباتات ووجود المناطق الجبلية والسهلية والأغوار، وهي تشكل بيئة مناسبة لتربية النحل في الأراضي الفلسطينية"، مبيناً أنّ "كمية العسل المنتجة خلال العام الحالي 2019، بلغت 1000 طن، في حين بلغ الإنتاج في العام الماضي 2018، 640 طناً من العسل".

اقرأ أيضاً: الغرامات المالية... سياسة إسرائيلية لتعذيب الأسرى وعائلاتهم

ويضيف: "عدد الذين يعملون في مجال إنتاج النحل بلغ 2000 نحّال، من بينهم 350 نحالاً يعملون في قطاع غزة، ويعدّ بعضهم من الهواة والمبتدئين، ويتواجد في الأراضي الفلسطينية 84 ألف خلية نحل، منها 23 ألف خلية في قطاع غزة، ويبلغ متوسط إنتاج الخلية الواحدة بين 13 إلى 15 كيلوغراماً من العسل الصافي، ويتراوح سعر الكيلو الواحد بين 70 إلى 200 شيكل (60 دولاراً أمريكياً)".

شكاوى مستمرة من تراجع إنتاج العسل

التصدير إلى الخارج

ولفت لحلوح إلى أنّ "قطف عسل النحل يتم خلال ثماني قطفات متتالية تبدأ من شهر نيسان (أبريل) وحتى تشرين الثاني (نوفمبر) من كلّ عام"، مستدركاً بأنّ "العسل الفلسطيني يتم تصديره لعدة مدن ودول عربية، من بينها: دبي وأبو ظبي وأربيل وقطر، كما وتنتج الأراضي الفلسطينية عدة أنواع من العسل؛ كعسل الحمضيات والسدر واليانسون والزعتر البري والمرار والخرفيش والكينا والبرسيم والفاقوع، وأنواع أخرى متعددة".

بلغ عدد الذين يعملون في مجال إنتاج النحل 2000 نحّال من بينهم 350 نحالاً يعملون في قطاع غزة

وتابع: "المعيقات الإسرائيلية ما تزال تمارس ضدّ النحالين بعدة مناطق بالضفة الغربية المحتلة، ويمنع بعضهم من الوصول إلى مناحلهم، التي تقع بالقرب من البؤر الاستيطانية والجدار العازل، إضافة إلى الاستخدام المفرط للمبيدات الزراعية السامة، التي يتمّ رشّها على الأشجار والنباتات، ما يؤدّي إلى الفتك بعدد كبير من النحل".

وعمّا هو المطلوب فلسطينياً للنهوض بقطاع النحل والعسل الفلسطيني يقول لحلوح: "لا بدّ من إعادة ترميم المراعي، وزيادة النباتات الرحيقية التي يتغذي عليها النحل، وإقامة الندوات وورش العمل لزيادة خبرة العاملين في مجال إنتاج العسل للنهوض به مستقبلاً، إضافة إلى ضرورة حماية السوق المحلية والنحالين الفلسطينيين حتى يتمكنوا من تسويق منتجاتهم، محلياً وخارجياً".



انشر مقالك

لإرسال مقال للنشر في حفريات اضغط هنا سياسة استقبال المساهمات

آخر الأخبار

الصفحة الرئيسية