بعد مصرع البغدادي: كيف سيولّي داعش قائده الجديد؟

داعش

بعد مصرع البغدادي: كيف سيولّي داعش قائده الجديد؟


03/11/2019

تصبح قضية تولية أمير لتنظيم مثل داعش مفصلية وفارقة دائماً؛ إذ إنّها، على الأغلب، تسبّب مشكلات تتعلق بالإمارة والإمامة، فمجهولية حاله واختفائه، وطريقة توليته السرّية، وفقدان الشروط التي استخلصوها من الفقه السلطاني التراثي، وأسقطوها على قائدهم، على اعتبار أنّه خليفة ممكن، تزيد الفتق رتقاً، وتوسّع الهوّة بين الفرق المنتمية المتصارعة حول تطبيقات هي في الأساس خاصة بقوانين بناء الدول، وليس التنظيمات الخارجة عن القانون.
الشروط السلطانية المستحيلة
بالنظر إلى طرق التولية للقيادات الأوّلين لهذا التنظيم؛ بدءاً بأبي مصعب الزرقاوي، وحتى البغدادي الثاني، سنجد أنّ الاختيارات والتصعيد على القمة التنظيمية تمّ بشكل لم يلتزم مطلقاً بالفقه السلطاني الذي يدعّي التنظيم الالتزام به، كما لم يراعِ فيه أيضاً الكفاءة الشرعية أو الخبرة القتالية.

بدءاً من الزرقاوي وحتى البغدادي الثاني سنجد أنّ الاختيارات والتصعيد على القمة التنظيمية لم يلتزم بالفقه السلطاني

حين تولى الزرقاوي قيادة جماعة "التوحيد والجهاد" لم يتم اختياره سوى بأسبقية وجوده في هيرات الأفغانية، ذلك المعسكر الذي أنشأه هناك، وحين تحوّل تنظيمه ليصبح  "قاعدة الجهاد في بلاد الرافدين"، بتاريخ  8 تشرين الأول (أكتوبر) 2004، بقيت الأمور على ما هي عليه، حتى تمّ الإعلان عن تأسيس "مجلس شورى المجاهدين"، في تشرين الأول (أكتوبر) 2005، وهو خليط من جماعات متعددة، هي: جيش الطائفة المنصورة، جيش أهل السنّة والجماعة، جماعة جند الصحابة، سرايا الجهاد الإسلامي، سرايا فرسان التوحيد، سرايا ملة إبراهيم، كتائب كردستان، كتائب المرابطين، كتائب أنصار التوحيد، كتائب أنصار التوحيد والسنّة، كتائب الأهوال، كتائب الغرباء، إضافة إلى عدة كتائب من جيش الفاتحين، والجيش الإسلامي، وأنصار السنّة، وبعض كتائب من جيش المجاهدين وثورة العشرين وعصائب العراق الجهادية، وساعتها تخلّى الزرقاوي عن القيادة لصالح عبد الله رشيد البغدادي، ولم يتدخّل الأفراد، أو من يطلقون عليهم أهل الحلّ والعقد في هذا الاختيار.

أبو مصعب الزرقاوي

اقرأ أيضاً: القصة الكاملة لنشأة داعش
عقب مقتل الزرقاوي، في 7 حزيران (يونيو) 2006، أصدرت الهيئة الإعلامية لما يسمى "مجلس شورى المجاهدين في العراق"، وفق ما ورد في موقع "CNN"، بياناً ذكرت فيه أنّ الخيار وقع على شخص يدعى "أبو حمزة المهاجر"، ليكون خليفة لأبي مصعب الزرقاوي في "إمارة التنظيم"، وأنّ مجلس شورى تنظيم القاعدة اجتمع عليه؛ لأنّه قدم راسخة في العلم، ولم يظهر أيضاً ما هو مجلس الشورى، أو ما هي الأسس التي تمّ اختيارهم هم وفقها، وأسس وشروط الأمير الجديد.

اقرأ أيضاً: داعش يعلن زعيمه الجديد.. تعرّف إليه
في 12 تشرين الأول (أكتوبر) 2006؛ تمّ تشكيل "حلف المطيبين"، وذلك قبل يومين من "إعلان دولة العراق الإسلامية"، وفي 15 تشرين الثاني (أكتوبر) 2006؛ أعلن حلف المطيبين تأسيس "دولة العراق الإسلامية"، بزعامة أبي عمر البغدادي (حامد داود الزاوي)، الذي كلّف أبا حمزة المهاجر بوزارة الحرب، ونقله من أمير للقاعدة إلى نائب له، وأيضاً كانت الشروط مبهمة، سواء للترقية أو للنقل لوظيفة قيادية أخرى.
وفق رسالة لأبي سليمان العتيبي، القاضي العام للدولة الإسلامية بالعراق، وجّهها لقيادة تنظيم القاعدة في خراسان، عام 2006، ونشرها موقع قناة "العربية"؛ فإنّ الارتجالية كانت العنوان في اختيار الرجل، يقول: "إنّه من العجب العجاب هنا أنّ إعلان الدولة بهذه العجلة، ولم يحدّد من هو أمير المؤمنين أصلاً، وإنما سمّاه "أبو حمزة المهاجر"، باسم مستعار، وهو أبو عمر البغدادي، ولم يحدد شخصه، بل قال لي بالحرف الواحد؛ يوجد شخص سوف نختبره شهراً  كاملاً فإن صلح أبقيناه أميراً للمؤمنين، وإلا بحثنا عن غيره، والله على ما أقول شهيد".

اقرأ أيضاً: "داعش" والفكر الداعشي
يضيف العتيبي في الرسالة: "أما بالنسبة إلى أبي عمر البغدادي؛ فهو لا يعرف ما يدور، ويكتفي بآراء من حوله ولا يعارضهم في شيء البتة".
في رسالة أخرى، نشرت عبر منصات القاعدة الإعلامية، راجعها وعدل عليها كلّ من؛ أبي طلحة مالك، وإحسان العتيبي، قال أبو أحمد، من مقاتلي جماعة التوحيد والجهاد: "بايع أبو حمزة المهاجر بطريقة عجيبة الشيخ أبي عمر البغدادي، الذي لم يكن يُعْرف في التنظيم على أنّه قيادي كبير أو صغير، بل كان شخصاً عادياً".
وعقب مقتل أبي عمر البغدادي، في 19 نيسان (أبريل) 2010، هو ووزير حربه، أبو حمزة المهاجر، تولى الإمارة أبو بكر البغدادي ("أبو دعاء" إبراهيم عواد البدري)، بتاريخ 16 أيار (مايو) 2010، ولم يكن لحلف المطيبين، أو لمجلس شورى المجاهدين، الذي انتهى عملياً، دور في تنصيبه، فقد كان البعثيون القدامى، ومنهم العميد الركن محمد الندى الجبوري، المعروف بالراعي، الذي استلم قيادة أركان التنظيم بتكليف من المهاجر، وسمير عبد محمد، المعروف بـ "حجي بكر"، هما من ساهما في هذا الاختيار.
رأى إحسان العتبيبي، من قيادات التنظيم، في رسالة نشرتها منصات جهادية؛ أنّ اختيار أبي بكر البغدادي جاء أسوأ من سابقه، فلا هو معلوم للأفراد أو القادة، وبسبب السرية وضعف التواصل فكلّ شخص يظنّ أنّ فلاناً هو من اختاره، وأما الانتساب القرشي لـ "إبراهيم عواد البدري"، فعدَّ حيلة من قبل أعضاء مجلس شورى التنظيم، وذلك لإضفاء الصبغة الشرعية على منصب "الخليفة"، فهو من قبيلة الـ "بو بدري"، وهم ليسوا من آل البيت، ولا من قريش، وذلك وفق قوله.
بحسب ما كتبه أبو أحمد، ونشره موقع "العربية"؛ فإنّ حجي بكر عمد إلى حيلة خبيثة؛ إذ راسل كلّ مسؤول على حدة، موهماً إياه بأنّه استشار غيره فوافق على تعيين أبي دعاء السامرائي (أبو بكر)، أميراً بدل أبي عمر البغدادي، فوافق أغلب الأمراء من دون معرفة ساعي البريد، ظنّاً منهم أنّه قديم وصاحب سبق، وظناً بأنّ أبا دعاء شرعي قديم من أصحاب الزرقاوي، وأنّه قرشي حسيني بغدادي، فوافق أغلب الأمراء الذين تمّ عزلهم لاحقاً بطرق عدة".
وأما ما يذكر بشأن أهل الحلّ والعقد، وأنّ التنظيم يطبّق الأحكام السلطانية، فهو شرط عارٍ عن الصحة؛ إذ من هو الذي يحدّد تلك الشخصيات؟ وما ذكر عن وجودهم كيف تمّ؟ وكيف يكون ذلك في تنظيم سرّي؟
أبو بكر البغدادي

الدولة في المفهوم الداعشي
رغم استحالة تطبيق الشروط فقد أعلنوا الدولة، وكان لهم مفهوم مختلف؛ إذ هي ليست أرضاً بشعب وسلطة ذات سيادة؛ بل اعتبروا أنّها السلطة الزمانية، حتى لو كانت من 10 أفراد فقط، ودعوا إلى بيعة أبي عمر البغدادي، وبدا ذلك في كلمة محارب الجبوري (الإعلان عن قيام دولة العراق الإسلامية) حين قال: "إنّنا اليوم ندعو كلّ مجاهدي وعلماء العراق، وشيوخ العشائر، وعامة أهل السنّة، إلى بيعة أمير المؤمنين، الشيخ الفاضل أبي عمر البغدادي، على السمع والطاعة، في المنشط والمكره، وأن نعمل جاهدين على تقوية دعائم هذه الدولة والتضحية من أجلها بالنفس والنفيس".

رغم استحالة تطبيق الشروط فقد أعلنوا الدولة، وكان لهم مفهوم مختلف؛ إذ هي ليست أرض بشعب وسلطة ذات سيادة

وفي كلمة أبي بكر البغدادي "إعلام الأنام بتمدّد دولة الإسلام"، قال: "نعلن متوكّلين على الله إلغاء اسم دولة العراق الإسلامية، وإلغاء اسم جبهة النصرة، وجمعهما تحت اسم واحد "الدولة الإسلامية في العراق والشام"، وكذلك توحيد الراية، راية الدولة الإسلامية، راية الخلافة إن شاء الله.. وإننا في الوقت ذاته نمدّ أيدينا واسعة، ونفتح أحضاننا وقلوبنا للفصائل المجاهدة في سبيل الله تعالى، وللعشائر الأبيّة في أرض الشام الحبيبة، على أن تكون كلمة الله هي العليا، وأن تحكم العباد والبلاد بأحكام الله تعالى دون أن يكون لغير الله تعالى أيّ نصيب في الحكم، وهذه دعوة للبيعة العامة، وليست خاصة بالجهاد وحده".
وشكّل داعش وزارات وولايات، وعدّ بيعة الخليفة عامة، فهو قرشيّ ممكن، وقال تركي البنعلي، في كتابه "مدّ الأيادي في وجوب بيعة البغدادي": إنّ شروط الإمامة كلّها متوافرة في أبي بكر، وهي: أن يكون الإمام ذكراً، حرّاً، بالغاً، عاقلاً، مسلماً، عدلاً، شجاعاً، قرشياً، عالماً، كافياً لما يتولاه من سياسة الأمة ومصالحها.
رغم ما ذكره البنعلي؛ فإنّ الجهل بالبغدادي، حيث لم يظهر قبل توليه إلا مرة واحدة، ولأنّه يُشْتَرَط فيمن يتولى الإمامة ويأخذ البيعة عن عموم المسلمين أن يكون سميعاً بصيراً ناطقاً ابتداء ودواماً، وفق الأحكام السلطانية للماوردي، أدّى إلى مشكلات جمّة في التنظيم، لحدّ نقض بيعته باعتباره (مجهول الحال).

اقرأ أيضاً: بعد مقتل البغدادي.. هل انتهى خطر داعش؟
وقد جرى الأمر نفسه مع الظواهري، الذي خرجت إصدارات كثيرة تصفه بـ "الأمير المسردب"، بدا فيها كيف تخلط هذه التنظيمات بين بيعة أمير للتنظيم خارج إطار الشرعية، والحاكم الممكن.
خرج داعش من تلك الأزمات الأيديولوجية بتنظيرات حول شكل الدولة الجديد، وجواز بيعة مجهول الحال، وفي كتاب "بيعة الأمصار للإمام المختار"، لأبي جعفر الحطاب، عضو أنصار الشريعة في تونس، ذكر أنّه لا يشترط لصحة بيعة البغدادي مبايعة كلّ الناس له، ولا كلّ أهل الحلّ والعقد، وإنما تشترط مبايعة من تيسر اجتماعهم من العلماء والرؤساء ووجوه الناس".
وذكر أنّ مجلس أهل الحلّ والعقد، يمكن أن يتم اختيار أعضائه من مجالس الشورى القائمة، مستدلاً بدعوة الشيخ الكويتي الهارب لتركيا، حامد العلي.

 

تعيين خليفة البغدادي
بالنظر إلى ما سبق؛ يتبين أنّ تنظيم داعش لا يلتزم بالشروط التي وضعها هو لنفسه، فضلاً عن أنّ هيكله التنظيمي تبدّل بشكل تامّ تقريباً، فإلى العام الماضي كان هيكله يتكوّن من مجلس شورى المجاهدين، وهو من أهم المؤسسات التابعة للتنظيم، وهو من يتّخذ القرارات المهمة ويرسم السياسات العامة، ويضمّ في عضويته عدداً من القيادات التاريخية، خصوصاً الشرعية، ثم المجلس العسكري، الذي يتكوّن من  13 عضواً، الجهاز الأمني، ثم مجموعة من الدواوين منها، على سبيل المثال، ديوان الإعلام المركزي، وديوان القضاء، وبعدها الولايات، وفرع العمليات الخارجية، وعقب الهزائم التي تلقاها التنظيم تبدّل هذا الهيكل وأوكل إلى الجهاز الأمني إدارته، واعتمد على الخلايا، وفرع العمليات الخارجية، والذئاب المنفردة، واختار سياسة الاستنزاف.

اقرأ أيضاً: أبو بكر البغدادي: ما مستقبل تنظيم داعش بعد مقتل قائده؟
في الظهور الأخير للبغدادي ظهر ما سبق، وحين قتل الرجل في العملية الأمريكية الأخيرة، ومعه بعض مساعديه، تخلخلت بنية التنظيم تماماً، ولم يتبقَّ من القيادات المعروفة المؤسسة سوى نائبه، حجي عبد الله، وحجي عبد الناصر، وأبو عبد الحكم تيسير، وإياد العبيدي، وهنا تبدو الإشكالية القديمة وتتفاقم، فلا أهل الحلّ والعقد، وفق أدبيات التنظيم، متوفّرين، ولا هو ذاته بقادر على إيجاد البدائل المناسبة، وفق الشروط التي وضعها هو بنفسه، فضلاً عن انتهاء تلك الأطر التنظيمية المعروفة، ومن ثمّ فإنّه من المتوقّع أن يأتي اختيار القائد القادم لداعش وفق سابقَيه؛ أبي عمر البغدادي وأبي بكر البغدادي، بطريقة عشوائية، أقرب إلى قائد الضرورة لإبقاء التنظيم لأطول فترة ممكنة، رغم أنه فقد كثيراً من عوامل قوته، وتضخّ فيه الأنفاس بيئة التوتر واستمرار المشكلات السياسية بالإقليم، خاصّة العراق وسوريا، والسلطوية، والطائفية، والفقر، وتوظيف الإسلام السياسي من قبل بعض الدول.



انشر مقالك

لإرسال مقال للنشر في حفريات اضغط هنا سياسة استقبال المساهمات

آخر الأخبار

الصفحة الرئيسية