أن يصبح السجين رئيساً يضع تونس أمام خيارات أحلاها مرّ

تونس

أن يصبح السجين رئيساً يضع تونس أمام خيارات أحلاها مرّ


26/09/2019

يطرح تنافس رجل القانون، قيس سعيّد، ورجل الأعمال المعتقل في السجن، نبيل القروي، على رئاسة تونس، في الدور الثاني من الانتخابات الرئاسية، سيناريوهات عديدة، أخطرها إعادة الانتخابات برمتها أيّاً كان الفائز، وتلتقي جميع هذه السيناريوهات حول خلق أزمة دستورية، غير مسبوقة في سجلات الديمقراطية التونسية الناشئة وفي العالم أجمع.

الدستور التونسي ينظر فقط في حال استقالة الرئيس أو تنحّيه أو مرضه أو وفاته لكنّه لم يعالج مسألة السجن

أزمة لا تستطيع القوانين التي جاء بها "دستور الثورة" (صدر في 26 كانون الثاني (يناير) 2014) حلّها، في ظلّ غياب المحكمة الدستورية التي فشل البرلمان التونسي في انتخاب أعضائها، والتي مكّنها الدستور التونسي بشكل حصريّ من صلاحية تأويل مضمونه، وقد تعثّر تشكيلها مراراً، منذ عام 2014، وسط تجاذبات بين الكتل البرلمانية للأحزاب.
ولم يتطرق الدستور الجديد، الذي صيغ بعد الثورة، إلى هذه الحالة، التي لم تخطر ببال المشرّعين؛ إذ ينظر فقط في حال استقالة الرئيس، أو تنحّيه، أو مرضه، أو وفاته، لكنّه لم يعالج مسألة وجود رئيس منتخَب في السجن.
وتتّجه الأنظار جميعها إلى الفصل 87 من الدستور، الذي ينص على أنّ "رئيس الجمهورية يتمتع بالحصانة طيلة تولّيه الرئاسة، وتُعلَّق في حقّه كافة آجال التقادم والسقوط، ويمكن استئناف الإجراءات بعد انتهاء مهامه، ولا يُسأل عن الأعمال التي قام بها في إطار أدائه لمهامه"، كفصلٍ وحيد قد ينقذ القروي من معتقله، ويعالج الأزمة القانونية التي سببها.
حملات مساندة تطالب بالإفراج عن المرشح الرئاسي نبيل القروي

بين النصّ والتأويل
ويختلف المختصون في القانون الدستوري في تأويل هذا الفصل؛ إذ يرى بعضهم أنّ رئيس الجمهورية المنتخب يتمتع بالحصانة القانونية بعد أداء اليمين الدستورية أمام البرلمان، وبالتالي لا يستطيع القروي، في حال فوزه برئاسة البلاد، بعد التصريح بالنتائج الرسمية، الخروج من السجن مباشرةً بعد إعلان النتائج، حتى وإن فاز بأغلبية الأصوات، لكن يجب أن ينتظر أداء اليمين الدستورية أمام البرلمان.

اقرأ أيضاً: هل تستطيع "الذئاب المنفردة" تعكير صفو الانتخابات التونسية؟
ويذهب آخرون إلى تأويل آخر؛ ينصّ على أنّ الرئيس المنتخب يتمتع بالحصانة فور التصريح بالنتائج النهائية من قبل الهيئة العليا المستقلة للانتخابات، أي أن يغادر القروي السجن بناءً على قرار قضائي، ولا ينتظر صدور حكم أو إجراء تحقيق، بل تتم معاينة قضائية تفضي إلى أنّ هذا الشخص منتخب كرئيس ويتمتع بالحصانة، عندها تُعلّق التتبعات القضائية في حقّه.
وينصّ الدستور التونسي على ضرورة أن يؤدي رئيس الجمهورية المنتخب اليمين الدستورية أمام مجلس نواب الشعب (البرلمان).

المختص في القانون عثمان الحاج علي: فوز القروي أو عدمه لن يطرح إشكالاً قانونياً بل سيطرح أيضاً أزمةً سياسية

من جانبه، يؤكد القاضي الإداري السّابق، أحمد صواب، في تصريحه لـ "حفريات"؛ أنّ تمتّع القروي بالحصانة وخروجه من السّجن، أمر مستحيل، ما دامت هناك بطاقة إيداع بالسجن صادرة بحقّه من جهة قضائية، ولا يمكن لأيّ طرف إلغاء بطاقات عمل قضائية، وطالما لم تلغ بطاقة الإيداع، فإنّ القروي يبقى على ذمّة القضاء.
وأشار في المقابل، إلى إمكانية الاستناد إلى بعض النصوص القانونية، التي تشمل الجزائي والانتخابي والدستوري، في حال فوز القروي بالانتخابات، وأوضح أنّه يمكن الاستناد إلى الفصل 89 من الدستور التونسي، الذي ينص على أنّ الهيئة تتولى خلال الحملة، مراقبة التزام القائمة المرشّحة، أو المرشّح، أو الحزب بقواعد تمويل الحملة الانتخابية، أو حملة الاستفتاء، ووسائلها وفرض احترامها بالتعاون مع مختلف الهياكل الحكومية.
وأضاف: "صحيح أنّه في حال صدور حكم قضائي ضد القروي عقب فوزه، يمكن اعتبار ما حدث شغوراً، والعمل وفق الفصل 84 من الدّستور، الذي ينصّ على أنّه إذا تجاوز الشغور الوقتي مدة 60 يوماً، أو في حالة تقديم رئيس الجمهورية استقالته كتابة إلى رئيس المحكمة الدستورية، أو في حالة الوفاة، أو العجز الدائم، أو لأيّ سبب آخر من أسباب الشغور النهائي، تجتمع المحكمة الدستورية فوراً، وتقرّ الشغور النهائي، وهذا إشكال آخر، نظراً لغياب المحكمة الدستورية".

اقرأ أيضاً: بين العزوف والمقاطعة… هكذا عاقب شباب تونس السياسيين
القاضي الإداري أوضح أيضاً أنّ الفصل 87 من الدستور المتعلق بحصانة الرئيس، الذي يمكن الاستناد إليه، يحمل تأويلَين، يرى أحدهما أنّ رئيس الدولة يتمتع بالحصانة منذ التصريح بفوزه خلال النتائج النهائية، بينما الثاني يرى أنّه لا حصانة له قبل أدائه اليمين.
سيناريوهات خطيرة يطرحها فوز نبيل القروي أو فشله في الدور الثاني من الانتخابات الرئاسية

غياب المحكمة الدستورية جزء من الأزمة
وباختلاف القراءات وعدم وجود نصّ قانوني واضح للمسألة، يفترض أن تكون المحكمة الدستورية هي الطرف الوحيد المخوَّل لمراقبة دستورية القوانين، وتأويل النصوص القانونية، والبتّ في الأزمات الدستورية، والخلافات القانونية، غير أنّ التجاذبات السياسية، وخلافات الكتل البرلمانية حالت دون ذلك، وعطلت تركيز بعض المؤسسات الدستورية.

اقرأ أيضاً: بركان في وجه إخوان تونس.. استقالات وانشقاقات وملفات فساد
والمحكمة الدستورية التي أقرّها الدستور التونسي الجديد؛ هي "هيئة قضائية مستقلة ضامنة لعلوية الدستور، وحامية للنظام الجمهوري الديمقراطي وللحقوق والحريات في نطاق اختصاصاتها وصلاحياتها، من مهامها مراقبة مشاريع تعديل الدستور، والمعاهدات ومشاريع القوانين، والقوانين، والنظام الداخلي للبرلمان، والبتّ في استمرار حالات الطوارئ، والنزاعات المتعلقة باختصاصَيْ رئيسَيْ الجمهورية والحكومة".
كما تنظر في إعفاء رئيس الدولة في حالة الخرق الجسيم للدستور، و"تصدر المحكمة قراراً يقضي بعزل رئيس الجمهورية في صورة ثبوت إدانته بخرق الدستور"، بحسب البند 68 من القانون المحدث للمحكمة.
وينصّ دستور تونس في باب أحكامه الانتقالية على أنّ "المحكمة الدستورية يتمّ تشكيلها بعد عام من الانتخابات التشريعية (2014)، لكن تمّ الإخلال بهذا الأجل الدستوري".
اقرأ أيضاً: التونسيون يقلبون الطاولة على "النهضة" والطبقة السياسية
ويؤكّد المختصّ في القانون، عثمان الحاج علي، في تصريحه لـ "حفريات"؛ أنّ مجلس نواب الشعب (البرلمان) الجديد الذي سيتم انتخابه، في 6 تشرين الأول (نوفمبر)، يمكن أن يجتهد ويصدر قراراً لحلّ هذا المأزق الدستوري، باعتبار أنّ الرئيس المنتخب سيؤدّي الدستور أمام البرلمان الجديد، وليس أمام البرلمان الحالي، نظراً لغياب نصّ قانوني يحسم المسألة، ولغياب المحكمة الدستورية.
ولفت الحاج علي إلى أنّ فوز القروي أو عدمه، لن يطرح إشكالاً قانونياً فقط؛ بل سيطرح أيضاً أزمةً سياسية، نظراً إلى أنّ المسار الانتخابي لم يكن عادلاً، ولم تتكافأ فيه الفرص، مرجّحاً أن ترفض المحكمة الدستورية الطعن الذي يُحتمل أن يتقدّم به القروي ضدّ سعيد في حال لم يفز بالرئاسة، مثلما رفضت الطعون الستّة التي قدّمت لها ضدّ نتائج الدور الأول.
وأوضح المختصّ في القانون أنّ حملة القروي قائمةً، ولم تتوقف بعد دخوله السجن، ويعتقد أن يتمّ تمكينه من فرصة الظهور الإعلامي، من خلال السماح له بإجراء حوار صحفي، أو المشاركة في مناظرة تلفزية مع منافسه قيس سعيّد.
قيس سعيّد يقبل العلم التونسي بعد مروره للدور الثاني من الانتخابات الرئاسية

السيناريو الأخطر
ويستطيع القروي، في حال خسر الدور الثاني من الانتخابات الرئاسية، أن يقدّم طعناً في نتائجها، بحجّة عدم تكافؤ الفرص بينه وبين منافسه قيس سعيّد، باعتباره معتقلاً، ولم يتسنَّ له القيام بحملته الانتخابات، وبالتالي تتم إعادة الانتخابات برمّتها، وهو السيناريو الأخطر.
وترى في هذا الخصوص أستاذة القانون الدستوري، منى كريم، أنّ ما حدث خلال الانتخابات الرئاسية التونسية، وما ستفرزه نتائج الدور الثاني، يعد سابقةً ليس لها أي حل، أو رؤية، نظراً لتعارض مبدأين كبيرين لا يمكن الاختلاف حولهما أو تأويلهما هما؛ استقلالية القضاء الذي يدين نبيل القروي من جهة، وإرادة الشعب الذي اختار القروي من جهة أخرى.

اقرأ أيضاً: رئاسيات 2019: ماذا لو فاز سجينٌ برئاسة تونس؟
ورأت أستاذة القانون في تصريحها لـ "حفريات"؛ أنّ "المسار الانتخابي ليس شفّافاً كما يجب أن يكون، وتشوبه عدة هنّات؛ كعدم تكافؤ الفرص بين المرشحين للرئاسة، وعدم المساواة بينهم، فضلاً عن وجود مشاكل دستورية، وأخرى سياسية، إلى جانب إشكاليات سياسية، وهو ما قد يلغي الانتخابات برمتها، إذا ما تمّ تقديم طعون في الغرض، لتتم إعادتها لاحقاً".
كريم لفتت في السياق ذاته، إلى إمكانية تدخل الهيئة الوقتية لمراقبة دستورية القوانين، والمحكمة الإدارية لحلّ المأزق القانوني، الذي تسير نحوه تونس، بشأن الطعون، أو التمتع بالحصانة، رغم أنّه ليس من اختصاصهما ذلك.
من جانبه، أكّد القاضي الإداري السابق، أحمد صواب، في حديثه لـ "حفريات"؛ أنّ "حظوظ القروي وافرة لربح الطعن ضدّ قيس سعيّد، في حال لم يفز في الدور الثاني من الانتخابات، وستضطر بذلك هيئة الانتخابات إلى إعادة الانتخابات من جديد، وهو أسوأ سيناريو يمكن أن تصل إليه الأحداث".



انشر مقالك

لإرسال مقال للنشر في حفريات اضغط هنا سياسة استقبال المساهمات

آخر الأخبار

الصفحة الرئيسية