كيف شخّص فيلم فندق مومباي مصادر الإرهاب؟

كيف شخّص فيلم فندق مومباي مصادر الإرهاب؟


26/08/2019

يُحاول فيلم الدراما الوثائقي "فندق مومباي" عرض القصة الحقيقية للهجوم الإرهابي على فندق تاج محل في مومباي العام 2008، وكيف خاطر موظفو الفندق بحياتهم للحفاظ على أمان ضيوفهم، وهذا هو الفيلم الثاني عن الهجمات بعد فيلم الإثارة والحركة، الناطق بالهندية، "هجمات 26/11" الذي عرض في 2013.

اقرأ أيضاً: لماذا رفض رامي مالك أداء دور إرهابي عربي في فيلمه الجديد؟

تم عرض فيلم "فندق مومباي" لأول مرة في مهرجان تورنتو الدولي للسينما في 7 أيلول (سبتمبر) 2018، ثم في أستراليا بمهرجان أديلايد السينمائي، وعُرض في الولايات المتحدة في 22 آذار (مارس) 2019.
هجمات مومباي
هجمات مومباي (يشار إليها أيضاً باسم 26/11) هي عبارة عن سلسلة من الهجمات الإرهابية بإطلاق النار والقنابل التي شنّها عشرة شبان من أعضاء جماعة عسكر طيبة، وهي منظمة إرهابية مقرها في باكستان، استمرت أربعة أيام في جميع أنحاء مومباي، بدءاً من يوم الأربعاء 26 (نوفمبر)، ولقي جراءها ما لا يقل عن 174 شخصاً مصرعهم، من بينهم 9 مهاجمين، وأصيب أكثر من 300.

يسعى الفيلم لعرض القصة الحقيقية للهجوم الإرهابي على فندق تاج محل في مومباي العام 2008

وبحلول صباح اليوم الثالث من الهجمات، تم تأمين جميع المواقع، باستثناء فندق تاج محل، من قبل شرطة مومباي وقوات الأمن، وفي اليوم الأخير أجرى الحرس الوطني الهندي عملية "بلاك تورنادو" لطرد بقية المهاجمين في فندق تاج. وقد اعترف أجمل كساب- المهاجم الوحيد الذي أُلقي القبض عليه والذي أُعدم لاحقاً في 2010- بأنّ المهاجمين كانوا أعضاء في جماعة عسكر طيبة. أدانت باكستان الهجمات لكنها ما لبثت أن أطلقت سراح زعيم الجماعة زاكر رحمان في 9 نيسان (إبريل) 2015.

القتل بدم بارد

في 26 تشرين الثاني (نوفمبر) 2008، قدم أرجون (ديف باتل) تقريراً عن العمل كنادل في فندق تاج محل بالاس في مومباي، تحت رئاسة الطاهي أوبيروي الذي ذَّكر موظفيه بأنّ "الضيف إله Guest is God"- ولهذه العبارة التي تكررت مرتين في الفيلم مغزاها في سياق المقارنة غير المباشرة بين نظرة موظفي الفندق للضيف مقابل تعامل الإرهابيين.

نجح المخرج من خلال الكاميرا المحمولة ولقطات وثائقية بتصوير مشاعر الخوف والترقب لضحايا الهجمات

كان من بين ضيوف ذلك اليوم الوريثة البريطانية المسلمة زهرة وزوجها الأمريكي، ديفيد، مع ابنهما الرضيع كاميرون ومربيّته سالي. في تلك الليلة، شنّت مجموعة من عشرة إرهابيين، يوجههم زعيم يُعرف باسم "الثور"، هجوماً على 12 موقعاً في جميع أنحاء مومباي. ونظراً لأن الشرطة المحلية غير مدرّبة أو مجهزة للتعامل مع الهجمات الإرهابية فقد انتظرت وصول القوات الخاصة من نيودلهي. وخلال الفوضى التي تلت ذلك، حوصر أرجون وديفيد وزهرة في مطعم الفندق مع العديد من الضيوف، بينما بقيت سالي، غير المدركة لما يجري، مع كاميرون في غرفتهم في الفندق. وفي النهاية استطاع أرجون من خلال التواصل مع أوبيروي الحفاظ على سلامة أغلب الضيوف.
ساعتان من القتل بدم بارد وشد أعصاب المشاهد نجح المخرج الأسترالي أنثوني ماراس من خلال الكاميرا المحمولة في تصوير مشاعر الحذر والخوف والتوجس والترقب، إضافة إلى مزجه المتقن للقطات وثائقية من العملية الإرهابية، وهو ما جعل أحداث الفيلم تبدو واقعية على الصعيد الشكلي. 

يطرح الفيلم سؤال الإرهاب الأهم: ما هي دوافع الإرهاب؟

ما هي دوافع الإرهاب؟

من خلال هذه الحادثة الواقعية يضعنا الفيلم أمام دافعين أو مصدرين للإرهاب، وبشكل فني مضمر يطرح سؤال الإرهاب الأهم: ما هي دوافع الإرهاب؟ الفقر أم العقيدة أم كلاهما؟

اقرأ أيضاً: فيلم "The Lobster": هناك أسوأ من أن تكون وحيداً
يميل الفيلم إلى التأكيد في أكثر من موضع إلى أنّ الفقر هو دافع الشباب إلى القيام بالعملية الإرهابية؛ يسأل عمران زميله عبدالله هل سيقوم "الثور" بتسليم المال إلى أُسرهم أم لا؟ يجيب الآخر بأن المشرفين على العملية أقسموا على القرآن بأنّهم سيفعلون، لكن اتصال عمران مع والده يكشف من جهة أنّهم وقعوا ضحية خداع، ومن جهة أخرى أنّ لهؤلاء الشباب، الذين يَقتلون بدم بارد، أُسراً يحبونها وتحبهم وتخاف عليهم تماماً مثل أسر ضحاياهم. الثور نفسه وهو يوجه الشباب يشير إلى أنّ دافع العملية مادي ويصور العملية بأنّها انتقام الفقراء من الأثرياء الذين ينعمون في الرفاهية بينما هم يعانون بسبب الحاجة والعوز.

فندق تاج محل بالفيلم يختزل المشهد من خلال وجهين متناقضين يبسّطان ظاهرة الإرهاب بشكل يبدو سطحياً

يُشبِّه أحد الشباب لزميله، وهما في فندق تاج الفخم، بأنّه جنة، مع ذلك هم هنا في مهمة فيتصرفون كآلات قتل مبرمجة تعمل بالتوجيه عن بُعد، يدعم هذا الدافع توجيه الثور لعمران بقتل زهرة على الرغم من أنها مسلمة وتتمتم بآية قرآنية أثناء تصويب السلاح إلى رأسها، لكن عقيدة عمران تنتصر في النهاية فيطلق النار في الهواء ويذهب لقتل آخرين.
الإشارة إلى أنّ الفقر دافع للإرهاب، خاصة في الحالة الهندية الباكستانية، يحيل إلى نوع العلاج الممكن وذلك من خلال مكافحة هذه الآفة، لكن مواضع أخرى من الحوار تكشف عن دافع عقائدي للعملية فيصرح الثور أكثر من مرة بأنّ رواد الفنادق الأثرياء كفار ويجوز قتلهم؛ وبهذا يكون الفيلم قد وضع يده على دافعين للإرهاب هما؛ الفقر بالدرجة الأولى والفهم المشوّش والملتبس للعقيدة بالدرجة الثانية.
 واقع الهند المتعلق بالجريمة يشبه أفلامها

الإرهاب بين التواطؤ والتقصير

الملاحظة الأولى التي ستخرج بها أثناء مشاهدة الفيلم هي أنّ واقع الهند المتعلق بالجريمة يشبه أفلامها: تأتي الشرطة بعد فرار المجرم أو بعد تنفيذه للجريمة. في البداية سيظن غير المطلع على وقائع الهجمات أن غياب الشرطة يأتي لداعي التشويق، لكن ما أن يقرأ عن الهجمات حتى يدرك أن زمن أحداث الهجمات في الواقع أطول وأكثر رعباً منه في الفيلم، والملاحظة الثانية هي أنّ الإرهاب له وجه واحد؛ إذ تذكر هجمات مومباي بأخرى شبيهة بها في سيناريو يكاد يكرر نفسه.

اقرأ أيضاً: "الممر" فيلم مغامرات تقليدي أم علامة بارزة في السينما المصرية؟
صوت "الثور" وهو يوجه الشباب لقتل الناس دون رحمة، ويذكِّرهم بأنّ الله معهم وأنّ موعدهم الجنة يحيل إلى أدبيات وخطاب الجهاد والتكفير والتحريض على القتل الذي يُمارس عبر الكتب والصحف والقنوات الفضائية ووسائل التواصل، التي مازالت تبَث تحت أنظار حكومية ودولية، فحين يُحرم الناس من نعيم الدنيا يصبحون بيئة خصبة لأمثال هؤلاء الذين يُمنُّونهم بحياة أفضل في مكان آخر لكن بعد أن يدفعوا حياتهم وحياة الآخرين ثمناً لها.

بين عمامتين وعالمين

في مشهد يحمل رسالة بالغة الخطورة، تتم مقارنة ضمنية بين لحية وعمامة السيخي (السوداء) وبعمامة المسلمين حين يطلب رئيس الطهاة من النادل أرجون أن يتوارى عن الأنظار لأن السيدة (الأمريكية على ما يبدو) خائفة من عمامته ولحيته. يقترب أرجون من السيدة ويريها صور عائلته، زوجته وطفله، في الموبايل، ثم يخبرها عما تعني العمامة له ولبقية السيخ: "إنها شرفي الذي تربيت عليه منذ الصغر وبدونها أصبح عارياً، لكن لأنك ضيفتي وأنا خادمك يمكنني أن أخلعها إذا كان هذا يرضيك".

يميل الفيلم إلى التأكيد في أكثر من موضع إلى أنّ الفقر هو دافع الشباب إلى القيام بالعملية الإرهابية

بعد أن تلمس كلماته قلبها وتطمئن له تخبره أن لا يفعل، وبهذا تصل الرسالة: شتان بين لحية وعمامة المسلم الإرهابي، الذي يمارس القتل الآن، ولحية وعمامة السيخي الذي يناضل ويضحي بنفسه من أجل إنقاذ حياتكم!
فندق تاج محل، في الفيلم، يختزل المشهد من خلال وجهين متناقضين يبسّطان ظاهرة الإرهاب بشكل يبدو سطحياً: المسلمون الناقمون على الحياة، الذين لا يعرفون البيتزا ولا كرسي الحمام- وفي هذا إشارة إلى الوسط الفقير الذي أتى منه الشباب المغرر بهم- والوجه الثاني ويمثله غير المسلمين المحبون للحياة وملذاتها.. فمن سينتصر؟
في ختام الفيلم نشاهد ملاحظة مكتوبة تقول بأنّ "الثور"، العقل المدبر للعملية، مازال حراً طليقاً حتى يومنا هذا، كما نشاهد لقطات وثائقية لموظفي الفندق وهم يعيدون افتتاحه بصحبة ضيوفهم، في إشارة أو رسالة تقول إنّ حب الحياة هو المنتصر.



انشر مقالك

لإرسال مقال للنشر في حفريات اضغط هنا سياسة استقبال المساهمات

آخر الأخبار

الصفحة الرئيسية