القفز فوق الجدار.. وسيلة العمال الفلسطينيين لتجنب عذاب الحواجز

فلسطين

القفز فوق الجدار.. وسيلة العمال الفلسطينيين لتجنب عذاب الحواجز


04/08/2019

تتضاعف معاناة العمال الفلسطينيين؛ بسبب الحواجز العسكرية التي يفرضها الاحتلال الإسرائيلي على مداخل المدن والبلدات الفلسطينية، التي تفصل الضفة الغربية عن الأراضي المحتلة العام 1948، في محاولة للتضييق عليهم وإعاقة وصولهم إلى أماكن عملهم، وتدفعهم للانتظار لساعات طويلة داخل ممراتها الضيقة المسقوفة بالصفيح وبواباتها الحديدية في رحلة عذاب يومية، قبل السماح لهم بالمرور والوصول إلى أعمالهم، في انتهاك إسرائيلي آخر للقوانين الدولية والإنسانية.

اقرأ أيضاً: هل تنجح السلطة الفلسطينية في وقف الاتفاقيات مع إسرائيل؟
وبحسب دراسة أعدّها معهد الأبحاث التطبيقية "أريج" خلال العام 2019؛ فإنّ الفلسطينيين يخسرون نحو 60 مليون ساعة عمل سنوياً، بتكلفة تصل إلى 270 مليون دولار، نتيجة الحواجز والقيود التي يفرضها الاحتلال على الفلسطينيين بالضفة الغربية.
وأشارت الدراسة إلى أنّه يوجد في الضفة الغربية 15 حاجزاً عسكرياً إسرائيلياً، إضافة إلى 11 "معبراً" تتحكّم بمرور وحركة الفلسطينيين إلى القدس وداخل الخط الأخضر.
يخسرون نحو 60 مليون ساعة عمل سنوياً بتكلفة تصل إلى 270 مليون دولار نتيجة الحواجز

مخاطر عديدة

قبل بزوغ ساعات الفجر الأولى، يستعدّ المواطن سالم الرفاتي (42 عاماً)، من قرية حوسان غرب بيت لحم، للانطلاق نحو رحلته الشاقة للوصول إلى عمله في أحد مصانع مواد البناء داخل الخط الأخضر، والانتظار لما يقارب أربع ساعات يومياً، لتجاوز الحاجز المعروف بـ(300) الإسرائيلي، الذي يكتظ بالعمال الفلسطينيين الذين يتسابقون للوصول إليه والانتظار لساعات طويلة داخله، في ظروف إنسانية صعبة؛ تجنباً لفقدان أعمالهم.

تتضاعف معاناة العمال الفلسطينيين بسبب الحواجز العسكرية التي يفرضها الاحتلال على مداخل المدن والبلدات الفلسطينية

ويتابع الرفاتي حديثه لـ "حفريات": "نتيجة الازدحام الشديد على الحواجز الإسرائيلية، والانتظار في طوابير طويلة لعدة ساعات للخضوع للفحص الأمني والإشعاعي داخل المعبر، اضطر أنا ومجموعة من العمال للمبيت عدة أشهر في أحد المنازل المهجورة القريبة من مكان عملنا، وعدم الرجوع إلى مكان إقامتنا، وذلك تفادياً للمرور عبر هذه الحواجز التعسفية مرة أخرى".

ولفت إلى أنّ "البقاء في داخل إسرائيل دون الحصول على ترخيص للإقامة بداخلها، من شأنه أن يعرّض العمال الفلسطينيين لمخاطر عديدة من بينها الاعتقال، وحرمانهم من تجديد تصاريح عملهم مرة أخرى، وهو ما يدفعهم للالتفاف على الحواجز العسكرية الإسرائيلية، وإجراءات الاحتلال العنصرية وسلوك طرق أخرى خطرة؛ كالقفز من فوق الجدار باستخدام السلالم الخشبية والحبال، والدخول في أنابيب مياه الصرف الصحي".
معاناة حياتية مستمرة

القفز من فوق الجدار
ويبين الرفاتي: "بعد تخطي الجدار العازل يتم السير على الأقدام لمسافات طويلة تتجاوز أكثر من 10 كيلو مترات بين الجبال والمناطق الوعرة للوصول إلى أماكن عملنا، كما نضطر في كثير من الأحيان لدفع مبالغ مالية باهظة لبعض السائقين لتهريبنا داخل سياراتهم، أو بين البضائع المتواجدة في شاحناتهم للدخول إلى "إسرائيل"، إلا أنّ تلك المحاولات لا تخلو من المخاطر الكبيرة، في حال جرى اكتشافنا من دوريات جيش الاحتلال، التي تكثّف من تواجدها في هذه المناطق، وتعمل على تفتيش السيارات الكبيرة التي تشتبه بها".

اقرأ أيضاً: هكذا تنتهك إسرائيل الحقوق الرقمية للفلسطينيين
وأوضح الرفاتي "تعرّضت مراراً برفقة مجموعة من العمال للملاحقة من قبل دورية إسرائيلية، أثناء سلوكنا إحدى الطرق الوعرة للوصول إلى أعمالنا، حيث انهال علينا أفراد الدورية بالضرب المبرح ببنادقهم، وركلونا بأرجلهم في جميع أنحاء جسدنا، ونكّلوا بنا، وأجبرونا على شتم أنفسنا، والركض لمسافات طويلة".
وتابع: "الظروف الاقتصادية الصعبة، وارتفاع معدلات البطالة داخل الضفة الغربية، وقلة فرص العمل، وتدني الأجور، كل ذلك دفع العمال الفلسطينيين للعودة للعمل داخل إسرائيل، والقفز مجدداً من فوق الجدار العازل، والذي أدّى في أحيان عديدة إلى إصابة عدد كبير منا بكسور ورضوض مختلفة، نتيجة سقوطهم، بعد محاولات قوات الجيش ملاحقتنا وإلقاء القبض علينا".

 يتم الانتظار عبر البوابات الحديدية والمزدحمة بالعمال لساعات طويلة

استغلال العمّال الفلسطينيين
ولا تختلف تجربة وليد السويطي (39 عاماً) من بلدة الظاهرية جنوب مدينة الخليل كثيراً عن الرفاتي؛ "في تمام الساعة الثالثة صباحاً أخرج من بيتي وأمضي من ساعتين إلى ثلاث للوصول إلى حاجز (ترقوميا) بالمدينة، والذي يتم الانتظار عبر بواباته الحديدية والمزدحمة بالعمال لساعات طويلة؛ حيث لا يُسمح لنا بالدخول إلى الأراضي المحتلة والوصول إلى أماكن عملنا، إلا بعد خضوعنا للتفتيش الأمني والجسدي".

عمال: نضطر للالتفاف على الحواجز وإجراءات الاحتلال العنصرية بسلوك طرق أخرى خطرة كالقفز فوق الجدار

ولفت السويطي في حديثه لـ "حفريات" إلى أنّ "العامل الفلسطيني داخل إسرائيل معرّض لفقدان تصريح عمله في أي وقت، والذي يتم الحصول عليه أحياناً من قبل سماسرة التصاريح؛ حيث يتم الاتفاق مع أحدهم على استصداره مقابل حصوله على مبلغ 2000 شيكل شهرياً (600 دولار أمريكي)، ويجري تجديده كلّ ثلاثة أشهر تقريباً".

ويشير إلى أنّ "هذه التصاريح تحرم العمال من الحصول على مستحقاتهم المالية والقانونية من قبل أرباب العمل الإسرائيليين في نهاية خدمتهم، أو عند تعرضهم لأيّة إصابة طارئة أثناء عملهم، كما يتم استغلالهم لساعات طويلة تحت أشعة الشمس الحارقة، وفي البرد القارص، مقابل حصولهم على أجور مالية زهيدة، لا تتجاوز 100 شيكل يومياً (27 دولاراً أمريكياً)".

 أجور مالية زهيدة

سلوك الطرق الالتفافية

وبيّن السويطي أنّه "في حال عدم حصولي على تصريح من قبل وزارة العمل أو أحد السماسرة، يتم اللجوء إلى الطرق الالتفافية للدخول إلي داخل إسرائيل، كتجاوز الجدار العازل والأسلاك الشائكة وأنابيب الصرف الصحي، وذلك من خلال الاتفاق مع بعض سائقي شاحنات البضائع، وسيارات الباطون الجاهز، والثلاجات التي تستخدم لحفظ اللحوم، لإيصالي لمكان عملي مقابل حصول السائق على مبلغ يزيد على 130 شيكلاً (37 دولاراً أمريكياً)".

اقرأ أيضاً: هل تسعى إيران إلى تسليح الفصائل الفلسطينية في الضفة الغربية؟

وتابع السويطي: أنّه "لتجنب رحلة العذاب اليومية، نمكث في كثير من الأحيان برفقة عدد من العمال داخل إسرائيل، لعدة أشهر، بعيدين عن بيوتنا وعائلاتنا، حتى لا يتمّ إلقاء القبض علينا من قبل السلطات الإسرائيلية، التي تقوم بفرض غرامات باهظة علينا في حال جرى اعتقالنا، وإصدار أحكام قضائية بحقنا تصل للسجن لمدة تزيد على العام داخل المعتقلات الصهيونية، بحجّة دخول الأراضي المحتلة بشكل غير قانوني".

عدد العمال الفلسطينيين الذين يعملون داخل "إسرائيل" يقدَّر بحوالي 160 ألفاً

أعمال خطرة
من جهته، يقول الأمين العام لاتحاد نقابات عمال فلسطين، شاهر سعد، إنّ "عدد العمال الفلسطينيين الذين يعملون داخل "إسرائيل" يقدَّر بحوالي 160 ألفاً وذلك في قطاعات مختلفة، أبرزها البناء والزراعة، ومن بينهم 35 ألف عامل يعملون داخل المستوطنات الإسرائيلية"، مؤكداً في حديثه لـ "حفريات" أنّ عدد العمال الذين يحملون تصاريح عمل نظامية لا يتجاوز70  ألفاً، فيما يبلغ عدد الذين يعملون بالطرق غير القانونية حوالي 35 ألفاً، ويدخلون بطرق مختلفة".

ويضيف في حديثه لـ"حفريات": "العمال الفلسطينيون يتعرضون على الحواجز الإسرائيلية لأبشع الإجراءات الإسرائيلية المهينة، ويقعون ضحية التفتيش الأمني المذلّ، كما يستغل أرباب العمل الإسرائيليين هؤلاء العمال للعمل في القطاعات الخطرة"، لافتاً في هذا السياق إلى أنّ الفترة بين كانون الثاني (يناير) حتى 18 حزيران (يونيو) لهذا العام، شهدت وفاة أكثر من 32 عاملاً في إسرائيل من بينهم 20 عاملاً فلسطينياً من الضفة الغربية، بنسبة تقدر بـ65% من مجموع وفيات العمال في إسرائيل".

اقرأ أيضاً: طريق الحجاج: محاولة إسرائيلية بائسة لخلق تاريخ مزيف لليهود

ولفت سعد إلى أنّ "المشغلين الإسرائيليين يبتكرون طرقاً عدة للنصب والاحتيال على العمال الفلسطينيين، خاصة الذين لا يحملون تصاريح عمل نظامية، ويدفعونهم للعمل لساعات طويلة بأجور مالية متدنية، دون حصولهم على أيّة ضمانات قانونية أو تأمينات صحية، إضافة لانتشار سماسرة التصاريح الذين ينهبون حقوق العمال الفلسطينيين، ويحصلون على ما يقارب من 700 دولار أمريكي شهرياً من العامل الفلسطيني، مقابل توفير تصريح عمل له داخل إسرائيل".

يلجؤون للالتفاف على الحواجز العسكرية الإسرائيلية

تطوير الحواجز العسكرية

وبحسب صحيفة "هآرتس" العبرية؛ فإنّ "وزارة المالية وسلطة السكان والهجرة في إسرائيل، تدرس إمكانيات مختلفة لاستغلال حوالي 380 مليون شيكل تراكمت في صندوق التعويض عن المرض، التي جُمعت من العمال الفلسطينيين العاملين في أراضي 48، لتطوير الحواجز العسكرية".

وتكشف البيانات الرسمية الإسرائيلية؛ حصول نسبة ضئيلة من العمال الفلسطينيين على رسوم المرض؛ ففي الأعوام من (2014 حتى 2017)، استفاد فقط ما نسبته 1،5% من العمال استحقاقهم لرسوم المرض، لكن منذ بدء العام  2018، لم يحصل أيّ عامل على هذه الرسوم.



انشر مقالك

لإرسال مقال للنشر في حفريات اضغط هنا سياسة استقبال المساهمات

آخر الأخبار

الصفحة الرئيسية