حروب الشمس: الصراع على الطاقة في العالم العربي

الصراع على الطاقة

حروب الشمس: الصراع على الطاقة في العالم العربي


27/08/2018

أدى الاستخدام المكثّف للطاقة التقليدية المتمثلة بشكل خاص في النفط خلال القرن العشرين إلى استنزاف متسارع لمخزوناته، كما تعالت الأصوات المحذّرة من الاعتماد عليه على المدى البعيد لما له من أضرار بالغة على صحة الإنسان والبيئة، فضلاً عن الدراسات التي تحمّل احتراقات الوقود الأحفوري مسؤولية الاحتباس الحراري وارتفاع درجة حرارة الأرض إضافة إلى الأمطار الحامضية والعديد من المشاكل البيئية التي استجدّت على الأرض.

لم يتوقف الأمر عند هذا الحد؛ إذ سبق ذلك دخول العالم في صراعاتٍ مريرة منذ صعود الثورة الصناعية مطلع القرن العشرين، نال منها الشرق الأوسط نصيبه الكبير، مع ازدياد الحاجة للسيطرة على المساحات الجغرافية التي تضم مخزوناتٍ كبيرة للطاقة.

ومع دخول القرن الحالي اتجهت الأنظار إلى مصادر الطاقة المتجددة والغاز الأقل تلويثاً والأكثر كفاءة، إلا أنّ الصراع بشأنها أيضاً لم يتوقف، بل تغيّرت أدواته وأساليبه، في ظلّ معاناة معظم الدول الكبرى من "فقر شمسي" بما يمكن أن يلقي بتأثيراته المستقبلية على العالم العربي الغني أيضاً بهذا المصادر الجديدة.

صراع الطاقة الأزلي

طالما كانت مجانية، مثلها مثل الهواء والماء، غير أن مساعي تقسيم الشمس موجودة وممكنة، من خلال تقسيم المساحات على الأرض، ومحاولة السيطرةِ على المناطق الجغرافية الأكثر سطوعاً مع أقل حرارة ممكنة؛ حيث تعدّ هكذا مناطق، مثاليةً من أجل نشر الخلايا الشمسية، وتوليد الطاقة من خلالها.

العالم العربي، يتميز بصحاريه التي تتسيّدها الشمس، وحتى قلبه النابض، الكامن في الشرق الأوسط، يتمتع بساعاتِ سطوعٍ طويلةٍ عموماً، ومثال ذلك مدينة معان الأردنية، التي تسطع فيها الشمس بما معدله 330 يوماً في السنة، من أصل 365 يوماً.

العالم العربي يتميز بصحاريه التي تتمتع بساعاتِ سطوعٍ طويلةٍ للشمس معظم أيام العام

بالمقابل، ومن غرب العالم العربي انطلاقاً من الجزائر وليبيا، وصولاً إلى شرقه في اليمن، يمكن رسم خطٍ طويل، يشمل الدول التي يمكن الاستفادة بشكلٍ كبيرٍ من الطاقة الشمسيةِ فيها، بينما تحيطها الدول الكبرى؛ كأمريكا وروسيا والصين، ودول أخرى. وبدايةً، يمكن استشراف الصراع المقبل على مساحاتِ الشمس، من خلال النظر في الصراع الحالي القائم على الغاز، فكما يقال؛ يجلس العالم العربي على بحرٍ من الغاز، إما يكون مفتاح استقراره، أو مفتاح انفجاره. وذلك من خلال المشاريع التنافسية الضخمة بين دول الشرق الأوسط، التي تقف خلفها شركاتٌ تمثل مصالح دولٍ كبرى.

اقرأ أيضاً: السعودية تكتسح عالم الطاقة الشمسية بقوة

تعمل في هذا المجال شركاتٌ كبرى، مثل إكسون موبيل الأمريكية، وغاز بروم الروسية، وتخطط دولٌ عربية ودولٌ غربية، لتعزيز قدراتها على كسب حقوق استخراج الغاز، وتصديره لتزويد العالم، وتحديداً؛ أوروبا، حيث يشكل هذا مفتاح كسبٍ اقتصادي كبير وسيطرة سياسية.

روسيا تزود أوروبا بـ27% من حاجتها للغاز وتخطط لرفع هذه النسب بمدّ أنابيب تمر بدولٍ كسوريا وتركيا ولبنان

روسيا مثلاً، تزود أوروبا بما معدله 27% من حاجتها للغاز، وتخطط لرفع هذه النسب، من خلال مد أنابيب تمر بدولٍ مثل؛ سوريا وتركيا ولبنان عبوراً إلى أوروبا، بينما تعمل دولٌ مثل "إسرائيل"، ومصر، على مد أنابيب الغاز من حقولها في البحر المتوسط، وإيصاله إلى أوروبا أيضاً.

ولعل الصدام بين قوىً كأمريكا وروسيا، يكمن في تواجد حقول الغاز الأكثر مخزوناً، قرب شواطئ البحر المتوسط، يقع بعضها ضمن حدود بحرية غير مرسمة بعد، ويعود بعضها إلى لبنان أو سوريا أو "إسرائيل"، إضافةً إلى رفض دولٍ مثل سوريا، مرور بعض مشاريع خطوط الغاز من أراضيها، لصالح خطوطٍ لدولٍ أخرى كإيران وروسيا، مما يعزز الصراع بين الأطراف على من يستفيد من تزويد العالم بالغاز واحتكار النسبة الأعلى من هذا التزويد، وفق تقارير عديدة، تناولت هذا الشأن.

فيديو حول صراع الغاز:

 

 

ولا ينتهي الصراع بشأن الغاز، بل يتأجج، ومثاله الأكبر، التدخل العسكري الروسي في سوريا، حيث تسعى وفق تقارير، إلى عرقلة مشروع قطري أمريكي لمد الغاز إلى أوروبا عبر أراضي السعودية والأردن، مروراً بسوريا وتركيا، وصولاً لأوروبا، مُحاولةً السيطرة على إمدادات الغاز، إضافةً إلى عقودها المبرمة للتنقيب عن الغاز والبترول في سوريا.

تقرير حول روسيا والغاز: 

 

 

من يسرق الشمس؟

وبالعودة إلى الشمس، وتعد أشعتها الأكثر وفرةً ومجانية، وتسطع فوق رؤوس الجميع، إلا أنها وبالنظر إلى الصراع الحالي على مصادر الطاقة غير المتجددة، فإنّها ربما تكون مبعث الصراعات القادمة في الشرق الأوسط، هذا الاحتمال يمكن أخذه بجدية، في حال تم إيجاد وسائل لتخزين ناتج الطاقة الشمسية، ومن ثم نقلها وتصديرها؛ وبهذا الشأن، يقول مهندس الطاقة الشمسية الأردني عبدالله دحيدل في تصريح لـ (حفريات): "مسألةُ الثبات في مصادر الطاقة المتجددة هي الأساس، ففي حال تحسين وسائل تخزين الطاقة الصادرة عن الشمس، وتوفر القدرة على نقلها في كوابل إلى دولٍ أخرى، فإن صراعاً محتملاً حولها، ربما يحتدم".

دحيدل: الدول التي تفتقد إلى أوقات سطوعٍ طويلة للشمس تحتاج لمساحاتٍ تضع فيها الخلايا الشمسية لتحصل على الطاقة

وبسؤاله عن الدول الكبرى كأمريكا وروسيا، ودورها في هذا الصراع، رأى دحيدل أنّ "الدول التي تفتقد إلى أوقات سطوعٍ طويلة للشمس، تحتاج إلى مساحاتٍ تضع فيها الخلايا الشمسية لتحصل على الطاقة من دولٍ ومساحاتٍ تتوفر فيها أشعة الشمس بسطوعٍ عالي، وهناك تنافس أصلاً على مصادر الطاقة غير المتجددة، في الشرق الأوسط وإفريقيا ودولٍ أخرى".

أما بخصوص احتمالات احتكار الطاقة الشمسية، فأضاف دحيدل أنّ "مفاتيح الاحتكار بأيدي الدول التي تمتلك تقنيات وأدوات تصنيع الخلايا الشمسية، مثل؛ فرنسا وألمانيا وبريطانيا، ويكمن في تجهيز محطات الطاقة الشمسية الكبرى بتكاليف عالية، تسمح لها بالاستفادة لسنوات من بيع طاقة هذه المحطات".

اقرأ أيضاً: مشروع إماراتي مغربي يُزود آلاف المنازل القروية بالطاقة الشمسية

ويذكر أنّ هذه الدول، تمتلك مشاريع طاقة شمسية في إفريقيا والشرق الأوسط مثل "ديزرتيك" الذي تقوده الشركات الألمانية منذ انطلاقته العام 2009، و"ترانسغرين"، وهو مشروع فرنسي ضمن ما سمّي الاتحاد من أجل المتوسط منذ انطلاقته العام 2010، فيما أعلنت بريطانيا عن مشروع "تونور" العام 2013".

تتواجد حقول الغاز الأكثر مخزوناً في البحر المتوسط بعضها ضمن حدود بحرية غير مرسمة

بينما تسعى دولٌ عربية مثل؛ السعودية والإمارات والأردن وقطر، للاستفادة من الطاقة الشمسية في توليد الطاقة الكهربائية، وتحسين شبكاتها الكهربائية من أجل أكبر استفادةٍ ممكنة. إذ تقاس نسب الطاقة المتولدة من أشعة الشمس بالـ"غيغا واط"، وتتجه هذه الدول إلى سد حاجاتها بتوليد معدلاتٍ تتجاوز العشرين غيغا واط خلال العقود القليلة القادمة.

وكان دحيدل، أشار إلى إمكانية الاستفادة المباشرة، وخفض مسائل تتعلق بالتبعية للدول المصنعة للخلايا الشمسية، بقوله إنّ "الخلايا يتم تصنيعها أساساً من مادة السيليكا، وهي تصنع بصورةٍ أساسية من الرمال التي تغطي الصحارى العربية، وببعض التخطيط والمحاولة، يمكن الاعتماد على تصنيع جزءٍ من الأدوات التقنية لتوليد الطاقة الشمسية، في الدول العربية، بدلاً من تركها للدول والشركات الغربية".

دحيدل: مفاتيح احتكار الطاقة الشمسية بأيدي الدول التي تمتلك تقنيات وأدوات تصنيع الخلايا الشمسية

المشاريع الضخمة للطاقة الشمسية لا تغيب، الدعايات المحلية في بعض الدول العربية حول الاستفادة الفردية في البيوت من الطاقة الشمسية حاضرة، وتوجد بيوت وجامعاتٌ ومنشآت، تعمل باكتفاء كليٍ من خلال الطاقة الشمسية، التي تقدم كفاءة 100% لمدةٍ لا تقل عن 25 عاماً، لتهبط كفاءتها إلى 80% فقط بعد هذه المدة. ويمكن لبعض الدول مثل الصين، أن تقدم للدول العربية تقنيات توليدٍ وأدوات أقل كلفة.

لكن، حروب مصادر الطاقة مثل الغاز تحديداً، لم تنته بعد. الاستقرار الأمني المأمول والمطلوب من أجل مد خطوط غازٍ في عدة دولٍ عربية كالعراق وسوريا وليبيا، لم يتحقق بعد، أما الشمس، فينتظرها تطور وسائل تخزين الطاقة الصادرة عنها، وتحديد مناطق النفوذ والخلايا الشمسية ومدى سيطرة مصنعيها، حتى يمكن التساؤل حينها؛ إن كانت ستغطي بالكاد حاجة الدول التي توجد فيها، وتكون محل صراع، أم ستسهم الشمس، في شبكة طاقة أوروآسيوية موحدة، همها الاستقرار والتقدم؟


آخر الأخبار

الصفحة الرئيسية