جنون العظمة الذي أصاب أردوغان

جنون العظمة الذي أصاب أردوغان


30/01/2018

نشر الكاتب والمؤلف دييغو كوبولو مقالة في مجلة “أتلنتك” الأمريكية تحت عنوان “أردوغان مصاب بجنون العظمة”، ينتقد فيها سياسات الرئيس التركي الداخلية والخارجية. ووفقًا له فإن أردوغان بات ينتهج “سياسة الضحية” في أعقاب محاولة الانقلاب عام 2016 من جهة، وسياسة “دبلوماسية الرهائن” من أجل المفاوضات الثنائية الدولية من جهة ثانية، ومن جهة ثالثة سياسة اختلاق الحقائق البديلة المدعومة بنصف الحقيقة التي تصوره على أنه منقذ لشعوب العالم المضطهدة، بينما “كل شخص آخر هو عدو”.

كما وتطرق الكاتب إلى شهادة رجل الأعمال التركي الإيراني رضا زراب أمام المحاكم الأمريكية، وقال إنها قد تدمر سمعة أردوغان المحلية والدولية؛ فهنالك مسؤولون أتراك شغلوا مناصب وزارية تحت رئاسة أردوغان متورطون في أكثر من قضية أمام محكمة منهاتن الأمريكية.

لقد تحول أحد المتهمين الرئيسيين في خرق العقوبات المفروضة على إيران إلى أهم شاهد عليها، فبعد أسابيع من التكهنات، اعترف رضا زراب، رجل الأعمال التركي الإيراني، بقيامه بمساعدة الكيانات الإيرانية في التهرب من العقوبات الأمريكية من خلال شبكة أعماله الدولية، وربما بمساعدة من البنوك التركية والمسؤولين الحكوميين الأتراك. واليوم، من المفترض أن يدلي زراب بشهادته أمام محكمة منهاتن الأمريكية، ومن المرجح أن تطال شهادته شخصيات بارزة من الجانبين التركي والأمريكي متورطة في هذه القضية. وقد لعب زراب دورًا مركزيًا في وضع مخططات مكّنت إيران من شراء الذهب بإيرادات النفط والغاز في الوقت الذي كانت فيه البلاد تخضع للعقوبات الأمريكية.

وُجهت التهم إلى زراب إلى جانب متورطين أتراك آخرين، مثل محمد هاكان آتيلا، وهو مصرفي تركي رهن الاحتجاز في الولايات المتحدة، وسبعة متهمين آخرين بعضهم شغل مناصب وزارية تحت رئاسة رجب طيب أردوغان، رئيس تركيا.

وبما أن زراب يتعاون الآن مع المدعين العامين الأمريكيين، فمن المرجح أن تؤدي شهادته إلى تدمير سمعة أردوغان المحلية والدولية، قبيل الانتخابات الرئاسية التركية لعام 2019. ولهذا السبب يحاول أردوغان ضرب هذه المحاكمة واصفًا إياها بالمؤامرة الأمريكية الهادفة إلى تقويض اقتصاد تركيا، وهذا هو السبب الذي دفعه إلى إطلاق سيل جارف من الخطابات المناهضة للولايات المتحدة. شهادة زراب قد تكشف أيضًا عن محاولات التعاون ما بين إدارة ترامب والحكومة التركية فيما يخص تسليم غولن من خلال نجل مايكل فلين، مستشار الأمن القومي السابق في إدارة ترامب، مقابل 15 مليون دولار، الأمر الذي دفع المسؤولين الأمريكيين إلى التحقيق فيما إذا كان فلين يتواصل بمحادثات سرية مع المسؤولين الأتراك لتسليم زراب أيضًا.

وكان فلين قد تلقى 530 ألف دولار للعمل في مجال الضغط والتأثير حسب وزارة العدل الأمريكية؛ إذ عمل بشكل أساسي لصالح الجمهورية التركية. من شأن هذا العمل الضاغط من الحكومة التركية عبر فلين أن يؤدي إلى عواقب خطيرة جدًا عند ربطه بالقرارات السياسية في الولايات المتحدة.

ومن الأمور المثيرة للاهتمام أيضًا قيام ترامب بطرد المدعي الأمريكي العام “بريت بهارارا” الذي حوّل قضية زراب إلى المحكمة؛ المدّعي العام ذاته الذي اتهمه المسؤولون الأتراك بمناصرة غولن لتقويض الحكومة التركية. وبالتالي فإن أي دليل يثبت بأن فصل “بهارارا” جاء بضغط من المسؤولين الأتراك من شأنه أن يفجر العلاقات التركية الأمريكية، وأن يدمر السياسة الأمريكية الداخلية كذلك. وهنالك إشارات واضحة بالفعل إلى أن فصل “بهارارا” جاء بضغط من الحكومة التركية.

هنالك تسجيلات هاتفية جرت عام 2013 تثبت بأن أردوغان أمر نجله بإخفاء مبالغ نقدية كبيرة، وحين عرض الأمر على المحكمة التركية تم عزل القضاة سريعًا برغم خطورة ما تم الكشف عنه. هذه الفضائح التي تبيّن توجه أردوغان نحو الكسب غير المشروع وصفت بأنها مؤامرة “غولنية” تهدف للإطاحة بتركيا. وردًا على هذه الفضيحة، قام المسؤولون الحكوميون الأتراك بعزل وإعادة تعيين القضاة وضباط الشرطة المشاركين في التحقيق.

والآن، يخشى أردوغان من أن تمنح الأدلة والشهادات في قضية زراب مصداقية للتهم الموجهة لحكومته منذ فترة طويلة. كما ويساور أردوغان القلق من أن تؤدي المحاكمة إلى فرض عقوبات وغرامات على البنوك التركية، مما يضعف الاقتصاد التركي غير المستقر أصلًا، بالإضافة إلى تمهيد الطريق نحو مزيد من الاتهامات ضد المسؤولين الأتراك.

من الأمور الهامة أيضًا أن الشرطة في تركيا كانت قد اقتحمت منزل المدير التنفيذي السابق لبنك “هالك” التركي، السيد سليمان أسلان، وعثرت بحوزته على 4,5 مليون دولار رشاوى من زراب، إلا أن أردوغان فاجأ الجميع بدفاعه عن أسلان حين قال في خطابه بتاريخ 21 نوفمبر إن “اقتحام بيت أسلان فخ من أسوأ الفخاخ في التاريخ”، وذلك دفاعًا عن قضائه المتناقض ودعمًا لحزبه الحاكم، كما روى قصصًا متناقضة بتسلسلها الزمني متعمدًا ترويج قراءته للتاريخ.

وفي إطار جهود أردوغان للتضليل، يقوم المسؤولون الأتراك ووسائل الإعلام الموالية للدولة بدفع نظريات المؤامرة إلى الواجهة كل يوم، مدعين بأن جهات أجنبية تحاول إضعاف الجمهورية التركية. لقد تجاوز الخطاب التركي حدود ما يسميه الغربيون “الأخبار المزيفة”، بل ينتهج النظام التركي سياسة خلق الحقائق البديلة، مدعومة بنصف الحقائق التي تصور أردوغان على أنه منقذ شعوب العالم المضطهدة، وعندما يفشل أردوغان فإنه يلقي باللوم على الجهات الأجنبية الفاعلة.

كما وبدأ أردوغان بانتهاج “سياسة الضحية” منذ محاولة الانقلاب في عام 2016، حيث شرع بحملات تطهير ضد الآلاف ممن حاولوا مخالفة سياساته المحلية والدولية. عمليات التطهير وضعت تركيا على خلاف مع دول الناتو، إذ أن العديد من مواطني تلك الدول باتوا محتجزين لدى السلطات التركية بحجة التآمر مع الانقلاب. اليوم، يُحتجز حوالي عشرة مواطنين أمريكيين في تركيا بتهمة التعاون مع المتآمرين، كما ألقي القبض على اثنين آخرين من موظفي البعثة الدبلوماسية الأمريكية بتهم مماثلة، ما دفع المحللين إلى التأكيد على أن إدارة أردوغان اتخذت نهج “دبلوماسية الرهائن” في المفاوضات الثنائية.

لقد فشل أردوغان في حث الولايات المتحدة على تسليم غولن لتركيا، بل اعتبر انعدام التعاون الأمريكي – التركي في هذا الشأن إهانة شخصية. هذه التوترات المستمرة أدت إلى تراجع الليرة التركية في الأسابيع الأخيرة. ولا يستبشر المحللون خيرًا في قضية زراب بالنسبة لتركيا؛ لذا قد تلجأ حكومة أردوغان إلى تصعيد الأزمة برفضها الامتثال للضغط الأجنبي، لينتهي المطاف بفرض عقوبات وغرامات قاسية على المؤسسات التركية. في المقابل، يعتقد الكثيرون من صناع السياسة الأمريكية بأن العقوبات على تركيا قد تحث أردوغان على التراجع عن سياساته قبيل الانتخابات في العام 2019.

عن"كيوبوست"




انشر مقالك

لإرسال مقال للنشر في حفريات اضغط هنا سياسة استقبال المساهمات

آخر الأخبار

الصفحة الرئيسية