5 رسائل يمكن قراءتها من قمة بغداد

5 رسائل يمكن قراءتها من قمة بغداد


30/08/2021

في خطوة لدعم استقرار العراق تم عقد "مؤتمر بغداد" للتعاون والشراكة الذي تشارك فيه تسع دول هي: السعودية والكويت والأردن وتركيا وإيران والإمارات وقطر وفرنسا ومصر، خطوة هي الأبرز والأكثر تأثيراً منذ العام 2003، لإعادة العراق الى محيطه العربي والدولي بعد أعوام من العزلة والتدخل الإيراني.

انطلق المؤتمر من فكرة أساسية أكدتها التجارب خلال العقدين الماضيين وهي أنّ استقرار العراق هو استقرار لدول المنطقة، ويعطي اطمئناناً للشعب ولدول الجوار، فقد أدرك العالم متأخراً أنّ عليه أن يعمل على استقرار العراق لاستقرار المنطقة، وأنّ عناصر الاستقرار تشمل الملف الأمني والسياسي والاقتصادي، كما انطلق المؤتمر في توقيت غاية في الحساسية، وله تأثيرات داخل العراق على المستوى المحلي، ويؤثر على تنافس السياسي بين أطراف كثيرة.

اقرأ أيضاً: بعد قمة بغداد: هل يعود العراق لاعباً دولياً في المنطقة؟

 منذ بدء الإعلان عن عقد قمة بغداد وحتى الآن، لا يزال النقاش دائراً حول فكرة ما إذا كان هذا المؤتمر قادراً على تحسين وضع العراق؛ فالقمة جمعت الأضداد من دول الجوار، فإيران والسعودية لم يكن من السهل جمعهما معاً ولا في مؤتمر واحد، وكذلك قطر ومصر، غير أنّ الشواهد تدل أن ما وراء القمة أقوى بكثير من خلافات المشاركين.

انطلق المؤتمر من فكرة أساسية هي أنّ استقرار العراق هو استقرار لدول المنطقة

أيضا صاحب عقد القمة تباين في التوقعات المرجوة منه، ففي الوقت الذي يرى فيه الكثير من المراقبين أنّ القمة ستساعد العراق على استرجاع مكانته في المنطقة، ولعب دور سياسي بارز بعد فترة من الضعف والانسحاب، يرى البعض أنّ القمة استنزفت في حل قضايا المنطقة، وتبريد الخلافات الإقليمية على حساب قضايا العراق الحقيقية.

ومع انتهاء أعمال المؤتمر يمكن قراءة المشهد بعين مختلفة، فالمؤتمر حمل العديد من الرسائل سواء للداخل العراقي أو للمحيط العربي والإقليمي أو للقوى العالمية والدولية، ويمكن رصد أكثرها وضوحا كالتالي:

الرسالة الأولى: الوجود الفرنسي بديلاً عن الأمريكي

الحضور الفرنسي، يعد أكثر رسائل المؤتمر وضوحاً، ففي ظل غياب الولايات المتحدة الأمريكية، وتصريحات الرئيس الفرنسي في المؤتمر ببقاء بلاده بالعراق دون النظر لموقف الولايات المتحدة الأمريكية، بدا أننا أمام إحلال راعٍ دولي بدل آخر، هذه الرعاية للعب دور أكثر حيوية داخل العراق، وملء نوع من الفراغ الذي سيتركه الانسحاب الأمريكي من الملف العراقي نسبياً.

 

المؤتمر حمل العديد من الرسائل سواء للداخل العراقي أو للمحيط العربي والإقليمي أو للقوى العالمية والدولية

باريس هنا ليست ممثلة عن نفسها؛ فإمكاناتها منفردة لا تسمح بشغل الفراغ الأمريكي، ولكن الأقرب أنها موجودة بالنيابة عن الاتحاد الأوروبي، فما يحدث في العراق من فوضى أمنية له آثاره السلبية على أوروربا، كما أنّ الوجود الفرنسي يسمح بالتعامل مع الملف الإيراني بالعراق بطريق أقل التهاباً من الأمريكان، ولكنه في الوقت نفسه سيكون أشد قسوة مع الجانب التركي، وعلى أنقرة أن تدرك أنّ التساهل الأمريكي بتدخلها السافر في العراق انتهي، وهي أمام فصل جديد لن يسمح لها بمزيد من التدخلات.

الرسالة الثانية: العراق على الحياد

الرسالة الثانية وهي موجهة لمحيط بغداد العربي والإقليمي، مضمونها أن العراق ليس مع أحد ضد أحد، وليس ضمن أي محور من المحاور في المنطقة، وأنّه يرفض أن يكون ساحة لتصفية الصراعات، تظهر هذه الرسالة بوضوح في كلمة افتتاح المؤتمر لرئيس الوزراء العراقي مصطفى الكاظمي، الذي أكد على هذه الرسالة بقوله "إنّ العراق يرفض استخدام أراضيه منطلقاً للصراعات"، وأنّ "العراق يسعى لإقامة أفضل العلاقات وعدم التدخل بالشؤون الداخلية للدول أو منطلقا للاعتداء على الآخرين".

وتطبيقاً لحياد العراق ودوره القادم في حمل رسائل المصالحة بين الأشقاء العرب، تمت على هامش المؤتمر سلسلة من الاجتماعات الجانبية بين دول عربية يسود الفتور في العلاقات في ما بينها وربما القطيعة منذ أعوام عدة، إذ التقى أمير قطر تميم بن حمد مع الرئيس المصري عبدالفتاح السيسي بمقر إقامة الأخير، وهو لقاء استمر لنحو 25 دقيقة، ولم يتطرق إلى مواضيع حساسة أو جوهرية بين الطرفين. كما التقى رئيس مجلس الوزراء الإماراتي وحاكم دبي الشيخ محمد بن راشد آل مكتوم مع أمير قطر تميم بن حمد في أول لقاء خاص من نوعه بين مسؤولين كبار من الدولتين، لكن لم يُعلن عن نتائجه.

الرسالة الثالثة: التنمية سبيل الاستقرار

الرسالة الثالثة هي للداخل العراقي بمكوناته العرقة والمذهبية واتجاهاته السياسية، مفادها أنّ استمرار تدهور الأوضاع الأمنية والاحتراب الداخلي سيمنع من تعافي الاقتصاد العراقي، وأنّ على الجميع التوقف عن إشعال الصراعات، والالتفاف حول برنامج الإصلاح الاقتصادي باعتباره سبيل العراقيين نحو استعادة اقتصادهم القوي، ولعل أهم القوى السياسية التي ستصلها هذه الرسالة هي التيار الصدري والحزب الشيوعي العراقي وتحالف الفتح، وائتلاف المالكي، وكل القوى الحليفة لها.

 

إمكانات فرنسا المنفردة لا تسمح بشغل الفراغ الأمريكي ولكن الأقرب أنها موجودة بالنيابة عن الاتحاد الأوروبي

 مؤتمر بغداد يمثل فرصة للحصول على شراكة إقليمية وتعاوناً عربياً على هذا الصعيد، بضخ المزيد من الاستثمارات فالاقتصاد العراقي واجه في السنوات الأخيرة العديد من التحديات، التي عكست كافة الأوضاع السياسية السيئة التي مرت بها العراق خلال العقود الماضية، والمتمثلة فيما خاضته من حروب دموية (الحرب مع إيران 1980-1988، وغزو الكويت 1990) وسنين طويلة من الحصار الاقتصادى لمدة ثلاثة عشر عاماً (1991- 2003)، وتلاها الاحتلال الأمريكي للعراق (2003-2011)، والصراع مع تنظيم داعش الإرهابي، وما سببه من تدمير جزء كبير من البنى التحتية بالمدن التى كانت تحت سيطرة التنظيم بلغ أكثر من 45 مليار دولار.

واليوم تسعى الحكومة العراقية برئاسة مصطفى الكاظمي لوضع حلول تساعد على خروج الاقتصاد العراقي من أزمته، وتعيد له دوره الإقليمي وتغير من طبيعته الأحادية، وتحسن من إدارة الوضع المالي، فقامت بإطلاق برنامج وطني عُرف باسم الورقة البيضاء في تشرين الأول (أكتوبر) 2020، يهدف إلى تحقيق التنمية المستدامة، من خلال تطبيق مجموعة من الإصلاحات قائمة على خمسة محاور تشمل: تحقيق الاستقرار المالي، وتحقيق إصلاحات اقتصادية كلية، وتوفير الخدمات الأساسية وتطوير الحوكمة والبيئة القانونية، وتحسين البنى التحتية الأساسية، وتوفير الخدمات الأساسية.

الرسالة الرابعة: القضاء على الإرهاب وليس توظيفه

الرسالة الرابعة ضرورة القضاء على التنظيمات الإرهابية وهي رسالة موجهة للدول التي ترعى الجماعات الإسلامية المسلحة، والتي توظفها خدمة لمصالحها، فقد اتفق الحضور على ضرورة محاربة الإرهاب والقضاء عليه، وحملت كلمة الرئيس المصري إشارة واضحة لرفضه سياسة ترحيل عناصر الجماعات الإرهابية إلى دول أخرى دون الإشارة لتلك الدول، مؤكداً أنّ تجربة مصر في مواجهة الإرهاب يمكن نقلها إلى العراق لمواجهة خطر هذه التنظيمات، لتحقيق مستقبل واعد وتجاوز الصعاب.

اقرأ أيضاً: اختتام قمة بغداد.. هذا ما اتفقت عليه الوفود المشاركة

كما تحدث وزير الخارجية السعودي، فيصل بن فرحان، مؤكداً أنّهم "مستمرون بالتنسيق مع العراق لمواجهة خطر الإرهاب والتطرف، والتطلع للعمل مع إخواننا في العراق لتحقيق التعايش السلمي".

الرسالة الخامسة: إيران لن تتخلى عن الوصاية على العراق

الرسالة الخامسة هذه المرة من إيران للمجتمعين وهي تؤكد على استمرار تواجدها في بغداد وأنها لن تتخلى عن هيمنتها بسهولة، فمعلوم أنّ المؤتمر استهدف استعادة بغداد لدورها الإقليمي، وكذلك تأثيرها في محيطها الجيوسياسي، وهو ما تراه إيران هزيمة لها بالعراق وإضعاف مقصود لنفوذها بالعراق، لهذا كانت تصرفات وزير خارجية إيران تحمل أكثر من مضمون، فأولاً خاطب الموجودين باللغة العربية لكسر الحاجز النفسي، ثم ركّز على تضخيم حجم التعاون المالي بين بلاده والعراق بأكبر من ميزانية العراق ذاتها، وأخيراً إصراره على الوقوف في صف رؤساء الدول مخالفاً لبروتوكول التقاط الصور!

 ما بعد قمة بغداد

ما بعد قمة بغداد أهم من القمة ذاتها، فمؤتمر القمة قد يكون فتح مجالات للتهدئة على الصعيد العربي- العربي ، والعربي – التركي والعربي - الإيراني؛ فلا أحد يريد الحرب، وما بعد المؤتمر فرصة إذا قررت الأطراف المعنية باستثمارها، من أجل البناء عليها لاحقاً، وإعادة النظر في القضايا الإقليمية العالقة مثل الخلافات الإيرانية العربية والتدخل التركي واحتلال أراضٍ عربية، فرصة لتجاوز مأزق الخلافات والتوقف عن تصدير الأزمات، فرصة للجميع بالتعايش السلمي وتحقيق التنمية المستدامة، أما إذا أفلتت منهم فربما سنحتاج إلى عقود لمداواة الجروح والدماء التي أهدرت بلا ثمن.



انشر مقالك

لإرسال مقال للنشر في حفريات اضغط هنا سياسة استقبال المساهمات

آخر الأخبار

الصفحة الرئيسية