4 وسائل تحاول تركيا تزعم العالم الإسلامي عبرها... هذه هي

4 وسائل تحاول تركيا تزعم العالم الإسلامي عبرها... هذه هي


29/09/2020

مع انتهاء نموذج دولة الخلافة لم تَعُدْ هناك دولة قائدة على مستوى العالم الإسلامي ككلّ، ولم يعد بالإمكان الإشارة إلى دولة محددة باعتبارها حامية أو ممثلة لعامة المسلمين، أو اعتبار دولة بعينها مالكة لزمام القيادة الدينية والروحية للمسلمين.

تحظى أنشطة ديانت برعاية مباشرة من أردوغان، إذ يشارك بشكل مستمر في افتتاح المساجد التي تؤسسها وترعاها

لاحقاً، بدأت تبرز بعض الدول الإسلامية التي امتلكت عدداً من المؤهلات للاضطلاع بدور قياديّ، فبرزت مصر باعتبار موقعها المتوسط، وثقلها البشري والحضاري، والمراكز الدينية التي تحتضنها وفي مقدمتها الأزهر. والسعودية باعتبارها البلد الذي يحوي مكة المكرمة والمدينة المنورة. في حين برزت قيادة دول أخرى، ولكن ضمن مستويات محددة، مثل إيران بعد الثورة، التي اضطلعت بدور القائد على المستوى الشيعي. وكذلك تمتع المغرب بمكانة خاصّة، لكنها ظلّت محددة بنِطاق غرب أفريقيا.

في الآونة الأخيرة، برزت محاولات تركيا لشغل منصب القائد والزعيم على مستوى العالم الإسلاميّ ككلّ، والسنيّ خاصّة. وهذه بعض الوسائل التي تحاول تسخيرها اليوم لبلوغ هذه الغاية:

تأسيس كيان بديل عن منظمة التعاون

منذ العام 1969 كانت منظمة التعاون الإسلامي هي الكيان الجامع الذي استطاع ضمّ جميع الدول المسلمة في العالم تحت مظلّة عمل واحدة. إلا أنه وخلال السنوات الأخيرة برزت محاولة جديدة لتأسيس منظمة بديلة عنها تشرع بضمّ دول مسلمة في إطار وكيان ومظلّة جديدة. المحاولة جاءت بدايتها في العام 2013 من العاصمة الماليزية كوالالمبور، ومن قبل الرئيس الماليزي الحالي مهاتير محمد، الذي بادر في حينه لتأسيس منتدى باسم "منتدى كوالالمبور" شرع بالتخطيط لتأسيس هذه المنظمة الجديدة.

الرئيس التركي رجب طيب أردوغان يلقي كلمته في قمة كوالالمبور الإسلاميّة الأخيرة

وقبل أشهر قليلة، في كانون الأول (ديسمبر) 2019، انعقد في العاصمة الماليزية ما أطلق عليه "القمة الإسلامية في كوالالمبور"، لتكون تجسيداً للتخطيط المستمر وبداية تأسيس لهذا الجسم الجديد. وشاركت في القمة دول: ماليزيا وتركيا وإيران وقطر، على مستوى رئيس الدولة، إضافة إلى مشاركة 18 دولة أخرى بمستويات مختلفة.

وتأتي تركيا في مقدمة الداعمين لهذا التوجه، الذي يمثّل محاولة لتأسيس تكتل إسلامي جديد، يزيح تدريجياً  منظمة التعاون الإسلامي عن دور المظلّة الجامعة للدول المسلمة، وهي التي تتمتع الدول العربية بالثقل الأكبر فيها، ويستبدلها بمنظمة عمل جديدة يكون لتركيا دور القائد فيها.

اقرأ أيضاً: منير الشرفي: أردوغان خطط لنشر قوات تركية في الجنوب التونسي

وتعبيراً عن الرؤية التركية الراهنة لمنظمة التعاون الإسلامي، كتب ياسين أقطاي مستشار الرئيس أردوغان، والمتحدث الرسمي باسم حزب العدالة والتنمية، في مقال له نُشر بالتزامن مع انعقاد قمة كوالالمبور، على موقع "عربي بوست": (منظمة التعاون الإسلامي لا تهتمّ بأمور المسلمين، ولا تحاول أن تجد حلولاً لمشكلاتهم المزمنة). إنّ تشكيل منظمة وتحالف جديد، مع اضطلاع تركيا بدور قياديّ فيه، يمكّن تركيا من تعزيز نفوذها وحضورها الدبلوماسي والناعم على مستوى نطاق واسع من العالم الإسلاميّ.

ديانت... رئاسة الشؤون الدينية التركية

تأسست رئاسة الشؤون الدينية التركية، المعروفة اختصاراً باسم "ديانت"، العام 1924 لتكون الجهة المسؤولة عن إدارة الشؤون المتعلقة بالدين الإسلامي داخل تركيا، إلا أنّ مهامها عرفت تحوّلاً جوهرياً منذ وصول حزب العدالة والتنمية إلى الحكم عام 2002. إذ بدأت تضطلع بمهام جديدة تتعلق برعاية الشؤون الدينية خارج تركيا، بداية من مناطق البلقان والقوقاز، حيث كان الحضور السابق للدولة العثمانية، وهي المناطق التي تتعامل تركيا مع مسلميها باعتبارها "الأخ الأكبر" لهم. فبدأت المؤسسة بتأسيس وإدارة ورعاية مراكز ومساجد، تحديداً في دول ألبانيا ومقدونيا والبوسنة والهرسك. ومن ثمّ انطلقت نحو تأسيس ورعاية المراكز الدينية في دول مسلمة عديدة، وكذلك للجاليات المسلمة في أوروبا، ومختلف أنحاء العالم.

أردوغان يقصّ شريط افتتاح مسجد "ديانت" في مدينة كولونيا الألمانيّة

وتحظى أنشطة "ديانت" برعاية رسمية مباشرة من الرئيس التركي رجب طيب أردوغان، إذ يشارك بشكل مستمر في افتتاح المساجد والمراكز التي تؤسسها وترعاها، ففي عام 2015، قام أردوغان بافتتاح مسجد أسسته في العاصمة الألبانية تيرانا. وفي نيسان (أبريل) 2016 تمّ افتتاح مسجد ومركز ثقافي تابعين لها في ماريلاند في الولايات المتحدة الأمريكية. وفي أيلول (سبتمبر) 2016 افتتحت "ديانت" في مدينة كولونيا الألمانية أحد أكبر المساجد في أوروبا، وكان أردوغان حاضراً في حفل قصّ شريط الافتتاح. وفي كانون الأول (ديسمبر) 2019، افتتحت مسجداً في مدينة كامبريدج الإنجليزية، وكان أردوغان حاضراً كذلك.

توجه "تيكا" جزءاً مهماً من جهودها لأعمال ترميم الآثار العثمانية في البلدان التي كانت سابقاً جزءاً من الدولة العثمانية

واقترنت المساجد والمراكز التابعة لـ "ديانت" بأداء أدوار سياسية صريحة، مرتبطة بسياسة حزب العدالة والتنمية، ما تسبب في جلب انتباه واعتراض دول عدّة عليها، وعلى سبيل المثال، في عام 2018، وبعد انطلاق عملية "غصن الزيتون" التركية ضد الأكراد في عفرين شمال سوريا، صرّحت الاستخبارات الألمانية بأنها تدرس وضع "ديانت" وأنشطتها على قوائم المراقبة، وذلك بعدما قام الأئمة التابعون لها بدعم العمليات العسكرية للجيش التركي والترويج من على المنابر لها. وفي هولندا وبلغاريا وجّهت السلطات لمؤسسات وأفراد تابعين لـ "ديانت" تهماً بالقيام بعمليات تجسس على أعضاء في "حركة الخدمة" (جماعة غولن) التركية، وذلك في أعقاب تصنيف الحركة جماعة إرهابية، وملاحقتها وتصفيتها في تركيا عام 2016.

تيكا... وكالة التنسيق والتعاون الدولي التركية

مع نهاية الحرب الباردة، وخلال فترة رئاسة الرئيس التركي تورغوت أوزال (1989-1992م)، برزت توجهات جديدة للسياسة الخارجية التركية، تجسّدت فيما عُرف حينه بـ "العثمانية الجديدة"، والتي تضمنت السعي لتوطيد العلاقات التركية مع دول جديدة وفي أقاليم ومجالات متعددة، وكان في مقدمتها الجمهوريات المسلمة في آسيا الوسطى، المستقلة للتوّ عن الاتحاد السوفييتي آنذاك، والتي تشترك عرقياً مع تركيا بالانتماء للعرق التركي.

اقرأ أيضاً: هل تضع "مغامرة ليبيا" حداً لنهج أردوغان في المنطقة؟

وهنا، كان لا بدّ من تأسيس مؤسسات جديدة تكون بمثابة أذرع لتنفيذ التوجّهات الجديدة، فكان تأسيس "وكالة التنسيق والتعاون التركية"، المعروفة اختصاراً باسم "تيكا"، عام 1992، في مقدمة ذلك، وكان الهدف من الوكالة منحصراً بدايةً في التوجه نحو تلك الدول، تحت عناوين مدّ يد العون والمساعدات لها.

وكما في حالة "ديانت"، عرفت "تيكا" تحولاً في مجالات ومستوى أنشطتها منذ وصول حزب العدالة والتنمية إلى الحكم، بحيث خرجت من إطار العمل حصراً ضمن نطاق آسيا الوسطى، لتمتد إلى كلّ إقليم ومنطقة تسعى الحكومات التركية لمدّ نفوذ وحضور قوة تركيا وتأثيرها الناعم فيها، وتوسع عمل الوكالة بشكل خاص في مناطق البلقان والشرق الأوسط وقارّة أفريقيا.

متحف الحجاز… تقوم تيكا بإنشائه في عمّان إحياءً للتاريخ العثماني في الأردن

وبعد أن كان عدد مكاتب "تيكا" المنتشرة حول العالم لا يتجاوز (12) مكتباً في عام 2002، تضاعف ووصل إلى (33) مكتباً في عام 2012. وفي عام 2019 وصل إلى (56) مكتباً، في (59) دولة حول العالم، وعدد كبير منها من الدول المسلمة.

وتتنوّع مجالات النشاط، وتمتد من مجالات الصحة إلى التعليم، ويتجه جزء مهم من أنشطتها نحو القيام بأعمال ترميم "الآثار العثمانية" في البلدان التي كانت سابقاً جزءاً من الدولة العثمانية. والهدف دائماً من كل نشاط لها هو خدمة غرض تعزيز الحضور التركي الناعم.

الأكاديميا الإسلامية

تزايدت أعداد كليّات "الإلهيات" في تركيا، وهي كليّات تدريس الشريعة الإسلامية، خلال سنوات حكم حزب العدالة والتنمية، وتزايد كذلك عدد كليّات الإلهيات التي تدرس اللغة العربية. وتزامن ذلك مع توجّه لاستقطاب الطلبة العرب والطلبة من الدول المسلمة غير العربية.

اقرأ أيضاً: إلى أيّ حدّ يصدّق الأتراك وعود أردوغان

وبرزت خلال السنوات الأخيرة على هذا الصعيد كليّات في جامعات مثل جامعة إسطنبول، التي قامت عام 2013 بافتتاح قسم للعلوم الإسلامية باللغة العربية، وخصّصت أكثر من نصف عدد المقاعد للطلبة العرب. وكذلك جامعة "إسطنبول 29 مايو"، التابعة لوقف الديانة التركي، والتي افتتحت عام 2010، وجعلت من تاريخ "فتح القسطنطينية" اسماً لها، وتضمّ كليّة متخصصة للدراسات الإسلامية تدرس باللغة العربية. والجامعة العالمية للتجديد، التي تعتبر اللغة العربية اللغة الرسمية لها، وتتخصص في الدراسات الإسلامية إضافة إلى تخصصات إنسانية أخرى، وتهدف بالدرجة الأولى إلى استقطاب طلبة الجاليات العربية المقيمة في تركيا. وكذلك جامعة السلطان محمد الفاتح، التي تقوم أيضاً بتدريس العلوم الإسلامية باللغة العربية. وجامعة "صباح الدين زعيم" في إسطنبول، التي افتتحت فيها عام 2016 مركزاً باسم "مركز البحوث والتطبيقات للاقتصاد والتمويل الإسلامي"، يتخصص في تدريس الاقتصاد والتمويل الإسلامي باللغة العربية.

قامت جامعة إسطنبول بافتتاح قسم للعلوم الإسلامية باللغة العربية مخصّصةً أكثر من نصف المقاعد للعرب

وتركز كليات الشريعة والدراسات الإسلامية هذه على استقطاب عدد كبير من الطلبة العرب والطلبة من الدول المسلمة، في محاولة لاستعادة الدور العثماني السابق، حين كانت مؤسسة "مشيخة الإسلام" الحامية  والممثلة للفكر الإسلامي، وخاصّة السنّي، في العالم. وبحيث تحاول بذلك تقديم بديل منافس للدور الذي اقترن بالجامعات والمراكز الدينية التاريخية في العالم الإسلامي والعربي. وهو ما يقترن بغرض سياسي على المدى الأبعد؛ إذ يكون الخريجون سفراء لتركيا و"النموذج التركي"، وتحديداً لما يتعلق بالجوانب الفكرية والثقافية من هذا النموذج، فيدعون لتطبيقه وتبنّيه، ويؤيدون الارتباط بالمشاريع والرؤى والسياسات المنطلقة منه والمرتبطة به في بلادهم.

اقرأ أيضاً: كيف حوّل أردوغان حلفاءه السوريين إلى مرتزقة؟

تأتي هذه الوسائل وغيرها ضمن استراتيجية جامعة تهدف تركيا من خلالها إلى تزعّم كتلة كبرى بحجم العالم الإسلامي، يصل عدد سكانها إلى نحو (1.7) مليار نسمة، ما يعني، في حال تحققه، منح تركيا فرصاً  اقتصادية وسياسية كبرى. وما بين دبلوماسية التعاون ودبلوماسية الفضيلة، والأكاديميا، يبقى الهدف المشترك هو تعزيز القناعة لدى أكبر شريحة من الشعوب المسلمة بتمتع تركيا بموقع الريادة والقيادة و"النموذج".



انشر مقالك

لإرسال مقال للنشر في حفريات اضغط هنا سياسة استقبال المساهمات
الصفحة الرئيسية