2024: تحديات اقتصادية وسياسية صعبة في انتظار المصريين

2024: تحديات اقتصادية وسياسية صعبة في انتظار المصريين

2024: تحديات اقتصادية وسياسية صعبة في انتظار المصريين


03/01/2024

يترقب المصريون بداية العام الجديد بحذر، في ظل التوقعات بإقدام البنك المركزي على تخفيض قيمة الجنيه المصري، فيما يُعرف باسم التعويم المتحكَم فيه، في خطوة سيكون لها تبعات اقتصادية كبيرة على المواطنين. ولا يبدو أنّ أمام الحكومة مفرّاً من الإقدام على تلك الخطوة، في ظل التقييمات الاقتصادية الدولية التي تطالب بتخفيض قيمة الجنيه، الذي يبلغ سعره نحو 30.9 جنيهاً للدولار في البنك المركزي، ونحو 45 – 52 جنيهاً في السوق الموازية. 

على المستوى السياسي تتزايد المخاطر على الأمن القومي مع استمرار الحرب في قطاع غزة، نتيجة دفع القصف الإسرائيلي للمواطنين في القطاع نحو الحدود المصرية. كما أعلنت مصر قبل نهاية العام الجاري بعشرة أيام انتهاء المفاوضات حول سدّ النهضة، واحتفاظ القاهرة بحقّ الرد إذا ما تعرض أمنها المائي للخطر، فضلاً عن التحديات الناجمة عن الحرب في السودان.

التحديات الاقتصادية

ارتفع الدين الخارجي المصري إلى 165.361 مليار دولار بنهاية الربع الأول من العام 2023، بينما بلغ حجم الدين المحلي 6.86 تريليون جنيه مصري، وبلغ معدل التضخم 38.1% في شهر تشرين الأول (أكتوبر) الماضي. تفاقمت الأزمة الاقتصادية في مصر متأثرة بخروج الاستثمارات المباشرة في أدوات الدين عقب الحرب الروسية الأوكرانية في شباط (فبراير) 2022، ومن قبل تأثرت بجائحة كورونا في العامين 2019-2020. لكن تلك الأسباب على أهميتها لا تعتبر المسؤولة الأساسية عن الأزمة المصرية، التي حددتها مؤسسة "موديز Analytics" بتحديات هيكلية مستمرة منذ فترة طويلة مثل؛ انعدام الأمن الغذائي والزيادة السكانية الكبيرة والاختلالات المالية والخارجية.

انعكست تلك الأزمة على الأوضاع المعيشية، فارتفعت أسعار السلع والخدمات بشكل غير مسبوق، وأدت إلى أزمات في توفير العديد من المواد الخام والاستهلاكية، من بينها مواد غذائية مثل أزمة السكر، وأخرى أساسية مثل توافر إنتاج الكهرباء المعتمدة بشكل أساسي على الديزل والغاز الطبيعي.

الانفجار السكاني أحد أسباب مشاكل مصر المالية

ولمواجهة أزمة الدولار في مصر، الناتجة عن الديون الخارجية في المقام الأول، لجأت الدولة إلى سياسة أكثر مرونة في التخارج من قطاع الأعمال، وذلك بالإعلان عن وثيقة سياسة ملكية الدولة وبرنامج الطروحات الذي يهدف إلى بيع حصص كبيرة في العديد من الشركات المملوكة للقطاع العام والحكومة، بهدف توفير حصيلة من النقد الأجنبي، وجذب استثمارات أجنبية. لكنّ هذا البرنامج واجه تحديات تمثّلت في انخفاض تصنيف مصر الائتماني والتسعير غير العادل للجنيه المصري بحسب الجهات الدولية والمستثمرين، ما يجعل مصر مضطرة إلى تخفيض قيمة عملتها، والاستجابة لعدد من الشروط التي حددها صندوق النقد الدولي.

 

يعتبر 2023 الأسوأ على المصريين حيث أدى تهاوي سعر العملة ونقص الدولار إلى ارتفاع تكاليف المعيشة ونقص السلع التي تضاعفت أسعارها 

 

علاوةً على ما سبق، أدى اندلاع الحرب في قطاع غزة إلى تأثر واردات السياحة في مصر، التي كان من المتوقع أنّ تحقق نمواً كبيراً هذا العام، كما أدى استهداف الحوثيين في اليمن لعدد من السفن التجارية التي تمرّ في البحر الأحمر إلى مخاطر على واردات قناة السويس المصرية، بعد تحويل عدد من الخطوط الملاحية لحركة السفن إلى طريق رأس الرجاء الصالح.

ويعتبر عام 2023 الأسوأ على المصريين، حيث أدى تهاوي سعر العملة ونقص الدولار إلى ارتفاع تكاليف المعيشة، ونقص شديد في السلع التي ازدادت أسعارها إلى الضعف أو بضعة أضعاف في العديد منها، خصوصاً في المنتجات الغذائية التي تعتمد مصر على استيراد جزء كبير منها لتلبية احتياجاتها. 

الحرب في غزة

وإلى جانب المخاطر الاقتصادية التي جلبتها الحرب الإسرائيلية على قطاع غزة التي اندلعت في السابع من تشرين الأول (أكتوبر) الماضي، حملت تلك الحرب مخاطر على المنطقة ككل، وخصوصاً دول الطوق. كشفت إسرائيل عن نواياها في دفع سكان قطاع غزة، البالغ عددهم نحو 2.3 مليون نسمة للهجرة القسرية إلى مصر. وصرح العديد من المسؤولين الإسرائيليين عن نوايا لتهجير الغزاويين إلى سيناء في مصر.

اعتبرت القاهرة أنّ تلك التصريحات بمثابة تمهيد للتهجير القسري، الذي تراه تهديداً مباشراً لأمنها القومي، وتصفيةً للقضية الفلسطينية. تدرك القاهرة أنّ استمرار الحرب في قطاع غزة قد يدفع الفلسطينيين إلى محاولة عبور الحدود إلى مصر، هرباً من القصف الإسرائيلي الذي يستهدف المدنيين في سائر مناطق القطاع، حتى في الجنوب الذي دعت تل أبيب السكان إلى النزوح إليه.

اعتبرت القاهرة التهجير القسري خطاً أحمر

ورداً على ذلك، أعلن الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي أنّ التهجير القسري للفلسطينيين خط أحمر لا تقبله مصر ولن تسمح به. كما أعلنت القاهرة أنّ استمرار العقاب الجماعي الإسرائيلي لسكان قطاع غزة وتداعيات ذلك تهدد السلام بين البلدين. 

تحديات من الجنوب

وتواجه مصر مخاطر أخرى من الجنوب، حيث جارتها السودانية، وفي أمنها المائي بعد إخفاق الجولة الرابعة من المفاوضات الأخيرة بين مصر والسودان وإثيوبيا. اندلعت الأزمة السودانية في 15 نيسان (أبريل) الماضي، بعد نشوب صدام مسلح بين الجيش والدعم السريع، وأقدم الأخير على التحفظ على جنود وضابط مصري كانوا في مهمة تدريبية مع نظرائهم في قاعدة مروي الجوية في شمال السودان، ثم أفرج عنهم بعد وساطة من دولة الإمارات.

 

ارتفع الدين الخارجي المصري إلى 165.361 مليار دولار بنهاية الربع الأول من 2023 بينما بلغ حجم الدين المحلي 6.86 تريليون جنيه مصري 

 

أدت الأزمة السودانية إلى موجة من النزوح تجاه الحدود المصرية، في وقت تستضيف فيه نحو 5 ملايين مواطن سوداني، وصل معظمهم إلى مصر منذ العام 2019. كما تزيد الفوضى في السودان من مخاطر التهريب والإرهاب التي تجد في الحرب ظروفاً ملائمة للنمو الانتشار، ما يحمّل مصر أعباء كبيرة لضبط الحدود ومواجهة التهريب. بدأت شبكات التهريب في النشاط منذ عدة أشهر، وتعمل في تهريب المواطنين من السودان إلى مصر، لكنها لاحقاً ستلجأ إلى التجارة غير المشروعة مثل السلاح والمخدرات.

فضلاً عن ذلك، يؤثر ضعف الدولة في السودان على مصر سلباً في مفاوضات سدّ النهضة. أعلنت القاهرة على لسان وزير الري والموارد المائية عن انتهاء المسارات التفاوضية حول سدّ النهضة. ذكرت الوزارة أنّ القرار المصري جاء "نتيجة المواقف الإثيوبية الرافضة، خلال السنوات الماضية، للأخذ بأي من الحلول الفنية والقانونية الوسط التي من شأنها تأمين مصالح الدول الثلاث، مصر والسودان وإثيوبيا، فضلاً عن تمادي الجانب الإثيوبي في التراجُع عما تم التوصل له من تفاهمات ملبية لمصالحها المُعلنة."

القاهرة تحتفظ بحقّ الرد لحماية أمنها المائي

وأكد البيان الصادر عن الوزارة أنّ مصر سوف تراقب عن كثب عملية ملء وتشغيل سد النهضة، وأنّ الدولة المصرية تحتفظ بحقها المكفول بموجب المواثيق الدولية للدفاع عن أمنها المائي والقومي في حالة تعرضه للضرر. مع ذلك فإنّ غزارة هطول الأمطار على الهضاب الإثيوبية التي تمثل المنبع للنيل الأزرق، الذي يوفر لمصر ثلثي حصتها من المياه، بجانب الدول الثلاث نقصاً في حصص المياه، يؤدي إلى صدام غير محمودة عقباه.

بشكل عام يدرك الرئيس السيسي في مستهل ولايته الجديدة، حجم التحديات التي تواجهها الدولة المصرية، وحجم المعاناة التي تحملها المواطن المصري، ولعل العام الجديد يحمل الخير لمصر وسائر دول المنطقة والعالم.

مواضيع ذات صلة:

بعد أحداث غزة... هل يفكر الإسلاميون في مصر بالعودة إلى مسار القوة؟

حرب غزة تُسرّع وتيرة التقارب بين مصر وتركيا... ما موقف الإخوان؟




انشر مقالك

لإرسال مقال للنشر في حفريات اضغط هنا سياسة استقبال المساهمات
الصفحة الرئيسية