15 سنة من حكم حماس.. ماذا فعلت بغزة؟

15 سنة من حكم حماس.. ماذا فعلت بغزة؟


18/06/2022

فاضل المناصفة

بينما يحتفل قادة حماس بالعيد الخامس عشر منذ توليهم حكم غزة بالحديد والنار تستذكر عشرات العائلات من حركة فتح ذويهم الذين قضوا في المواجهات المسلحة في مشهد يمكن توصيفه بـ”النكبة الفلسطينية الثانية”، والتي كانت أشد وقعا وإيلاما من الأولى، ذلك لأن القاتل والمقتول فلسطينيان بغض النظر عن الأسباب والمسببات والتسميات، في النهاية كانت إسرائيل الرابح الأكبر من شق الصف الفلسطيني بأياد فلسطينية.

أردت أن أذكّر حماس بأن شعبيتها قد بنيت بالقليل من شعارات المقاومة ومحاربة المحتل ودحره والكثير من الوعود الاقتصادية والاجتماعية، تحت مسمى استراتيجية التحرير والبناء، مستغلة بذلك ضعف السلطة الفلسطينية التي أنهكها صراع طويل الأمد مع إسرائيل، التي حاولت بكل ما تملك من وسائل ضغط اقتصادي وسياسي، وبطريقة ذكية، تعبيد الطريق أمام حركة حماس للفوز بالانتخابات التشريعية. ولتمكين حماس كان ينبغي أن تكون كل الظروف ضد فتح، وكان لازما أيضا ترتيب وصول حماس إلى حكم غزة ليكون القطاع مهيأ كميدان حرب ضد إيران.

حرب الفرقان، حجارة السجيل، العصف المأكول.. حروب حماس التي لم تنجح فيها في إضعاف العدوّ بل مكّنته من فرض حصار جائر ضد ”الحياة”، وأعطته تصورا لحجم الدعم العسكري الإيراني في القطاع ونقاط قوته وضعفه. وليكون الوضع دائما تحت السيطرة كان لا بد من أن تستمر حماس في غزة من دون أن تنهار، لأن انهيارها يعني خسارة ميدان الحروب التجريبية ضد إيران.

صحيح أن حماس والفصائل المسلحة نجحت إلى حد ما في أن تكون حائط الصد ضد محاولات الاحتلال لتهويد القدس، ولكن الاحتلال كان ولا يزال يعرف كيف يضع حماس في “خانة أليك” ويجبرها على التراجع تحت طائلة العقوبات والتضييق، كما أن تحالفات حماس مع إيران وقنوات تواصلها مع الحرس الثوري دفعت القضية الفلسطينية ثمنا باهظا لها، خاصة وأن الغرب قرر أيضا فرض سياسة العقاب الجماعي في غزة، التي لا يدفع ثمنها إلا الغلابة باسم المقاومة وتحرير الأقصى وما شابه ذلك، مع أن ما يجري هو تنفيذ للأجندة الإيرانية وبعيد كل البعد عن العمل المدروس الخطوات والعواقب.

صارت الحروب التي تقودها حماس ضد الاحتلال بمثابة صك الغفران وخطاب البيعة على غزة، الذي يبرر الفشل الذريع في الجانب الاقتصادي وتدهور الأوضاع المعيشية لغالبية سكان غزة، والمؤلم في كل ما يحدث أن معارضة أسلوب حماس في التسيير والحكم يعتبر خيانة للقضية الفلسطينية، ويستدعي تسليط أقصى العقوبات ضد من تسوّل له نفسه أن يحاسبها عن العبث الذي أدخلت فيه القطاع، والممانعة والصمود الشعار الذي طالما تغنت به، ولكنه لا يصمد أمام تصاريح العمل في دولة الاحتلال التي تجد فيها حماس الحل الوحيد لتخفيض معدلات البطالة والفقر داخل القطاع. لقد نجحت حماس بعد 15 سنة من الحكم في تحويل غزة إلى محتشد كبير يدفع فيه المحتجزون الجباية.

 حماس اليوم لا تزال تعيش مرحلة المراهقة، وهي لم تصل إلى مرحلة النقد الذاتي لمسارها السياسي الذي قارب على العقدين، ولا تقدم أيّ نوايا حسنة لنبذ الخلافات مع فتح وطي صفحة العراك على السلطة وإنهاء حالة الانقسام، الذي أنهك القضية وأضعف الصف السياسي الفلسطيني أمام إسرائيل وأمام المجتمع الدولي الذي يؤمن بأن فكرة دولة فلسطينية تعني دولة تعيش تحت رحمة حرب أهلية، يمكن أن تندلع في أيّ وقت مادامت بعض القوى السياسية لا تملك حدودا للمنافسة الشريفة وتستعمل كل الوسائل في خصوماتها.

وضع غزة اليوم ووضع القضية الفلسطينية يحتاجان إلى إعادة ترميم للبنية الفلسطينية الواحدة، وتقديم تنازلات سيسجلها التاريخ بأنها كانت شجاعة. لا يمكن إطلاقا تصور نجاح لأيّ مشروع فلسطيني لبناء دولة قوية في ظل هذه الظروف، وفي ظل مضي العرب نحو تطبيع علاقاتهم مع إسرائيل وتجاهل القضية. لم يعد بالإمكان تقبل هذا الانقسام لأنه خطر على ما تبقى من القضية الفلسطينية وخطر على النسيج الاجتماعي الفلسطيني.

ألم يحن الوقت لنرتب لحوار فلسطيني – فلسطيني دون وساطة فلان أو علان؟ ألم يحن الوقت للنقاش حول القضايا المصيرية للوطن ونعترف بأخطائنا دون أن نتوجه بسهام الانتقاد والتخوين لبعضنا البعض؟ وهل سيستمر بنا الوضع على ما هو عليه حتى تنهار حماس أو فتح وتتلاشى فلسطين تماما؟

فليجاوب قادة حماس على هذه الأسئلة، ويغتنموا الفرصة لتصحيح مسارهم وإنقاذ غزة قبل أن ينتفض أهلها ضدهم مطالبين بإنهاء حكمهم في القطاع مهما كلف الأمر.

عن "العرب" اللندنية


آخر الأخبار

الصفحة الرئيسية