يوميات الصراع السياسي في ليبيا... الدولار يضرب "الدبيبة" بـ"الكبير"

يوميات الصراع السياسي في ليبيا... الدولار يضرب "الدبيبة" بـ"الكبير"

يوميات الصراع السياسي في ليبيا... الدولار يضرب "الدبيبة" بـ"الكبير"


28/03/2024

في حضرة حكم آل الدبيبة، تمّ إشعال معركة بطلها محافظ مصرف ليبيا المركزي "الصديق الكبير"، المُعيّن محافظاً منذ (13) عاماً. الكبير وجّه سهامه تجاه آل الدبيبة الذين يحكمون ليبيا منذ (3) أعوام، بعد انحرافهم عن خارطة طريق الحل السياسي الشامل، والتي من أبرز أهدافها أن تقوم السلطة التنفيذية المؤقتة بتمهيد الأرضية لإجراء انتخابات رئاسية وبرلمانية متزامنة في 24 كانون الأول (ديسمبر) العام 2021، وهو ما لم تنفذه السلطة بقيادة آل الدبيبة، الذين سبق أن عاثوا في ميزانيات التنمية فساداً في عهد النظام السابق، ونهبوا بتواطؤ المسؤولين حينها الميزانيات المخصصة للتنمية، عندما منح العقيد الراحل معمر القذافي صديقه الحاج "علي الدبيبة" صلاحيات بناء وتشييد المباني الإدارية في سرت، وبعد ذلك قادوا ما يعرف بجهاز تنمية وتطوير المراكز الإدارية، ومؤخراً أثناء التحضير لملتقى الحوار السياسي، قامت مبعوثة الأمين العام للأمم المتحدة بالإنابة "ستيفاني وليامز"، باختيار الحاج "علي الدبيبة" عضواً بالملتقى، بعد زيارته في بيته بمصراتة، رغم أنّه لم يكن من أطراف العملية السياسية بليبيا.

وجد الحاج علي أنّ فرصة عودة نفوذ الأسرة مواتية، فسخّر كل الإمكانيات المادية  لتقديم الرشاوى لأعضاء ملتقى الحوار السياسي، لاختيار القائمة التي يترأس حكومتها ابن أخيه "عبد الحميد". ومن هنا نجح آل الدبيبة في الدخول إلى عمق المشهد السياسي عبر نافذة الملتقى، ضاربين عرض الحائط بتوصياته وبنود خارطة الطريق، وانطلقوا لشراء الذمم والولاءات؛ فاختار عبد الحميد وزراءه بالمحاصصة القبلية والمناطقية، واختار أن يكون حليفه المفتي المعزول "الصادق الغرياني" من دار الإفتاء، و"أحميدة العباني" من التيار السلفي وزيراً للأوقاف، وضخ الملايين لقادة وزعماء الميليشيات المسلحة التي تتقاسم عاصمة القرار الحكومي والمؤسساتي "طرابلس" بينها.

مبعوثة الأمين العام للأمم المتحدة بالإنابة "ستيفاني وليامز"

تعامل عبد الحميد الدبيبة بلطافة مع الصديق الكبير؛ كون منصب محافظ مصرف ليبيا المركزي من المناصب السيادية، يمتلك قرار تعيينه مجلس النواب، الذي فشل في إقالة الصديق الكبير منه، وراهن على كسبه كونه يملك مفاتيح خزائن الدولة الليبية، المليئة بمليارات الدنانير والنقد الأجنبي والذهب، وبإمكان الصديق الكبير الصرف دون الرجوع حتى إلى البرلمان، الذي يجتمع أعضاؤه لدى الصديق الكبير في مقر المصرف بشكل مستمر، ويتحصلون منه على بعض الامتيازات والمعاملات المالية، لينتقل الدبيبة إلى الكبير الذي فتح له خزائن المصرف للصرف، ولم يمضِ عام على استلام الدبيبة السلطة، حتى أصبحت تخرج للمواطنين وعموم الشعب تقارير ديوان المحاسبة، التي كانت تشير إلى أنّ هناك إنفاقاً حكومياً مبالغاً فيه، وأنّ هناك إهداراً مرعباً للمال العام؛ من أبرز صوره مصروفات ديوان رئاسة الوزراء والوزارات والمؤسسات الأخرى، وتجلى التجاوز بشكل مبالغ فيه بالمؤسسات، ولكنّ ديوان المحاسبة كذلك يعتبر هيئة سيادية ويهيمن عليه "خالد شكشك" المحتكر للمنصب، ويستغله للنيل من خصومه، فالذي يخرجه في تقرير الديوان هو الذي يهم معاركه السياسية، أمّا الذي لا يهمه، فإنّه يقوم بإخفائه وتجاهل عرضه على المواطنين والصحافيين والإعلام لكي يكونوا على دراية بكيفية صرف أموالهم.

في حضرة حكم آل الدبيبة تمّ إشعال معركة بطلها محافظ مصرف ليبيا المركزي "الصديق الكبير" المُعيّن محافظاً منذ (13) عاماً

هذا هو حال أغلب المؤسسات السيادية في ليبيا، ومن هنا وجد الدبيبة ضالته في التمادي في الصرف والنهب، دون أيّ اهتمام بأهم الأهداف التي حثت عليها خارطة طريق الحل السياسي الشامل، وهو إجراء انتخابات رئاسية وبرلمانية متزامنة ومباشرة.

خالف "عبد الحميد الدبيبة" العهد الذي قطعه عند ترشحه لقيادة السلطة الانتقالية، والذي من خلاله التزم بعدم الترشح في الانتخابات، وأنّه سيعمل على إتمامها، ليتحول إلى المعرقل الأول لها وأحد أهم أسباب فشلها، وهنا اختفت "ستيفاني وليامز" وبعثة الأمم المتحدة للدعم في ليبيا، الذين ورطوا الليبيين في أسرة نهبت المال العام وعرقلت المسار السياسي، وتحول المشهد إلى مشهد عبثي يتصارع فيه رؤساء أكبر مؤسسات تنفيذية في ليبيا على حساب مستقبل الشعب. صراع الدبيبة والصديق الكبير ليس جديداً، فقد اشتعل سابقاً بعدما رفض الكبير تمرير مصروفات طائلة طلبها رجل الظل "إبراهيم الدبيبة" نجل الحاج "علي"، غادر على أثرها الكبير إلى تركيا؛ ليعود بعد ذلك ويعلن معركته الأخيرة، بعد اتفاقه مع رئيس مجلس النواب رفع سعر الفائدة على مشتريات العملات الأجنبية بنسبة 27‎%‎، لتخفض قيمة الدينار من 4.8 إلى 5.95 إلى 6.15. من جهة مجلس النواب فإنّ هذا الرفع سوف يساهم في معالجة وتغطية الديون الحكومية، ومن طرف الكبير فهذا يمدد له بقاءه على رأس أكبر مؤسسة مالية في البلاد، ومن طرف الدبيبة اعتبر هذه الخطوة أحادية لا يوافق عليها، كونها صدرت من البرلمان والكبير، دون الرجوع إليه أو إلى المجلس الأعلى للدولة الاستشاري، ومن هنا اشتعل صراع بين حلفاء الأمس، أعداء اليوم، عبد الحميد الدبيبة، والصديق الكبير.

 ديوان المحاسبة كذلك يعتبر هيئة سيادية ويهيمن عليه "خالد شكشك" المحتكر للمنصب

أمّا الشعب الليبي شرقاً وغرباً وجنوباً، فما زال يدفع ثمن هذا الصراع العبثي، الذي يوضح مدى هزلية هذه السلطات والمؤسسات التي تخاطر بمصير البلد وأمواله واقتصاده، في سبيل إشباع نفسها بأكبر قدر من الأموال، على حساب طموحات الليبيين في مستقبل أفضل.

ساهمت أسرة الدبيبة في تعميق الفساد داخل المؤسسات الليبية منذ العهد السابق، وتورط الصديق الكبير في قضايا فساد مالي، وسُجن مرتين بسببها كذلك في عهد النظام السابق، والرابط المشترك بين الاثنين هو التيار الإسلامي، وبالتحديد الداعية وعضو التنظيم الدولي للإخوان المُسلمين "علي الصلابي"، فهو الذي قدّم الكبير إلى المجلس الوطني الانتقالي بعد سقوط النظام السابق ليعين محافظاً، وهو نفسه الذي وقف خلف ظهور وعودة أسرة آل الدبيبة للمشهد، ووقف وراء نجاح قائمة الدبيبة داخل ملتقى الحوار السياسي، ويمكن التأكد من لمسات الصلابي من خلال المحيطين بالصديق الكبير داخل المصرف المركزي؛ أمثال مستشاره عضو الإخوان "مصطفى المانع"، ومدير مكتبه عضو الإخوان "فتحي عقوب".

خالف "عبد الحميد الدبيبة" العهد الذي قطعه عند ترشحه لقيادة السلطة الانتقالية والذي من خلاله التزم بعدم الترشح في الانتخابات وأنّه سيعمل على إتمامها، ليتحول إلى المعرقل الأول لها وأحد أهم أسباب فشلها

وبالانتقال إلى آل الدبيبة؛ سوف نجد أنّهم من وقف خلف دعم وتمويل أدوات الصلابي الإعلامية، مثل قنوات (سلام وفبراير وتناصح)، واستجلب أحد أهم عناصر الصلابي الفاعلة ليشرف على تولي الدعاية السياسية للحكومة، تحت صفة وزير الدولة لشؤون الاتصال "وليد اللافي"، والتحالف الوطيد بين آل الدبيبة والمفتي المعزول "الصادق الغرياني"، فكل هذه الإشارات تؤكد أنّ الدولة الليبية ومؤسساتها تقاد بطريقة عبثية غير مسؤولة، وأنّ القرارات التي يتخذها هؤلاء لن تجعل مستقبل الليبيين أفضل، وسوف تجرهم إلى التعاسة والانهيار، لذلك يجب وعلى الفور التخلص من هؤلاء بأيّ شكل؛ من خلال مسار ينهي وجودهم.

لا يمكن قبول هذه التهديدات والصراعات التي ستدمر اقتصاد البلاد وتعرقل الإعمار والتنمية، وبالنظر إلى هذه الصورة العبثية، نجد من جديد توقيع جماعة الإخوان، حيث يملك علي الصلابي مفاتيح هؤلاء، وقد يكون الصراع مفتعلاً بينهم لغاية محددة لدى الصلابي وجماعته، فنحن لا قدرة لدينا على استيعاب حجم هذا الفساد والنهب والتهديدات، لكنّ هناك أموالاً طائلة مُعرّضة للاختفاء في ظل الصراع بين هؤلاء.  

ولن ننسى كيف وقفوا جميعهم صفاً واحداً وراء تمويل ودعم مجالس الشورى الموالية لتنظيم (القاعدة) في شرق البلاد، تحديداً بنغازي ودرنة وسرت، بأموال النفط التي كان يستقبلها الصديق الكبير، ويحيلها إلى الجهات التي ترسلها نقداً أو أسلحة لدعم تحركات هذه المجالس ضدّ الجيش إبّان معركة الكرامة، حتى بعد ظهور (داعش)، ولم يتوقف الدعم، وقال ذلك حرفياً رئيس المؤتمر الوطني العام "نوري بوسهمين".

مليارات لا تُعدّ ولا تُحصى ضاعت سابقاً ونُهبت جرّاء هذا العبث، فليس هناك قوى سياسية جادة لإيجاد حل، ولا الشعب لديه القدرة لصناعة التغيير، والأمل لا يأتي إلّا من خلال شعاع سوف يشرق ذات يوم؛ ليعلن الخلاص، سيأتي هذا اليوم، وسيرحل هؤلاء حتماً.




انشر مقالك

لإرسال مقال للنشر في حفريات اضغط هنا سياسة استقبال المساهمات
الصفحة الرئيسية