وُلدت ميتة إكلينيكياً: أما حان وقت إعلان وفاة حكومة الوفاق؟

وُلدت ميتة إكلينيكياً: أما حان وقت إعلان وفاة حكومة الوفاق؟


25/06/2020

وفق اتفاق الصخيرات، 2015، فإنّ حكومة الوفاق في طرابلس، تنتهي صلاحياتها وشرعيتها بعد عامين من تصديق مجلس النواب عليها، أيّ في نيسان (أبريل) 2018، دون الحق في يومٍ واحدٍ آخر.

معنى ذلك أنّها كانت أمام خيارين: إمّا أنّ تنجح في كتابة دستور ليبي، وإجراء الانتخابات، وتأسيس جيش وقوى أمنية، وحل الميليشيات، خلال عامين، تُسلم بعدهما السلطة إلى الحكومة الشرعية التي تنبثق عن الانتخابات، أو تُصبح والعدم سواء، وتفقد الشرعية الممنوحة لها، بينما تبقى الشرعية لمجلس النواب في طبرق، بصفته السلطة التشريعية الوحيدة الشرعية، ومعه المجلس الأعلى للدولة، كمجلس استشاري لا صلاحيات تشريعية أو تنفيذية له.

يدفع أردوغان والإخوان إلى استمرار الوضع الحالي في ليبيا الذي فرضت فيه الجماعة هيمنتها على حكومة الوفاق بقوة السلاح

واليوم في 2020، وبعد مرور عامين على انتهاء المرحلة الانتقالية، فشلت حكومة الوفاق في الالتزام بمرحلة الانتقال السياسي، لتصبح فاقدةً للشرعية، فلماذا لم يُعلن المجتمع الدولي وفاتها؟ ولماذا تركها تحيد عن هدفها في الانتقال نحو دولة واحدة، لتصبح ألعوبةً في يد الإخوان المسلمين والميليشيات، وتصبح مطيةً لأردوغان يحقق أطماعه التوسعية باسمها؟ فهل قَبل المجتمع الدولي أن يتحول السراج إلى ديكتاتور باسمه؟

الوفاق أسيرة الميليشيات

لم يكن لحكومة الوفاق الوليدة قوة عسكرية تمكنها من دخول طرابلس، وبسط سيطرتها عليها، واستعادة مؤسسات الدولة من قبضة الميليشيات، فجاء دخولها إلى العاصمة في 2016 ليكون على ظهر هذه الميليشيات، التي نصّ اتفاق الصخيرات على تفكيكها، وسحب مؤسسات الدولة من يدها، والقضاء على وضعها اللا قانوني.

من هذه اللحظة باتت الوفاق أسيرةً لطرف واحد من الموقعين على اتفاق الصخيرات، إذ كان القرار الذي فرضته جماعة الإخوان المسلمين على السراج لتمكين الحكومة، نسبياً، من العاصمة، هو أن تتماهى الوفاق في ميليشيات وقادة الجماعة، فتصبح واجهةً رسميةً للإخوان، وإلاّ فلن تسلمها حكومة الانقاذ الإخوانية السلطة.

اقرأ أيضاً: إرهابي وزيراً في حكومة الوفاق الليبية.. تعرّف إليه

في تلك اللحظة كان على فايز السراج، رئيس حكومة الوفاق، التزاماً منه بالمهمة الموكلة إليه، والآمال المعقودة عليه من شعب ليبيا، أنّ يُعلن للعالم موت اتفاق الصخيرات في مهده، بسبب سيطرة الإخوان على العاصمة ومؤسسات الدولة، ومقايضته بمنحه السلطة الشكلية مقابل شرعنة هيمنتهم على البلاد.

كان عليه أن يختار بين الوطن أو المصلحة الشخصية في منصب لا دور حقيقياً له، فاختار بكل أسفٍ أنّ يكون أداةً طيعةً بيد الإخوان مقابل أنّ يكون رئيساً لحكومة، لا حول لها ولا قوة، ونسي فوراً أن اسمها "حكومة الوفاق"، أيّ التوفيق بين الليبيين، لا الرضوخ لطرفٍ بقوة السلاح.

اقرأ أيضاً: 6 رسائل في خطاب السيسي أربكت حسابات تركيا وميليشيات "الوفاق"

يبدو أنّ ترشيح السراج لم يأت صدفةً، بل بترتيب من الإخوان المسلمين لكونه شخصية ضعيفة، تفضل مصالحها الشخصية الضيقة على مصالح الشعب الليبي، حتى إنّ الإخوان وصفوه فيما بعد بـ "النعجة"، في منشوراتهم على الفيسبوك، وكان هناك فريق كبير في البرلمان وحكومة طبرق مدركاً لذلك، ورفض اتفاق الصخيرات وحكومة الوفاق، وأثبتت الأيام بُعد نظرهم، وصدق تحليلاتهم.

على الرغم من ذلك صدّق مجلس النواب الشرعي على حكومة الوفاق، مقدماً تنازلاتٍ مهمة في سبيل إنجاح اتفاق الصخيرات، على أمل حل الأزمة، والانتقال نحو انتخابات نزيهة، واستعادة الدولة في ليبيا، غير أنّ نياتهم الطيبة لم تُغير من واقع الأمر شيئاً، وزادت الأزمة تعقيداً، وتدخلت تركيا وقطر لتنهب ثروات الليبيين، فكان ذلك أحد أخطاء مجلس النواب، أنّ صدّق على حكومة محتومٌ عليها بالفشل.

وتضمّن تقرير منشور في موقع "سكاي نيوز" تعليقاَ للباحث في الشؤون الاستراتيجية فرج زيدان، على اتفاق الصخيرات بعد مرور ثلاثة أعوام عليه، قال فيه: "المجلس الرئاسي في البداية كان يمارس مهامه من تونس، ولكي تقبل به الميليشيات في طرابلس، عقد معها صفقة، تم بموجبها احتواء الميليشيات داخل وزارتي الداخلية والدفاع التابعتين للمجلس الرئاسي، ومنحها الأموال والمرتبات العالية، بما يتعارض مع باب الترتيبات الأمنية في اتفاق الصخيرات، الذي ينصّ على حل هذه الميليشيات وتسليم ذخائرها، مما أدىّ إلى اختطاف المشهد السياسي من قبل تيارات فجر ليبيا، التي انقلبت على المسار الديمقراطي، واحتكرت المجلس الرئاسي لنفسها".

الوفاق تهدم اتفاق الصخيرات

خالفت حكومة الوفاق اتفاق الصخيرات، التي نالت شرعيتها بناءً عليه في شقين؛ الأول حين لم تلتزم بالمبادئ التي قام عليها الاتفاق، والثاني بمخالفة الإجراءات التي نصّ عليها.

نصّ الاتفاق في مقدمتة على أربعة مبادئ رئيسية، منها ضمان الحقوق الديمقراطية للشعب الليبي، والحاجة إلى حكومة توافقية. وجاء في باب "مبادئ حاكمة" ما يلي: الالتزام بحماية وحدة ليبيا الوطنية والترابية وسيادتها واستقلالها، وسيطرتها التامة على حدودها الدولية، ورفض أيّ تدخل أجنبي في الشؤون الداخلية الليبية، والالتزام بأنّ مجلس النواب هو السلطة التشريعية الوحيدة في البلاد خلال الفترة الانتقالية.

تولى الصديق الكبير، وهو أحد قادة جماعة الإخوان، منصب محافظ ليبيا المركزي، دون أن ينال موافقة مجلس النواب

كما نص على الالتزام بتطبيق القرارات الصادرة عن السلطة التشريعية (مجلس النواب في طبرق) بشأن حل ودمج التشكيلات المسلحة في مؤسسات الدولة المدنية والعسكرية، وإعادة تأهيل منتسبيها بما يتماشى مع المعايير والممارسات الدولية.

وخلافاً لروح ومبادئ الاتفاق الملزمة، كرّست حكومة الوفاق برئاسة فايز السراج سلطتها لدعم فريق الإخوان المسلمين للسيطرة على الدولة، بعد أنّ التحف غطاء الشرعية. لم تلتزم الحكومة بأيّ مما نصّ عليه الاتفاق، بل على نقيض ذلك قربت الميليشيات، ووافقت على هيمنتها على مؤسسات الدولة، وكانت الطامةُ الكبرى بأن فرّطت في استقلال وسيادة ليبيا، واستدعت التدخل الأجنبي التركي، وبدل من أنّ تحارب الإرهاب فتحت أبواب البلاد للآلاف منهم.

وفي نظرالباحث في الشؤون السياسية، محمد حامد، نتجت حكومة الوفاق عن طريق اتفاق إطاري، وهي حكومة انتقالية وليست دائمة، بهدف توحيد الجيش وكتابة دستور وانتخاب برلمان، وهو ما لم يحدث إذ باعت نفسها للخارج (تركيا، التنظيم الدولي للإخوان)، وخالفت القانون والمعايير الدولية في سياستها.

ويضيف حامد لـ "حفريات" بأنّ ممارسات الوفاق خالفت اتفاق الصخيرات؛ ومن ذلك توقيع اتفاقيتي ترسيم الحدود، والاتفاقية الأمنية مع تركيا، دون الحصول على تصديق البرلمان عليهما، وفق ما نصّ عليه الاتفاق. كما أنّها أخفقت في مهمتها الأساسية، وتحولت إلى عباءة ارتداها الإخوان المسلمون لنيل الشرعية الدولية.

اقرأ أيضاً: لماذا ترغب الوفاق في التصعيد العسكري بليبيا رغم تحذيرات مصر؟

أمّا عن الشقّ الثاني في مخالفة الإجراءات التنفيذية لاتفاق الصخيرات، فيتمثّل في عدم عرض الحكومة للموازنة العامة للدولة على البرلمان لاعتمادها، وعدم خضوعها لمراقبته. وعدم الالتزام بحق البرلمان التشريعي والرقابي، وهمشت دوره في المرحلة الانتقالية.

فضلاً عن ذلك؛ ألزم الاتفاق الحكومة بأن تحصل على موافقة البرلمان في تعيين المناصب السيادية التالية: محافظ مصرف ليبيا المركزي، رئيس ديوان المحاسبة، رئيس جهاز الرقابة الإدارية، رئيس هيئة مكافحة الفساد، رئيس وأعضاء المفوضية العليا للانتخابات، رئيس المحكمة العليا، والنائب العام.

اقرأ أيضاً: انقسام في معسكر الوفاق بعد تجدّد الاقتتال بين ميليشيات مصراتة وطرابلس

غير أنّ الحاصل هو؛ سيطرة الإخوان المسلمين على هذه المناصب السيادية، رغماً عن السراج نفسه، الذي رضخ لها، ليبقى في منصبه، ومن ذلك تولي الصديق الكبير منصب محافظ ليبيا المركزي، وهو أحد قادة جماعة الإخوان، دون أن ينال موافقة مجلس النواب، وبقية المناصب هكذا.

أداة لترسيخ الانقسام

بحكم سيطرة ميليشيات الإخوان المسلمين (مصراتة) وطرابلس على قرار حكومة الوفاق، تحولت الأخيرة إلى أداة لترسيخ الانقسام، الذي جيء بها لتضع حداً له، إذ قامت الميليشيات بترهيب أعضاء المجلس الرئاسي غير الموالين للإخوان ولهم، ودفعتهم إلى تقديم استقالاتهم، ومنهم علي القطراني الذي مُنع من أن يأتي إلى طرابلس على الإطلاق، وموسى الكوني الذي هُدد منهم حتى قدم استقالته، وكلاهما كانا يشغلان نائب لرئيس الوزراء، ليصبح المجلس الرئاسي هو صوت ميليشيات الإخوان فقط.

أمّا عن مصير حكومة الوفاق الفاقدة للشرعية، فيقول محمد حامد لـ "حفريات"، إنّ على الجميع الانخراط في المفاوضات، برعاية الأمم المتحدة ووفق المبادرة المصرية، للخروج باتفاق جديد، بديلاً عن اتفاق الصخيرات الذي فقد شرعيته، وتحول إلى أداةٍ لخدمة مصالح فريق واحد على حساب شعب ليبيا.

بناءً على ذلك فإنّ جميع الاتفاقيات والقرارات التي اتخذتها حكومة الوفاق تصبح هي والعدم سواء، لذلك يدفع أردوغان ومن ورائه الإخوان إلى استمرار الوضع الحالي، الذي فرضت فيه الجماعة هيمنتها على حكومة الوفاق وفق قوة السلاح. ممّا يحمل في طياته إصراراً وتعنتاً تركياً-إخوانياً ضد المفاوضات، ليستمر نزيف الدم الليبي، طالما ظل المجتمع الدولي متخاذلاً عن دوره في تعرية الجرائم الإخوانية- التركية بنزع الشرعية الباطلة عن الوفاق، وتعرية أطماع أردوغان- الإخوان في السيطرة على ليبيا.


آخر الأخبار

الصفحة الرئيسية