وقفات محمود حسين الإيمانية... لماذا الآن؟ وما الرسائل الخفية؟

وقفات محمود حسين الإيمانية... لماذا الآن؟ وما الرسائل الخفية؟

وقفات محمود حسين الإيمانية... لماذا الآن؟ وما الرسائل الخفية؟


27/04/2023

منذ أن أعلن نفسه قائماً بأعمال المرشد العام لجماعة الإخوان بعد وفاة إبراهيم منير في 4 تشرين الثاني (نوفمبر) الماضي، يحاول محمود حسين تكثيف ظهوره الإعلامي بشكل كبير، عبر مختلف المنصات الإعلامية التابعة للتنظيم حاملاً العديد من الرسائل في كل مرة، يتعلق أبرزها بمحاولة تثبيت نفسه بالمنصب المتنازع عليه مع جبهة لندن، التي أعلنت في وقت سابق القيادي صلاح عبد الحق قائماً بأعمال المرشد العام، فيما يتواصل الصراع بين الجبهتين على أحقية وشرعية كل طرف بتولي المنصب.

ومؤخراً، ظهر حسين من خلال برنامج أسبوعي، يتم بثه عبر إحدى المنصات التابعة للتنظيم، تحت عنوان "وقفات إيمانية"، وهي حلقات أقرب إلى الرسالة الأسبوعية التي اعتاد مرشد الإخوان إصدارها قبل عام 2013، لكنّ حسين ربما يحاول توظيف أدوات الإعلام الحديث، للظهور أسبوعياً وربما مرتين خلال الأسبوع، في حديث يبدو أقرب إلى الموضوعات الدينية والفقهية، لكنّه لا يخلو أبداً من الرسائل السياسية ومحاولة توجيه عناصر التنظيم في الداخل والخارج لتأييد حسين ومجموعته في ضوء الصراع المحتدم.

رسائل مبطنة

بداية قد يخدعك الاسم والشكل الذي خرجت به الحلقات، في صورة أقرب إلى الخطابة الفقهية، يجلس حسين كالخطيب في المسجد، أمامه مجموعة من الأشخاص، وتحمل الفيديوهات جميعها عناوين تبدو كحديث في أمور دينية وشرعية، لا تحمل أيّ أوجه سياسية، مثلاً الحديث عن بعض تعاليم الإسلام الواردة في القرآن، وبعض القصص الواردة فيه بما فيها من موعظة،  لكن بمجرد بدء المتابعة ستجد أنّ الحلقات ملأى بالرسائل السياسية التي لا تخلو من التحريض ومحاولة إثارة الفتنة.

على سبيل المثال، يتحدث حسين في مجموعة من اللقاءات عن معنى الوطن ومفهوم الدفاع عنه وقيمة الجندي المدافع عن وطنه في الإسلام، لكنّه يقدّم مفاهيم مغلوطة تماماً عن الوطنية والانتماء وأيضاً قيمة الدفاع عن الوطن، تعكس مفاهيم التطرف والتشويش المعروفة لدى جماعة الإخوان بهذا الصدد، والتي تقلل من قيمة عمل المؤسسات الوطنية، مقابل مفاهيم أخرى تتسق مع أجندة الجماعة.

 الحلقات ملأى بالرسائل السياسية التي لا تخلو من التحريض ومحاولة إثارة الفتنة

الخطير في الأمر أنّ حسين يحاول من خلال لقاءاته صبغ أفكار التنظيم بقيم شرعية وإعادة تقديمها للمتابع باعتبارها قراءة جديدة للدين الإسلامي تتفق مع ضرورات العصر، لكنّها في مجملها لا تخرج عن أفكار الحاكمية والمجتمع الجاهلي الحاكمة لفكر الإخوان على مدار أعوام، منذ أن وضعها مُنظّر التنظيم الأوّل سيد قطب في ستينات القرن الماضي.

لماذا الآن؟

يعزي المراقبون دلالة التوقيت إلى عاملين أساسيين؛ يتعلق الأوّل بمحاولة الجماعة تقديم نفسها لقواعدها وللمجتمع من منظور جديد، لكن دون الخروج عن الأفكار التقليدية المؤسسة لمنهج التنظيم، وأغلبها يعود إلى المؤسس سيد قطب، بينما يتعلق المحور الثاني بجهود محمود حسين الحثيثة لتحقيق هدف شخصي يرتبط بتثبيت نفسه أمام قواعد التنظيم كقائم بمهام مرشد التنظيم يمارس صلاحياته دون عائق.

حسين يحاول من خلال لقاءاته صبغ أفكار التنظيم بقيم شرعية، وإعادة تقديمها للمتابع باعتبارها قراءة جديدة للدين الإسلامي تتفق مع ضرورات العصر، لكنّها في مجملها لا تخرج عن أفكار الحاكمية والمجتمع الجاهلي الحاكمة لفكر الإخوان

ويقول الباحث المصري أحمد سلطان، المختص بالإسلام السياسي والإرهاب، لـ "حفريات": إنّ تكثيف الظهور الإعلامي من جانب محمود حسين يُعدّ أمراً لافتاً، لأنّه ليس المعتاد داخل الجماعة، خاصة أنّه كان شخصاً نادر الظهور خلال الأعوام الماضية، رغم أنّه كان يشغل منصب الأمين العام للتنظيم.

بحسب سلطان، لا يميل حسين أبداً إلى عملية الظهور الإعلامي، ويفضل العمل التنظيمي بشكل مستتر بعيداً عن دائرة الضوء، حتى أنّه في بداية الخلاف الذي اندلع بين جبهتي لندن وإسطنبول كان من الملاحظ ظهور إبراهيم منير عدة مرات من خلال وسائل إعلام تابعة للتنظيم والحديث عن الأزمة، وعن أحوال الجماعة بشكل عام، وفي المقابل لم يكن هناك أيّ ظهور يذكر لحسين سوى مرة واحدة عبر موقع (إخوان أون لاين).

ما أهدافه؟

يقول سلطان: إنّ حسين يحاول من خلال الظهور المكثف مؤخراً، وبتحليل خطابه، التأكيد على مجموعة من الرسائل؛ أوّلها استمرار حشد قواعد التنظيم لتأييده في معركته المحتدمة مع جبهة لندن، خاصة أنّ صلاح عبد الحق المعيّن قائماً بأعمال المرشد أيضاً من قيادات لندن، يظهر بشكل أسبوعي في لقاء تحت مُسمّى "حديث الثلاثاء"، في محاولة لاستعادة تقليد الرسائل الأسبوعية لمرشد الإخوان، وأيضاً اللقاء الأسبوعي الذي كان يقيمه مؤسس التنظيم الأول حسن البنا تحت المُسمّى ذاته.

الهدف الأهم، وفق سلطان، يتعلق برغبة حسين في استيعاب الصف التنظيمي المنقسم على نفسه في ضوء الخلافات الداخلية المحتدمة منذ أعوام بين قيادات الجماعة، ولا يريد حسين أن يطيل فترة غيابه عن قواعد الجماعة حتى لا تنفلت الأمور من بين يديه لصالح منافسيه.

حسين يحاول أيضاً التأكيد على فكرة أنّ منهج الجماعة لم يتغير، وأنّها لم تتخلَّ عن فكرها القديم، ومنهجها الأول في التعامل مع الدولة أو المؤسسات أو غيرها، كما أنّها ما تزال ملتزمة بنهجها الذي تصفه بأنّه نهج شامل، تتداخل فيه السياسة والدين والأعراف الاجتماعية، خاصة أنّ جبهة لندن كانت قد أعلنت في وقت سابق أنّها تفضل اعتزال العمل السياسي في الداخل المصري؛ الأمر الذي أثار انقساماً داخل صفوف الجماعة، تحاول جبهة إسطنبول توظيفه لصالحها.

أحمد سلطان: تكثيف الظهور الإعلامي من جانب محمود حسين يُعدّ أمراً لافتاً، لأنّه ليس المعتاد داخل الجماعة، خاصة أنّه كان شخصاً نادر الظهور خلال الأعوام الماضية، رغم أنّه كان يشغل منصب الأمين العام للتنظيم

ويرى سلطان أنّ محمود حسين ما يزال يمثل رقماً مهمّاً في الصراع المحتدم داخل التنظيم في الوقت الراهن، إن لم يكن الطرف الأهم، ولن يتخلى عن أهدافه بالسيطرة على منصب المرشد العام، الذي يقول إنّه حق منفرد له وفق لائحة الجماعة التنظيمية، وإنّ أيّ اختيار آخر يُعدّ خروجاً عن الشرعية التنظيمية، كذلك من المتوقع أن يستمر الخلاف والصراعات بين عناصر التنظيم لفترة طويلة دون حسم، بينما سيحاول كل طرف توظيف كافة ما لديه من أدوات، وفي مقدمتها الإعلام ومختلف المنصات عبر وسائل التواصل الاجتماعي، لتحشيد أكبر عدد من المؤيدين على المستوى التنظيمي، والتأكيد أيضاً على فكرة أنّ الجماعة باقية، وما تزال تمارس أفكارها.



انشر مقالك

لإرسال مقال للنشر في حفريات اضغط هنا سياسة استقبال المساهمات

آخر الأخبار

الصفحة الرئيسية