ورقة "الإخوان" الطائفية

ورقة "الإخوان" الطائفية


02/01/2022

عبدالله السناوي

في زحمة الحوادث العاصفة والتحولات والانقلابات السياسية المتسارعة التي مرت على مصر عام 2011 طويت صفحة حادث «كنيسة القديسين» المروع.

كان الحادث الإرهابي، الذي جرت وقائعه الدموية بعد عشرين دقيقة من بداية ذلك العام الفارق، إنذاراً مدوياً بما سوف يأتي بعده من تداعيات وعواصف.

بأثر التفجير الانتحاري بسيارة مفخخة أمام «كنيسة القديسين» بالإسكندرية سقط عشرات القتلى والجرحى وروع المصريون في كل مكان فيما كانوا يبدأون للتو الاحتفال برأس السنة الجديدة.

حاولت مجموعات من الأقباط اقتحام مقر الكنيسة التي استهدفت بالتفجير بحثاً عن ذويهم.

في الصباح خرجت تظاهرات قبطية غير مسبوقة في أنحاء مختلفة من العاصمة، تمركزت أمام مبنى التلفزيون المصري «ماسبيرو» تعبيراً عما في الصدور من غضب.

كان ذلك تطوراً جوهرياً في المشهد السياسي المأزوم صاحبه ما يقارب حالة «الشلل الرباعي» وقيل إن هناك أياد أجنبية وراء الحادث، ولم يتم التساؤل: من أين تهب النيران؟.. وكيف وصلنا إلى استهداف الكنائس بالتفجيرات الانتحارية؟

أسست تظاهرات الشباب القبطي الغاضب لنوع من المشاركة السياسية خارج أسوار الكنيسة وبعيداً عن وصايتها التقليدية.

انطوى ذلك التطور على رسالتين متناقضتين.. أولاهما- تنذر بانقسام طائفي حاد يطلق عليه تقليدياً وصف «الفتن» مرشح للتفاقم فيما الأطر السياسية عاجزة عن أي احتواء، أو حوار داخل الجماعة الوطنية المصرية وفق حقوق المواطنة والمساواة أمام القانون.. وثانيتهما- تؤشر إلى استعداد وتأهب في الأجيال الجديدة إذا ما توافرت البيئة المناسبة للاندماج الواسع في الحياة السياسية دون وساطة أو أبوية من أجيال سابقة أو مؤسسات روحية.

المكان نفسه أمام «ماسبيرو» تحول أثناء أحداث ثورة يناير إلى ساحة احتجاجات قبطية وشهد وقائع دامية.

بتوقيت تفجيرات «كنيسة القديسين» كانت الاحتجاجات التونسية تلهم فكرة التغيير الديمقراطي.

اختنقت البيئة العامة سياسياً واجتماعياً إلى حدود لم يعد ممكناً معها أن تعبر حركة المجتمع عن نفسها بحرية.

لم يكن مستغرباً، والأمر كذلك، أن تتجاوز طاقة الغضب المعلنة والكامنة في بنية المجتمع الدلالات المباشرة لحادث كنيسة القديسين إلى طلب بناء دولة مدنية ديمقراطية حديثة، المطلب الرئيسي في 25 يناير 2011.

في سنوات مبارك الأخيرة زادت تحركات بعض أقباط المهجر، طرحوا مطالب طائفية كالمحاصصة في مواقع الدولة التنفيذية والتشريعية بنسبة (15%)، التي دعا إليها مؤتمر في زيوريخ بقيادة عدلي أبادير.

في أجواء ذلك المؤتمر أعلن أبادير نيته الترشح لرئاسة الجمهورية. الإعلان وصفه البابا شنودة بأنه نكتة.

في ذلك الوقت ارتفعت أصوات من داخل الصف الوطني القبطي تحذر من انفلات طائفي قد يصل إلى حرق كنائس، أو صدامات سلاح، غير أنها ذهبت أدراج الرياح.

كان هناك من هو مستعد أن يتلاعب بملفات حرائق الفتنة بظن أن ذلك يصرف الانتباه عن قضايا أخرى. وكان ذلك لعباً بالنار في بلد كل شيء فيه قابل للاحتراق.

لم يكن ما حدث ل«كنيسة القديسين» مسألة أمنية محضة. في الأيام الأولى لثورة يناير خفتت أجواء الاحتقانات الطائفية إلى حدود بعيدة، كانت تلك مفاجأة كاملة.

ألهمت بعض مشاهد ميدان التحرير فكرة «الوحدة الوطنية» مجدداً على أفضل صيغة ممكنة، وبأفضل من كل العبارات الإنشائية الاعتيادية حين صلى المسلمون بحماية الأقباط خشية أية غارات على الميدان. كان ذلك مشهداً فريداً قوض أية أجواء تعصب.

بصياغة الكاتب الكبير الراحل أحمد بهاء الدين، فإن «التعصب هو المادة الخام لكل فتنة، وله ميكانيكية ثابتة عبر كل العصور وكل المجتمعات، فالأزمة الاقتصادية وضيق الرزق وتوتر الحياة من أسبابه».. كما أن «الإحباط إزاء عدو خارجي مثلًا، أو العجز عن مواجهة تحديات خارجية، يجعل الناس في عجزهم ينكفئون على صراعات داخلية لم تكن موجودة من قبل».

في الأيام الأولى من ثورة يناير، تبدت فسحة أمل لا سقف لها حلمت ببناء نظام يوفر العيش والحرية والعدالة الاجتماعية ويخفض بالضرورة منسوب الاحتقان الطائفي.

لم يكن أحد مستعداً أن يستبدل عدو الخارج بأعداء من الداخل، أو أن يجاري لغة الفتن الطائفية بأية ذريعة، غير أن جماعة «الإخوان المسلمين» ومن حالفها لعبت بالورقة الطائفية في استفتاء مارس من ذلك العام على تعديل بعض مواد الدستور لاعلاقة لها من قريب أو بعيد بالدين.

الأسوأ أن بعض من تصدروا المشهد الطائفي المستجد ينتمون إلى تنظيم «القاعدة» المتهم الأول بتفجيرات «كنيسة القديسين» والأثمان كانت باهظة.

لم ينشأ حادث «كنيسة القديسين» من فراغ، ولا كان معزولاً عن البيئة الاجتماعية والسياسية المحتقنة.

عن "الخليج" الإماراتية


آخر الأخبار

الصفحة الرئيسية