عبد الحكيم عابدين... "راسبوتين" الإخوان صناعة البنا (2ـ 2)

عبد الحكيم عابدين... راسبوتين الإخوان صناعة البنا (2ـ2)

عبد الحكيم عابدين... "راسبوتين" الإخوان صناعة البنا (2ـ 2)


30/01/2024

من هذا الحي العريق، حي عابدين، وقبل ثورة الطلاب 1946 بعام، استغل عبد الحكيم عابدين قدرته على الدخول إلى منازل أعضاء شعبة حي عابدين، وبدأ في التحرش بزوجات شباب الإخوان، المسألة التي افتضحت لاحقاً وأحيلت للتحقيق عام 1946، ثم كانت سبباً في أكبر انشقاق شهدته الجماعة على مدار تاريخها في تشرين الأول (أكتوبر) 1947.

في العام 1945 بدا واضحاً للعيان أنّ هذا النظام حمل في طياته العديد من الفضائح الأخلاقية التي وصفها بعض الإخوان أنفسهم بأنّها يشيب من هولها "شعر الوليد"، وأصبح (عابدين) معروفاً بـ "راسبوتين" الجماعة، ولم يكن أمام المرشد إلا الأمر بإجراء تحقيقات مكتوبة مع عابدين بمعرفة بعض كبار أعضاء الجماعة.

الجماعة تؤكد واقعة التحرش

عندما أصر الشيخ أحمد السكري على اتخاذ موقف محدد من فضائح عبد الحكيم عابدين، قام البنا بتشكيل لجنة مكونة من كلٍّ من أحمد السكري، وصالح عشماوي، وحسين بدر، والدكتور إبراهيم حسن، ومحمود لبيب، وحسين عبد الرازق، وأمين إسماعيل، للتحقيق فيما نُسب إلى عبد الحكيم عابدين، وقدمت اللجنة تقريراً بتاريخ 9/1/1946، ونصه كالآتي:

فضيلة الأستاذ المرشد العام: السلام عليكم ورحمة الله وبعد، هذه اللجنة التي كلفت بالنظر في مسألة الأستاذ عابدين، وحضرات حسن سليمان، فهمي السيد، محمد عمار، زكي هلال، لم توفق في إيجاد التفاهم بين الطرفين، كذا لا تستطيع تحديد المسؤولية بصفة قاطعة بالنسبة إلى إفشاء هذه الفتنة...، وكان لا بدّ لها في مهمتها أن تستوضح الطرفين، فجمعت لهذا الغرض البيانات والاستدلالات في المحاضر المرفقة ملخصة بعض الوقائع أو الكثير منها، ولم تشأ أن تخرج عن مهمتها إلى التحقيق الشامل، ولكنّها خرجت من هذه البيانات برأي قاطع، رأت أن تنصح بعدم إجراء تحقيق آخر، وتكوين لجنة تحكيم أو غير ذلك، ورأت حسماً للموضوع أن يُكتفى بما توفر للجنة أساساً لتكوين فكرة صحيحة، نبرزها فيما يأتي:

1 ـ موقف هؤلاء الإخوة الأربعة يكون سليماً من كل وجه.

وثيقة صادرة عن مكتب الإرشاد تدين عبدالحكيم عابدين

2 ـ اقتنعت اللجنة اقتناعاً كاملاً بما تجمع لديها من بيانات، سواء من طريق الأربعة المذكورين، أو من طريق غيرهم ممّن تقدم إليها من الإخوان، بأنّ الاستاذ عابدين "مذنب".

رفض البنا قبول تقرير اللجنة والاعتراف بأنّ زوج أخته ونائبه مذنب، فشكّل لجنة أخرى أصدرت تقريرها يوم 13/5/1946، بعد (5) أشهر تقريباً من تقرير اللجنة الأولى التي أثبتت خطأ عابدين، وأرسل البنا رداً بما جاء في التقرير للنشر في جريدة المصري العدد 16 بتاريخ 22 أيار (مايو) 1946، والتي قررت بالطبع بطلان الاتهامات الموجهة إلى عبد الحكيم عابدين!

 

رفض البنا قبول تقرير اللجنة والاعتراف بأنّ زوج أخته ونائبه مذنب.

 

لم تقف المسألة عند ذلك الحد، بل قرر أحمد السكري نشر مجموعة من المقالات على صفحات جريدة (صوت الأمّة) لسان حال حزب الوفد في تشرين الأول (أكتوبر) وتشرين الثاني (نوفمبر) 1947 كشف فيها ملابسات المسألة بالكامل، وفضح فيها انزلاق حسن بدعوة الإخوان إلى مناطق الشبهات!

اعتبر البعض موقف أحمد السكري من البنا موقفاً شخصياً، وذكرت أدبيات الإخوان أنّ السكري حمل ضغينة للبنا؛ لأنّه انفرد لنفسه بالجماعة حسب اعتقاد السكري، بيد أنّ موقف صالح عشماوي أحد الذين وقعوا على تقرير اللجنة الأولى التي أقرت بذنب عبد الحكيم عابدين يؤكد الواقعة، مع الوضع في الاعتبار أنّ عشماوي عاش ومات عضواً بالتنظيم وأحد أهم كوادره!

رائد صحافة الإخوان يقر بخطأ عابدين

صالح عشماوي ظل حتى وفاته في الثمانينات عضواً في الجماعة، وكان أحد أبرز الشخصيات داخل التنظيم الخاص، وعلى يديه بايع بعض المنتمين إلى النظام الخاص الجناح العسكري المسلح للجماعة في شقة خصصت لذلك في شارع الصليبة، بالقرب من مقر الدار في 13 شارع الناصرية بالسيدة زينب، القاهرة.  بل أكثر من ذلك حمل عشماوي مسؤولية الجماعة بعد اغتيال البنا، وقبل أن يتقلد المرشد الثاني للإخوان حسن الهضيبي مسؤولية التنظيم!

بالتالي المسألة من الصعب اعتبارها مجرد خلافات شخصية بين السكري والبنا، بل هي أبعد من ذلك، وتضع العديد من علامات الاستفهام على علاقة عبد الحكيم عابدين بحسن البنا، ومدى أهميته للتنظيم التي شرحناها في البداية.

 

آثر البنا صهره عبد الحكيم عابدين على صديق عمره الشيخ أحمد السكري.

 

مثلث (السكري، البنا، عابدين) يحتاج لأكثر من قراءة لكشف حقائق التنظيم؛ يعزز تلك الرؤية غرابة التحولات في تلك العلاقة التي جمعتهم في معتقل الزيتون بالقاهرة في تشرين الأول (أكتوبر) 1941، وعندما صدر قرار الإفراج عن البنا بعد أقلّ من شهر في 13 تشرين الثاني (نوفمبر) رفض البنا الخروج بعد معرفته بأنّ قرار الإفراج لم يشمل السكري وعابدين معه، ولم يخرج إلا بعد حصوله على وعد بالإفراج عنهما، بيد أنّ العلاقة تأزمت بعد أقلّ من (4) أعوام، لتصل الأزمة إلى صفحات الجرائد ويكتشف الجميع فضائح التنظيم!

لكنّ البنا آثر صهره عبد الحكيم عابدين على صديق عمره الشيخ أحمد السكري، وهي المسألة التي كشفها حجم المهام التي أوكلها البنا إلى عابدين بعد شهرين فقط على الاستقالة الشهيرة لأهم قيادات الإخوان، في المقدمة منهم الشيخ السكري.

أبرز تلك المهام إيفاد عبد الحكيم عابدين رسولاً من الجماعة للمشاركة في محاولة الانقلاب في اليمن ضد الإمام يحيى في كانون الثاني (يناير) 1948.

الإمام يحيى قتل في ثورة 1948 المدعومة من جماعة الإخوان

أهمية بدأت قبل ذلك بأعوام، على وجه التحديد مع انتداب قسم الاتصال بالعالم الإسلامي عبد الرحمن الساعاتي وعبد الحكيم عابدين لزيارة الأقطار العربية بالشام والعراق بداية من صيف عام 1944، وفي عام 1945 زارا الأردن، وكانت تلك الزيارة تمهيداً لتدشين شعبة الإخوان المسلمين في الأردن.  

لكن يظل الدور الأبرز ما قام به عبد الحكيم عابدين في المحاولة الانقلابية باليمن ودعم الإخوان لها؛ ذكر محسن محمد في كتابه (من قتل حسن البنا): "استأجر الإخوان طائرة خاصة أقلت عبد الحكيم عابدين السكرتير العام للجماعة"...، ويضيف محسن محمد: "أصبح عبد الحكيم عابدين خطيب الانقلاب في إذاعة صنعاء، وكان يساعده في الخطب ووضع برامج الإذاعة الإخوان المسلمون المصريون الذين يعملون مدرسين في صنعاء".

 

رفض عبد الحكيم عابدين أن يكون المرشد، فذهب المنصب إلى المستشار حسن الهضيبي.

 

وفي مصدر آخر أبرز اليمني الدكتور أحمد قايد الصائدي، في رسالته للدكتوراه بعنوان "حركة المعارضة اليمنية"، سرّ علاقة الإخوان بمحاولة الانقلاب الفاشلة في اليمن: "كانت هذه العلاقة ذات فحوى سياسية تدخل ضمن المخطط العام لحركة الإخوان المسلمين الطامح إلى إقامة دولة إسلامية تشمل العالم الإسلامي بكامله، فأضحى النشاط السياسي في اليمن بالنسبة إلى الإخوان المسلمين جزءاً من هذا المخطط".

عابدين ضمن المرشحين لمنصب المرشد للجماعة

ولم يتوقف دفاع البنا عن صهره عبد الحكيم عابدين، حتى بعد القبض عليه في اليمن والحكم عليه بالإعدام، ليضغط البنا مستخدماً علاقاته السياسية ومطالباً الجامعة العربية التدخل لإنقاذ عبد الحكيم عابدين!

بعد اغتيال حسن البنا عام 1949 تضع الجماعة قائمة محتملة للمرشحين إلى منصب المرشد، ضمت (4) أسماء من بينهم عبد الحكيم عابدين، غير أنّه وحسب أدبيات الإخوان رفض أن يكون المرشد، فذهب المنصب إلى المستشار حسن الهضيبي الذي قرّب عابدين إليه هو أيضاً.

وفي رحلة الهضيبي لزيارة بعض شعب الإخوان في الدول العربية عام 1954 يصطحب معه عبد الحكيم عابدين، وفي الخارج تصل أنباء الصدام بين الإخوان ونظام ثورة تموز (يوليو) إلى الهضيبي، فيقرر العودة إلى مصر، ويبقى عابدين في بيروت خشية القبض عليه إن عاد.

صالح عشماوي

في بيروت يختار مفتي القدس الحاج أمين الحسيني صهر البنا عبد الحكيم عابدين مستشاراً للهيئة العربية العليا لفلسطين، ثم ينتقل عابدين إلى الأردن وسوريا، ويستقر به المقام في المملكة العربية السعودية مستشاراً لرابطة العالم الإسلامي تقريباً عام 1970، قبل أن يعود إلى القاهرة مرة أخرى عام 1975 مشاركاً مرشد الإخوان الثالث عمر التلمساني في إعادة بعث الجماعة، غير أنّ القدر لم يمهله الكثير ليرحل عابدين عام 1976.

يحكي عبد المعز عبد الستار عضو الجماعة أنّه علم بوفاة عابدين فور عودته من الدوحة، وفي زيارة غير مرتبة إلى مدينة الفيوم وجد أنّ المنية سبقته إلى رفيق الدرب، ووجد وصية تركها عابدين أن يصلي عليه عبد المعز عبد الستار، الذي كان أحد الوجوه الشابة التي انضمت إلى الجماعة في التوقيت نفسه مع عابدين في الثلاثينات من القرن التاسع عشر، وأوكل له البنا السفر إلى بعض الدول العربية لمباشرة شعب الإخوان لديها، منها سفر عبد الستار إلى فلسطين عام 1946، إلى جانب مساهمته في تدشين شعب الإخوان في الخليج العربي رفقة عبد البديع صقر ويوسف القرضاوي، بعد فرار عناصر الجماعة من القاهرة عقب الصدام مع نظام ثورة تموز (يوليو) عام 1954.

مواضيع ذات صلة:

عبد الحكيم عابدين... "راسبوتين" الإخوان صناعة البنا (1ـ 2)

السند المتين في استثمار الدين.. قراءة في لائحة عبد الحكيم عابدين

الصفحة الرئيسية