هل يُخل الدعم الصيني لروسيا بالتوازن الاستراتيجي للقوى النووية؟

هل يُخل الدعم الصيني لروسيا بالتوازن الاستراتيجي للقوى النووية؟

هل يُخل الدعم الصيني لروسيا بالتوازن الاستراتيجي للقوى النووية؟


كاتب ومترجم جزائري
04/06/2023

ترجمة: مدني قصري

في سياق استراتيجية الأمن القومي لإدارة بايدن الجديدة، التي تم الإعلان عنها في 12 تشرين الأول (أكتوبر) 2022 وُصِفت الصينُ بالمنافس الحقيقي الوحيد للولايات المتحدة. تنص الإستراتيجية على أنّ "الصين وروسيا متراصفتان بشكل وثيق وبشكل متزايد، لكنّ التحديات التي تمثلانها مختلفة تماماً من نواح كثيرة. إنّ أولوّيتنا هي الحفاظ على مصلحة تنافسية مستدامة ضد الصين، مع السيطرة على روسيا التي لا تزال دولة خطرة جداً". وتضيف الوثيقة أنّ روسيا لم تعد تُعتبَر منافساً للولايات المتحدة، على الرغم من أنها "تشكل تهديداً فورياً ودائماً للأمن الإقليمي في أوروبا ومصدراً للفوضى وعدم الاستقرار على المستوى العالمي، لكنها لا تملك في أي مجال ما تمتلكه الصين من قدرات".

لكنّ الصين تواجه العديد من التحديات لتطوير قواتها النووية بسرعة - ولعلها طلبت المساعدة من حليف جديد: روسيا. ونظراً لأنّ صناعة الأسلحة النووية الروسية تعاني بشكل متزايد من علامات ضعف كفاءتها التي يمكن أن تؤثر على قدراتها الهجومية في حال حدوث نزاع نووي فإنّ لديها في المقابل طرقاً عديدة لدعم تطوير البرنامج النووي الصيني، بما في ذلك من خلال احتمال تزويدها بجزء من البلوتونيوم ذي الجودة العسكرسة الذي تمتلكه. وقد يؤدي هذا التحالف الاستراتيجي فعلياً بين روسيا والصين - الذي كان يُعتبَر في الماضي غير محتمل – إلى تداعيات بعيدة المدى على توازن القوى بين أكبر القوى النووية في العالم.

القوات النووية الروسية فريدة من نوعها

إذا كانت الولايات المتحدة تنظر إلى الصين باعتبارها خصمها الوحيد على المدى الطويل فإنّ التوازن الحالي للقوى النووية يُظهِر صورةً مختلفة: وفقاً لاتحاد العلماء الأمريكيين  Federation of American Scientists ففي خلال عام 2023 ستمتلك روسيا مخزوناً من 4489 رأساً نووياً، منها 1674 رأساً حربياً منتشراً و2815 في الاحتياط، في حين ستمتلك الولايات المتحدة 3708 رأساً منها 1770 منتشرة، أمّا الصين فلديها 404 رؤوس حربية، لكن لديها من هذه الرؤوس عدداً أكبر في طور الإنتاج.

التقى الرئيس الصيني بالرئيس الروسي فلاديمير بوتين في موسكو في 21 مارس 2023

نظراً لأنّ الصين ليست من الدول الموقِّعة على معاهدة ستارت الجديدة New START  - وهي معاهدة تحدّ من حجم القوات النووية الاستراتيجية للولايات المتحدة وروسيا، والتي تم تعليق تطبيقها من قبل الأخيرة في شباط (فبراير) 2023 - فهي – الصين - لا تخضع لعمليات تفتيش متبادلة، وبالتالي لديها المزيد من فرص إخفاء المعلومات حول قواتها النووية. فلهذا السبب يشكك العديدُ من الخبراء في بيانات الصين الرسمية، ويعتقدون أنّ العدد الفعلي للرؤوس النووية الصينية قد يكون أعلى من المعترف به علناً. ومع ذلك، حتى لو كان الأمر كذلك فمن غير المرجح أن تُتيج قدرة المفاعلات والصناعات الصينية إنتاج الكمية الكافية من البلوتونيوم ذي الجودة العسكرية والمطلوبة لتتجاوز العدد الرسمي للرؤوس الحربية.

علاوة على ذلك، فإنّ التهديد النووي الحقيقي الذي تشكله الصين قد بالغت توقعات وزارة الدفاع الأمريكية السابقة وبشكل منهجي في تقديره وتشويهه. ووفقاً لأحدث تقرير للبنتاغون فإنّ ترسانة الصين النووية لا تتجاوز 1000 رأس حربي في عام 2030 و1500 رأس حربي في عام 2035 - وهي أرقام أقل بكثير من ترسانات الولايات المتحدة وروسيا.

بالنظر إلى أنّ القوات النووية الصينية أضعف حالياً من القوات الروسية بكثير فقد يبدو من الغريب إلى حد ما - وحتى من المهين - أن تُستبعَد روسيا من قائمة المنافسين العسكريين لأمريكا مستقبلاً. فحتى وإن كانت روسيا لا تمتلك على جميع المستويات قدرات الصين على المستوى العسكري إلا أّنّ قوّتها النووية العسكرية أعظم من قدرات الصين، وستظل كذلك في المستقبل المنظور.

لا شك أنّ الخبراء الأمريكيين الذين نصحوا إدارة بايدن بتغيير استراتيجيتها لديهم ما يبرر جدية نصائحهم تلك.  المشكلة أنّ الناس قد لا يعرفون أبداً سرّ تلك المبررات. ومع ذلك يمكن طرح بعض الافتراضات.

هل القوات النووية الروسية موثوق بها؟

خلال غزو أوكرانيا في عام 2022  لم تستجب الجيوش التقليدية الروسية للتوقعات على الإطلاق وإلى حد كبير. لقد عانت  الأسلحة الروسية التقليدية الموجّهة بدقّة في الوصول إلى أهدافها، وغالباً ما كانت تضرب المباني المدنية بدلاً من المنشآت العسكرية. ولذا يمكن التساؤل عما إذا كان يمكن لضعفٍ مماثل في الأداء أن يؤثر على القوات النووية الروسية في حالة نشوب صراع نووي. هناك دلائل تشير إلى أن هذا هو الممكن تماماً.

منذ الحرب في أوكرانيا وقع العديدُ من الأحداث السياسية والعسكرية غير التقليدية وغير المتوقعة. ويمكن أن يصبح نقل البلوتونيوم من روسيا إلى الصين أحد هذه الأحداث

أقوى صاروخ روسي، SS-18 M6 « Satan » (RS-20V) يمكن أن ينقل ما يصل إلى 10 رؤوس حربية.  هذه الصواريخ التي صمّمها المكتب الأوكراني Yuzhnoe وأنتجتها أيضاً الشركة الأوكرانية Yuzhmash في مدينة دنيبروبيتروفسك السوفيتية (اليوم دنيبرو في أوكرانيا) تم نشرها لأوّل مرّة في عام 1988. وقد بدأ سحبها رسمياً في عام 2021، بعد أكثر من 30 عاماً من الخدمة القتالية، بينما تم تمديد فترة الصلاحية ومدتها 10 سنوات، ثلاث مرات على الأقل. كانت كل من الصواريخ والمعدات التابعة لها تخضع إلى حد كبير للصيانة من قبل الشركة المصنِّعة لضمان سلامتها. بعد ضم شبه جزيرة القرم في عام 2014 تبيّن أنه من الصعب جداً تأمين هذه الصيانة لهذه المعدات المعقّدة، وهكذا بدأ العمل في إنهاء استخدام صواريخ ساتان (الشيطان). في ذلك الوقت تم تركيب أكثر من نصف رؤساء الصواريخ العابرة للقارات الروسية عليها.

تم إطلاق مشروع جديد لصاروخ ثقيل SS-X-29 Sarmat ( SR-28 ) ليحل محل صواريخ  satanالقديمة. وقد وصفت بعض وسائل الإعلام هذا الصاروخ الجديد بأنه "ابن ساتان". وسيتم إنتاج صاروخ سارمات Sarmat الجديد في روسيا ويتم تجميعه بالمكوّنات الروسية حصرياً. تم إجراء أول اختبار للصاروخ الجديد في نيسان (أبريل) 2022. وكان الرئيس بوتين قد أعلن أنه سيتم تشغيل سارمات في نهاية عام 2022. ولكنه اضطر في كانون الأول (ديسمبر) 2022 للاعتراف بأنّ المشروع تم تأجيله إلى أجل غير مسمّى. وفي 22 آذار (مارس) 2023 ذكرت CNN أنه وفقاً لمسؤولين أمريكيين ربما تكون تجربة سارمات قد فشلت.

تحالف استراتيجي بين الصين وروسيا.

تواجه روسيا مشكلات في الإنتاج في ما يخص حاملات الرؤوس الحربية النووية، فضلاً عن مشكلات تتعلق بالإنتاج والبحث والتطوير بشكل عام في المجال العسكري. وترتبط هذه المشاكل جزئياً بالحظر المفروض على استيراد المنتجات الإلكترونيات الحديثة وغيرها من المنتجات عالية التقنية بسبب الحرب القائمة بين روسيا وأوكرانيا.

خلال غزو أوكرانيا في عام 2022  لم تستجب الجيوش التقليدية الروسية للتوقعات على الإطلاق وإلى حد كبير

تمتلك الصين صناعة عسكرية متطورة، وهو ما مكّنها من إحراز تقدم كبير في إنتاج مركبات الإطلاق في السنوات الأخيرة. ومع ذلك لا يمكنها زيادة عدد رؤوسها النووية الحرارية بسرعة بسبب عدم توفر مصادر محلية للبلوتونيوم ذي الاستعمال العسكري.

بالنظر إلى مواردها من البلوتونيوم المحدودة قد تجد الصين صعوبة في أن تصبح خصماً نووياً كاملاً للولايات المتحدة في المستقبل القريب دون السعي للحصول على مساعدة خارجية. لقد تصرفت الصين بالفعل في الماضي كما لو كانت روسيا حليفتها ضد الولايات المتحدة. على سبيل المثال، في عام 2017 نشرت الصين بعض صواريخها البالستية العابرة للقارات DF-41 في مقاطعة هيلونغجيانغ، في شمال الصين، بالقرب من حدودها مع روسيا. من هذا الموقع يمكن أن تصل صواريخ DF-41 إلى معظم أراضي الولايات المتحدة عبر القطب الشمالي، بعيداً عن النظام الأمريكي المضاد للصواريخ Aegis الكائن في منطقة المحيط الهادئ.

من المحتمل أنّ الشكوك التي تحوم حول المستقبل السياسي للنظام الروسي الحالي – الذي تغذيه حربُه الطويلة ضد أوكرانيا وعزلتُه الاقتصادية والسياسية المتزايدة – لا يشجع الصين على النظر إلى روسيا كحليف كامل وموثوق به على المدى الطويل. لكنّ الظروف الحالية يمكن أن تدفع الصين إلى محاولة الاستفادة من ضعف روسيا لمواجهة تحدياتها النووية.

هل تساهم روسيا في التنمية النووية للصين؟

يمكن للصين أن تستخدم روسيا بطرق مختلفة لتحقيق أهدافها في مجال تطوير الأسلحة النووية.

أوّلاً، يمكن لروسيا تزويد الصين بمزيد من الوقود القائم على اليورانيوم لمفاعلاتها. في أوّل آذار(مارس) أفادت بلومبرج أنّ روسيا سلّمت ما يقرب من 6,5 طن من اليورانيوم عالي التخصيب إلى الصين لمفاعلها النووي النيوتروني السريع CFR-600 قيد الإنشاء في جزيرة تشانغبياو، في جنوب شرق الصين، الأمر الذي أثار مخاوف جدية بين الخبراء الأمريكيين الذين يرون هذا التسليم بمثابة تأكيد على أنّ روسيا تساعد الصين على تعزيز قوّاتها النووية. (يمكن للمفاعلات النيوترونية السريعة إنتاج البلوتونيوم ذي الاستعمال العسكري، والذي يمكن استخدامه بعد ذلك لصنع أسلحة نووية). ولكن وفقاً لفرانك فون هيبل، الفيزيائي في جامعة برينستون ومستشار البيت الأبيض السابق فإنّ المفاعل CFR-600 يمكن أن ينتج مادة انشطارية لخدمة نحو 50 رأساً حربياً سنوياً. وبالتالي يمكن للصين أن تلجأ إلى حلول أسرع لتحقيق أهدافها في مجال التنمية النووية.

حتى وإن كانت روسيا لا تمتلك على جميع المستويات قدرات الصين على المستوى العسكري إلا أّنّ قوّتها النووية العسكرية أعظم من قدرات الصين، وستظل كذلك في المستقبل

الوسيلة الأسرع والأكثر بداهة هي أن تتنازل روسيا عن بعض رؤوسها النووية للصين. إنّ معاهدة عدم الانتشار النووي (TNP) التي صدّقت عليها روسيا والتي تمنع أي طرف من نقل أسلحته النووية إلى أي طرف متلقِّي لا تسمح لها بذلك. ولكن حتى في غياب مثل هذا التقييد فإنه من الصعب تخيل أنّ روسيا يمكن أن تنقل بعض رؤوسها النووية إلى الصين. لا ينبغي أن ننسى أنه بصرف النظر عن تحالفهما الظرفي كانت روسيا والصين قد خاضتا صراعات حدودية وخلافات إقليمية في الماضي، فمن غير المرجح أن ترغب إحدى هاتين الدولتين المتجاورتين والسلطويتين في نزع سلاحها من أجل تسليح الدولة الأخرى.

وافقت الولايات المتحدة وروسيا على معالجة أجزاء كبيرة من مخزونهما من البلوتونيوم المستخدم في صنع الأسلحة والذي أعلِن أنه "فائض" (أي يتجاوز ما تحتاجه الدولتان لأسلحتهما النووية) في إطار اتفاق إدارة البلوتونيوم والتخلص منه، وهو الاتفاق الذي وقّع عليه البَلَدان في عام 2010. لكنّ بوتين أصدر مرسوماً بتعليق الاتفاقية المذكورة في 3 تشرين الأول ( أكتوبر) 2016، بعد رفض الولايات المتحدة بناء مصنعها الخاص لتصنيع الوقود "موكس" في موقع نهر سافانا ريفر في كارولينا الجنوبية من أجل معالجة فائضها الخاص من البلوتونيوم.

من المتوقع أن يدخل أول مفاعل مولّد CFR-600 في الصين الخدمة في عام 2023 والثاني في عام 2025

وعن مخزونها أعلنت روسيا عن فائض قدره 50 طناً من البلوتونيوم، وهو ما يكفي لإنتاج حوالي 14000 رأس حربي. ويمكن نظرياً بيع جزء من هذه المخزون إلى الصين. لكنّ شيئاً من هذا القبيل يبدو مشكوكاً فيه مثل نقل الرؤوس الحربية النووية إلى جارتها. ولكن، في هذه الحالة على الأقل لن يؤدي نقل البلوتونيوم الزائد إلى الصين إلى انخفاض عدد الرؤوس الحربية النووية التي تمتلكها روسيا.

وبالتالي، هناك إمكانية قانونية وتقنية في متناول الصين لزيادة عدد رؤوسها النووية بشكل كبير قبل عام 2030. فإذا تحقق هذا المشروع يمكن للصين عندئذ أن تصبح المنافس الاستراتيجي الرئيسي للولايات المتحدة وبشكل أسرع بكثير – ودون أي شك أو تحفظ – مما توقّعه الخبراء عندما قدّموا لإدارة الرئيس بايدن المشورة بشأن استراتيجية الأمن القومي.

مخاطر انعكاس التوازن الاستراتيجي

لا تزال الظروف التي قد تقود روسيا إلى مساعدة الصين في تحقيق أهدافها النووية تبدو غير مؤكدة. على الأرجح، قبل التفكير بجدية في نقل البلوتونيوم سيتعيّن على بوتين أن يواجه تهديداً حقيقياً لسلطته بسبب عدم قدرته على تحقيق النجاح - أو حتى التعرض لهزيمة كاملة - في أوكرانيا. ولكن حتى في هذا السيناريو فإنه يتعيّن على النظام الروسي الحالي على أي حال أن بحتفظ بزعامة كافية لإجراء نقل البلوتونيوم إلى الصين، وهو أمر قد يعارضه جزء كبير من الجيش الروسي.

يبدو من المرجح أنّ الإدارة الأمريكية الحالية تدرك التهديد المحتمل الذي يشكله التعاون بين روسيا والصين في مجال الأسلحة النووية. ومن المرجح أن يخشى البعض في واشنطن من أن يحاول القادة الروس المحاصرون شراء كميات هائلة من الأسلحة الصينية عن طريق نقل البلوتونيوم من الدرجة العسكرية، كجزء من تجارة عسكرية قصيرة المدى سيكون لها عواقب استراتيجية خطيرة طويلة المدى. الصين في ما يخصها قد يكون من مصلحتها أن ترى تدهور الوضع في روسيا إلى حدّ أنّ القادة الروس مستعدون لاتخاذ أي إجراء لإنقاذ موقفهم الخاص، بما في ذلك قبول فكرة نقل البلوتونيوم إلى الصين. من جانبهم قد يستعمل القادة الروس الإمكانية البسيطة المتمثلة في نقل البلوتونيوم إلى الصين لممارسة ابتزاز سري إزاء الإدارة الأمريكية حتى تقلل من دعمها لأوكرانيا.

على الرغم من أنّ إمكانية إبرام صفقة البلوتونيوم بين روسيا والصين قد تبدو تهديداً مفاجئاً غير محتمل، فإنها لا تخلو مع ذلك من منطق مُعيّن. منذ بدء الغزو الروسي لأوكرانيا وقع العديدُ من الأحداث السياسية والعسكرية غير التقليدية وغير المتوقعة. ويمكن أن يصبح نقل البلوتونيوم من روسيا إلى الصين أحد هذه الأحداث لاحقاً.

مصدر الترجمة عن الفرنسية:

https://www.les-crises.fr/un-soutien-militaire-chinois-a-la-russie-pourrait-renverser-l-equilibre-strategique-des-forces-nucleaires/



انشر مقالك

لإرسال مقال للنشر في حفريات اضغط هنا سياسة استقبال المساهمات

آخر الأخبار

الصفحة الرئيسية