هل ينهي تصدّع "النهضة" آخر آمال مشروع الإسلام السياسي؟

تونس

هل ينهي تصدّع "النهضة" آخر آمال مشروع الإسلام السياسي؟


25/03/2020

لم يمضِ على النشاط العلني لحركة النهضة أكثر من ثمانية أعوام حتى تفاقمت خلافاتها الداخلية بين قياداتها، واهتز استقرارها لتنقسم إلى شقوقٍ أنتجت استقالات من الحجم الثقيل، توقع مراقبون أن تكون نتائجها كارثية على مستقبل الحركة، التي بات مشروعها السياسي يشهد أزمة غير مسبوقة، رغم محاولاتها فصل جانبها الدعوي عن السياسي لخلق التوازن داخل المجتمع التونسي، والتكيّف مع متطلبات المرحلة الجديدة.

اقرأ أيضاً: نائبة تونسية: حركة النهضة أدخلت الإرهاب إلى تونس.. بالوقائع
غياب المركزية الديمقراطية في مفاهيم الإسلام السياسي، في اتخاذ القرارات وانحصارها بمباركة وتزكية مجلس الشورى، لم يصمد طويلاً أمام حالة الغليان الداخلي للنهضة التونسية كنموذج لهذه التيارات الإسلامية، التي تتصارع فيما بينها من أجل الحصول على الكرسي، والتقرب إلى زعيم الحركة، الذي بدأ يفقد نفوذه، بعد اتساع المعارضة التي يواجهها من داخل الحركة أو من قبل خصومه السياسيين الذين يوجهون له تهماً بالإرهاب.
حركة النهضة تنقسم بسبب ديكتاتورية الغنوشي

انسحابات واستقالات
وأحدثت الاستقالة الأخيرة للعضو السابق في مجلس شورى النهضة، عبد الحميد الجلاصي، ما يشبه الانفجارح إذ تعدّ الأهم والأكثر تأثيراً منذ الاستقالات التي عاشتها، عام 1991، خاصةً أنّه أحد أهم القيادات التاريخية للنهضة ورجلها الثاني بعد راشد الغنوشي، منذ نحو أربعة عقود، وشخصية قوية تحظى باحترام كبير داخل الحركة وخارجها.

النهضة ستزول لأنّ المجتمع التونسي عاش طوال العقود الماضية على وقع إصلاحات تفرض وجوباً فصل الدين عن السياسية

فالحركة التي بدت الأكثر تماسكاً في تونس، بدأت بخسارة شخصياتٍ من الحجم الثقيل بشكلٍ متتالٍ، وهو ما سيؤثر على المعادلة السياسية في تونس وعلى الحركة ذات الأغلبية البرلمانية، التي فشلت إلى اليوم في إيجاد حليفٍ تتقاسم معه الحكم، وتمرر عبره مشاريع قوانينها.
وكانت استقالة القيادي رياض الشعيبي الأولى من النهضة، في تشرين الثاني (نوفمبر) 2013، قبل أن يقرر تأسيس حزب جديد، وفي آذار (مارس) 2014؛ استقال أمين عام الحركة، حمادي الجبالي، لأسباب ظلت غامضة، واستقال هشام العريض، ابن علي العريض، أحد أهم رجال الحركة، وزياد بومخلة يوم 14 كانون الثاني (يناير) 2020، الذي يتزامن مع الذكرى التاسعة للثورة، ولما لها من رمزية بالنسبة إليهما، وفق التدوينات التى نشرت على صفحتهما الرسمية.

اقرأ أيضاً: هذه هي أسباب استقالات قيادات من حزب النهضة
وأعلن القيادي والوزير السابق ونائب بمجلس النواب حالياً، زياد العذاري، استقالته من كلّ مسؤولياته في الحركة، في أواخر شهر تشرين الثاني (نوفمبر) 2019، من الأمانة العامة ومن المكتب التنفيذي، بسبب عدم ارتياحه للمسار الذي أخذته البلاد منذ مدة، خاصة عدداً من القرارات الكبرى للحزب في الفترة الأخيرة، وعدم تمكنه من إقناع مؤسسات الحزب في قضايا رآها مصيرية.
يذكر أنّ كلاً من الحبيب اللوز، والصادق شورو، وعبد الفتاح مرور، من جيل التأسيس، قد غابوا عن الساحة لسبب أو لغيره، كما أنّ المستشار السياسي لرئيس الحركة، لطفي زيتون، قد انسحب من مهمته قبل أن يقع "توزيره" وإعادته للأضواء.

معارضون وداعمون للغنوشي

وانتقد المحلل السياسي، عبد الجبار المدوري، في تصريحه لـ "حفريات"، هذه الاستقالات، معتبراً أنّها ليست ظرفيةً أو مجرد تعليقات فيسبوكية، بل هي خلافات بين قيادات النهضة المنقسمة بين شقين؛ شق ينتصر لزعيمها راشد الغنوشي، وشق آخر معارض للتوجهات العامّة الحركة، ولتفرّد الغنوشي بالقرار، مشيراً إلى أنّ النهضة ستخسر رصيدها الانتخابي.

يوسف الوسلاتي: كلّ حركات الإسلام السياسي في العالم فقدت بريقها بمجرّد خوضها تجارب حكم والنهضة خير مثال

وقال المدوري إنّ هذه الاستقالات تدلّ على تململ كبيرٍ داخل الحركة سيفقدها رصيدها الانتخابي، وإنّها انطلقت قبل الانتخابات التشريعية عندما انتفض عدد من النهضاويين على القوائم التشريعية، حين تم فرض ترشح رئيس الحركة راشد الغنوشي على دائرة تونس 1، وتواصلت إلى ما بعد الانتخابات وكانت حين تم اختيار رئيس حكومة من قبل النهضة.
ويرجح متابعو الشأن التونسي أن يهتز استقرار الحركة بسبب طريقة التسيير الداخلي لها، والذي يسيطر عليه الغنوشي، التي انتقدها بشكلٍ صريحٍ عدد من القياديين المهمين بالحركة؛ على غرار عبد اللطيف المكي، ومحمد بن سالم، وأخيراً عبد الحميد الجلاصي.

اقرأ أيضاً: تونس: هل يصنع الخوف تحالفات "النهضة"؟
ويرى المحلل السياسي يوسف الوسلاتي؛ أنّ قرارات المؤتمر العاشر للحركة، والذي اتّخذ قرارات كبرى منها فصل الدعوي عن السياسي، أسفر عن تصدّع الحركة، وانقسامها إلى جزءٍ معارضٍ للغنوشي، بعضهم غادر الحركة، وجزء موال له، فيما اكتفى جزءٌ آخر بالتعبير عن رأيه، دون اتخاذ موقف واضحٍ، وأنّ ما فاقم هذه التصدّعات سيطرة زعيمهم، الغنّوشي، على الجانب المالي والسياسي في الحركة، فضلاً عن تفرّده بتوزيع المناصب حسب رغباته.

هل يفشل مشروع الإسلام السياسي؟

بعد فترةٍ وجيزةٍ من النشاط وممارسة الحكم، اصطدم "الحزب الرباني" الذي صدّع رؤوس التونسيين بشعار "الإسلام هو الحل"، وبتطبيق الشريعة والقيم الإسلامية، بطبيعة المجتمع التونسي الذي عاش على طوال العقود الماضية على وقع إصلاحات تفرض وجوباً فصل الدين عن السياسية، وأن يكون الدين شأناً فردياً لا دخل للجماعة فيه، ليعلن نفسه، تكيّفاً مع طبيعة التونسيين، حزباً مدنياً كباقي الأحزاب التونسية.

اقرأ أيضاً: اتحاد الشغل: الحبيب الجملي يتعرض لضغوط من النهضة
هذا التغيير التكتيكي لم يقنع التونسيين، ولا القيادات المتشددّة داخل الحركة، التي تخفي باطناً مشروعها الفكري المتشدّد، لتحويل البلاد إلى إمارات، وهو ما خلق أزمةً وخلافاتٍ واسعةٍ داخلها، ستعجّل، وفق الديبلوماسي السابق والمحلل السياسي، أحمد ونيّس، بنهاية هذه الحركة، التي قال إنّها ستزول وستشهد أزماتٍ أكثر ضراوةً، تجعل منها فاقدةً كلياً للشرعية السياسية.
أحمد ونيّس أكّد أيضاً في حديثه لـ "حفريات"؛ أنّ هذا الحزب الذي خسر رصيداً انتخابياً مهماً في مختلف المحطات الانتخابية سيفقد شرعيته كحزبٍ سياسي، إن لم يكن عاجلاً فسيكون آجلاً، وأنّه لن ينجو من أزماته الداخلية التي أضعفت تماسكه المعهود.

اقرأ أيضاً: المعارضة التونسية تتحرك لمنع انفراد النهضة بتشكيل الحكومة
وشدّد ونيس على أنّ المجتمع التونسي لن يقبل بالمرّة أن يحكمه على المدى الطويل حزبٌ يحتكم إلى قاعدةٍ دينيةٍ، مهما كان حجمه أو تاريخه؛ لأنّه حسم مسألة ارتباط الدين بالدولة منذ حوالي قرنٍ ونصف، وهي مسألة مبدئية متأصلةٌ في لا وعي التونسيين.

راشد الغنوشي يسيطر على الهياكل السياسية والمالية داخل حركة النهضة
من جانبه، يرى المحلل السياسي، يوسف الوسلاتي؛ أنّ الشعب التونسي قد كافأ حركة النّهضة، التي اُضطهدت وظُلمت خلال فترة الحكم السابقة، بأن سلّمها الحكم، لأنّها استطاعت أن تغرس في أذهانه أنّها من أكثر الأطراف التي تعرّضت للظلم والسجن؛ لأنّها أظهرت أنّها تحب المال والسلطة لا أكثر.

اقرأ أيضاً: هل تورّط الرئيس التونسي باستقبال أردوغان بضغط من النهضة؟
وأضاف الوسلاتي أنّ الحركة التي أعلنت مدنيتها، ظلّت وفيةً لمرجعياتها الإخوانية، وأنّ ذلك ساهم بشكلٍ أو بآخر في تصدّع بيتها الداخلي، الذي تصدّع إلى شقوق نتيجة إرهاصات الحكم، وغياب الديمقراطية داخل هياكلها.
الوسلاتي رأى أنّ ما يحدث داخل النهضة وتشتتها، ليس بمعزل عن كلّ حركات الإسلام السياسي في العالم، التي بدأت تفقد بريقها من عشريةٍ إلى أخرى، بمجرّد خوضها تجارب حكم، على غرار ما حدث في الجزائر والسودان وأفغانستان.
وتوقّع الوسلاتي أن تنتهي كلّ هذه الحركات، وأن تختفي تماماً في غضون الأعوام القليلة القادمة، إما عن تجربة، أو استئناساً بتجارب بعض البلدان.

الصفحة الرئيسية