هل ينزع انتخاب رئيس الجمهورية فتيل الحرب الأهلية في العراق؟

هل ينزع انتخاب رئيس الجمهورية فتيل الحرب الأهلية في العراق؟

هل ينزع انتخاب رئيس الجمهورية فتيل الحرب الأهلية في العراق؟


17/10/2022

في ظل استمرار الأزمة السياسية بالعراق المستمرة لنحو عام تقريباً، والتي حذر مسؤولون محليون وأمميون من تداعياتها السلبية التي قد تصل بالبلاد إلى نذر "حرب أهلية"، اجتاز البرلمان العراقي، الخميس، عقبة مهمة بانتخاب عبد اللطيف رشيد رئيساً للجمهورية بواقع مئة واثنين وستين صوتاً أمام منافسه برهم صالح.

 واضطر البرلمان لعقد جولة ثانية بعد فشل المرشحين في الحصول على ثلثي أصوات الهيئة التشريعية. وهنأ رئيس حكومة تصريف الأعمال مصطفى الكاظمي رشيد على فوزه بالرئاسة العراقية، فيما كلَّفَ الرئيسُ العراقي الجديد مرشحَ الإطار التنسيقي محمد شياع السوداني بتشكيل الحكومة. 

هل تكون بداية انفراجة؟

وفي مقابلة مع صحيفة "لوفيغارو" الفرنسية، قال رئيس حكومة تصريف الأعمال مصطفى الكاظمي إنّ التصريحات المتبادلة بين القادة في الإطار التنسيقي، والذي يضم مجموعة الأحزاب السياسية المدعومة من إيران، وكذا زعيم التيار الصدري، مقتدى الصدر، قد نجم عنها إطالة أمد الصراع السياسي، وتفخيخ الأزمة. وعليه، عاود الحديث عن ضرورة الحوار لإنهاء الوضع المأزوم.

وقال الكاظمي، قبيل انتخاب رشيد: "أعطيت توجيهات واضحة وصريحة وحازمة للقوات الأمنية لإبعاد شبح الحرب الأهلية". كما أوضح أنّ "القوى السياسية لا تؤمن بالقيم الديمقراطية الحقيقية، بل بالقوة والسلطة فقط". بينما طالب الصدر "أن يلتحق بالحوار؛ لأنّه الحل الأوحد في نهاية المطاف".

المحلل السياسي العراقي نبيل جبار التميمي: الاتفاقات ما زالت معقدة

وتدعم بعثة الأمم المتحدة في العراق مبدأ الحوار الذي دعا له الكاظمي. كما اصطفت واشنطن مع هذا المسار الآمن لإنهاء الانسداد السياسي بالبلاد، إذ ذكر الناطق الرسمي بلسان وزارة الخارجية الأمريكية، نيد برايس، أنّه من الضروري الالتزام بـ"مسار سلمي وشامل للخروج من المأزق السياسي الحالي".

وبحسب بيان الخارجية الأمريكية، فإنّ واشنطن ملتزمة بالشراكة مع بغداد لتعزيز النمو الاقتصادي، وضمان الهزيمة الدائمة لتنظيم داعش، وشدد على ضرورة الاحتكام إلى منطق الحوار العاقل الهادئ والبناء، لحل الأزمة والدفع بحلول وطنية شاملة، تدعم ركائز الاستقرار.

وفي المقابل، حذرت بعثة الأمم المتحدة من أنّه لم يعد أمام العراق "الكثير من الوقت، لا سيما أنّ الأزمة التي طال أمدها تنذر بمزيد من عدم الاستقرار، والأحداث الأخيرة دليل على ذلك".

انتقالات اللاعبين السياسيين

وحول الوضع السياسي المأزوم بالعراق، وكذا تصريحات الكاظمي الأخيرة، يوضح المحلل والباحث السياسي العراقي، نبيل جبار التميمي، أنّ هناك تطورات جمّة في الوضع السياسي، مؤخراً، بعد حدوث انتقالات لافتة ومثيرة داخل دوائر الصراع، موضحاً لـ"حفريات" أنّه بعد أنّ كان الصراع قائماً بين جبهتين من القوى السياسية (الصدريون، السيادة، والديمقراطي الكردستاني)، من جهة، كفرسان للتحالف الثلاثي، في مواجهة جبهة سياسية أخرى تضم (الإطار التنسيقي الشيعي، عزم، والاتحاد الكردستاني)، من جهة أخرى، فقد انتقل، مؤخراً، أطراف التحالف الثلاثي الذي تفكك، عملياً، نحو الطرف المقابل بعد مغادرة الصدريين مجلس النواب وتقديم استقالتهم، بما أدى إلى جعل الصدر وحيداً من دون حلفاء، كما أضحى المجال واسعاً لمعارضي الصدر لتشكيل حكومتهم التي حاول الأخير، مراراً وتكراراً، تعطيلها في مناسبات عدة، وتسببت في مراحل معينة إلى إراقة الدماء.

في خضم الحوادث السياسية والتطورات القائمة، أعلن الصدر تجميد كافة الميليشيات والفصائل العسكرية المسلحة التابعة له، ومنها "سرايا السلام"، التي تشكلت إثر هيمنة تنظيم داعش الإرهابي على محافظة نينوي، عام 2014

وبسؤال المحلل والباحث السياسي العراقي عن إمكانيات الوصول إلى أفق سياسي آمن، أجاب: "مسألة الاتفاقات ما زالت معقده؛ رغم تجاوز الاطراف الكردية عقدة حسم منصب رئيس الجمهورية، علاوة على الضغوط الشيعية التي تحاول الدفع بعجلة تشكيل الحكومة إلى الأمام".

وبالعودة للمعارضة، فقد بات زعيم التياري الصدري، مقتدى الصدر، وحيداً داخل مربعها بدون حلفاء أو مناصرين، وقد استنزف الصدر "أدوات الضغط" التي قد تجبر الآخرين على المثول أمام خياراته السياسية، وفق التميمي، خصوصاً بعد أنّ جرى غلق أبواب التفاوض، واندفاع انصاره إلى حمل السلاح، أو تكرار محاولات اقتحام المنطقة الخضراء (المنطقة الحكومية المحصنة)، ثم مواجهتهم من قبل جهات أمنية أخرى موالية لمعارضيه في السلطة، فلم يعد بإمكان الصدر إجراء ضغوطات أكبر دون أن تكون لها تكاليف باهظة جداً.

ما وراء تجميد سرايا السلام؟

وفي خضم الحوادث السياسية والتطورات القائمة، أعلن الصدر تجميد سائر الميليشيات والفصائل العسكرية المسلحة التابعة له، ومنها "سرايا السلام"، التي تشكلت إثر هيمنة تنظيم داعش الإرهابي على محافظة نينوي، عام 2014، فضلاً عن عدة مناطق أخرى في محافظة صلاح الدين، مثل كركوك والأنبار وديالي. غير أنّ الصدر استثنى منطقة سامراء في المحافظة ذاتها من قراره الأخير دونما ذكر ثمّة تفاصيل.

ونقل وزير الصدر صالح محمد العراقي عن مقتدى الصدر قوله: "نعلن تجميد كل الفصائل المسلحة -إن وجدت- بما فيها (سرايا السلام)، ومنع استعمال السلاح في جميع المحافظات عدا صلاح الدين (سامراء وما حولها) أو حسب توجيهات وأوامر القائد العام للقوات المسلحة الحالي".

وفي المقابل، دعا القيادي في التيار الصدري قائد القوات المسلحة العراقية إلى ضرورة "كبح جماح" عصائب أهل الحق وأمثالها، المدعومين من إيران. كما حذر من "إجراءات أخرى لاحقاً" في حالة عدم التنفيذ.

الباحث محمد عزو: الصراع ناجم عن عدم الاتفاق على مناطق النفوذ الاقتصادي

وإلى ذلك، يشير الباحث العراقي المتخصص في العلوم السياسية، الدكتور محمد عزو، إلى أنّ جزءاً من الصراع القادم هو "لعدم الاتفاق على مناطق النفوذ الاقتصادي بالعراق بين تلك الأذرع المسلحة للأحزاب السياسية".

ويوضح عزو لـ"حفريات" أنّه قد بات من المعروف أنّ مصير رئيس الوزراء العراقي الكاظمي كان مرتبطاً برغبة الصدر وحده. ولذلك؛ قد يكون من المقبول القول إنّ تحذيرات رئيس الوزراء من "الحرب الأهلية" تجعل الأخير بمثابة "ناقل الرسائل السياسية ومسوقها".

أما عن رئيس الجمهورية السابق، برهم صالح، وتصريحاته المتكررة بخصوص ضرورة إجراء حوارات سياسية لإنهاء الأزمة، فهي "قد تكون نابعة من رغبته بإجراء اتفاقات أوسع قد تتيح له (أو تضمن) إعادة تنصيبه كرئيس للجمهورية عبر تحقيق نقطة تلاقٍ سياسية"، حسبما يقول عزو.

الباحث العراقي المتخصص في العلوم السياسية، الدكتور محمد عزو لـ"حفريات": جزء من الصراع القادم هو لعدم الاتفاق على مناطق النفوذ الاقتصادي بين تلك الأذرع المسلحة للأحزاب السياسية

وفي ما يتصل بالسيناريوهات المقبلة، يوضح عزو أنّ "السيناريو القادم ضبابي، خصوصاً حول موقف الصدر من تطور الخطوات السياسية التي تتجه نحو تشكيل الحكومة".

وألمّح الباحث العراقي المتخصص في العلوم السياسية إلى عدم تفاؤله بأن "تمر الأوضاع بيسر وسلاسة في العراق، فقد يغامر الصدر بدفع أنصاره إلى أفعال فيها تجاوز أو خرق للتهدئة المؤقتة، وذلك بهدف الثأر لكرامته وكرامة أنصاره، بما قد يتسبب في دخول البلاد لمخاطر عنيفة ومنها إراقة الدماء. ولا أرجح استمرار هذا الوضع طويلاً، والذي سينتهي بحلول وسطية تفضي بترشيح وتسمية رئيس وزراء جديد، وتحديد موعد لإجراء الانتخابات، وأخيراً الاتفاق على تعديل قانون الانتخابات، وعدم المساس بالمناصب السياسية التي يمتلكها الصدريون، خصوصاً تلك المنتشرة في هيكل الدولة".

ويلفت المصدر ذاته إلى أنّه في حال تم إجراء انتخابات أخرى، سواء مبكرة أو في موعدها عام 2025، فإنّ العراق سيكون "معرضاً لاهتزازات كثيرة نتيجة الصراع بين الجماعات المسلحة الشيعية. ومن بين أكثر المناطق القلقة الآن وفي المستقبل هي البصرة والعمارة والكوت". كما أنّ هناك مناوشات تتصاعد بين أطراف سياسية عديدة، وتحمل جميعها رسائل متبادلة بين الخصوم السياسيين لاكتشاف واختبار قدرات بعضهم البعض قبل خوض "جولة علنية من الحرب"، وما حدث في المنطقة الخضراء عندما اقتحمت سرايا السلام مجلس النواب، في آب (أغسطس) الماضي، وكذا ما تكرر في الأسبوعين الأخيرين في البصرة بمثابة دليل أو مؤشر على ذلك.



انشر مقالك

لإرسال مقال للنشر في حفريات اضغط هنا سياسة استقبال المساهمات

آخر الأخبار

الصفحة الرئيسية