هل ينجح شباب إيران في إنهاء حكم "آيات الله"؟

هل ينجح شباب إيران في إنهاء حكم "آيات الله"؟

هل ينجح شباب إيران في إنهاء حكم "آيات الله"؟


20/10/2022

مع الانتفاضة الهائلة التي تشهدها إيران، على مدار خمسة أسابيع متواصلة، التي جعلت عدوى التظاهرات تنتقل بين قطاعات وفئات متباينة، وأكثر من خمسين مدينة وإقليم بطهران، فإنّ مؤشرات استمرار وصعود الحراك الاحتجاجي ما تزال مرتفعة. كما أنّ هناك جملة اختلافات بشأن طبيعة هذه الاحتجاجات المحتدمة عن سوابقها.

ملالي إيران بدون حجة

منذ اندلاع التظاهرات في محافظة كردستان إيران، على خلفية مقتل الفتاة الكردية الإيرانية، مهسا أميني، على يد أفراد شرطة الأخلاق، فضلاً عن الحشود الضخمة التي تجمعت في محيط المستشفى بالعاصمة طهران، بعدما انتقلت إليها الفتاة العشرينية نتيجة دخولها في غيبوبة، ثم إعلان وفاتها، فإنّ حركة الشارع سرعان ما انتقلت من مربع المطالب الفئوية المرتبطة بالحجاب القسري إلى نبذ النظام السياسي برمته. ولم تعد القضية، فقط، هي وفاة أميني، إنّما تحولت إلى أيقونة لتعميم التمرد ضد النظام القمعي الذي وصل إلى أعلى مراحل التوحش.

اصطدم "الولي الفقيه" بهذه الانتقالات السريعة والمباغتة للاحتجاجات، والتي رفعت صورة الفتاة الكردية الإيرانية بغية فضح جرائم النظام، وتعرية سجله الحقوقي الذي يحفل بخروقات جمّة؛ إذ إنّ المظاهرات عمدت إلى تنويع أنماط التمرد، فانخرطت طالبات المدارس الثانوية بمسيرات غضب، وقامت الفتيات المراهقات بخلع الحجاب، علناً، في الشوارع كما في المدارس، وحرق صورة الخميني والمرشد الإيراني، علي خامنئي.

ويضاف إلى ذلك، الاحتجاجات التي جرت في جامعة شريف للتكنولوجيا والتي نجم عنها تعليق الدراسة، مؤقتاً، ثم إعلان متابعة الدروس افترضياً.

واللافت أنّ جامعة الزهراء، أول جامعة للمرأة في إيران، التي حضر إليها الرئيس الإيراني، إبراهيم رئيسي، بالتزامن مع بدء العام الدراسي، قد شهدت احتجاجات واسعة النطاق، وهتافات بطرد رئيسي.

وفي ما يبدو أنّ النظام لم يعد يملك ثمّة آليات جديدة لمواجهة هذا التمرد الواسع والمختلف؛ حيث إنّ سرديته الوحيدة قائمة على اتهام المحتجين بأنّهم مجرد ورقة بيد دول خارجية منها الولايات المتحدة وإسرائيل، وبالتالي، واجهت الحكومة هذا النشاط الاحتجاجي من خلال رفع وتيرة القمع، واستهداف مزدوجي الجنسية، كما هي العادة.

اغرب عن وجهنا!

ففي لقاء بالطالبات بجامعة الزهراء، قال الرئيس الإيراني في خطابه بمناسبة بدء العام الدراسة، بينما واجهته الطالبات بهتاف: اغرب عن وجهنا": "طن العدو أنّه يستطيع متابعة وتحقيق رغباته داخل الجامعة، غير مدرك أنّ طلابنا وأساتذتنا متيقظون ولن يسمحوا للعدو بتحقيق الأحلام الزائفة". وشدد الرئيس الإيراني على أنّ الطلاب "سيهزمون العدو في مجال العلم والمعرفة".

تقرير: أدت الجهود الشاملة التي يبذلها النظام "لأسلمة" المجتمع الإيراني وهندسة جميع جوانب حياة المواطنين إلى حرمان الناس بشكل مطرد من الحريات في المجالين الخاص والعام

ولا يختلف موقف الرئيس الإيراني عن ما صرح به المرشد الإيراني، فالأخير اتهم، في تصريحاته المقتضبة، القوى الخارجية بأنّها تقوم بتعبئة المحتجين في البلاد، وأكد أنّ "التسبب بأعمال شغب والإخلال بأمن الناس والهجوم على القرآن والمساجد والحجاب والبنوك والسيارات كان ضمن مخطط مسبق".

وتابع: "أعمال الشغب والإخلال بالأمن الأخيرة هي من مخططات أمريكا والكيان الصهيوني الغاصب"، لافتاً إلى أنّه "لو لم تكن هناك مسألة وفاة الشابة فقد كانوا سيفتعلون ذريعة أخرى لإثارة الاضطرابات وأعمال الشغب في هذا الوقت. بعض الناس تسببوا في انعدام الأمن في الشوارع".

إذاً، منذ اندلاع الموجة الأخيرة من الاحتجاجات في الشوارع الإيرانية في 16 أيلول (سبتمبر) الماضي، بدأت تشكل تحدياً أمنياً وسياسياً خطيراً للجمهورية الإسلامية، مما وضع قادة النظام في وضع محير إلى حد كبير، بحسب معهد واشنطن. ويتابع: "لا شك أنه (أي خامنئي) ودائرته يشعرون بالقلق بشأن الجوانب الجديدة للحركة الاحتجاجية".

ما الجديد في هذه الاحتجاجات؟

ليست الاحتجاجات المناهضة للنظام جديدة في الجمهورية الإسلامية، وفق المعهد الأمريكي، وكان أكبرها بسبب التزوير واسع النطاق في الانتخابات الرئاسية للعام 2009، الذي أدى إلى نزول الملايين من الناس إلى الشارع إلى أن اتخذت السلطات إجراءات صارمة ضد قائدي الحركة، مير حسين موسوي ومهدي كروبي (ما يزال موسوي قيد الإقامة الجبرية حتى الآن). وحدثت الجولة الأخيرة من الاحتجاجات الكبيرة في العام 2019، بعد قرار الحكومة المفاجئ رفع أسعار البنزين.

ويردف: "يمكن ملاحظة العديد من السمات الخاصة في الانتفاضة الحالية، على عكس الاحتجاجات السابقة، ومنها لم يكن المصدر الرئيسي للاستياء في الحركة قراراً اقتصادياً أو سياسيا معزولاً. والشعار الرئيسي الذي يرفعه المتظاهرون حتى الآن هو "المرأة، الحياة، الحرية"، مما يشير إلى معارضة أكثر عمومية وعمقاً للنظام الشمولي بأكمله في الجمهورية الإسلامية".

الباحث المتخصص في العلوم السياسية، مصطفى صلاح لـ"حفريات": لا يشعر الجيل الجديد، الذي يتطلع للحصول على قيم مواطنية وحقوق مدنية ببلاده، بأيّ انتماء حقيقي وأصيل تجاه هذا النظام

وفي حديثه لـ"حفريات"، يوضح الباحث المتخصص في العلوم السياسية، الدكتور مصطفى صلاح، أنّ الاحتجاجات الحالية رفعت رهاناتها إلى الدرجات القصوى، لافتاً إلى أنّ الاحتجاجات تخلو من أيّ نبرة إصلاحية، بل إنّها تهدف إلى زعزعة استقرار النظام والمطالبة بتحطيم أركانه، ورفض أي "إصلاح من الداخل، بما يعني رفض ثنائية الجناح الأصولي والمعتدل داخل النظام، والتي كانت تساهم بتخفيض أو تصريف أزمات النظام، وكذا تخفيف الحمولات السلبية عنه. ولم تعد هذه المناورة التكتيكية من جانب النظام لها صلاحيات وقد فقدت تأثيراتها".

وبالنسبة للشباب الذين يشكلون صلب الاحتجاجات الجارية، فلم يعد مقبولاً "فلسفة الحكم القائم أو سياساته أو القيم التي يتم فرضها قسراً". يقول صلاح.

يتفق والرأي ذاته معهد واشنطن، والذي لمح إلى أنّ التظاهرات الجارية "غير مرتبطة برجال الدين على الإطلاق، لكن هذا لا يعني أنّها حركة معادية للدين في الواقع، وقد تجنب المتظاهرون عمداً استخدام أيّ رموز أو خطابات دينية. ففي الماضي، شملت جميع الحركات السياسية المؤثرة في إيران، من الثورة الدستورية في أوائل القرن العشرين إلى الثورة الإسلامية في العام 1979، مشاركة رفيعة المستوى من رجال الدين. وحتى الحركة الخضراء في العام 2009 كان فيها رجل دين، كروبي، كواحد من زعيميها الرئيسيين. وليس غياب رجال الدين في حركة اليوم من قبيل الصدفة".

مصطفى صلاح: الاحتجاجات الحالية رفعت رهاناتها إلى الدرجات القصوى

ويعقّب على ذلك الباحث المصري في العلوم السياسية، مصطفى صلاح، بأنّ الفئات العمرية المنخرطة في الاحتجاجات هم في العشرينات من عمرهم. وهذه الفئات، المتحررة من تأثيرات النظام السياسية والأيدولوجية، لن تقبل بنظام ديني شمولي يعيق انفتاحهم على العالم (خاصة مع عمليات الحجب وتقييد الوصول لمواقع التواصل الاجتماعي)".

ويرى صلاح بأنّ جيل الشباب يختلف عن الجيل القديم الذي ما يزال "كتلة ساكنة تجاه النظام". ويردف: "لا يشعر الجيل الجديد، الذي يتطلع للحصول على قيم مواطنية وحقوق مدنية ببلاده، بأيّ انتماء حقيقي وأصيل تجاه هذا النظام، فضلاً عن الأعباء المادية وغياب فرص العمل. ويختلف ذلك عن ما حدث مع الأجيال السابقة؛ فإلى جانب الشروط السياسية والتاريخية، التي ساهمت في قبول الأجيال القديمة بنظام الخميني بعد الثورة على حكم الشاه، هناك الامتيازات الاجتماعية التي تم الحصول عليها من النظام الجديد بعد سنوات صعبة من تهميش طبقات اجتماعية عديدة في العهد البهلوي بفعل السياسات الاقتصادية التي جعلت رأس المال الأجنبي له الأولوية على حساب التجار التقليديين".

وبالعودة إلى معهد واشنطن، فقد أدت الجهود الشاملة التي يبذلها النظام "لأسلمة" المجتمع الإيراني وهندسة جميع جوانب حياة المواطنين إلى حرمان الناس بشكل مطرد من الحريات في المجالين الخاص والعام. ويتابع: "تعرضت النساء لأسوأ الانتهاكات في حقوق الإنسان، حيث أصبحت أجسادهن نفسها ساحة المعركة السياسية الأكثر أهمية في إيران. ويمكن لهذا الأساس أن يجعل الحركة قوة إنسانية ومساواتية وليبرالية وعلمانية قوية بشكل خاص في إيران، مع إمكانات هائلة لتحفيز التغيير الأساسي".




انشر مقالك

لإرسال مقال للنشر في حفريات اضغط هنا سياسة استقبال المساهمات
الصفحة الرئيسية