
تبدو المعركة داخل جبهة لندن أنّها اشتدت خلال الأيام القليلة الماضية لحسم الصراع على منصب القائم بأعمال المرشد، الفارغ منذ وفاة إبراهيم منير مطلع تشرين الثاني (نوفمبر) الماضي، بين حلمي الجزار الذي يقاتل في الوقت الراهن لاقتناص المنصب من جهة، والمجموعة المؤيدة لاختيار صلاح عبد الحق خلفاً لمنير من جهة أخرى.
وبحسب مصادر مطلعة على تفاصيل الصراع داخل التنظيم، حاول الجزار خلال الفترة الماضية حشد أكبر عدد من المؤيدين له، لحسم صراع المنصب المثير للجدل والشقاق داخل الإخوان لصالحه، مبرراً رفضه لتولي عبد الحق الذي يزعم مؤيدوه أنّه جرى اختياره بناء على توصية الراحل إبراهيم منير، بأنّ عبد الحق لا يملك أيّ كفاءات تنظيمية تؤهله لقيادة التنظيم في الوقت الراهن، إضافة إلى مخالفة عملية اختياره للّائحة الداخلية للإخوان، والشكوك حول وصية إبراهيم منير المشكوك في صحتها.
وتقول المصادر التي تحدثت لـ "حفريات": إنّ الجزار يرفض مع مجموعة من قيادات جبهة لندن قرار تعيين عبد الحق قائماً بأعمال المرشد، ويستعد لإعلان نفسه بالمنصب، إلا أنّه لا يحظى بدعم كبير يؤهله لحسم الصراع بشكل نهائي من جانب قيادات الجبهة نفسها.
ويستند الجزار في معركته بالأساس إلى قطاع الشباب الناقم على سياسات قيادات التنظيم بشكل عام خلال الفترة الماضية، وبالرغم من تصعيده منتصف العام الماضي لرئاسة اللجنة السياسية المسؤولة عن إدارة شؤون التنظيم، إلا أنّه لم يحظَ بدعم المرشد الراحل إبراهيم منير قبل وفاته، وهو ما أثار حالة من التأزم بينه وبين معسكر محيي الدين الزايط وصلاح عبد الحق.
إشكالية لائحية
يقول الباحث المصري المختص بالإسلام السياسي والإرهاب أحمد سلطان: إنّه وفقاً للترتيب اللائحي داخل جماعة الإخوان، كان من المفترض أن يتولى محيي الدين الزايط منصب القائم بأعمال المرشد باعتباره نائب إبراهيم منير، ومن ثم يجري الاختيار من بين محمد الدسوقي أو حلمي الجزار لتولي المنصب، لكنّ ذلك لم يحدث.
ويشير سلطان في حديثه لـ "حفريات" إلى أنّ قيادات جبهة لندن قالوا إنّ إبراهيم منير قد أوصى بتولي صلاح عبد الحق قائماً بأعمال المرشد قبل وفاته، وهو ما أحدث إشكالية لائحية؛ لأنّ عبد الحق لم يكن يشغل منصب نائب إبراهيم منير، ثانياً من حق إبراهيم أن يوصي فيما يملك، وليس فيما لا يملك.
من ناحية أخرى كان هناك تيار قوي داخل الجبهة يدعم تولي حلمي الجزار للمنصب، كونه يحظى بقبول شديد لدى القواعد الشبابية داخل التنظيم، كما أنّه لديه شعبية وقبول لدى قطاع كبير من قواعد التنظيم على مختلف أعمارهم نتيجة نجاحه في إنجاز العديد من الأمور خلال الفترة الماضية، لكنّ هذا لم يحدث، ويرجح سلطان أنّ الجزار ربما قد قبل على مضض خلال الفترة الماضية مسألة تولي صلاح عبد الحق مهام القائم بأعمال المرشد.
ثقل تنظيمي خاص
إضافة إلى مكانته التنظيمية، نجح الجزار، أحد أبناء جيل السبعينات داخل التنظيم، في الحفاظ على مكانة متوازنة إلى حدٍّ كبير، دون الانخراط في تفاصيل الصراع الدائر بين قيادات الجماعة على مدار الأعوام الماضية، الأمر الذي يمنحه ثقلاً تنظيمياً، ويؤهله لقيادة الجماعة من أجل رأب الصدع، وتجاوز حالة الصراع التي كادت تطوي صفحة الجماعة إلى الأبد.
أحمد سلطان: وفقاً للترتيب اللائحي داخل الجماعة كان من المفترض أن يتولى الزايط منصب القائم بأعمال المرشد باعتباره نائب منير، ومن ثم يجري الاختيار من بين الدسوقي أو الجزار لتولي المنصب، لكنّ ذلك لم يحدث
يذكر الباحث أحمد سلطان أيضاً أنّ الجزار كان حاضراً في رسالة دعم وجّهها مرشد الإخوان محمد بديع إبّان فترة الخلاف التنظيمي في عام 2016، أوصى فيها طرفي الصراع، إبراهيم منير ومحمود حسين، بعدم اتخاذ أيّ قرارات تنظيمية دون الرجوع إلى اللجنة الاستشارية المشكلة من الجزار وعبد الحق، ممّا يعني أنّهما تولّيا المسؤولية التنظيمية معاً.
وإجمالاً يقول سلطان: إنّ تياراً كبيراً كان يرغب بتولي الجزار منصب القائم بأعمال المرشد، فضلاً عن كفاءاته التنظيمية التي كانت تؤهله لذلك، لكنّ الخلافات التنظيمية المحتدمة داخل الجماعة قد حالت دون ذلك.
هل صلاح عبد الحق خصم قوي؟
تُجمع تقديرات الخبراء والباحثين حول شخصية صلاح عبد الحق بأنّه "اختيار غير مناسب"، لأنّه لا يملك أيّ مهارات تنظيمية تجعله قادراً على الإمساك بزمام الأمور، خاصة أنّه يواجه موجة من الخلافات التصعيدية، على مستوى جبهة لندن أو من جانب جبهة إسطنبول وقائدها محمود حسين الذي يصر على أحقيته بالمنصب.
الجزار كان حاضراً في رسالة دعم وجهها مرشد الإخوان محمد بديع إبّان فترة الخلاف التنظيمي في عام 2016، أوصى فيها طرفي الصراع، إبراهيم منير ومحمود حسين، بعدم اتخاذ أيّ قرارات تنظيمية دون الرجوع إلى اللجنة الاستشارية المشكلة من الجزار وعبد الحق، ممّا بعني أنّهما تولّيا المسؤولية التنظيمية معاً
إلى ذلك، يرى سلطان أنّ عبد الحق كان بعيداً عن العمل التنظيمي لفترة طويلة نظراً لانشغاله بشكل رئيسي بأمور التربية داخل الجماعة، حتى أنّ جبهة لندن حاولت تسويغ القرار من خلال إظهار الأمر باعتباره توصية خاصة من إبراهيم منير، في محاولة لتكرار السيناريو الذي حدث سابقاً بعد وفاة مرشد التنظيم حسن البنا وتولي حسن الهضيبي خلفاً له، لكن بشكل عام لا يمتلك صلاح عبد الحق ما يؤهله بشكل كافٍ لتولي المنصب.
من هو حلمي الجزار؟
الجزار هو أحد القيادات الإخوانية المحسوبة على جناح الحمائم، أو تيار العمل السياسي داخل التنظيم، تتلمذ على يد مرشد الإخوان عمر التلمساني، ويتبنّى العديد من أفكاره، ويصفها تياره بأنّها "فكر إصلاحي" داخل تنظيم الإخوان، بينما يعارضها التيار القطبي إلى حدٍّ كبير.
وُلد حلمي السيد عبد العزيز الجزار في 2 آب (أغسطس) 1952، والتحق بكلية الطب جامعة القاهرة التي تخرج فيها عام 1980 متخصصاً في التحاليل الطبية، ثم حصل على الماجستير في تشرين الثاني (نوفمبر) 1986 ثم درجة الدكتوراه في تشرين الثاني (نوفمبر) 1997.
شغل منصب نائب رئيس المكتب الإداري للجماعة بالجيزة، وأحد قيادات الحركة الطلابية في سبعينيات القرن الـ (20) مع عصام العريان وعبد المنعم أبو الفتوح وإبراهيم الزعفراني، وكان أميراً للجماعة الإسلامية، وعضو مجلس الشورى العام لجماعة الإخوان الإرهابية، حُوكم عسكرياً في عام 1995، إلا أنّ المحكمة العسكرية برّأته، وصار عضواً بمجلس نقابة أطباء الجيزة.