هل ينتقم الجمهوريون من وزارة العدل بعد مداهمة منزل ترامب؟

هل ينتقم الجمهوريون من وزارة العدل بعد مداهمة منزل ترامب؟


16/08/2022

ترجمة: محمد الدخاخني

من اللافت للنّظر أنّ الخبر لم يُسرَّب، قصّةٌ بهذا الحجم، "مكتب التّحقيقات الفيدراليّ" يُداهم المجمع السّكنيّ لرئيسٍ سابق، منفّذاً مذكّرة تفتيش تتعلّق بتحقيق جنائيّ، من النوع الذي عادةً ما يسمع به كلّ صحفيّ على علاقة بأشخاص نافذين في واشنطن. لكنّ الصّحف الرّئيسة بدت مندهشة، ليلة الإثنين، وتدافعت للّحاق بالقصّة التي كانت تتكشّف.

 في النّهاية، كان الشّخص الذي نشر الخبر هو دونالد ترامب نفسه، وذلك على منصّة "تروث سوشيال"؛ التي تروّج لـ "اجعلوا أمريكا عظيمة مرّة أخرى"، وتعاني فقر دم جماهيريّ نوعاً ما. قال ترامب: "بعد العمل والتّعاون مع الجهات الحكوميّة ذات الصّلة، لم تكن هذه المداهمة المفاجئة لمنزلي ضروريّة أو مناسبة"، وأضاف: "حتّى إنّهم قد اقتحموا خزنتي".

من سرّب خبر المداهمة؟

إذا كانت وزارة العدل و"مكتب التّحقيقات الفيدراليّ" قد تمكّنا من منع تسرّب خبر المداهمة، فهذا يعني أنّهما يتعاملان مع تحقيقهما مع ترامب بحذرٍ شديد. إنّ مداهمة بيت شخصيّة سياسيّة بارزة واستقطابيّة مثل ترامب شيء ينبغي أن يكون قد وافق عليه وراقبه مسؤولون على أعلى المستويات، على الأقلّ، ينبغي أن يكون قد تعيّن على الوكالات الحصول على مذكّرة من قاضٍ فيدراليّ. تمثّل المداهمة تصعيداً كبيراً لعلاقة الوزارة مع ترامب. ومن الصّعب، الآن، التّفكير، كما فعل كثيرون منّا لفترة طويلة، في أنّ وزارة العدل غير مستعدّة لجعل ترامب نفسه هدفاً لتحقيق جنائيّ جادّ.

لكن، لماذا الآن؟

من المفترض أنّ المداهمة نُفّذت بناءً على تعامل ترامب غير السّليم مع مستندات سرّيّة، لطالما واجه الرّئيس السّابق اتّهامات بأنّ 15 صندوقاً من المواد السّرّيّة جاءت معه من البيت الأبيض إلى منتجع "مار إيه لاغو"، بعد أن أُجبر أخيراً على ترك منصبه، في كانون الثّاني (يناير) 2021، وهي خطوة من شأنها أن تنتهك القوانين الفيدراليّة التي تحكم تدمير أو التّخلص من هذه المواد.

متظاهرون خارج برج ترامب في مدينة نيويورك، مطالبين باعتقال الرئيس السابق

إذا كان هذا بالفعل ما يبحث عنه العملاء الفيدراليّون، فإنّ مداهمة منتجع ترامب في فلوريدا لن تتعلّق بمحتوى أيّة وثائق قد يجدونها، لكن مجرّد الوجود المادّيّ لمواد سرّيّة في مكان ليس من المفترض أن تكون فيه. في هذه الحالة، لن يكشف العملاء عن تقرير سرّيّ لجرائم ترامب، أو دليل خفيّ على فساد لم يوصف من قبل، فمجرد وجود الوثائق نفسها، في مكان بعيد في خزنة ترامب، أو في مكان آخر داخل قاعات منزله المبهرجة، دليل على ارتكاب مخالفات.

إنّ مداهمة بيت شخصيّة سياسيّة بارزة واستقطابيّة مثل الرئيس السابق دونالد ترامب شيء ينبغي أن يكون قد وافق عليه وراقبه مسؤولون على أعلى المستويات

لكنّ القوانين التي تحكم التّعامل مع الوثائق عديمة الفعالية ونادراً ما تُنفّذ، وفكرة أنّ ترامب يخضع لتحقيق جنائيّ بسبب تعامله غير المشروع مع مواد سرّية، وليس، على سبيل المثال، محاولته إلغاء نتائج انتخابيّة، التي تستمرّ منذ أشهر والتي بلغت ذروتها في محاولة انقلاب عنيفة، لها صفة التّنفيس التي يتّسم بها كلّ ما هو عبثيّ. إنّ تحقيق وزارة العدل مع ترامب بسبب 15 صندوقاً من المستندات يُشبه إلى حدّ تمكّن "مكتب التّحقيقات الفيدراليّ" مؤخراً من مقاضاة رجل العصابات آل كابوني بتهمة التّهرّب الضّريبيّ.

أسهل قضيّة ممكنة ضدّ ترامب

لكنّ بعض المساءلة أفضل من لا شيء، وقد يكون الأمر أنّ وكالات التّحقيق تتابع أسهل قضيّة ممكنة ضدّ ترامب في محاولة للحصول على مزيد من المعلومات. لديهم سبب للمحاولة.

من الجدير بالذّكر أنّ المداهمة تأتي بعد موسم من جلسات استماع ضخمة، في 6 كانون الثّاني (يناير)، والتي كشفت معلومات جديدة جوهريّة حول مدى علم ترامب المسبق بالتمرّد وموافقته عليه.

صوّرت جلسات الاستماع ترامب على أنّه كان يزدري النّاخبين، ويخطّط لخداع من صوّتوا له والتّلاعب بهم، وصوّرت الإجراءات المتلفزة ترامب على أنّه كان على دراية عميقة بعدم شرعيّة مزاعم التّزوير الانتخابيّ، وأنّه كان حريصاً على المخاطرة بسلامة الآخرين من خلال عدم إلغاء الهجوم، وأنّه كان شريراً وطفوليّاً، لدرجة إلقاء طبق محمّل بـ "الكاتشب" على جدران البيت الأبيض.

النّائب الجمهوريّ كيفين مكارثي: وصلت وزارة العدل إلى حالة لا تطاق من التّسييس المسلّح... عندما يستعيد الجمهوريّون مجلس النّواب، سنقوم بالإشراف الفوريّ على هذه الوزارة

بيْد أنّ الفكرة القائلة إنّ تغيير موقف وزارة العدل تجاه ترامب لا علاقة له بهذه الجلسات غير مقنعة.

إذا غيّرت جلسات الاستماع حسابات الوزارة، فهذا كلّه للأفضل.

إنّ وزارة العدل بطبيعتها هيئة تتجنّب المخاطرة، وكان المدّعي العام، ميريك غارلاند، خجولاً وشدّيد الحساسية، حتّى وفقاً لمعايير مكتبه؛ لم يكن يريد متابعة ما يمكن أن يبدو وكأنّه محاكمة ذات دوافع سياسيّة لخصم سياسيّ، ولم يكن يريد إزعاج الأقليّة الكبيرة في الولايات المتّحدة التي ترى ترامب على أنّه شخصيّة محبوبة تكاد تكون مسيحانيّة. بدا منذ فترة طويلة كما لو أنّ الوزارة لن تكون لديها الجرأة لإجراء تحقيق فعليّ مع ترامب، وأنّها سوف تسمح لجرائمه بالمرور من دون ردّ، خوفاً من الظّهور بمظهر سياسيّ أكثر من اللازم، لكنّ جلسات الاستماع أظهرت على السّطح أدلّة جديدة، وفرضت ضغوطاً جديدة على الوزارة؛ ضغط الجماهير الغاضبة.

معظم الأمريكيّين يعتقدون أنّه محتال فاسد

على الرّغم من أنّ جزءاً كبيراً من البلاد يعشق ترامب، فإنّ معظم الأمريكيّين يعتقدون أنّه محتال فاسد. قال ما يقرب من 60 في المئة إنّه تجب محاكمته على أحداث 6 كانون الثّاني (يناير)، وفق استطلاع حديث. وتشير تقارير واردة من تحقيق وزارة العدل إلى أنّ التّحقيق تحوّل مؤخّراً إلى دور ترامب في مخطّط لإلغاء الانتخابات عن طريق إرسال ناخبين مزيّفين إلى "الكونغرس". من المحتمل، بالنّسبة إلى غارلاند، أنّ القلق بشأن الشّكل الذي سيبدو عليه إذا حاول مُساءلة ترامب قد طُمس أخيراً بالقلق بشأن الشّكل الذي سيبدو عليه إذا لم يفعل ذلك.

المداهمة تأتي بعد موسم من جلسات استماع ضخمة

قد يكون الأمر أيضاً أنّ خطر معارضةٍ سياسيّةٍ ضدّ وزارة العدل من جانب حزبٍ جمهوريٍّ متمكّنٍ يبدو بشكل متزايد وكأنّه شيء لا ينبغي الخوف منه. في السّاعات التي أعقبت المداهمة، أوضح ترامب وحلفاؤه الجمهوريّون أنّهم يعتقدون أنّ بإمكانهم الحصول على ميزة سياسيّة من خلال تصوير أنفسهم على أنّهم ضحايا بيروقراطيّة فيدراليّة عدوانيّة تجاوزت سلطتها.

على قناة "فوكس نيوز"، وصف الإعلاميّ اليمينيّ دان بونغينو المداهمة بأنّها "هراء ينتمي إلى دول العالم الثّالث"، وألمحت لورا إنغراهام إلى تغيير ميزان القوى في واشنطن بعد الانتخابات النّصفيّة، وغرّدت على تويتر: "الدّيموقراطيّون وكلاب الصّحافة يحتفلون الليلة، لكن سُرعان ما ستفقدون ما لديكم من سلطة. ثمّ ماذا؟".

تمّ إيضاح هذا التّهديد من قِبل النّائب الجمهوريّ كيفين مكارثي الذي أصدر بياناً جاء فيه: "وصلت وزارة العدل إلى حالة لا تطاق من التّسييس المسلّح... عندما يستعيد الجمهوريّون مجلس النّواب، سنقوم بالإشراف الفوريّ على هذه الوزارة، ولن ندخّر وسعاً في فحص كلّ شيء". الرّسالة واضحة: إذا سُمح للجمهوريّين بالعودة إلى السّلطة، فسوف ينتقمون من وزارة العدل لمحاولتها تحميل ترامب المسؤوليّة.

لكن ربما غيّر هذا، أيضاً، حسابات وزارة العدل: حقيقة أنّ الحزب الجمهوريّ، في وضعه الحاليّ، سوف ينتقم، سواء حقّقت وكالات إنفاذ القانون مع ترامب أم لا.

في هذا السّياق، يبدو موقف غارلاند المتغيّر تجاه ترامب منطقيّاً، حتّى إن كان الشّخص الأكثر تشاؤماً بيننا قد يتفاجأ بشجاعته المتجدّدة بشكل واضح.

 إذا كان غارلاند سيتعرّض للعقاب بسبب "دعمه" للقانون و"عدم دعمه" للقانون؛ فإنّ عواقب العمل واللاعمل تصبح متمايزة، وقد يقوم بعمله أيضاً.

مصدر الترجمة عن الإنجليزية:

مويرا دونغان، الغارديان، 9 آب (أغسطس) 2022



انشر مقالك

لإرسال مقال للنشر في حفريات اضغط هنا سياسة استقبال المساهمات

آخر الأخبار

الصفحة الرئيسية