هل يكون 2024 عام اليمين المتطرف في أوروبا؟

هل يكون 2024 عام اليمين المتطرف في أوروبا؟

هل يكون 2024 عام اليمين المتطرف في أوروبا؟


02/01/2024

أحمد نظيف

أوقف الغزو الروسي لأوكرانيا، مطلع العام 2022، صعود اليمين المتطرف في القارة الأوروبية نسبياً. لكن تلك الكبوة لا يبدو أنها ستستمر طويلاً. تقف أوروبا خلال هذا العام الجديد، على حافة خطر حقيقي، وسط حالةٍ من اللايقين بشأن الانتخابات الأوروبية في حزيران القادم. يبدو اليمين المتطرف عائداً بقوةٍ، وسط تشرذم واضح تعاني منه الأحزاب الليبرالية واليسارية. لكن الهاجس الأكبر هو حالة الامتناع عن التصويت، الآخذة في التصاعد في صفوف الأوروبيين، والتي تترجم حالةً من اللامبالاة الشعبية تجاه السياسة. وهي حالة تستفيد منها الشعبوية اليمينية إلى حد ما.

المؤشرات الأولى لهذه العودة القوية فوز حزب الحرية الذي يتزعمه خيرت فيلدرز بالانتخابات التشريعية في هولندا، وإن بدا الرجل غير قادر على تشكيل حكومةٍ، فإن النتيجة التي حققها تشكل صدمة جديدة في المشهد السياسي الأوروبي، لجهة المواقف شديدة التطرف والعنصرية التي يصدرها تجاه الأجانب والأعراق غير الأوروبية. الحالة الهولندية ليست نشازاً، حيث تمثل أحزاب اليمين المتطرف في أوروبا القوة السياسية الثانية في ثلث الدول الأعضاء في الاتحاد الأوروبي.

بعضها يقود في السلطة كما في إيطاليا مع جيورجيا ميلوني، وفي المجر، يتولى حزب فيدسز الذي يتزعمه فيكتور أوربان السلطة منذ أكثر من عشر سنوات وحقق فوزا ساحقا في الانتخابات التشريعية لعام 2022. وبعضهم يشاركون في الائتلافات الحكومية في لاتفيا وسلوفاكيا وفنلندا. وفي السويد، أحدث حزب الديمقراطيون السويديون ذو الجذور النازية الجديدة تغييراً جذرياً في المشهد السياسي. بعد تحقيق مكاسب انتخابية أهلته لتوقيع اتفاق حكومي مع الليبراليين والديمقراطيين المسيحيين، وكما يظهر المثال السويدي، فإن اليمين المتطرف لا يحتاج دائماً إلى الفوز في صناديق الاقتراع لفرض أجندته السياسية. وهذا هو الحال أيضًا على مسافة ليست بعيدة من هناك، في الدنمارك، حيث ظهر الديمقراطيون الاشتراكيون باعتبارهم الفائز الأكبر في الانتخابات التشريعية الأخيرة، لكن التسمية السياسية مضللة لأن الحزب اليساري تاريخيًا تبنى موضوعات اليمين المتطرف لتحقيق النجاح الانتخابي. وفي بلجيكا، تبلغ نسبة تأييد الحزب القومي الفلمنكي، فلامس بيلانج، حاليًا 12%، بينما في ألمانيا تمثل شعبية حزب البديل من أجل ألمانيا حوالي 11%. وقد حققت هذه الأحزاب مكاسب تاريخية في الانتخابات الأوروبية لعام 2019، حيث حصلت على أغلبية الأصوات في المجر وإيطاليا وبولندا وعلى حصة كبيرة من الأصوات في فرنسا والمملكة المتحدة. وبذلك حصلت مجموعة الهوية والديمقراطية، المصنفة على أقصى اليمين، على 73 مقعدا في البرلمان الأوروبي، أي 10% من المقاعد. فيما يصل عدد مقاعد اليمين الشعبوي إجمالياً إلى 10 مقعداً.

ووفقاً لنوايا التصويت الحالية فإن القوى اليمينية المتطرفة من الممكن أن تحصل على 180 مقعداً في البرلمان الأوروبي في العام المقبل. مما سيجعل أوروبا أكثر ضعفاً لأن هذه الأحزاب، معادية بدرجات متفاوتة، للاتحاد الأوروبي والمبدأ الفيدرالي للاتحاد. كما من شأن ذلك أن يخلف عواقب على سياسة الهجرة وسياسة المناخ. لأنه من الواضح أن اليمين المتطرف سيستخدم كل ثقله لوقف الهجرة إلى أوروبا. وبسبب أفكارها المتشككة في المناخ ستقود سياسات معارضة للتحول في مجال الطاقة. 

رغم ذلك لا يمكن الجزم بأن هذا الاكتساح اليميني سيكون حتمياً. رغم مواصلة قوى الوسط في السياسات النيوليبرالية نفسها، التي جعلت قطاعات واسعة من الطبقات الشعبية والوسطى تتجه للتصويت لليمين المتطرف، إلا جبهة اليمين المتطرف نفسها ليست موحدةً بالقدر الكافي على مستوى القارة. وتعود هشاشة هذه الوحدة إلى سببين: أولاً التكوين القومي لهذه الأحزاب، التي ترفض من حيث تكوينها الإيديولوجي البناء الأوروبي، وتريد إعادة مجد الدولة القومية، لذلك فهي غير قادرة على بناء وحدة حقيقة فيما بينها، لأنها غير مؤمنة فكرياً بجدوى الوحدة، بل تعتقد أن الوحدة الأوروبية تنتقص من السيادة الوطنية لدولها، ومضرة على المدى البعيد بالمصالح الاقتصادية والجيوسياسية لبلدانها. وثانياً، لأنها لا تملك نفس التصورات حول القضايا الرئيسية التي تدافع عنها، وعلى رأسها الهجرة والموقف من الاتحاد الأوروبي. وهذا الانقسام ليس جديداً، بل مكرس بشكل واضح داخل البرلمان الأوروبي اليوم. حيث تنقسم هذه الأحزاب حاليًا إلى كتلتين في البرلمان تضم كل منهما حوالي ستين نائبًا: مجموعة الهوية والديمقراطية، حيث يجلس حزب الجبهة الوطنية بشكل خاص، ومجموعة المحافظين الإصلاحيين الأوروبيين، حيث يجلس حزب فراتيلي ديتاليا، الحزب الحاكم في إيطاليا، على سبيل المثال. 

كما يمكن أن تلعب نماذج اليمين المتطرف في السلطة حالياً دوراً في تنفير الناخبين من هذه الأحزاب. حيث أسس اليمين الشعبوي في أوروبا عقيدته السياسية كمضاد للسياسات الأوروبية العولمية النيوليبرالية وضد المنافسة والتجارة الحرة. وبذلك كسب شرائح واسعة من الطبقة الوسطى والشعبية. لكن خطابه المضاد ليس كافياً، حيث أن الأحزاب اليمينية التي وصلت السلطة في إيطاليا والمجر وغيرها من الدول لم تنجح في تصحيح آثام النيوليبرالية، بل، على العكس من ذلك، واصلت في الطريق نفسه، وعرقلت التقدم الأساسي للتكامل الأوروبي فيما يتعلق بالحقوق الاجتماعية، والانتقال البيئي، والميزانية المشتركة والضرائب.

عن "النهار" العربي




انشر مقالك

لإرسال مقال للنشر في حفريات اضغط هنا سياسة استقبال المساهمات
الصفحة الرئيسية