هل يقود شقيق عبد الله أوجلان المصالحة مع الأكراد؟

هل يقود شقيق عبد الله أوجلان المصالحة مع الأكراد؟


04/01/2021

فتح اللّقاء الذي أجراه أوصمان أوجلان، شقيق زعيم حزب العمّال الكردستانيّ، عبد الله أوجلان، مع مستشار الرئاسة التركيّة، في أواخر كانون الأول (ديسمبر) الماضي، الباب أمام وسائل الإعلام، التي استشعرت أنّ هذا اللّقاء ليس سوى جسّ لنبض الشارعَين التركيّ والكرديّ، لمصالحة قد يعقدها أردوغان قريباً مع الأكراد، بعد أن وجد نفسه محاصراً من كافة الاتجاهات.

في المسألة الكرديّة

ظلّت المسألة الكرديّة تمثّل تحدّياً دائماً للدولة التركية الحديثة، وأصبحت مواقف اللاعبين الرئيسيين راسخة الآن لدرجة أنّ النقاش يبدو شبه مستحيل، فيما أدّى التحوّل الاستبدادي لحزب العدالة والتنمية الحاكم، وزعيمه الرئيس التركيّ، رجب طيب أردوغان، على مدى العقد الماضي، لعودة ملف ظروف الأكراد والمسألة الكردية بشكل عام، إلى مركز الأجندة السياسية مرة أخرى؛ إذ إنّ المسألة الكردية هي صراع عرقيّ يسبق الجمهورية التركية الحديثة، ومع نشأته، في أواخر القرن التاسع عشر، مثّل تحدياً للدولة العثمانية من قبل الانفصاليين الأكراد في محيط الإمبراطورية، وبعد تفكّك الإمبراطورية العثمانية، وافقت القوى الأوروبية من منظور مشروعها المتمثل في تشكيل شرق أوسط جديد، في معاهدة سيفر، عام 1920، على إنشاء كردستان مستقلة.

ومع فشل الأوروبيين في فرض شروط سيفر، بعد انتصار القوميين الأتراك، عام 1922، ومع إنشاء الجمهورية التركية، عام 1923، شكّلت مدينة سيفر وصدمة الانحدار الوطني تصورات النخبة الجديدة فيما يتعلق بأكبر عدد من الأشخاص الذين لا ينتمون للعرقية التركية، والمقيمين على أراضيها، وهكذا برزت المسألة الكردية كنتيجة مركزية لعملية بناء الأمة المتجانسة، وكان الهدف الرئيس منها؛ الإبقاء على الهويات المتباينة داخل الدولة المنشأة حديثاً، فيما أدّت صدمة سيفر في النهاية إلى زيادة حساسية تركيا من أيّ سياسة، بما في ذلك الجهود المبذولة لبناء تضامن محلّي حول الهويات العرقية.

ظهر أوصمان أوجلان، شقيق عبدالله أوجلان، العام الماضي، على قناة "TRK Kurdî"، التابعة للدولة التركية، معلناً تأييده لمرشح حزب العدالة والتنمية، بن علي يلدريم

وأدّت سياسات "التتريك" إلى سلسلة من الحلقات القمعية، جاء أوّلها في فجر الجمهورية، ردّاً على تمرّد الشيخ سعيد، عام 1925، وتمكّنت الدولة الجديدة من ضرب عصفورين بحجر واحد؛ القومية الكردية الناشئة والمعارضة الدينية للإصلاحات الكمالية العلمانية، فيما استمر القمع اللاحق، الذي تجلّى في  مذابح ديرسم للأكراد، عام 1937، وحتى الستينيات من القرن الماضي، والتي بدأ كلّ شيء فيها بالتغيّر التدريجي، حيث بشّر دستور عام 1961 ببيئة سياسية هادئة، سمحت للاشتراكيين والطلاب والنقابات بالتنظيم والعمل علانية، فيما تمّ تأسيس أول حزب سياسيّ يساريّ كبير، حزب العمال التركي، الذي قام بتجنيد العديد من المثقفين الأكراد.

PKK شوكة في حلق النظام التركيّ

ولد حزب العمال الكردستانيّ في ظلّ الحراك الطلابي والعمالي القوي، الذي شهدته تركيا خلال فترة الستينيات وأوائل السبعينيات، وقد تأسّس رسمياً في تشرين الثاني (نوفمبر) 1978، وبعد الانقلاب العسكريّ، الذي شهدته تركيا عام 1980، عادت الدولة إلى النهج العنيف الذي كانت تكنّه ضدّ الكرد قبل 1960، وبداية من عام 1984، بدأت حملة هجومية ضدّ حزب العمال الكردستاني، انتهت بأعمال عنف مسلّح أودت بحياة 45 ألف شخص، ونزوح ما يقارب الـ 4 ملايين مدني، نتيجة عمليات الأرض المحروقة التي انتهجها الجيش التركي، وفق تقارير منظمة العفو الدولية، الصادرة عام 1999، حول الحرب التركية الكردية، التي انتهت بتوسع كبير في نفوذ حزب العمال الكردستاني، على عكس ما أراد الأتراك.

اقرأ أيضاً: ما هي خيارات الأكراد لمواجهة العدوان التركي في شرق الفرات؟

بحلول عام 1990؛ تحوّل الحزب إلى حركة شعبية وطنية، جلبت ملايين المؤيدين عبر العالم، من اليسار والشيوعيين المتعاطفين مع الحركة الوطنية الكردية، بينما امتدّت الحرب بين الحزب والنظام التركي، لتشمل الشمال السوري والعراقي أيضاً.

 ويعتقد الناطق الرسمي باسم القبائل العربية، في العراق، الشيخ مزاحم الحويت، أنّ "على حزب العمال الكردستانيّ، الذي يخوض حربه مع تركيا منذ زمن بعيد، أن يستمرّ في الحرب داخل تركيا، ولا ينقلها إلى الأراضي العراقية، كما هو الحال الآن".

الناطق الرسمي باسم القبائل العربية في العراق، الشيخ مزاحم الحويت

ويتابع الحويت، في تصريح لـ "حفريات": "أصبحت سنجار وجبل قنديل وعدة محافظات كردية عراقية الآن ساحة حرب جديدة بين تركيا وحزب العمال الكردستاني، إلى درجة ارتكاب مقابر جماعية، بين الوقت والآخر، لأشخاص مجهولين قتلوا دون أن يعلم أحد، ونحن، كقبائل عربية في شمال العراق، لا نقبل بأن تكون بلادنا ساحة حرب بين الحزب وتركيا، فهم الآن يحاولون إشعال فتيل الحرب في بلادنا، ويجعلونها ساحة جديدة لتصفية الحسابات".

اقرأ أيضاً: 70 % من الأكراد الشباب في تركيا يواجهون التمييز

فتح اعتقال عبد الله أوجلان، في شباط (فبراير) 1999، بالسفارة اليونانية في كينيا، مرحلة جديدة في تاريخ الحزب والأكراد في تركيا؛ حيث أعلن الحزب وقف إطلاق النار من جانب واحد، مما قلل وتيرة العنف، حتى نهاية تسعينيات القرن الماضي؛ حين تمّ إنفاق أكثر من ثلث ميزانية الحكومة المركزية السنوية على محاربة حزب العمال الكردستاني.

ماذا يريد أردوغان من أوصمان؟

ظهر أوصمان أوجلان، شقيق عبدالله أوجلان، العام الماضي، على قناة "TRK Kurdî"، التابعة للدولة التركية، معلناً تأييده لمرشح حزب العدالة والتنمية، بن علي يلدريم، ومنتقداً منافسه ومرشّح حزب الشعب الجمهوري المعارض، أكرم إمام أوغلو، وهو ما دفع وسائل الإعلام وقتها للحديث عن استخدام شقيق أوجلان من قبل النظام التركي، الذي استضافه على قناة تابعة له، بينما ما يزال موضوعاً على قوائم المطلوبين للعدالة.

الناطق الرسمي باسم القبائل العربية في العراق، الشيخ مزاحم الحويت لـ"حفريات": سنجار وجبل قنديل ومحافظات كردية الآن ساحة حرب بين تركيا وحزب العمال الكردستاني

كان الظهور الثاني لـأوصمان أوجلان، أواخر أيام العام 2020، حيث ظهر منتقداً لسياسات حزب الشعوب الديمقراطي، وهو أكبر حلفاء حزب العمال الكردستاني، بينما عقّب على اعتقال زعيم الحزب صلاح الدين دميرطاش، والمعتقل منذ القبضة الأمنية التي وجهها أردوغان لمعارضيه، في تموز (يوليو) 2016، حيث أعرب أوصمان عن رفضه لاعتقال دميرطاش، وتأييده لوحدة الأراضي التركية، ومواجهة كلّ من يمسّ هذه الوحدة، وبحسب صحيفة "زمان" التركيّة، التي نقلت عن مراقبين يرون أنّ أردوغان يوظّف شقيق أوجلان في جسّ نبض الشارع، حول ردّ الفعل الذي يحدث إذا انعقدت مصالحة بين الحزب والحكومة التركية.

في أعقاب انتخابات 2014، تباعدت مصالح نخب حزب العدالة والتنمية، وحزب العمال الكردستاني، واستؤنفت الاشتباكات العنيفة، بينما سعى أردوغان، من جانبه، إلى الاستفادة من القضية الكردية من أجل إخراج حزب الشعوب الديمقراطي من موقعه المتصاعد، من خلال إفساح المجال للفوضى السياسية في الفترة التي سبقت انتخابات جديدة، عام 2015، وقد تميّزت هذه الفترة بالإرهاب الواضح؛ مثل تفجيرات أنقرة، التي وقعت في تشرين الأول (أكتوبر)، قبيل الانتخابات، والتي فقد إثرها 100 كردي حياتهم، فيما تمّ توجيه أصابع الاتّهام إلى الدولة التركيّة.

اقرأ أيضاً: هل ينقذ بايدن الأكرادَ من براثن "المستبد" أردوغان؟

كذلك أسفرت المواجهة مع حزب العمال الكردستاني عن مقتل عدة مئات، مع شنّ الجيش لعمليات في عدة مدن كردية، أهمّها ديار بكر،  حيث صوّت أكثر من 75٪ من السكان لصالح حزب الشعوب الديمقراطي، ولم تتوقف هذه الهجمات ضدّ الأكراد في عام 2016 أو 2017.

وبعد محاولة الانقلاب المزعوم، عام 2016، والتي وصفها أردوغان بأنّها "هبة من الله"، شهدت إعلان حالة الطوارئ (تم تجديدها لاحقاً عدة مرات)، والتي منحته وأحزابه مطلق الحرية في ترسيخ هيمنة حزب العدالة والتنمية؛ حيث مرّ الاستفتاء الدستوريّ لتمديد السلطة الرئاسية في هذه البيئة الاستبدادية، التي تركت الأكراد في تركيا في حالة من الارتياب والاستهداف؛ فهل يمكن أن يتصالح الخصمان بعد كلّ هذا التاريخ الدموي؟


آخر الأخبار

الصفحة الرئيسية