هل يغرق الاقتصاد القطري في دوامة الديون لإنقاذ أردوغان؟

هل يغرق الاقتصاد القطري في دوامة الديون لإنقاذ أردوغان؟


13/06/2020

محمد حماد

يسابق النظام القطري الخطوات من أجل إنقاذ الاقتصاد التركي على حساب التردي العام للأوضاع في البلاد، ووسط معاناة جعلت النظام المالي يمعن في عمليات الاقتراض من المؤسسات المالية المحلية بوتيرة غير مسبوقة.

وكشفت فورة الاقتراض عورات اقتصاد الدوحة، وشلتها دبلوماسية تسعى لإرضاء الحليفين التركي والإيراني اقتصاديا، ردا على المقاطعة العربية من جانب السعودية والإمارات والبحرين ومصر، بعد أن تكشفت سياساتها الداعمة للإرهاب.

وغضت سياسات الدوحة الطرف عن استغلال الرئيس التركي رجب طيب أردوغان لها، وسعيه الدؤوب نحو استنزاف قطر ماليا.

وتؤكد تحركات أردوغان تجاه الدوحة أولوية قصوى في سياسات شراء الحليف الخليجي، رغم شح الموارد المالية في ظل أزمة كوفيد – 19، والتي أدت إلى ركود الاقتصاد العالمي بشكل غير مسبوق خاصة وأنه يعاني أصلا من تبعات كثيرة من بينها الحرب التجارية المستعرة بين الولايات المتحدة والصين.

وتنتظر الدوحة أخبارا غير سارة خلال العام الحالي تزيد معاناتها الاقتصادية، حيث كشفت بيانات مصرف قطر المركزي عن حاجة الدوحة لنحو 2.8 مليار دولار خلال الأشهر الستة المقبلة لسداد ديونها الداخلية.

وتوسعت الدوحة في عمليات الاقتراض الداخلي بشكل جعل الحكومة تنافس القطاع الخاص في معدلات الائتمان لمواجهة التزاماتها، الأمر الذي جعل مناخ الاستثمار طاردا تحت ضغوط المقاطعة العربية، وخفوت نجم الدوحة الاستثماري، وحدوث تشوهات في هيكل موازنتها.

واستخدمت الدوحة جميع آليات الاقتراض المحلية، بدءا من أذون الخزانة، حيث توسعت في إصدارها وسجلت إجمالي ديون حتى بداية يونيو الحالي نحو 742 مليون دولار، وأمعنت في الاقتراض بضمان الصكوك التي تستحق آجالها العام الحالي بنحو 590 مليون دولار.

وتستحوذ السندات على نصيب الأسد من إجمالي ديون الدوحة المحلية، ويستحق منها خلال العام الحالي نحو 1.5 مليار دولار. وتنذر الأشهر المقبلة بأزمة طاحنة تواجه الدوحة.

وتشير مواعيد استحقاق الديون الداخلية إلى أن شهر سبتمبر المقبل من أصعب الشهور، ما ينذر بشتاء قارس، فعليها سداد نحو 1.9 مليار دولار لدائنيها، ما يفتح الباب أمام مزيد من الاقتراض، في ظل شح الموارد وتراجع معدلات الاستثمار.

وما يضفي الكثير من الضبابية على مستقبل الاقتصاد القطري انهيار معدلات الطلب عالميا على الغاز في أعقاب انتشار وباء كورونا، ما أدى إلى تسارع وتيرة خسائر الاقتصاد الذي انكمش بنحو 1.4 في المئة وفق بيانات مصرف قطر المركزي.

ويبدو أن المصائب لا تأتي فرادى، حيث تزامن أيضا مع أزمة الطلب تراجع أسعار الغاز لأقل من دولارين، وهي مستويات سعرية أقل من نظيرتها قبل 52 أسبوعا.

وتصنف قطر ضمن دول الاقتصاد الريعي، الذي يعتمد بشكل رئيسي على تصدير الغاز، والذي يحتاج إلى خطط إستراتيجية تعززه بتدشين صناعات عملاقة للقيمة المضافة، وإن كان بعضها موجودا لدى الدوحة، لكن ليس بالقدر الكافي لانتشال اقتصاد يعاني من صدمات قوية.

وتضاف إخفاقات صناعات القيمة المضافة إلى نظام الدوحة الحالي، الذي لم يعلن عن خطط تعزز قوة الاقتصاد، وتتفرغ لتبني سياسات متناقضة لفك العزلة العربية.

ووصف جمال بيومي، الأمين العام لاتحاد المستثمرين العرب، سياسات قطر عموما بأنها تسير على طريقة “خالف تُعرف”، ولا مستقبل للتوجهات الاقتصادية التي تنتهجها حاليا.

وقال بيومي في تصريحات لـ”العرب”، إنه “مهما بلغت قوة العلاقات القائمة على التمويلات فلا بد أن تصل لنهاية لأن هناك حدودا له لا يمكن تجاوزها، خاصة في ظروف الأزمة الاقتصادية التي يعيشها العالم”.

وأضاف أن “الدوحة رفعت حجم المعاملات التجارية لنحو ثلاثة أمثاله مع تركيا، أي نحو 15 مليار دولار، من خمسة مليارات، وتحقق من خلال ذلك دعم الليرة التركية المنهارة أمام الدولار، في حين أن قطر في أمس الحاجة إلى دعم عملتها”.

لكن هذه الخطوة وحدها لا تستطيع إنقاذ الاقتصاد التركي الذي تعتمد أكثر من 50 في المئة من تجارته على دول الاتحاد الأوروبي والتي تعاني ويلات الوباء.

وفي ضوء ذلك تستدرج سياسات أردوغان قطر لمنعطفات جديدة عبر زيادة التسليح بأساليب دفاعية تركية الصنع، ما يضاعف عوائد أنقرة ويزيد نزيف الدوحة الاقتصادي.

ومن المؤشرات التي تجعل الدوحة بعيدة عن نقاط جذب الاستثمار عالميا تآكل ناتجها المحلي الإجمالي بسبب عزلتها وتداعيات كورونا.

وتشير التقديرات إلى أن الناتج المحلي الإجمالي خسر حوالي 9 مليارات دولار من قيمته، إلى جانب موجات هبوط طالت سوقها المالي، وخسر نحو 33.5 مليار دولار من قيمة رأسماله.

ولعل قطاع الطيران خير شاهد على أزمة الدوحة الاقتصادية، بعد أن تكبد خسائر قياسية منذ إعلان المقاطعة العربية، وتعليق الرحلات الجوية من وإلى قطر، ومن ثم يضطر طيرانها لعبور خطوط جوية أخرى طويلة بعيدة عن سماوات تلك المقاطعة.

وتعاني الخطوط الجوية القطرية المملوكة للحكومة من أزمات حادة اضطرتها إلى التلويح بإلغاء طلبيات من بوينغ وإيرباص إذا لم تستجب المجموعتان العملاقتان لمقترحها بتأجيل التسليم، كما أنها ستبيع خمس طائرات، فضلا عن مشاكل متنوعة أخرى.

وكانت الأجواء الإيرانية ملاذا لخروج قطاع الطيران القطري من تلك الأزمة، رغم خطورتها وارتفاع تكاليف تشغيلها، فضلا عن استمرار الخسائر حتى الوقت الراهن بسبب جائحة كورونا.

ومعروف أن موارد قطر غير النفطية محدودة، فهي لا تمتلك مزارات أو أماكن تجعلها قبلة السياحة العالمية، ولذلك اعتمدت على جزء من سياحة الترانزيت عبر خطوط الطيران التي تقصد الدوحة لالتقاط الأنفاس لمواصلة رحلاتها لمقاصد أخرى.

لكن الارتباك الواضح للدوحة في إدارة الأزمة أفقدها هذا المورد، وأجبر شركة الطيران الحكومية على تصريف عدد كبير من موظفيها من أجل التقشف في المصاريف لأقصى قدر ممكن.

وقال المحلل الاقتصادي المصري السيد عويضي لـ”العرب”، إن “أنقرة تفهم جيدا طبيعة مقاطعة الدول العربية لقطر لذلك تمعن في استنزاف موارد الدوحة من أجل دعم اقتصادها المترهل”.

وأوضح أن العلاقات القطرية التركية قامت على الأطماع السياسية في البداية، ثم تطورت على الصعيد الاقتصادي، إلا أن أزمة كورونا قلبت الطاولة على الطرفين، بعد انهيار الطلب العالمي على الغاز الطبيعي المسال.

كما أن ظهور اكتشافات غازية في دول عديدة بالمنطقة سوف يضعف تنافسية قطر في ظل اكتشافات كبيرة مرتقبة في شرق البحر المتوسط والبحر الأحمر.

وهناك خطط لربط خطوط الغاز الجديدة معا بخطوط للتصدير دوليا، ما يعيد رسم خارطة الغاز ويزيد من معاناة قطر إذا استمرت المقاطعة سنوات طويلة.

وتزيد تهديدات سحب تنظيم دورة كأس العالم المرتقبة في 2022 من قطر من غموض المشهد، بعد أن رصدت الدوحة ميزانية ضخمة لتدشين ملاعب ومدن جديدة تناسب طبيعة المونديال، فيما تم تقديرها بنحو 200 مليار دولار، وهو رقم يقترب من الناتج المحلي الإجمالي للبلد الخليجي.

ودفعت هذه التوسعات إلى زيادة الدين الخارجي لقطر لمستويات 53.8 مليار دولار في نهاية العام الماضي، ليرتفع بنحو 22.5 مليار دولار خلال ثلاث سنوات بارتفاع قدره 71.8 في المئة. وهذا الأمر يشي بأزمات متلاحقة وفورة في معدلات الاقتراض، بسبب غياب سياسات إصلاحية تضمن استدامة الحفاظ على موارد البلاد.

عن "العرب" اللندنية



انشر مقالك

لإرسال مقال للنشر في حفريات اضغط هنا سياسة استقبال المساهمات

آخر الأخبار

الصفحة الرئيسية