هل يستطيع كوكب الأرض تحمُّل 9 مليارات شخص؟

هل يستطيع كوكب الأرض تحمُّل 9 مليارات شخص؟

هل يستطيع كوكب الأرض تحمُّل 9 مليارات شخص؟


30/11/2022

ترجمة: محمد الدخاخني

وصل تعداد سكان العالم إلى 8 مليارات شخص هذا الشّهر. وإذا لم تكن هذه مسألة عظيمة الشّأن بما يكفي، فهناك مؤشّرات من كلّ نوع على أنّنا سنصل إلى 9 مليارات في الأعوام الخمسة عشر المقبلة. بُغية وضع النّمو السّكانيّ في منظوره الصّحيح، وفقًا لـ«أور وورلد إن داتا»، كان هناك مليار في 1804، و2 مليار في 1927، و3 مليارات في 1960، و4 مليارات في 1974، و 5 مليارات في 1987، و6 مليارات في 1998، و7 مليارات في 2010.

يُظهر مخطّط لسكّان العالم على المدى الطّويل معدّل نمو سكانيّ منخفض حتّى حوالي عام 1500، وبعد ذلك بدأ المعدّل في الصّعود بتباطؤ. في القرنين التّاسع عشر والعشرين، انفجر عدد السّكان مع التّقدّم الطّبّيّ والصّحّيّ، والتّحسينات الصّناعيّة والزّراعيّة، وبدء أنظمة الطّاقة، والاتّصالات، والنّقل الأكثر فعالية وكفاءة في الانتشار في أجزاء كثيرة من العالم.

ربما أنقذت فكرة غليان المياه ومعالجتها عدداً لا يُحصى من النّاس. ومن الأمثلة القويّة الأخرى لقاحات شلل الأطفال والجدري، وتحسين فهم أنظمة القلب، والأوعية الدّمويّة، والسّرطانات. وأدّى استخدام الطّاقة، والصّناعة، والزّراعة إلى تحسين إنتاج العالم، أيضاً. ومع مرور الوقت، استفاد المزيد من النّاس من هذا الأمر بشكل كبير.

كانت الحياة قاسية

قبل هذه الاختراعات والتّحسينات، كانت الحياة قاسية، ووحشيّة، وقصيرة جدّاً بالنّسبة إلى معظم النّاس. عاش معظمهم في مناطق ريفيّة متخلّفة وغير صحّيّة. لم يفهم معظمهم الأسباب التي وراء الإصابة بالأمراض وما الذي يمكن أن يُعالجها. قلّة قليلة فقط لم تكن من الفلاحين الرّيفيّين الفقراء بشكل مروّع.

منازل تغطي منحدر تل في حي بيتاري في كاراكاس، فنزويلا

كان متوسّط ​​العمر الافتراضي أقلّ من أربعين عاماً قبل عام 1800، وفقاً لـ«أور وورلد إن داتا». بحلول عام 1950، شَهِدت أجزاء كثيرة من العالم زيادة في الأعمار بمقدار عشرين عاماً. ومع ذلك، هناك أماكن ظلّ فيها متوسّط ​​العمر المتوقّع أقلّ بكثير، كما هو الحال في أفريقيا جنوب الصّحراء الكبرى، وجنوب شرق آسيا، وأمريكا اللاتينيّة. كانت التّحسينات متفاوتة وغير متكافئة.

لم تحدث تغييرات كبيرة في معظم أنحاء العالم، بما في ذلك آسيا وأفريقيا، إلّا في السّبعين عاماً الماضية. قطعت الهند والصّين، على وجه الخصوص، خطوات كبيرة نحو حياة أطول وأكثر صحّة منذ سبعينيّات القرن الماضي. الآن، يجب أن يتوقّع أي طفل مولود في أي مكان في العالم تقريباً حياةً أطول وأكثر صحّة، في المتوسّط​، من أجداده، وبالتّأكيد أفضل من الأجيال السابقة.

ومع ذلك، كان هناك جانب آخر للتّنمية.

السّكان المسّنون يضغطون على برامج التّأمين الاجتماعيّ، والتّضخّم، والاستثمارات، والأنظمة الطّبّيّة. ولذلك، ستحتاج البلدان المسنّة إلى التّأقلُم مع تقدّم مجتمعاتها في السّنّ

النّمو السّكّانيّ العالميّ منذ الثّورة الصّناعيّة أدّى إلى انبعاثات غازات الاحتباس الحراريّ، وتلوّث الهواء والماء والأراضي، وتعرية الغابات، وانخفاض مخزون الأسماك، والزّيادات الهائلة في الزّراعة الأحاديّة وإدارة الثّروة الحيوانيّة. كما أدّى إلى انتقال النّاس من المناطق الرّيفيّة إلى المدن. بالتّأكيد، أدّى التّوسّع الحضري، في كثير من الأحيان، إلى ارتفاع الدّخل والثّروة بالنّسبة إلى كثيرين، لكنّه تسبّب، أيضاً، في حدوث مشكلات مثل عدم الاستقرار، والجريمة، والعنف.

56 % من البشر في مدن

يستمرّ التّوسّع الحضريّ في النّموّ في جميع أنحاء العالم، حيث يعيش 56 في المائة من البشر اليوم في مدن، وفقاً لتقرير «نظرة عامّة على التّنمية الحضريّة» للبنك الدّوليّ الذي صدر الشّهر الماضي. ويمكن أن يؤدّي توسّع المدن الكبرى مع وجود مدن صفيح ضخمة مرتبطة بها، خاصّة في أفريقيا جنوب الصّحراء الكبرى وجنوب آسيا، إلى مشكلات اجتماعيّة.

بالتّأكيد، هناك حجّة مضادّة مفادها أنّ أعداد السّكّان لا تنمو بالسّرعة التي كان تنمو بها في السّابق. تُظهر إحصاءات للأمم المتّحدة جُمعت في عام 2021 أنّ حوالي 60 في المائة من سكّان العالم يعيشون في بلدان تصل إلى معدّل الاستبدال البالغ 2.1 طفل لكلّ امرأة، أو تقلّ عنه. كانت النّسبة 40 في المائة قبل عامين فقط. يقلّل هذا من الضّغوط الاقتصاديّة والبيئيّة وضغوط الموارد إلى حدّ كبير.

الطفل صاحب رقم 8 مليار من جمهورية الدومينيكان

ومع ذلك، تكمن المشكلة في أنّ النّموّ السّكانيّ غير متساوٍ في جميع أنحاء العالم. في الواقع، لدينا عالم منقسم إلى حدّ ما، حيث توجد في بعض الأجزاء مجتمعات شابّة وزيادة في عدد السّكان، مثل نيجيريا والهند ومصر، في حين توجد في أجزاء أخرى مجتمعات مسنّة وانخفاض في عدد السّكان، مثل اليابان وإيطاليا والبرتغال. ومن المتوقّع أن تأتي معظم المليار المضافة على مدار الخمسة عشر عاماً القادمة من الهند، والصّين، ونيجيريا، ومصر، وباكستان، وبعض البلدان المتعثّرة في جنوب آسيا وأفريقيا.

عندما يكون هناك عدد كبير جدّاً من الشّباب أو عدد كبير جدّاً من المسنّين، تكون هناك ضغوط متزايدة على الاقتصادات والمجتمعات بسبب «نِسَب التّبعيّة» المرتفعة للغاية، والتي تقيس مدى حاجة السّكّان العاملين لرعاية غير العاملين الأصغر سنّاً والأكبر سنّاً. تشهد اعتماديّة كبار السّنّ أعلى مستوياتها في الأجزاء الأكثر تقدّماً في أمريكا الشّماليّة وأوروبا وأستراليا واليابان، فيما تشهد اعتماديّة الشّباب أعلى مستوياتها في الأجزاء الأقلّ نموّاً في أفريقيا جنوب الصّحراء الكبرى واليمن والعراق وأفغانستان.

كلتا القضيتين يمكن أن تخلق مشكلات كبيرة ونحن نتّجه إلى تعداد التّسعة مليارات.

السّكان المسّنون يضغطون على برامج التّأمين الاجتماعيّ، والتّضخّم، والاستثمارات، والأنظمة الطّبّيّة. ولذلك، ستحتاج البلدان المسنّة إلى التّأقلُم مع تقدّم مجتمعاتها في السّنّ. والميزانيات المطلوبة لتحقيق ذلك قد لا تكون متاحة بسبب التّركيبة السّكانيّة غير المواتية.

المجتمعات الشّابة

من ناحية أخرى، توفّر المجتمعات الشّابة وذات أعداد السّكان المتزايدة لبلدانها فرصة للتّطوّر توازي أعداد وطاقة هؤلاء النّاس. ومع ذلك، فإنّ مدى نجاح ذلك يعتمد على كيفيّة تعليم هؤلاء الشّباب وتدريبهم، ومن أين ستأتي الاستثمارات لاستيعاب العمالة الشّابة، وكيف يمكن لهذه البلدان الحفاظ على نموّ دخل الفرد والثّروة للحفاظ على السّلام.

كما أنّ النّمو السّكانيّ والشّبابيّ السّريع يشكّل ضغطاً على النّظم الغذائيّة. يمكن لقوانين الميراث، أيضاً، تقسيم المزارع وغيرها من الممتلكات إلى مزارع أصغر وأقلّ كفاءة. ويمكن أن تتسبّب الزّيادة السّكانيّة الشّابّة في المزيد من الفقر، وليس تقليله، إذا لم يتمّ التعامل معها بشكل مناسب. ولذلك، فإنّ وجود عدد متزايد من الشّباب لا يضمن بالضّرورة النّجاح في المستقبل.

الآن، يجب أن يتوقّع أي طفل مولود في أي مكان في العالم تقريباً حياةً أطول وأكثر صحّة، في المتوسّط، من أجداده، وبالتّأكيد أفضل من الأجيال السابقة

عندما نُفكّر في المشكلات البيئيّة التي يمكن أن تنجم عن زيادة مليار شخص على مستوى العالم، يمكن أن يتحرّك تغيّر المناخ بشكل أسرع نحو نقطة اللاعودة عندما يصل هؤلاء المليار ويبدأون في النّضج. ولا شكّ في أنّ التّحدّيّات المتعلّقة بالعدالة الاقتصاديّة والعدالة البيئيّة ستظهر، لا سيّما بالنّسبة إلى الأشخاص الذين يعيشون في البلدان الأكثر شباباً ولكن الأكثر فقراً. إنّ عدم وجود إطار للتّعامل مع هذه التّحدّيّات يمكن أن يُشكّل تهديدات مستمرّة للسّلام والازدهار في العالم.

بالنّظر إلى مدى ترابطنا، فإنّ ما يحدث في الأماكن البعيدة عنّا يمكن أن يؤثّر بشكل كبير على بلداننا، ومدننا، وبلداتنا، وعائلاتنا. وهذا يجعل التّعامل مع القضايا العالميّة - من أجل الصّالح العام، ومن أجلنا، ومن أجل المليار القادمة - أكثر إلحاحاً.

مصدر الترجمة عن الإنجليزية:

بول سوليفان، ذي ناشونال، 24 تشرين الثاني (نوفمبر) 2022




انشر مقالك

لإرسال مقال للنشر في حفريات اضغط هنا سياسة استقبال المساهمات
الصفحة الرئيسية