لم يظهر حمزة بن لادن سوى مرتين؛ الأولى حين كان طفلاً صغيراً إلى جوار والده، والثانية لحظة زفافه من ابنة محمد عطا، أحد قادة المجموعة التي نفّذت هجمات الحادي عشر من سبتمبر عام 2001، لكنّه فاجأ العالم في مرة ثالثة بصورة مركّبة، وضعها تنظيم القاعدة على الإنترنت، في 10 أيلول (سبتمبر) 2017، ظهر فيها وجه أسامة بن لادن وإلى جانبه ابنه حمزة بين ألسنة لهب نيران برجي مركز التجارة العالمي.
بمرور الوقت أصبح تنظيم القاعدة حاضنة أيديولوجية وبؤرة لفصائل قد لا تحمل الاستراتيجيات نفسها
كان الظهور الثالث له قيمة كبيرة، وفي تقرير نشره مركز محاربة الإرهاب في وست بوينت، كتب علي صوفان، الضابط السابق لمكتب التحقيقات الفيديرالي المتخصص بشؤون "القاعدة": "يجري إعداد حمزة لتولي دور قيادي في المنظمة التي أسسها والده"، وأضاف "بصفته سليل بن لادن، من المرجح أن يتقبله جهاديو "القاعدة" بالترحيب، وفي حين تبدو "خلافة" تنظيم داعش على وشك الانهيار، بات حمزة الخيار الأمثل لتوحيد الحركة الجهادية العالمية".
ووصف برنامج المكافآت من أجل العدالة الخاص بقضايا الإرهاب في وزارة الدفاع الأمريكية نجل بن لادن الأصغر بأنّه "زعيم ناشط في القاعدة"، وأنّه "هدّد بشن هجمات ضدّ الولايات المتحدة وحلفائها".
وقال مدير مجموعة "سايت إنتليجينس" الاستخباراتية، ريتا كاتز: إنّ حمزة يجري إعداده ليكون "زعيماً مستقبلياً، سيما أنّه شخص محبوب وملهم، وليس له سمعة سلبية، أو مشاركة في الاقتتال الداخلي".
اقرأ أيضاً: أم بن لادن والإخوان المسلمون
وكانت وزارة الخارجية الأمريكية أعلنت مؤخراً عن مكافأة قدرها مليون دولار لمن يدلي بمعلومات تؤدي إلى القبض على حمزة بن لادن، الذي قالت إنّه أحد "القياديين الأساسيين" في تنظيم القاعدة.
وقالت الخارجية الأمريكية، في بيان، وفق ما نقلت "فرانس برس" إنّ هذه المكافأة هي مقابل معلومات "تتيح التعرف عليه أو تحديد مكانه في أي بلد كان"، ووصفته بأنّه "قيادي صاعد" لتنظيم القاعدة.
وأضافت الخارجية أنّ حمزة بن لادن "نشر عبر الإنترنت منذ آب (أغسطس) 2015 على الأقل رسائل صوتية ومصورة تدعو لشن هجمات ضد الولايات المتحدة وحلفائها الغربيين، وهدد بشن هجمات ضد الولايات المتحدة انتقاماً لوالده الذي قتل في أي أيار (مايو) 2011 على أيدي جنود أمريكيين".
الابن الأكثر تشدداً
حمزة؛ الذي كان في الـثانية عشرة من عمره حين حدثت هجمات 11 سبتمبر، كان دائم التسلل إلى مخيمات قادة التنظيم؛ حيث رغب في معرفة التحضيرات الخاصة بهذا الهجوم، ووفق كتاب "إنه بن لادن"، للكاتبة الأمريكية جين ساسون؛ فقد عرف حمزة التطرف من خلال مجموعة الكتب والمراجع التي كانت مُشاعة في تنظيم القاعدة داخل المعسكر، وأنّه كان دائم التسلل إلى الأماكن التي لم يكن مسموح له بها.
عرضت الولايات المتحدة مكافأة مالية قدرها مليون دولار لمن يدلي بمعلومات تؤدي إلى القبض على حمزة
تذكر ساسون؛ أنّ بن لادن جمع أولاده مرة، وقال لهم: إنّ هناك ورقة معلقة في المسجد تطلب انتحاريين، فمن منكم سيذهب ليضحي بنفسه في سبيل الله، وساعتها ذهب حمزة.
وتظهر وثائق، من بينها رسائل نشرتها وكالة "فرانس برس" في أيار (مايو) 2015، أنّ أسامة بن لادن أراد أن يخلفه ابنه في قيادة التنظيم الجهادي العالمي المناهض للغرب.
بحسب الصحيفة الأمريكية، نيويورك بوست؛ قال عبدالرحمن خضر، صديق الطفولة لحمزة: إنّ الأطفال أُجبروا على حفظ القرآن في مسجد المجمع، الذي يقيم فيه عناصر وقادة القاعدة، بينما كان يُخطط آباؤهم لهجمات 11 سبتمبر 2001.
في إحدى الرسائل التي عثر على بعضها لدى اقتحام القوات الأمريكية لمخبأ أسامة بن لادن؛ حيث قتلته في أبوت أباد في باكستان، يؤكد حمزة لأبيه، في تموز 2009: "أنّه بني من معدن صلب كالفولاذ"، و"أنّه ماض في طريق النصر أو الشهادة، وأنّ ما يحزنه حقاً هو أن كتائب الجهاديين انطلقت ولم يلتحق بها".
اقرأ أيضاً: ما حقيقة زواج نجل بن لادن بابنة قائد هجمات 11سبتمبر؟
وتكشف الرسائل التي جرى الاستيلاء عليها في مجمع أبوت أباد، حيث كان يقيم أسامة بن لادن، وفق وسائل إعلام أمريكية؛ أنه كان يهيئ حمزة بن لادن لتولي قيادة القاعدة، وفق ما ذكرته الإدارة الأمريكية؛ حيث إنّ سعد بن لادن الذي لجَأ إلى إيران مع مجموعة من أفراد العائلة بعد الغزو الأمريكيّ لأفغانستان، في تشرين الأوّل (أكتوبر) عام 2001، كان المرشح الأبرز لقيادة التنظيم وتوحيد صفوفه، وإعادة إحيائه بقوة، خاصة أنّه شارك في التخطيط للكثير من العمليات، لكن مقتله بصاروخٍ أمريكي في غارة جوية على باكستان، عام 2001، أدّى إلى تجهيز شقيقه حمزة.
أسامة بن لادن؛ هو الذي كشف مقتل سعد، الذي كان متزوجاً من ابنة أبي حفص المصري، ذراعه العسكريّ الأيمن، وبدأ إعداد نجله حمزة الذي "يُشبهه" كثيراً، في الشّكل والمضمون، لخلافته مثلما كشفت وثائق تم الحُصول عليها في منزله في أبوت أباد بعد اغتياله.
وحمزة هو ابن السيدة خيرية صابر، الحاصلة على الدكتوراه في علم نفس الأطفال، التي بقيت بجانب زوجها حتى اللحظة الأخيرة؛ حيث جرى اعتقالها من قبل السلطات الباكستانيّة، عقب مقتل زوجها، لكن ابنها حمزة فرّ إلى إيران.
حمزة في طهران
وفي عام 2015؛ سرّب تنظيم القاعدة "فيديو" قديماً لزفاف حمزة من ابنة محمد عطا، أحد منفذي هجوم 11 سبتمبر، لكن دون تحديد تاريخ هذا الزواج أو مكانه، الذي بدا في أفغانستان أو طهران، ونسبت صحيفة "الغارديان"؛ التي انفردت بنشر الخبر، إلى السيدة عليا غانم، الزوجة الأُولى للراحل بن لادن، التي تُقيم حالياً في مدينة جدة مع بعض أفراد أسرة بن لادن وأولاده وأحفاده وزوجته الثالثة أم حمزة، خيرية صابر، والرابعة اليمنيّة أمل السادة.
اقرأ أيضاً: والدة بن لادن تخرج عن صمتها... ماذا قالت؟!
ظهر في الفيديو محمد شوقي الإسلامبولي، شقيق قاتل الرئيس المصري الأسبق أنور السادات، وأبو أيمن المصري، الذي وضعت أمريكا مؤخراً جائزة قدرها 5 ملايين دولار لمن يدلي بمعلومات عنه، والمعروف أنّ الأول بقي في إيران لأعوام طويلة، حتى عاد إلى مصر عقب ثورة 2011، وخرج منها مرة أخرى عام 2013 إلى سوريا.
يتمتع حمزة بن لادن بعلاقات جيدة مع إيران؛ حيث نشأ وتربى في طهران، التي انتقل إليها مع والدته وبعض أفراد أسرته في أعقاب هجمات 11 سبتمبر 2001، وذلك بعد تفاوض بين "القاعدة" وطهران التي احتوت رموز "التنظيم" وأسرهم لأعوام عديدة، وفيها عاش قبل الاتفاق مرة أخرى مع طهران، والذي تم بموجبه السماح له، ولأبي الخير المصري، نائب الظواهري، وحمزة بن لادن، بالمرور والعبور إلى سوريا.
اقرأ أيضاً: مفاجأة صادمة.. هذه وظائف حارس بن لادن السابق في ألمانيا
ومن المعروف أنّ هناك اتفاقاً بين القاعدة وطهران، وأنّ وثائق أبوت أباد كشفت عن بعض فصوله، وكان فيه: أنّ مندوب التنظيم الذي أجرى المباحثات، مؤرخ القاعدة، المصري مصطفى حامد (يقيم في طهران حالياً، ويترأس تحرير موقع مافا)، ووقف عمليات القاعدة ضدّ إيران ومصالحها، مقابل السماح للرجل الثاني (على قيد الحياة) سيف العدل، بالبقاء في طهران وعدم تسليمه.
حمزة ينتقل إلى سوريا
في تموز (يوليو) عام 2016، ظهر حمزة في شريط مسجل حاثاً أعضاء التنظيم على مواصلة الجهاد داخل أمريكا وخارجها، وداعياً إلى الانتقام من واشنطن "لقمعها الشعوب الإسلاميّة في فلسطين وأفغانستان وسورية والعراق واليمن والصومال وباقي أراضي المسلمين"، واختتم شريطه بالقول "كلنا أسامة".
تكشف الرسائل التي جرى الاستيلاء عليها حيث كان يقيم أسامة بن لادن أنّه كان يهيئ حمزة لتولي قيادة القاعدة
وقال في نفس التسجيل الصوتي "إن ظننتم أنّ جريمتكم الآثمة التي ارتكبتموها في أبوت أباد مرت من دون حساب، فقد أخطأتم الظن وجانبكم الصواب، فالحساب عليها عسير ونحن أمة لا تنام على الضيم"، مؤكداً أنّ القاعدة سيواصل ضرباته رداً على ما وصفه بالظلم الواقع على شعوب عدد من الدول العربية والمسلمة، وفق تعبيره.
اقرأ أيضاً: الأمير خالد يتحدث عن حضانة إيران لبن لادن
في كانون الأول (ديسمبر) 2017؛ شنّ حمزة بن أسامة بن لادن، نجل زعيم تنظيم القاعدة السابق، هجوماً حاداً على السعودية، خلال شريط دعائي أصدرته مؤسسة "سحاب" التابعة للتنظيم، مهدداً بشن عمليات إرهابية ضدها، واستهداف مؤسساتها ومصالحها الاقتصادية في المنطقة.
وتحدثت جدته علياء، وإخوة أسامة بن لادن، غير الأشقاء، أحمد وحسن العطاس، الذين يعيشون في السعودية، عن الهجوم الحاد الذي شنه حمزة، بعد قرار ترامب الاعتراف بالقدس عاصمة لإسرائيل.
وقالت صحيفة "الغارديان" البريطانية: إنّ أعمام حمزة عند توجيه هذا السؤال لهم، هزوا جميعاً رؤوسهم بالأسى، ناقلة عن حسن قوله "اعتقدنا أنّ الجميع تجاوز هذا، الشيء الوحيد الذي كنت أعرفه؛ أنّ حمزة كان يقول إنه سينتقم لأبيه، لكنه لا يريد أن يعود من جديد"، وتابع "لو كان حمزة أمامي، سأقول له: يهديك الله، فكر مرتين بما تفعله، لا تسر على خطى والدك، فأنت تدخل نفسك في خانة مظلمة".
اقرأ أيضاً: هل كان بن لادن حقاً عميلاً لـ CIA تحت اسم تيم عثمان؟
عقب هذا الهجوم تداولت صفحات جهادية في موقع تلغرام، خبر انتقال حمزة إلى سوريا لتوحيد التنظيم، عقب الانشقاقات والصراعات المتتالية بين فصائل أحرار الشام وجبهة النصرة، وبين من يرون عولمة الجهاد والآخرون الذين يتحدثون عن جهاد محلي، ومنهم فقيه التنظيم؛ أبو بصير الطرطوسي.
السبب الأكثر أهمية لانتقاله؛ الاتهامات المتوالية من بعض العناصر لزعيم التنظيم، أيمن الظواهري، بالخضوع للإيرانيين، أو حركة طالبان، وفق بعض إصدارات داعش، المنافس التقليدي على قيادة الجهادية، وأيضاً من الداخل، مثل القيادي أسامة قاسم، الذي هاجم الظواهري وقال عنه (الأمير المسردب).
اقرأ أيضاً: ماذا كان أسامة بن لادن يقرأ؟
ويرجح مراقبون، أنّ حمزة ما يزال في سوريا، أو أنه عاد إلى طهران، أو انتقل منها إلى الحدود الباكستانية الأفغانية مرة أخرى، وأنّ الحديث عن وجوده باليمن هو محض افتراء للهجوم على السعودية، التي قالت وزارة داخليتها في بيان نشرته وكالة الأنبء السعودية: إنّ "السلطات جردت حمزة، نجل أسامة بن لادن، زعيم تنظيم القاعدة السابق، من الجنسية، وأنه صدر الأمر الملكي الكريم رقم (15690)، في تاريخ 21/ 3/ 1440هـ ، بشأن الموافقة على إسقاط الجنسية السعودية عن (حمزة أسامة محمد بن لادن) من السجلات الرسمية، وللإحاطة بذلك جرى نشره".
حمزة وخلافة والده
يرى مراقبون أنّ حمزة بن لادن هو زعيم القاعدة المقبل، بدلاً من المصري أيمن الظواهري، المختفي والمريض بعد تقدم سنّه، إذ يتمتع حمزة بحاسة أمنيّة عالية، ولديه قدرة على التّجنيد.
لكنّ آخرين يرون، أنه لم يقدم بعد دليلاً على قدرته على القيادة، وأنّ في التنظيم من هو أكفأ منه، إلا أنّ سبباً واحداً فقط يمكن أن يسمح له بذلك، وهو رمزية اسم والده، الذي يمكن أن يجمع التنظيم اللامركزي المتشرذم، الذي يعاني من هشاشة الوضع بسبب ضعف القائد الآن، وعدم قدرته على السيطرة.
اقرأ أيضاً: بن لادن في وثيقة بخط يده: لم يكن ثمة جهة ترشدني كما يفعل "الإخوان"
ومما يجد ذكره أنّ تنظيم القاعدة شهد عدة أنواع من الأنماط الحاكمة له: النمط الاندماجي: الذي يقوم على توحيد هيكل القيادة والتحكم، والدمج التام للقوات المقاتلة، ونمط المظلة الأيديولوجية، الذي تلتزم فيه جماعات شريكة وحليفة نفس الأفكار، والتمويل وغيرها.
وبمرور الوقت، أصبح تنظيم القاعدة حاضنة أيديولوجية، وبؤرة لفصائل قد لا تحمل الاستراتيجيات، وهو الذي أسهمت فيه شبكة الإنترنت؛ حيث أسس وحدة افتراضية بين أفراد وجماعات، لا ترتبط تنظيمياً، وهي الآن تنتظر قائداً رمزياً يجمعها، فهل سيكون هو حمزة بن لادن؟