هل يؤجج "سانت ليغو" الاحتجاجات من جديد في العراق؟

هل يؤجج "سانت ليغو" الاحتجاجات من جديد في العراق؟

هل يؤجج "سانت ليغو" الاحتجاجات من جديد في العراق؟


06/04/2023

الجدل لم يتوقف بين الفرقاء السياسيين العراقيين، بخصوص مبدأ "سانت ليغو" الذي تم اعتماده في البرلمان كآلية لاحتساب وتقسيم الأصوات الانتخابية. ورغم تمرير البرلمان هذا القانون الانتخابي، إلا أنّ قوى سياسية مستقلة اعتبرت أنّ هذه الآلية تضعف من حظوظها الانتخابية، وتكرس بقاء الأطراف السياسية التقليدية التي تملك النفوذ والهيمنة.

ونجح "الإطار التنسيقي" الحاكم والمدعوم من إيران بالتنسيق مع قوى أخرى سنية وكردية في إتمام عملية التصويت على القانون، برغم الفقرات الخلافية التي بعثت بخلافات جمّة، تحديداً بين القوى المستقلة، منها حركة "تشرين". وفي ما يبدو أنّ مجلس النواب العراق كان عازماً على إنهاء الخلافات والتناقضات حول القانون بهدف تمريره والتصويت عليه، لدرجة أنّ احتدام المعارضة ورفض مناقشة القانون بين النواب داخل البرلمان استدعى طرد المعارضين، بل وتهديدهم بإحالتهم إلى الادعاء العام، ومحاسبتهم، تبعاً للنظام الداخلي، باعتبار أنهم "مثيرون للفوضى والشغب".

وتحمل الانتخابات بطريقة "سانت ليغو" اسم مبتكرها عالم الرياضيات الفرنسي أندريه سانت ليغو عام 1912، وتتلخص في توزيع الأصوات على المقاعد الانتخابية في الدوائر متعددة المقاعد، وتقليل العيوب الناتجة بين عدم التماثل في الأصوات وعدد المقاعد المتحصل عليها، كما أفادت وسائل إعلام.

ومن بين الأمور الخلافية حول القانون، الفقرة التي تشير إلى عملية احتساب الأصوات الانتخابية من خلال الاعتماد على القاسم الانتخابي 1.7. وهذه الصيغة تعتبرها القوى المستقلة والناشئة تصب في صالح الكتل السياسية التقليدية والأحزاب الكبيرة بينما تكرس لاستمرار نفوذها السياسي. ومع غياب العدالة في المنافسة الانتخابية، فإنّ فرص حصول المستقلين على مقاعد برلمانية تظل محدودة وضعيفة وهامشية، وذلك لصالح القوائم الانتخابية.

كما أنّ الأصوات سيتم توزيعها داخل القائمة الانتخابية، وليس على الفائز الأعلى، مع الأخذ في الاعتبار أنّه، وفقاً للقانون، ستكون المحافظة دائرة انتخابية واحدة.

الناشط العراقي محمد الطائي: القوى السياسية في فوضى وصراع داخلي محموم

ووفق النائب عن كتلة "امتداد"، الجناح السياسي لحركة تشرين، فإنّ "الأحزاب الصغيرة لن يكون لديها أيّ أمل بالحصول على تمثيل في البرلمان" بل "سوف تُسحق"، في حال لو طبق القانون الجديد.

لكنّ النائب عن "الإطار التنسيقي"، بهاء الدين النوري، يؤكد دعمه للقانون الجديد والذي برأيه "يعتمد على توزيع المقاعد لأيّ كتلة حسب ثقلها الجماهيري مما سيؤدي بالمحصلة إلى تشكيل الحكومة ضمن التوقيتات الدستورية"، ومن ثم، سينجح هذا القانون في منع حدوث أيّ تعطيل لتشكيل الحكومة كما جرى بعد انتخابات عام 2021.

البيان الصادر عن مجلس النواب، يشير إلى أنّ المجلس صوّت في "جلسته السادسة عشر وبحضور 218 نائباً، على قانون التعديل الثالث لقانون انتخابات مجلس النواب ومجالس المحافظات والأقضية رقم 12 لسنة 2018".

مع غياب العدالة في المنافسة الانتخابية، فإنّ فرص حصول المستقلين على مقاعد في البرلمان العراقي تظل محدودة وضعيفة وهامشية، وذلك لصالح القوائم الانتخابية

وفي حين يرى عضو تحالف إدارة الدولة، مؤيد السهلاني، أنّ "استقرار العراق يأتي من خلال وجود قوى سياسية فاعلة تصنع القرار وسط إجراءات وتفاهمات بسيطة دون خلافات"، فإنّ رئيس كتلة امتداد النيابية المناهضة للقانون الانتخابي الجديد، حيدر السلامي، يؤكد أنّ "الأغلبية في الحركات الناشئة والمستقلين يرفضون التعديل ولا مجال للمفاوضات طالما أنّ هذا الاقتراح موجود".

التظاهرات تطوق المنطقة الخضراء

وما تزال تداعيات القانون مستمرة بعد إقراره داخل البرلمان، إذ شهدت الأطراف المحيطة بالمنطقة الخضراء التي تتواجد فيها مقرات حكومية، منها رئاسة الحكومة ومبنى البرلمان، بالإضافة إلى البعثات الأجنبية وسفارة الولايات المتحدة، وكذا مقر "الحشد الشعبي"، فضلاً عن منازل عدد من المسؤولين، تظاهرات للمطالبة بالتراجع عن قبول القانون الجديد، والعدول عن نتائج التصويت الخاص بـ"سانت ليغو".

وطالب المحتجون القادمون من بيئات ومحافظات عراقية مختلفة بـ"رفض القوانين غير المنصفة وغير العادلة التي تقف ضد توصيات المرجعية"، وحرضوا في بيان "سكان العاصمة بغداد إلى الالتحاق بركب المعتصمين". ووجهوا دعوة صريحة ومباشرة لمجلس النواب بإلغاء فقرة تعديل قانون مجالس المحافظات، بالإضافة إلى التهديد بإجراءات تصعيدية في حال لم تتم الاستجابة لمطالبهم.

يقول الناشط العراقي المدني والمستقل، محمد الطائي، إنّ بعضهم روج لفكرة مفادها أنّ عام 2019 كان فاصلاً ونهائياً في تاريخ العراق السياسي، وهو العام الذي شهد حراكاً ضد هيمنة "الإقطاعية السياسية الطائفية"، موضحاً لـ"حفريات" أنّ المحتجين عمدوا إلى نبذ الطبقة السياسية الحاكمة منذ ثلاثة عقود، لكنّ "الأحداث السياسية اليوم في الساحة العراقية تبرز حالة من الضعف والخلل في ميزان القوى بعد احتجاجات تشرين (أكتوبر) 2019. وأهم هذه الموازين الكاشفة هو قانون الانتخابات والنظام الذي يعتمده".

طالب المحتجون القادمون من بيئات ومحافظات عراقية مختلفة بـ"رفض القوانين غير المنصفة

فقانون الانتخابات، في العراق، رغم حداثة عهده، إلا أنّه يشهد تعديلات مع كل دورة انتخابية منذ انتخابات الجمعية الوطنية، عام 2005، وفق الطائي الذي يردف: "وحتى الانتخابات النيابية، في تشرين الأول (أكتوبر) 2021، التي أفرزت بعض النواب المستقلين، تجاوز عددهم 40 نائباً، قد حدثت بعدها صراعات سياسية وصلت ذروتها بين القوى السياسية، تحديداً بين التيار الصدري الداعي لحكومة "أغلبية وطنية"، من جهة، والإطار التنسيقي الذي ظل متمسكاً بمنهج المحاصصة الحزبية، من جهة أخرى".

المحاصصة السياسية والمصالح الفئوية

في ضوء ذلك، فإن إصرار قوى "الإطار التنسيقي" على تعديل قانون الانتخابات، وإعادته للصيغة المعتمدة، كما في دورة عام 2018، ما هو إلا "أسلوب براغماتي استخدمته القوى السياسية منذ تشكيل مجلس الحكم عام 2003، والذي كان اللبنة الأولى للتوافقية السياسية حسب تحاصص المناصب العليا بين الأحزاب والكتل الكبيرة التي عمدت إلى تشريع عدة تعديلات على قانون الانتخابات لأربع دورات متتالية". ويوضح الطائي أنّ "جميع هذه التعديلات تصب في تحقيق مكاسب انتخابية للقوى الكبيرة على حساب القوى الصغيرة الناشئة والشخصيات المستقلة. وهذا، بدوره، فرض المحاصصة السياسية على واقع العملية الديمقراطية التي وجدت نفسها، أو بالأحرى اصطدمت بأحكام العرف السياسي لا التشريعات الدستورية".

الناشط العراقي محمد الطائي لـ"حفريات": نظام سانت ليغو المعدل تسبب في نسف وتدمير العملية الديمقراطية، وساهم في تصدر وتسيّد شخصيات فاسدة لا تتمتع بالنزاهة والشفافية

ويضيف: "الخلل في ميزان القوى هو الذي جعل القوى السياسية في فوضى وصراع داخلي محموم، الأمر الذي كان أحد أهم عوامل الاحتجاج الشعبي في 2019، ومن ثم، فرض إرادته على الإرادة الحزبية التقليدية وطالب بتغيير القانون، وإنهاء حقبة نظام سانت ليغو المعدل المتسبب في نسف وتدمير العملية الديمقراطية، بل ساهم هذا النظام في تصدر وتسيّد شخصيات فاسدة لا تتمتع بالنزاهة والشفافية أو المرونة السياسية والقبول بقيم الديمقراطية. القانون الانتخابي يحظر مشاركة وتصويت من هم في الخارج، ويدعم ويؤيد مشاركة المنتسبين في الحشد الشعبي. وكل ذلك يسهل عملية تزوير الانتخابات كما في الدورات السابقة".

إصرار النواب المستقلين والقوى الصاعدة على قانون انتخابي مغاير، إنّما لضمان "التمثيل الحقيقي لإرداة الشعب، ويمثل طموحه بتحقيق انتخابات عادلة ضمن أطر العملية الديمقراطية"، وفق الناشط المدني المستقل، الذي انتقد في حديثه لـ"حفريات" الآلية "القمعية" التي واجه بها المجلس اعتراضات القوى المناهضة، حيث قام رئيس المجلس باستدعاء القوات الأمنية لإخراج النواب المستقلين بالقوة، وهو "خرق دستوري" واضح للنظام الداخلي لمجلس النواب من قبل رئيس المجلس. فيما انعكس هذا الأمر على الشارع العراقي الذي صعد من جانبه، ودخل في حراك شعبي لإعلان احتجاجه على المسار القائم، وقد بدأ توافد عناصر ومجموعات عديدة لساحات الإحتجاج منذ التصويت على القانون.




انشر مقالك

لإرسال مقال للنشر في حفريات اضغط هنا سياسة استقبال المساهمات
الصفحة الرئيسية