هل مَهد "طوفان الأقصى" الطريق لإحياء مشروع "الإخوان المسلمين"؟

هل مَهد "طوفان الأقصى" الطريق لإحياء مشروع "الإخوان المسلمين"؟

هل مَهد "طوفان الأقصى" الطريق لإحياء مشروع "الإخوان المسلمين"؟


09/01/2024

هل نفذت حركة "حماس" عملية "طوفان الأقصى" بتعليمات مباشرة من جماعة "الإخوان المسلمين"؟ وهل التقت قيادات كتائب "عز الدين القسام" بمسؤولين من التنظيم الدولي والحرس الثوري الإيراني في لندن وتركيا؟ وهل أهداف العملية المسلحة تتجاوز في حقيقتها الداخل الفلسطيني؟

ربما أسئلة نحتاج جميعاً إلى التعرف على مضامينها بعيداً من الطعن في دور المقاومة الفلسطينية، وأحقيتها المشروعة في تحرير الأراضي المغتصبة من قبل الجانب الإسرائيلي، أو التشكيك في ما تقدمه من أجل الحفاظ على مقدرات الشعب الفلسطيني.

العلاقة بين حركة "حماس" وجماعة الإخوان المسلمين شديدة الترابط على المستوى التاريخي والفكري، لما فيها من توافقات حول الأهداف الرئيسية المتعلقة بمحددات وتصورات العمل الحركي، ومصوّغات الانتماء التنظيمي، التي وضع محتواها حسن البنا وسيد قطب، وقامت عليها أبجديات مشروع الجماعات الأصولية في المنطقة العربية.

يفرض الولاء التنظيمي على قيادات حركة "حماس" عدم الانخراط في أي مسارات سياسية أو عسكرية، إلا بعد موافقة قيادات التنظيم الدولي لأبناء حسن البنا، لا سيما أن المادة الثانية من بنود ميثاق تأسيسها الصادر عام 1988، اعتبر أنها "جناح" من أجنحة "الإخوان المسلمين"، كما أن عملية فك ارتباطها مركزياً عن جماعة الإخوان في عام 2017، جاء بتعليمات تنظيمية، وفق الإجراءات التي اتخذتها الجماعة لحماية فروعها من التصنيف على قوائم الإرهاب في الأقطار المختلفة، وليس من قبيل التمرد التنظيمي أو الأيديولوجي.

تمتلك حركة "حماس" علاقات قوية مع الأطراف الإقليمية الداعمة لجماعة الإخوان، وفي مقدمتها إيران وأذرعها المسلحة في اليمن وسوريا والعراق ولبنان، ومن خلفهما روسيا التي تمثل ضامناً قوياً للتحركات الإيرانية في المنطقة العربية، فضلاً عن علاقتها بأنظمة إقليمية، ما يعني أنها حلقة اتصال في الدوائر السياسية القريبة من المصالح الإخوانية.

تمثل القضية الفلسطينية أحد أهم المرتكزات التي تعتمد عليها جماعة الإخوان للتأثير في الرأي العام العربي، والترويج لأدبياتها الفكرية، وطرح مشروعها كمدافع عن المقدسات الإسلامية والحامي الأول عن الشريعة، فضلاً عن توظيفها كغطاء في تجهيز المعسكرات المسلحة التي تستثمرها بما يحقق أهدافها، لا سيما في ظل "وثيقة التنظيم الدولي" التي نشرتها "النهار العربي" في نيسان (أبريل) 2021، وطالبت القائمين على المشروع الإخواني في المغرب، بتكليف مباشر من المرشد العام حينها، بضرورة تشكيل "جناح مسلح"، والاتصال بإخوانهم المسؤولين عن "معسكرات الجهاديين" في غزة وأفغانستان، من أجل تدريبهم على المواجهة المسلحة.

حركة "حماس" امتداد صريح للجناح المسلح الذي أسسه حسن البنا في أربعينات القرن الماضي، تحت مسمى "النظام الخاص"، ومن ثم تتمتع بشراكة استثمارية مع مؤسسات التنظيم الدولي في الدول الغربية، لا سيما لندن التي فيها عدد من المقار الناشطة مثل "كريكل وود برودواي"، و"كراون هاوس"، و"زبنكيل هاوس"، وتعتبر مساراً لجمع الأموال من الجاليات العربية والإسلامية في الغرب.

ويعمل الخطاب الإخواني بشقيه الفكري والإعلامي على السوشيال ميديا، منذ عملية "طوفان الأقصى"، على محاولة حشد النخب الشعبوية ضد النظم السياسية العربية، مع شرعنة العمل المسلح للجهاد في الداخل الغزاوي، في إطار استغلال مشاعر التعاطف المجتمعي مع مواطني "قطاع غزة"، جراء حرب الإبادة التي ينفذها جيش الاحتلال الصهيوني في حق الأطفال والمدنيين.

وتعتبر جماعة الإخوان المستفيد الأساسي من التهديدات التي تلاحق الدولة المصرية، في ظل محاصرة حدودها شرقاً وغرباً وجنوباً بطوق من الصراعات الأهلية المشتعلة والمعقدة، ومحاولة إظهار ضعف وعجز نظامها السياسي أمام تحديات الأمن القومي، بما يضمن تحقيق الأهداف المرحلية للتنظيم البناوي، في النيل من الدولة المصرية ومؤسساتها، وسعيه في العودة للمشهد السياسي والاجتماعي مرة أخرى، لا سيما بعد فشل مشروعه التخريبي على مدار ثماني سنوات متصلة.

قراءات وتحليلات قبيل عملية "طوفان الأقصى"، بشرت بتغييرات جذرية في محاور الشرق الأوسط بناءً على تسريبات معلوماتية حول أحداث كبرى يتم الترتيب لها، يصاحبها صعود وهبوط سياسي واقتصادي للأنظمة الحاكمة، ما بين عامي 2024 و2025، بينما ذهب بعضها إلى عقد لقاءات جمعت بين شركاء من حركة حماس، والحرس الثوري وجماعة الإخوان، في المدن البريطانية والتركية، دون توضيح أسبابها ومقاصدها الحقيقية.

رغم أن عملية "طوفان الأقصى"، منحت القضية الفلسطينية قبلة الحياة في عقل ووعي المجتمعات العربية والغربية بمختلف تنوعاتها وتوافقاتها، فإنها كذلك منحت حركة "حماس" المزيد من الشرعية السياسية والشعبية والدينية، وبالتبعية جماعة "الإخوان المسلمين" الممثل الرسمي لدوائر الإسلام السياسي، والحاضنة الفكرية والتنظيمية لكتائب "عز الدين القسام". 

استثمار جماعة الإخوان المسلمين للمشاهد الأخيرة في أحداث غزة، من أجل غسل سمعتها ومحو سقوطها السياسي، وإعادة تمركزها وإحياء مشروعها في عمق المنطقة العربية، يمهد لفكرة مشاركتها جزئياً أو كلياً في صناعة وتجهيز الحدث في إطار دورها الوظيفي المنوط بها تاريخياً.

لا يمكن تغييب ممثلي الإسلام السياسي عن حلبة الصراع القائم في عمق الشرق الأوسط، لما لهم من دور فاعل في تمرير الأجندات والسيناريوهات التقسيمية، في ظل محاولة توسيع دائرة الصراع حالياً، وممارسة المزيد من الضغوط المتبادلة، في إطار متغيرات جيوسياسية واستراتيجية، تعمل على بناء تحالفات سياسية واقتصادية جديدة، ومن ثم تعتبر جماعة الإخوان لاعباً أساسياً وليس هامشياً في ما يتم تنفيذه في الداخل الغزاوي، وفي ما يتعلق بتهديدات الدولة المصرية، والمستقبل السياسي للمنطقة العربية.

عن "النهار العربي"




انشر مقالك

لإرسال مقال للنشر في حفريات اضغط هنا سياسة استقبال المساهمات
الصفحة الرئيسية