هل من جديد في القمة العربية القادمة؟

هل من جديد في القمة العربية القادمة؟

هل من جديد في القمة العربية القادمة؟


18/05/2023

ربما ليس من المبالغة القول إنّ القمم العربية لا تحظى باهتمام في أوساط الرأي العام العربي؛ لأسباب مرتبطة بانشغالات هذا الرأي العام بقضايا مرتبطة بضغوطات المعيشة، في ظل أزمات اقتصادية تتفاقم يوماً بعد يوم في عدد من الدول العربية، لا سيّما بعد جائحة كورونا وأزمة أوكرانيا وتداعياتها، وخاصة في ملفي الطاقة والغذاء، ينضاف إلى ذلك "الفشل التاريخي" في قدرة مؤتمرات القمم العربية على حلّ الخلافات العربية-العربية، وهو ما أنتج سردية بأنّه رغم ما تقدمه صور الزعماء العرب في هذه القمم مكللة بابتسامات عريضة للقادة العرب، إلّا أنّ حجم الخلافات أعمق وأوسع، ولم تُحلّ يوماً عبر مؤتمرات قمم تستمر يوماً أو يومين، وأصبحت تكرر مقاربة في وصف القمم العربية بأنّها مجرد "خطابات وأقوال مفعمة بالأمل والمصالحات، والتبشير بغدٍ أجمل، تقابلها أفعال لا علاقة لها بما قيل".

تاريخياً وعبر القمم العربية كان مكان انعقاد مؤتمر القمة، وسياقات انعقاده، يلقي بظلاله على المداولات التي تسبق أيّ قمة وتنعكس بالضرورة على بيانها الختامي

تاريخياً وعبر القمم العربية، كان مكان انعقاد مؤتمر القمة، وسياقات انعقاده، يلقي بظلاله على المداولات التي تسبق أيّ قمة، وتنعكس بالضرورة على بيانها الختامي، فهذه القمة تنعقد في المملكة العربية السعودية، بشكلها ومضمونها الجديد، بوصفها دولة إقليمية تمارس أدواراً جديدة في ظل تحولات عميقة في علاقاتها الإقليمية والدولية، لا سيّما علاقاتها مع الفاعلين الدوليين "أمريكا وأوروبا، وروسيا والصين" بالإضافة إلى علاقاتها العربية التي يتم إعادة بنائها تحت عنوان "تصفير المشاكل"، وهو ما ظهر بمقاربات جديدة في العلاقة مع سوريا وإعادتها إلى الجامعة العربية، والشروع في "حلحلة" ملف اليمن، ودور فاعل ومؤثر في الأزمة السودانية، عبر مبادرة مصالحة بين طرفي النزاع السوداني، تم إنجازها بالشراكة مع أمريكا.

وعلى أهمية الملفات السياسية التي ستُطرح في القمة تجاه الأزمات العربية بعناوينها القديمة والمستجدة، كالقضية الفلسطينية وسوريا واليمن وليبيا وغيرها من القضايا، إلّا أنّ المرجح أن تتضمن هذه القمة طرح ملفات جديدة حول الأمن الغذائي والمائي والأمن الطاقوي، وهي ملفات تحظى باهتمامات كثير من قطاعات الرأي العام العربي، فقد أكد وزير المالية السعودي في الاجتماعات الوزارية التحضيرية للقمة أنّ المملكة ستقدم (10) مليارات دولار كحزمة دعم مالي لمساعدة الدول العربية على مواجهة مخلفات الأزمة العالمية، وفي إطار ترجمة لمقاربات حول التكامل الاقتصادي بين الدول العربية، وتطوير نماذج اقتصادية ومالية مستدامة تُسهم في رفع مستويات المرونة في مواجهة جميع التحديات والمخاطر.

هذه القمة تنعقد في السعودية، بشكلها ومضمونها الجديد، بوصفها دولة إقليمية تمارس أدواراً جديدة في ظل تحولات عميقة في علاقاتها الإقليمية والدولية

إيلاء أهمية للملفات الاقتصادية بعناوينها المختلفة، وبما ينعكس في ملموسية لدى المواطن العربي بـ "حلحلة" ومعالجات لأزماته الاقتصادية، سيكون المعيار الأبرز في الدول العربية لتقييم هذه القمة، والحديث عن أرقام نمو ومبالغ مالية بالمليارات لدعم اقتصاديات الدول العربية، لا سيّما تلك التي تعاني اقتصادياً أكثر من غيرها، تحول عوامل الثقة خالية الدسم من التعاطي معها بإيجابية، في ظل سلسلة طويلة من قرارات قمم عربية سابقة أعلنت مثل تلك المخصصات، وهو ما يجب أن يتنبه له مسؤولو الإعلام الرسمي العربي في الترويج لنتائج هذه القمة؛ فالمواطن العربي لم يعد يتابع أخبار القمة وتفاصيلها وفقاً لما يراد له أن يراه أو يسمعه أو يقرأه؛ فالتحولات التكنولوجية وما قدّمته من تطبيقات، ورغم كل ما يمكن أن يقال عن حروب التضليل، إلّا أنّ الرأي العربي أصبح على سوية تمكنه من التمييز بين الحقيقية والخيال وبين الصدق والكذب، ولن يصدّق إلّا ما يراه بعينيه ويلمسه بيديه.

قمة جدة ستترجم جملة من العناوين التي تؤشر إلى حجم التحولات والتغيرات التي تشهدها المنطقة، بما فيها مكان انعقاد القمة، وتداعيات اتفاق المصالحة السعودية-الإيرانية على المنطقة والإقليم

عودة سوريا إلى الجامعة العربية ستكون أبرز العناوين السياسية، وهو عنوان -برأيي-  ينبغي عدم التركيز عليه بمستواه الشكلي؛ فالصومال وليبيا ولبنان واليمن لم تنقطع عن القمم العربية، ودمشق عادت إلى الفضاء العربي قبل انعقاد هذه القمة، ويبدو أنّ هذه العودة ستبقى شكلية، ما لم تتمّ ترجمتها عبر قرارات قابلة للتطبيق حول مستقبل سوريا، وما يطلبه الأشقاء والجوار العربي من تغيير مطلوب من قبل دمشق، داخلياً وإقليمياً ودولياً، فالالتزام العربي يفرض على كل الحكومات العربية التزامات محددة، دون المساس بخياراتها وكيفية بناء علاقاتها مع الدول الأخرى، وكما تقدّم العرب خطوات تجاه دمشق، مطلوب من دمشق أن تتقدم بخطوات مقابلة تجاه العرب، ولا ننسى أنّ هذه العودة تقابل بمعارضة ورفض من قبل أمريكا وكثير من الدول الأوروبية.

عودة سوريا إلى الجامعة العربية ستكون أبرز العناوين السياسية

 قمة جدة ستترجم جملة من العناوين التي تؤشر إلى حجم التحولات والتغيرات التي تشهدها المنطقة، بما فيها مكان انعقاد القمة، وتداعيات اتفاق المصالحة السعودية-الإيرانية على المنطقة والإقليم، وستكون الترجمة الأوضح في تحولات مقاربة تصفير المشكلات التي تنتهجها السعودية، والحضور المأمول للملف الاقتصادي، وفقاً لصيغ جديدة، بقيادة المملكة العربية السعودية وبقية دول مجلس التعاون الخليجي، وبما يترجم الأخوّة العربية، بعيداً عن الشعارات التي لم تعد تحرك ساكناً عند المواطن العربي، المشدود لهمومه، وبعيداً عن سياسات المحاور والاصطفافات التي أصبحت أقلّ تأثيراً في الجسم العربي.

مواضيع ذات صلة:

هل يحضر الأسد القمة العربية في الرياض؟ قرار جديد للسعودية بهذا الشأن

القمة العالمية للحكومات 2023.. انطلاق قصة نجاح إماراتية جديدة



انشر مقالك

لإرسال مقال للنشر في حفريات اضغط هنا سياسة استقبال المساهمات
الصفحة الرئيسية