هل قال الجزائريون في التعديلات الدستورية: "لا" للإسلام السياسي؟

هل قال الجزائريون في التعديلات الدستورية: "لا" للإسلام السياسي؟


15/11/2020

للمرة الثانية؛ وفي أقلّ من عام، تمّ استدعاء الجزائريين، في الأول من الشهر الجاري، للتعبير عن آرائهم حول الطريقة التي ينبغي أن تُدار بها البلاد، بعد حراك ثوري آل إلى إسقاط الرئيس السابق، عبد العزيز بوتفليقة، وانتخاب عبد المجيد تبون رئيساً للجزائر، بعد عقود من الجمود السياسي، لم يستطع إلّا الحراك الجماهيري إسالته.

استقبل الشارع السياسي الجزائري الحديث الذي استبق هذه التعديلات، بكثير من الرّيبة تارة، وبالأمل المعلّق على أيّ ثمار يجنيها الشعب مقابل حراك سلميّ استمرّ عدّة أشهر تارة أخرى، ومرّت التعديلات بموافقة الأغلبية المشاركة.

هل يبدأ الإصلاح من الدستور؟

اتّخذت الحكومة الجزائرية قرار التعديلات الدستورية، والتصويت عليها من قبل الشارع الجزائري، كمحاولة لتلبية مطالب المحتجين، المتواجدين في الشارع منذ شباط (فبراير) 2019؛ حيث سمح هذا الاستفتاء بالتصويت على مجموعة من التعديلات، لإعادة هيكلة شكل نظام الحكم القديم، القائم منذ العشريّة السوداء، والذي تصالح مع التيارات الإسلامية التي شنّت حرباً ضدّ الشعب الجزائريّ، قُتل فيها ما يزيد عن ربع مليون مواطن.

استقبل الشارع السياسي الجزائري الحديث الذي استبق هذه التعديلات، بكثير من الرّيبة تارة، وبالأمل تارة أخرى

ووفق الأرقام الرسمية للحكومة؛ فقد شارك في التصويت 23.7% فقط من إجمالي أكثر من 24 مليون ناخب، أمّا الذين وافقوا على التغييرات فقد بلغت نسبتهم 66.8% من الأصوات؛ حيث مثّلت المشاركة الضعيفة صدمة للنظام السياسي، الذي كان آملاً بمشاركة أكبر حجماً، ولم يستطع الإعلام الجزائري الاحتفاء بالحدث وتقديمه كعرس ديمقراطي للدولة التي تختار مصيرها، للمرة الثانية منذ زمن بعيد.

كان الحشد الشعبي في الحراك، أكبر ممّا تخيلت الطبقة الحاكمة، وكانت المشاركة في الاقتراع أقلّ بكثير مما طمحت إليه، وأغلبهم كانوا من مؤيدي النظام السابق

وتزامن توقيت الاقتراع على الاستفتاء مع ذكرى اندلاع ثورة التحرير، عام 1954، لكن يرى المحلّل السياسي الفرنسي، المتخصص في شؤون شمال أفريقيا، فرانسيسكو سيرانو، في مقاله على مجلة "التايم"؛ أنّ استقلال الجزائر، كان حدثاً مهيباً، لكنّه آل في النهاية إلى خيبة أمل مريرة؛ حيث قامت مجموعة من مسؤولي الجيش، وعملاء الأجهزة السريّة، بإدارة ثروات الجزائر الهائلة، دون مساءلة شعبية، أو رقابة مؤسساتيّة، وهو ما يدركه الجزائريون جيداً؛ لذلك كان الحشد الشعبي في الحراك، أكبر ممّا تخيلت الطبقة الحاكمة، وكانت المشاركة في الاقتراع أقلّ بكثير مما طمحت إليه الطبقة الحاكمة، وأغلبهم كانوا من مؤيدي النظام السابق.

اقرأ أيضاً: المناخ السياسي في الجزائر الآن: أفق غامض والكثير من الضبابية

وكرسّت الدولة الجزائرية كلّ مواردها الإعلامية للترويج لهذا الاستفتاء، إذ عمِل المسؤولون الحكوميون بجدّية،  لحشد الناس إلى التصويت بـ "نعم"، ونشرت وكالة الأنباء الوطنية مقالات كثيرة تدعم التصويت بنعم، كما وصف الوزراء والجهات العليا للدولة، في خطاباتها إلى الجماهير، التغييرات الدستورية بأنّها "البناء الديمقراطي للجزائر"، وخطوة "لمنح المواطنين ثقة في السلطات"، ووسيلة "لتأمين نضالات الجزائريين وإنجازاتهم"، أمّا وزير الدولة للشؤون الدينية، يوسف بلمهدي؛ فقد صرّح بأنّ المشاركة في الاستفتاء هي اقتداء بالنبي محمد ﷺ.

مكتسبات حقيقيّة للحراك

نظرياً؛ تساعد التغييرات الدستوريّة، بالفعل، في تحسين قوانين البلاد، وبحسب تصريحه لراديو الجزائر، في اليوم الثاني للاستفتاء، يؤكّد المحلّل السياسي الجزائري، مصطفى هدّام؛ أنّ هذا الحدث يشير إلى تغيير حقيقي في منظومة الحكم، رغم كلّ الاعتراضات التي تبديها بعض الفصائل السياسيّة، فإنّ هناك مكتسبات حقيقية يجب أن يلتفت إليها الشارع السياسي؛ إذ تشمل هذه التعديلات تعهّدات لصالح حرية التعبير وحرية التجمع، كما أنّها تحدّ من عدد فترات الرئاسة، وتنصّ على أنّ رئيس وزراء البلاد يجب أن يأتي من أغلبية برلمانية وليس من التعيين الرئاسيّ (رغم أنّ الرّئيس سيحتفظ بسلطته لإقالة رئيس الوزراء)، والأهمّ من ذلك؛ أنّها تعطي إشارات بأنّ الحياة السياسيّة في الجزائر ما تزال تعمل وبخير، بعد عقود طويلة، من الجمود والتصحُّر.

كرسّت الدولة الجزائرية كلّ مواردها الإعلامية للترويج لهذا الاستفتاء

لكنّ المعلم الأبرز في هذا الاقتراع الأصوات المندّدة بالتعديلات من بين صفوف الإسلاميين، وجبهة أخرى تندّد بالتعديلات التي تتمّ على وضع الجيش الجزائري، والتي يراها الباحث المتخصص في شؤون شمال أفريقيا، ومدير تحرير مجلة السياسة الدولية، الدكتور أبو الفضل الإسناوي، "لا تغيّر وضع الجيش في شيء، فالأمر ناتج عن التغيّرات التي تشهدها الدولة الجزائرية مؤخراً؛ حيثُ كان الجيش الجزائري فيما يتعلّق بالدستور القديم، لا يخرج خارج حدود الدولة".

د. أبو الفضل الإسناوي لـ"حفريات": ما يشكّل الاعتراض على التعديلات، هو شكل النظام السياسي في الدّستور الجديد، الإسلاميون يرفضون التعديلات لأنها جعلتهم خارج الدولة تماماً

 وبالتالي؛ "كان من المسلَّم به، أنّ الجيش مخصّص لحماية الأرض، داخل الجغرافيا الجزائرية، الدستور الآن يسمح لخروج الجيش في كلّ ما يهدّد الدولة، وأراه المغزى نفسه، لكنّ التحوّل حدث في فكرة السماح خارج الحدود، مثلما حدث في حرب اليمن، رفضت الجزائر بشكل قاطع التدخّل بناءً على نصّ دستوري، الآن رُبما هذه المادة تغيّر من شكل التحالفات الجزائرية العربية، هذا فقط ما حدث من تغيّر خاص بالجيش، وهو مفهوم، نتيجة ما تعرّض له الأمن الداخلي للبلاد من توتر جرّاء ما يحدث في ليبيا ودول الساحل والصحراء.

قطع الطريق على الإسلاميين

من أهمّ بنود دعايات عبد المجيد تبون خلال حملة ترشّحه للرئاسة، الحديث عن تعديلات دستورية، بما يتوافق مع التحوّلات التي طرأت على الدولة الجزائرية، وهو ما أعلنه مسبقاً، وينفذه حالياً. ويقول الإسناوي، في تصريح لـ "حفريات": "ربّما ما يشكّل الاعتراض على التعديلات، هو شكل النظام السياسي في الدّستور الجديد،  فما أعلنه تبون كان حول تغيير شكل النظام السياسي، الآن النظام السياسيّ هو نظام رئاسيّ، بالتالي؛ السّلطة المخصصة للرئيس هي الأعلى في البلاد، وعليه؛ فإنّ النظام كما هو لم يطرأ عليه أيّ تغيير، ومن هنا نستطيع أن نلخّص أسباب الاعتراض في محورين، الأول: اعتراض تيارات كبيرة من أبناء الحراك على انتخاب الرئيس نفسه، بالتالي؛ جزء من هذا الاعتراض يأتي منذ عام 2019، الثاني: اعتراض أبناء التيار الإسلامي، والمبنيّ على استبعادهم من المشاركة في السلطة، بعد استبعاد طال أمده؛ حيث يطمح الإسلاميّون في كلّ مكان وزمان لأن يصبحوا شركاء سياسيين في الأنظمة التي تتعاقب عليهم".

ويضرب الإسناوي مثلاً؛ "فيما يتعلّق بفكرة التنافس مع بوتفليقة، حيث كان تيار الإسلام السياسي أول من أقرّ فكرة التشارك مع بوتفليقة، وكانوا داعمين لتمديد فتراته الرئاسية، وعندما شعروا بخطر التيار المدني في الشارع، كانوا أوّل من وقف في صفوف الجماهير.

اقرأ أيضاً: الجزائر: مقاطعة الاستفتاء نكسة لاذعة لـ "النظام"

والآن؛ الإسلاميون يرفضون ما يتعلّق بالتعديلات الدستورية؛ حيث أعلنت مجموعة الأحزاب الأربعة المشاركة في السلطة، رفضها الكامل للتعديلات، وتحاول حشد الجماهير للتصويت بـ "لا"؛ حيث يتطلّع الإسلاميون، إلى الاستحواذ على جزء كبير من العملية السياسية المقبلة؛ إذ يحرم استمرار النظام السياسيّ، كما هو يحرم الإسلاميين من التواجد داخل النظام السياسي، وهو أمر صادم بالنسبة إليهم؛ حيث كان إسلاميو الجزائر جزءاً رئيساً من تحالفات السلطة، قبل عام 2011، ثمّ كانوا جزءاً من الحكومات، ومنذ عام 2011 حتى تاريخنا، الإسلاميون خارج الدولة تماماً، ولا تريد الدولة أيّة مشاركة منهم في العملية السياسية، بالتالي؛ سيظلّون رافضين لهذه التعديلات".

الصفحة الرئيسية