هل فشلت الأغنية السودانية حقاً من اختراق الأذن العربية؟

هل فشلت الأغنية السودانية حقاً من اختراق الأذن العربية؟
السودان

هل فشلت الأغنية السودانية حقاً من اختراق الأذن العربية؟


30/09/2018

في منتصف آذار (مارس) العام 2017، استضاف برنامج "كلام في الفن" على (قناة العربية) المُطربة السودانية "نانسي عجاج"، وفي مقدمة الحلقة قال المذيع "يذهب "كلام في الفن" في هذه الحلقة صوب إفريقيا لتذوق طعم تلاوينها وألحانها الخُماسيِّة التي ميزت الموسيقى السودانية عن غيرها من الأعمال الطربيِّة العربيِّة، خاصةَ مصر الساكنة على حدودها".

وفي ختام البرنامج نفسه، سأل المذيع المطربة السودانية، عما إذا كانت لديها رسالة لتوجهها للمشاهدين والمستمعين العرب، فترددت وتلعثمت كثيراً، حتى أن المذيع قال لها: "يبدو أنه ليس لديك ما تقولينه لهم، فأجابت: "لا لا، مُش كِده، أقول لهم: إنّ الموسيقى السودانية، متنوعة جداً، وأتمنى عليهم أن ينضموا إلينا ويسمعوا غناءنا".

اقرأ أيضاً: جون قرنق.. قربان جنوب السودان لم يمنع الخراب

ليس منذ ذلك البرنامج فحسب؛ بل وقبله بعقودٍ كثيرة، لم ينجح أي من السودانيين ممن ظلوا يدعون (الأشقاء العرب) بإلحاح إلى (تشنيف) آذانهم بالغناء السوداني المُغنى بـ(العربية) في مسعاه (الحميد) هذا؛ وظلت الأغنية السودانية المكتوبة بالعربية رهينة المحبسين (السلم الخماسي والدارجة السودانية). 

المُطربة السودانية نانسي عجاج

حساسية مفرطة

يقول الباحث في الموسيقى السودانية التقليدية، إبراهيم رحمة الله: "بالنسبة لي، لم أفكر في هذا الأمر بالطريقة التي تطرحها، فالأمر ليس اختلافاً في السلم الموسيقي بين خماسي وسباعي، ولا في اللغة العربية المحلية الخاصة بالسودانيين، بل أبسط من ذلك كثيراً، ويمكنني أن أوجزه في السؤال التالي: هل يعرف السودانيون الغناء التونسي والموريتاني والعماني والبحريني والأردني والفلسطيني والعراقي؟ الإجابة بالقطع لا. إذاً لماذا؟ وهل يشعر هؤلاء بأن عدم معرفة السودانيين بغنائهم فيها انتقاص من شأنه أو شأنهم؟ أيضاً الإجابة لا؟".

يرى كثيرون أن السلم الخماسي واللهجة السودانية يمثلان المحبسين اللذين يحولان دون اختراق الأذن العربية

ويؤكد رحمة الله، في حديثه لـ "حفريات" أنّ عدم معرفة منسوبي الدول العربية الأخرى بالغناء السوداني، أمر طبيعي ومفهوم؛ فالسودان يعتبر "هامشاً ثقافياً وإعلامياً" بالنسبة للمركز الذي ظل عقوداً طويلة ممثلاً في مصر ولبنان؛ فكل المطربين العرب الذين ذاع صيتهم انطلقوا منهما، خاصة مصر، حتى التونسيون والجزائريون والخليجيون، "من أين بدأت شهرة وردة الجزائرية، ولطيفة التونسية ومحمد عبده السعودي، وصباح اللبنانية؟ هكذا يُفسر الأمر، لا أكثر لا أقل". 

بالنسبة لنا كسودانيين، يتابع رحمة الله، في الغالب نتلقى الثقافة أكثر مما ننتجها، ولكن عندما ننتج ما يستحق فإنه يجد احتفاءً كبيراً عند العرب وغيرهم، ولك في الطيب صالح ومحمد الفيتوري أنموذجان ساطعان؛ وشهرتهما أيضاً بدأت في مصر (المركز).

 

 

ثم إننا، كما يقول، رحمة الله، من ناحية أخرى، قوم مهاجرون في طلب الرزق، وموجودون في كل دولة؛ فالسوداني المُقيم في السعودية والخليج وبحكم إقامته هناك، يتعرف على المطربين السعوديين، وقس على ذلك. أما هم فلا مُغريات لدينا تجعلهم يختارون الإقامة في بلدنا، ومن جاء منهم في الأعوام الأخيرة نتيجة للحرب، كالأخوة السوريين، صاروا يعرفون عن الغناء السوداني والتراث الشعبي، بل وتزوج بعضهم/ بعضهن بسودانيات وسودانيين، لكننا للأسف لدينا حساسية مُفرطة، لا تجعلنا نرى الأمور كما هي.

 

مفهوم قاسٍ 

من جهته يرى الصحافي المهتم بالغناء السوداني، يوسف حَمَد أنه "بالنسبة لي فإن مفهوم الانتشار نفسه مفهوم قاسٍ في استخدامه هنا، حيث يشير إلى أن الأذن العربية ترفض استهلاك الأغنيات السودانية بما يشبه الإهمال والعياف، وقد تدفع المُعلق السوداني المنحاز إلى موقف وسلوك تعويضي يشير من خلاله إلى أن الأغنية السودانية تنتشر بشكل أفقي عبر الحزام الأفريقي من جيبوتي حتى السنغال".

اقرأ أيضاً: لهذه الأسباب تنتشر ظاهرة تبييض البشرة بين السودانيات

ويضيف حمد في حديثه لـ "حفريات":" "على أية حال سأجازف بالقول: إن الموسيقى العربية شديدة التأثر بالموسيقى التركية وموسيقى منطقة القوقاز بشكل عام، من واقع تقارب الأقاليم الثقافية، وإذا جاز لنا عقد المقارنة فإننا سنقفز إلى معرفة الفارق بين قوة الموسيقى في الشمال الغربي وقوتها وجاذبيتها مقارنة بالمقامات الموسيقية السودانية".

المطرب السوداني محمد وردي

الوجدان الأفريقي

من جهتها ترى خبيرة الإيقاعات الشعبية والموسيقى المحلية، سَحر السُنِّي، في حديثها لـ"حفريات"، أنّ روح الغناء السوداني موغلة في أفريقيتها وإن كانت كلماتها عربية، فإن ذلك لا يكفي، مضيفة: لا يمكن فرضها على آخرين بأذواق مختلفة بحجة (عروبة) كلماتها، مشيرةً إلى أن جل السودانيين والسودانيات لا يتذوقون الأغنية العربية أيضاً ولا يأبهون بها، فهي لا تعبر عنهم كما أغانيهم وموسيقاهم وألحانهم، وهذا أمر إنساني طبيعي.

رحمة الله: عدم معرفة منسوبي الدول العربية الأخرى بالغناء السوداني أمر طبيعي ومفهوم

لكنها عادت لتؤكد على إنسانية الغناء وكونيته، بحسب تعبيرها، وأشارت إلى أن أغنيات سودانية كثيرة وجدت رواجاً كبيراً في الأوساط العربية دون أن تُغير من هُويتها الموسيقية إلى السُباعي ولا من هويتها اللغوية إلى محكية مصرّية أو خليجية مثلاً، ورغم ذلك ما يزال كثيرون، كما تقول، من الأشقاء العرب يعرفون "المامبو السوداني" وسيد خليفة، وأحمد المصطفى، وشرحبيل أحمد، ونانسي عجاج وجواهر وغيرهم، حتى لو كان ذلك في نطاق ضيق بسبب ضعفنا في الترويج إعلامياً لمنتجاتنا في هذا الحيزِّ الجغرافي والديمغرافي العربي.

 

 

وأضافت: أما بالنسبة لإفريقيا فإيقاعاتنا وموسيقانا الخماسية وحدهما كفلا انتشاراً واسعاً لأغنيتنا من شرق إفريقيا (إرتيريا، إثيوبيا، الصومال) إلى غربها حيث تشاد والكاميرون ونيجيريا وغيرها، وهذا ما أسميته بالروح، فالغناء ليس كلمات – بالمناسبة – إنما هو إيقاعات وموسيقى، الكلمات مكملة للغناء وليس مركزه، وإلا كيف يغني الأثيوبيون أغاني محمد وردي المكتوبة بالعربية مثلاً، وهم لا يتحدثون العربية، إنها الروح الواحدة، أو قل الثقافة الواحدة.

اقرأ أيضاً: محمد المهدي المجذوب.. جنون شاعر وزهد صوفيّ

وأشارت سحر السُنِّي إلى أن جل المثقفين السودانيين، بمن فيهم الفنانون، ظلوا ولا يزالون يرددون ذات المبرر الفطير، على حد تعبيرها، فيعزون دائماً وباستمرار ضعف انتشار الغناء السوداني عربياً إلى السلم الخماسي واللهجة السودانية المحلية، وإنهما يمثلان المحبسين اللذين يعيقان قدرتنا على اختراق الأذن العربية، "لكن في الواقع لا هذا ولا ذاك، وإنما هي الروح، الثقافة، النَّفسْ، هو الوجدان الأفريقي ما يجعل غناءنا ينتشر في إفريقيا وينحسر بين العرب".


آخر الأخبار

الصفحة الرئيسية