هل تُفلح سياسة العصا والجزرة الغربية مع تركيا؟

هل تُفلح سياسة العصا والجزرة الغربية مع تركيا؟

هل تُفلح سياسة العصا والجزرة الغربية مع تركيا؟


10/07/2023

ترجمة: محمد الدخاخني

بعد جولتي الأوروبيّة الأخيرة، ها أنا أعود إلى الولايات المتّحدة، وأستعدّ للاحتفال بـ«عيد الاستقلال» مع عائلتي. ومع انتشار التّلويح بالعلم الأمريكيّ هذا الأسبوع، من الصّعب ألّا نرى إلى أيّ مدى يقدّر قادة الولايات المتّحدة استقلالهم بينما يرون في الصّفة نفسها شيئاً إشكاليّاً بشكل عميق عند حلفاء رئيسين.

لنأخذ تركيا على سبيل المثال، التي منذ أن شنّت موسكو غزواً كُليّاً على أوكرانيا في شباط (فبراير) 2022، سارت بذكاء على حبل دبلوماسيّ مشدود بين القوّتين المتقاتلتين.

أرسلت أنقرة طائرات مسيّرة من طراز «بيرقدار» وإمدادات عسكريّة أخرى إلى أوكرانيا، حيث تبني، أيضاً، منشأة لإنتاج الطّائرات المسيّرة. في غضون ذلك، استمرّت تركيا في الاعتماد على إمدادات الطّاقة الرّوسيّة، وزادت التّجارة مع روسيا بأكثر من تسعين في المائة، وفقاً لـ«ذي أتلنتك كاونسل». وفي الصّيف الماضي، قادت تركيا مفاوضات بشأن صفقة حبوب مشتركة - والتي تُهدّد روسيا بإنهاء صلاحيتها في وقت لاحق من هذا الشّهر.

وكانت آخر الأخبار المثيرة للحنق تقريراً نشرته «وول ستريت جورنال» وكشف عن أنّ سفناً روسيّة فُرِضَت عليها عقوبات في العام الماضي توقّفت أكثر من مائة مرّة في موانئ تركيّة. وقد تواصل التوقّف في الموانئ التّركيّة في الأسابيع الأخيرة، على الرّغم من احتمال نقل السّفن لبضائع عسكريّة. والعديد من هذه السّفن مملوك لشركات روسيّة مرتبطة بشحنات أسلحة سابقة، وبعضها توقّف في ميناء إيراني سبق أن نقلت منه سفنٌ روسيةٌ طائرات مسيّرة من طراز «شاهد».

وفي الوقت نفسه، تجاوز حجم التجارة السّنويّة بين تركيا وروسيا الآن ستين مليار دولار، ممّا يوضّح كيف مكّنت أنقرة، جزئيّاً، موسكو من النّجاة اقتصاديّاً. ومع ذلك، حقّقت تجارة روسيا مع حليفة أخرى للولايات المتّحدة، اليونان، قفزةً أكبر - حيث زادت بنسبة مائة وأربعة في المائة.

وماذا عن الهند؟

علاوة على ذلك، تعتبر الهند إلى حدّ بعيد الدّولة الرّائدة عالميّاً في هذا الصّدد: فقد ارتفعت تجارتها مع روسيا بنحو مائتين وخمسين في المائة. ولهذا، لِمَا يحصل رئيس الوزراء الهندي، ناريندرا مودي، على مأدبة عشاء رسميّة بينما يُعامل الرّئيس التّركيّ، رجب طيب أردوغان، ببرود؟

الرئيس الروسي فلاديمير بوتين والرئيس التركي رجب طيب أردوغان في افتتاح خط أنابيب ترك ستريم في يناير 2020

على الأرجح لأنّ التّحالف مع الهند يُعدّ شكلاً مُجدياً من المقاومة للصّين الصّاعدة - وقد أنهت الحكومتان للتّوّ صفقات تكنولوجيّة ودفاعيّة كبرى. حُدّدت العلاقات التّركيّة الأمريكيّة، منذ انضمام تركيا إلى «حلف شمال الأطلسيّ» عام 1952، إلى حدّ كبير من خلال الدّفاع، وذلك بفضل مراقبة أنقرة للجناح الجنوبيّ الشّرقيّ للحلف وحفاظها على ثاني أكبر جيش فيه.

إذا تبيّن أن تركيا، بعد شراء أنظمة دفاع صاروخيّ روسيّة الصّنع في عام 2018، تسمح بنقل بضائع روسيّة خاضعة للعقوبات، على النحو الذي قد يفي بتعريف تقديم المساعدة القاتلة، فسيكون لدى «حلف شمال الأطلسيّ» وواشنطن سبب وجيه للشّعور بالانزعاج قليلاً. يمكنهم فقط الإشارة إلى مقال كتبه، مؤخراً، السّفير التّركيّ لدى الحلف، باسات أوزتورك، لمركز أبحاث أمريكيّ، والذي قال فيه إنّ حلفاء تركيا بحاجة إلى إظهار «تضامن كامل وحقيقيّ».

المختص في الشؤون التركية ستيفن كوك: المصالح الأمريكية والتركية تباعدت لدرجة أنّ استخدام الجيش الأمريكي الحر والكامل لقاعدة إنجرليك الجوية لم يعد مضموناً

هذا أمر معتاد في الأعوام الأخيرة بالنّسبة إلى هذين الحليفين المتشاحنين: فرض عقوبات بسبب شراء تركيا لأنظمة الدّفاع الصّاروخي «إس-400»، ثم تهديد الرّئيس الأمريكيّ الأسبق، دونالد ترامب، بتدمير الاقتصاد التّركيّ، ثم تهديد أردوغان بطرد المبعوثين الغربيّين، بالإضافة إلى إحباط تركيا من التّعاون الأمريكيّ مع المسلّحين الأكراد السّوريّين (قوات سوريا الديمقراطيّة) الذين تعتبرهم متحالفين مع جماعة إرهابيّة كرديّة (حزب العمال الكردستانيّ).

المصالح الأمريكيّة والتّركيّة

والقائمة تطول، وكما يُحاجج ستيفن كوك، وهو مختصّ بارز في الشّؤون التركيّة في «مجلس العلاقات الخارجيّة»، فإنّ المصالح الأمريكيّة والتّركيّة تباعدت لدرجة أنّ استخدام الجيش الأمريكيّ الحرّ والكامل لقاعدة «إنجرليك» الجويّة «لم يعد مضموناً». وبالنّظر إلى أنّ الولايات المتّحدة تحتفظ بنحو خمسين سلاحاً نوويّاً تكتيكيّاً في «إنجرليك»، فإنّ هذا ليس مصدر قلق بسيط.

لكنّ الأمر الأكثر إلحاحاً هو انضمام السّويد إلى «حلف شمال الأطلسيّ»، والذي يأمل الحلف في الانتهاء منه في قمّة الأسبوع المقبل في فيلنيوس. وقد ربطت تركيا موافقتها باتّخاذ ستوكهولم موقفاً أكثر صرامة بشأن الإرهاب، وربما تسعى تركيا، أيضاً، للحصول على طائرات مقاتلة أمريكيّة من طراز «إف-16» وخطوة إيجابيّة من حيث «التّسمية الجغرافيّة».

يتماشى هذا مع السّياسة الخارجيّة المعاملاتيّة التي اتبعتّها تركيا لأعوام. وبينما يشير الكثيرون إلى انتهاكات أنقرة التي يُسلّط الإعلام الضّوء عليها لحرّيّة التّعبير وسيادة القانون، والتي تتعارض مع دعوة الرّئيس الأمريكيّ، جو بايدن، للالتزام بالمبادئ الدّيمقراطيّة، فإنّ السّياسة الخارجيّة التّركيّة بدت في العامين الماضيين وكأنّها تميل نحو الغرب، مع دعم قويّ لأوكرانيا وتقارب مع إسرائيل، والقوى الخليجيّة، وأرمينيا.

إذا كان وقوف السفن الروسية في الموانئ التركية يمثل بالفعل مخططاً للتحايل، فقد تضطر القوى الغربية إلى الرد بقسوة. و يمكن أن تنفجر الأوضاع

هناك تطوّر آخر قد يشكّل الآن محادثات «حلف شمال الأطلسيّ». لقد سمحت السّويد لأحد المتظاهرين بحرق مصحف خارج مسجد في ستوكهولم، ممّا أثار انتقادات تركيّة حادّة، بالإضافة إلى انتقادات دول أخرى ذات أغلبيّة مسلمة.

ومع ذلك، فإنّ وقوف السّفن الرّوسيّة في الموانئ التّركيّة هو الأمر الأكبر، والذي يأتي على رأس أخبار تفيد بأنّ تركيا صدّرت إلى روسيا إمدادات عسكريّة بعشرات الملايين من الدّولارات، بما في ذلك مولّدات، ومركبات، وإلكترونيّات. أثارت تقارير آذار (مارس) هذه ضغوطاً من «مجموعة الدّول السّبع»، وهو الأمر الذي دفع تركيا إلى الموافقة على وقف شحن وعبور البضائع الغربيّة المضمَّنة في العقوبات إلى روسيا.

التقى رئيس الوزراء الهندي ناريندرا مودي والرئيس الأمريكي جو بايدن مع كبار رجال الأعمال في البيت الأبيض في 22 يونيو

إذا كان وقوف السّفن الرّوسيّة في الموانئ التّركيّة يمثّل بالفعل مخططاً للتّحايل، فقد تضطر القوى الغربيّة إلى الرّدّ بقسوة. وكما صاغ الأمر مسؤول تركيّ كبير سابق: «يمكن أن تنفجر الأوضاع». ولن تكون هذه هي المرّة الأولى التي قد تساعد فيها أنقرة خصماً للولايات المتّحدة على التّهرّب من العقوبات - فهناك خطّة النّفط مقابل الذّهب مع إيران.

قضيّة أمريكا ضد "بنك هالك"

ووصلت قضيّة أمريكا ضد «بنك هالك»، الذي تديره الدّولة التّركيّة، إلى «المحكمة العليا» في نيسان (أبريل)، وعادت الآن إلى محكمة استئناف أدنى. قد تكون الغرامة كبيرة، ممّا قد يمثّل صداعاً لأنقرة في ضوء اقتصادها المضطّرب وديونها الخارجيّة المُعطِّلة.

وصلت الليرة التّركيّة إلى مستوى قياسي آخر منخفض بلغ 26.10 ليرة للدولار الأسبوع الماضي، حتّى بعد أن رفعت الجهات التّنظيميّة أسعار الفائدة بشكل حادّ. وستشهد الأيام القليلة المقبلة موجة من الجلسات بين السّويد و«حلف شمال الأطلسيّ».

يستضيف بايدن، يوم الأربعاء، رئيس وزراء السّويد في «البيت الأبيض». ويجري الأمين العام للحلف، ينس ستولتنبرغ، محادثات، يوم الخميس، مع مسؤولين كبار من تركيا، والسّويد، وفنلندا. وأخيراً، من المقرّر أن يلتقي وزير الخارجيّة التركيّ، هاكان فيدان، يوم الجمعة، بنظيريه السّويديّ والفنلنديّ في بروكسل.

إذا توافر الحظّ، من شأن عصا العقوبات الأمريكيّة المحتملة وغرامة كبرى على «بنك هالك»، بالإضافة إلى جزرة طائرات «إف-16» أمريكيّة الصّنع، أن تطرح في الأيّام المقبلة حلّاً ودّيّاً لتأزّم الموقف بشأن السّويد. لكن إذا لم يكن الأمر كذلك، فقد نرى بعض الألعاب النّارية بعد الرّابع من تمّوز (يوليو).

مصدر الترجمة عن الإنجليزية:

ديفيد ليبيسكا، ذي ناشونال، 3 تمّوز (يوليو) 2023



انشر مقالك

لإرسال مقال للنشر في حفريات اضغط هنا سياسة استقبال المساهمات
الصفحة الرئيسية