
بعد انطلاقها في الرابع عشر من الشهر الجاري، في ظل ظروف أمنية منضبطة، تبقى التخوفات الإرهابية مرافقة لبطولة أوروبا لكرة القدم (اليورو) التي تستضيفها الملاعب الألمانية في نسختها السابعة عشر للعام 2024.
وتحتضن ألمانيا البطولة، بمشاركة 24 بلداً أوروبياً، موزعين على ست مجموعات. وستجرى المباريات في 10 ملاعب موزعة على 10 مدن ألمانية، وهو ما يزيد من العبء الأمني الذي احتاط له رجال الأمن الألمان.
وهي المرة الأولى التي تستضيف فيها ألمانيا بطولة دولية كبرى للرجال منذ نهائيات كأس العالم 2006، وهي تعول على عامليْ الأرض والجمهور لمحو المشاركة المخيبة في العرس القاري الأخير قبل ثلاثة أعوام عندما خرجت من ثمن النهائي على يد إنكلترا، والكارثية في النسختين الأخيرتين لمونديالي 2018 و2022 عندما توقفت مشاركتها في الدور الأول، كما ذكر تقرير وكالة الصحافة الفرنسية.
تهديدات لأمن ألمانيا القومي
وقال الكاتب فيليب ووندرسي، في تقرير نشره المركز الأوروبي لدراسات مكافحة الارهاب والاستخبارات ( ECCI) إنّ ألمانيا تشهد تحديات أمنية كبيرة لا تتحدد بأعمال شغب وتهديدات “جنائية تقليدية” بل تهديدات لأمن ألمانيا القومي في مجال تنفيذ عمليات إرهابية محتملة من قبل تنظيم داعش، خراسان تحديداً والذئاب المنفردة، والذي هدد فيها ألمانيا وأوروبا قبل بدء هذه البطولة. وتواجه ألمانيا أيضاً تهديدات أمن سيبرانية مع البطولة، مما يجعل هذه التهديدات معقدة جداً في ظل توترات جيوسياسة حول العالم أبرزها حرب غزة وأوكرانيا.
وبحسب وزيرة الداخلية الاتحادية نانسي فيزر، فمن المتوقع أن يصل عدد المتفرجين في الملاعب إلى 2.7 مليون شخص. وتقول: “لا يمكن أن يكون هناك أمن بنسبة 100% في مجتمع حر، لكننا نبذل قصارى جهدنا”. وقالت وزيرة الداخلية: “يتراوح تركيزنا من تهديد الإرهاب الإسلاموي إلى مثيري الشغب وغيرهم من المجرمين العنيفين إلى الأمن السيبراني”. لا توجد لحد الآن تحذيرات خطرة محددة، ولم تكن هناك مؤشرات ملموسة حاليا على وجود خطر، فإنّ السلطات الألمانية في حالة تأهب.
تخشى ألمانيا تنفيذ عمليات إرهابية محتملة من قبل تنظيم داعش، خراسان تحديداً، والذئاب المنفردة، الذي هدد فيها ألمانيا وأوروبا قبل بدء البطولة
ويقول أوليفر هوث، من رابطة المحققين الجنائيين الألمان: “لدينا حالياً أعداد هائلة من المشجعين، ويتعين على السلطات الأمنية الاستفادة من جميع القنوات المتاحة لها لضبط الأمن”. وأضاف هوث: “سيكون وقتاً صعباً وكذلك لأننا نعتمد دائماً على المعلومات والتحذيرات من أجهزة المخابرات الأخرى من الخارج".
يتحدث أوليفر هوث، من رابطة المحققين الجنائيين عن حقيقة أنّ الأحداث العالمية الحالية تنعكس أيضاً في الشوارع: “لدينا أزمات في العالم، مثل الصراع في إسرائيل وقطاع غزة، والحرب الروسية الأوكرانية، ومسألة الأمن السيبراني، كل هذا بطبيعة الحال لدينا التطرف من جميع الجوانب، والهجمات على السياسيين، وهذا يجعل الوضع محفوفاً بالمخاطر”. وتحاكي السلطات سيناريوهات مختلفة لبطولة أوروبا: أعمال شغب مع جماهير عنيفة، أو عدد كبير من الإصابات أو حتى هجوم إرهابي.
مركز الشرطة في مدينة Nuss
تم إنشاء مركز الشرطة هناك، تبلغ مساحة الغرفة المركزية للمركز في مدرسة الشرطة في Nuss نويس مساحة ملعب كرة قدم تقريباً، ويبلغ ارتفاع أسقفها عشرة أمتار. يعمل هنا 600 ضابط من LKA ومكتب حماية الدستور، بالإضافة إلى ضباط شرطة من جميع البلدان المشاركة معاً بشكل وثيق. وترسل الدول المشاركة في بطولة أوروبا مسؤولين مطلعين على الشؤون الوطنية . تقول وزير الداخلية في ولاية شمال الراين – وستفاليا، هربرت رويل: “بمجرد أن يتلقى أحد زملائنا الدوليين معلومات عن هجوم أو تهديد، تجتمع كل الأمور هنا ويمكننا الرد على الفور”. ومن شأن الأزمات العديدة في العالم أن تجعل الوضع الآن أكثر توتراً مما كان عليه في البطولة الكبرى الأخيرة في عام 2006.
تم إنشاء مركز شرطة بمساحة ملعب كرة قدم تقريباً، يعمل فيه 600 ضابط ألماني، بالإضافة إلى ضباط شرطة من جميع البلدان المشاركة في البطولة
وقررت الداخلية الألمانية إلغاء الإجازة لخدمات الطوارئ. وبحسب ريول فإن جميع خدمات الطوارئ مطلوبة خلال بطولة أوروبا. ويقول وزير داخلية ولاية شمال الراين – وستفاليا: “لقد أمرنا بإلغاء العطلة بسبب صعوبة المهام. وتشمل المهام الرئيسية لمركز الحالة في نويس مكافحة مشجعي كرة القدم العنيفين، والدفاع ضد الهجمات الإرهابية المحتملة والحماية من الهجمات السيبرانية. وبسبب التحول الرقمي، يتزايد خطر الهجمات السيبرانية، وخاصة في الأحداث الرياضية الكبرى.
ويقول الديمقراطي المسيحي: “الخطر كبير ونحن نأخذ الأمر على محمل الجد حتى لا يتحول إلى خطر حقيقي. وبحسب وزيرة الداخلية الاتحادية فايسر، فإنّ الخطر الأكبر يأتي من جماعة “ولاية خراسان الإسلاموية” (ISPK). المنظمة الإرهابية هي فرع مما يسمى بـ ” داعش” (IS)، وتأتي من أفغانستان وهي مسؤولة، من بين أمور أخرى، عن الهجوم الإرهابي الذي أودى بحياة أكثر من 140 شخصاً في قاعة للحفلات الموسيقية بالقرب من موسكو في آذار (مارس) الماضي.
مراقبة الحدود وحظر الطيران
وستكون هناك ضوابط على الحدود الخارجية الألمانية خلال البطولات الأوروبية، وسيتم فرض مناطق حظر طيران حول الملاعب خلال بطولة أوروبا وقائمة المخاطر طويلة، وكذلك قائمة التدابير.
وتشعر وزيرة الداخلية فايسر بالثقة: “نحن يقظون للغاية ومستعدون بشكل جيد ويمكن لبلدنا بأكمله أن يتطلع إلى مهرجان كبير لكرة القدم يضم ملايين المشجعين من جميع أنحاء أوروبا”. ويريد أوليفر هوث من رابطة المحققين الجنائيين الألمان أيضاً مشاركة هذه الفرحة. يقول هوث: “لا يسعني إلا أن أنصحك بالاستمتاع بمهرجان كرة القدم هذا، وفي نفس الوقت ضبط الجمهور”. “لأن ذلك سيكون بالضبط ما يريده الإرهابيون، يجب أن نعيش حريتنا وألا نسمح لأنفسنا بالترهيب".
ويؤكد الكاتب فيليب ووندرسي: بدون شك تستغل الجماعات المتطرفة هذا النوع من المناسبات أو حدث بطولة أوروبا لكرة القدم لتنفيذ عمليات إرهابية، لكن يبدو أنّ الاستخبارات وأجهزة الأمن الألمانية اتخذت الإجراءات اللازمة لمنع وقوع عمليات إرهابية. وبات متوقعاً أن لا تكون هناك عمليات إرهابية واسعة، لكن لا يُستبعد أن تكون هناك عمليات طعن بالسكين محدودة.