هل تستفيق الحكومة التركية بعد إذعان البنك المركزي؟

هل تستفيق الحكومة التركية بعد إذعان البنك المركزي؟


17/09/2018

جلدم أتاباي شانلي

في خطوة طال انتظارها أذعن البنك المركزي التركي للحقائق الاقتصادية واتخذ قرارا حازما الخميس لوقف انهيار قيمة الليرة بعد أن تسبب ذلك في ارتفاع تضخم أسعار المستهلكين في البلاد.

وكان قرار رفع أسعار الفائدة بواقع 6.25 بالمئة إلى 24 بالمئة، وهو مستوى يضع المركزي في موقف قوي، ولو مؤقتا، إذا ما قورن بمعدل التضخم البالغ 18 بالمئة.

لقد استفاق البنك المركزي أخيرا على الواقع الحقيقي للاقتصاد التركي، ليعترف بالآثار الخطيرة للتضخم والانكماش الحاصل حاليا في الطلب المحلي مع دخول الاقتصاد في حالة الركود.

إنه لأمر مؤسف أن يتحرك البنك المركزي للامساك بأشلاء الواقع الاقتصادي ويحاول حل مشاكله، في حين يواصل الرئيس رجب طيب أردوغان رفض الحقائق البديهية. وبدلا من الاعتراف بالمشكلة نجده يحمل البنك المركزي وأشخاصا من خارج فريقه الاقتصادي، مسؤولية تعثر عملية الإصلاح في تركيا.

أكثر هذه الحقائق أهمية هو مفعول الدومينو. فمستويات التضخم المرتفعة أدت لانحدار قيمة الليرة وفرضت زيادة أسعار الفائدة لتنعكس أيضا في زيادة أعباء الشركات التركية المثقلة بالديون.

وقد أعقب رفع أسعار الفائدة من قبل البنك المركزي، إعلان وزير الخزانة والمالية براءت البيرق في تصريح بلا لون أو طعم، أن رفع أسعار الفائدة من شأنه القضاء على النقاش المحتدم بشأن استقلالية المركزي.

ثم انتقل الوزير، وهو صهر أردوغان، للحديث عن الخطة المالية متوسطة الأجل للسنوات الثلاث المقبلة، التي سيكشف عنها في العشرين من سبتمبر الجاري.

لقد ساهم قرار البنك المركزي برفع الفائدة في بعض التعافي لقيمة الليرة لترتفع من 6.43 أمام الدولار إلى 6.03 صباح الجمعة لكنها بلغت أمس نحو 6.17 ليرة للدولار. وقد ساهم انخفاض قيمة الدولار في الأسواق العالمية في تحسن قيمة الليرة.

يبدو الأمر الآن وكأن البنك المركزي قد منح الثنائي أردوغان والبيرق فرصة ذهبية للعودة للسلوك القويم على صعيد السياسات المالية، وأتوقع أن تستقر قيمة الليرة عند المستويات الحالية قبل أن يعلن البيرق عن تفاصيل الخطة المالية.

لكن فرص تحسن الأداء الاقتصادي لا تزال محدودة رغم ذلك. فالتوقعات ترجح أن ترتفع مستويات التضخم لشهري سبتمبر وأكتوبر إلى نحو 25 بالمئة، وهو ما أكده البيرق الذي قال إن التضخم سيرتفع في أكتوبر قبل أن يبدأ في التراجع.

حسنا، إن مثل هذا التغير في التوجه هو أمر جائز، فقط إذا جاءت السياسات المالية المصممة للسنوات الثلاث المقبلة متوافقة كليا مع المتطلبات الحرجة للاقتصاد التركي.

هناك ضرورة للتعامل مع أزمة ديون الشركات وما يصاحبها من مشاكل محتملة تتعلق بالقطاع المصرفي، إضافة إلى الحاجة لاتخاذ إجراءات مالية يُراد لها إحداث تغيير جوهري في الإنفاق الحكومي في إطار نموذج جديد طموح.

وللتذكير فقط، فإن المشاكل التي تئن بسببها الشركات المثقلة بالديون قد زادت حدة منذ بدأت قيمة الليرة في التراجع لمستوى 4.5 أمام الدولار.

الآن وبعد أن فقدت الليرة 40 بالمئة من قيمتها منذ بداية العام، وبافتراض أن تستقر قيمتها عند 6 ليرات للدولار، فإن مشاكل قطاع الشركات ستبقى دون حل، تماما مثلما كانت قبل أسبوع.

وفوق هذا، فإن قرار البنك المركزي برفع أسعار الفائدة سيؤدي لثبات مستوياتها في تركيا، وستزيد بالتالي مشاكل الشركات المتعثرة ماليا.

تركيا الآن قادرة على العودة لجذب استثمارات أجنبية تحتاجها بشدة إذا نجحت في تقديم نفسها كجهة تحكمها سياسات عقلانية، ليس فقط في الاقتصاد، بل كذلك في جميع الجوانب الأخرى التي شهدت تراجعا خلال السنوات الخمس الماضية.

لقد أظهرت تفاصيل موازنة يوليو لبيانات السداد، التي نشرت الجمعة، تراجعا كبيرا في مصادر التمويل، رغم بشائر تحسن في عجز الموازنة الحالي الذي تراجع من 57.5 مليار دولار على أساس 12 شهرا في يونيو إلى 54.5 مليار في يوليو.

هذا التدهور في صورة الاستثمارات يظهر أن الاقتصاد التركي لن يكون بوسعه تحمل أخطاء أخرى في طريقة الإدارة، رغم مستوى أسعار الفائدة الحالية في البلاد.

ويعني ذلك أن موقف الليرة سيبقى هشا للغاية تماما مثلما كان قبل قرار زيادة أسعار الفائدة، أي أنه لم يعد هناك أي مجال للخطأ. وستكون التغييرات في السياسة المالية بمثابة أول اختبار لعزيمة الحكومة التركية بعد قرار البنك المركزي.

وفي ظل غياب أي سياسات تقشف يُعتد بها، ومع عدم نقل الموارد الحساسة إلى قطاعات ذات قيمة مضافة من شأنها زيادة التوقعات لنمو الاقتصاد التركي بطريقة صحيّة، فإن انخفاض قيمة الليرة سيلوح مرة أخرى في الأفق مع تحرك البنك المركزي قُدما في رفع أسعار الفائدة.

وفي ظل حاجة الاقتصاد التركي لخطة إنقاذ مالي متكاملة، فإن الخطة المالية تكتسب أهمية مضاعفة.

هناك حاجة ملحة لوضع خطة اقتصادية ذات مصداقية وتتعامل مع أكثر مشاكل الديون إلحاحا للشركات التركية ومع الأضرار التي تسببها تلك الديون للقطاع المصرفي في تركيا.

من الضروري وضع خطة لإعادة هيكلة ديون الشركات التي تملك القدرة على النجاة في ظل المناخ الحالي، بينما ينبغي أن تمنع الشركات الخاسرة من الإضرار بالاقتصاد بشكل كلي.

ومن الضروري أيضا تصميم خطة دعم ذكية يتم توجيهها لإنقاذ البنوك والشركات القادرة على البقاء، على حد سواء.

ينفرد أردوغان وحده بصناعة القرارات، ولن يخضع الرئيس لأي ضغوط انتخابية قبل مارس 2019، وقد عهد للبيرق بمسؤولية إدارة الاقتصاد التي تتعلق بها آمال الأسواق.

سيبحر الرئيس وصهره بسفينة الاقتصاد التركي للخروج من المياه المضطربة في الداخل وللنجاة في بيئة خارجية شديدة القسوة. وللقيام بهذه المهمة بنجاح، هناك حاجة ملحة للواقعية والشفافية، وبالطبع لمصادر تمويل جديدة.

عن "العرب" اللندنية


آخر الأخبار

الصفحة الرئيسية