هل تدخل ليبيا عصر الاغتيالات السياسية بعد مقتل الورفلي؟

هل تدخل ليبيا عصر الاغتيالات السياسية بعد مقتل الورفلي؟


25/03/2021

أعلن المتحدث باسم القوات الخاصة التابعة للجيش الوطني الليبي العقيد ميلود الزوي أمس الأربعاء اغتيال محمود الورفلي، أحد قادة قوات الصاعقة الميدانيين وأكثرهم شهرة على المستويين المحلي والخارجي، وأفادت مصادر ليبية أنّ عناصر مجهولة أطلقوا وابلاً من الرصاص على سيارة "الورفلي" قرب جامعة العرب الطبية في مدينة بنغازي، ثم لاذوا بالفرار، ما أدى إلى مقتله وابن عمه أيمن وإصابة شقيقه بإصابات بالغة نقل على أثرها إلى إحدى المستشفيات.

يُذكر أنّ الورفلي من أبرز القادة العسكريين، وقد نُسبت إليه عمليات إعدام ميدانية لأسرى من الجماعات الإرهابية التي سيطرت على مدينة بني غازي في وقت سابق، وأصدرت المحكمة الجنائية الدولية مذكرة توقيف بحقه قبل نحو 5 أعوام بدعوى ارتكابه جرائم حرب.

 العقيد ميلود الزوي

 هذه أول عملية اغتيال تشهدها ليبيا منذ اتفاق وقف إطلاق النار، في وقت تتزايد فيه فرص إحلال الأمن والوحدة الوطنية، وتسير ليبيا نحو إعادة لم شمل جميع قواها السياسية تحت مظلة المؤسسات المنتخبة، بينما تدعو المنظمات الدولية جميع المرتزقة إلى مغادرة التراب الليبي، تحديداً بعد أن أدت حكومة الوحدة الوطنية اليمين الدستورية هذا الشهر برئاسة عبد الحميد الدبيبة، لتتسلم السلطة من الإدارتين المتنافستين في شرق وغرب ليبيا وتتولى مهامها رسمياً، والتي منها إنهاء وجود الميليشيات وجمع السلاح وإحلال الأمن وإنهاء النزاعات المسلحة التي كادت تعصف بأمن واستقرار ليبيا.

اقرأ أيضاً: ماذا تخفي مناورات أردوغان بسحب مرتزقته من ليبيا؟

هذا الاغتيال يفتح باب التساؤل على مصراعيه حول العملية وتوقيتها ومن يقف خلفها؟ وهل تتسبب عملية الاغتيال في خلط أوراق التسوية وفشل عملية السلام؟ وهل ستنجح حكومة الدبيبة في أول اختبار جدّي لها وملاحقة الجناة ووقف أيّ محاولة اغتيال قادمة، أم أنّ اغتيال الورفلي مقدمة لإغلاق ملف جرائم الحرب في ليبيا؟

هذه أول عملية اغتيال تشهدها ليبيا منذ اتفاق وقف إطلاق النار، في وقت تتزايد فيه فرص إحلال الأمن والوحدة الوطنية

حول تداعيات اغتيال الورفلي على الموقف في ليبيا، يرى عبد الهادي ربيع، الباحث والخبير في الشأن الليبي، أنّ هذه الجريمة هي أوّل اختبار حقيقي لصلابة حكومة الوحدة الوطنية ومدى قدرتها على التعامل مع تلك الجرائم، ففي تصريح له لـ"حفريات" أكد ربيع أنّ ثمة محاولات من بقايا الميليشيات الإرهابية لتشويه سمعة مدينة بني غازي وجرّ البلاد إلى موجة اغتيالات جديدة، والدخول مرّة أخرى في مرحلة الفوضى الأمنية، لمنع حكومة الوحدة الوطنية برئاسة عبد الحميد الدبيبة من نزع سلاحهم أو ترحيلهم خارج ليبيا، حسب الاتفاق الأخير.

اقرأ أيضاً: هل يتدخل مجلس الأمن بملف المرتزقة في ليبيا؟

وأشار ربيع إلى أنه، وإن لم يُعلن عن الجهة التي تقف وراء عملية الاغتيال، إلّا أنه "يمكن معرفة الجاني وفق قاعدة ابحث عن المستفيد، والمستفيد الأوّل هنا، هي الجهة التي تريد إضعاف معسكر الجيش الوطني الليبي بقيادة المشير خليفة حفتر، وهم في هذه الحالة الميليشيات الإرهابية، وعلى رأسهم تنظيم جماعة الإخوان الإرهابية، الذين أهدروا دمه في وقت سابق"، متابعاً: "فالورفلي كان يتمتع بشعبية كبيرة بين العسكريين والمدنيين، نظراً لقيادته قوة من الصاعقة بشجاعة فائقة قامت بالعديد من العمليات العسكرية الناجحة ضد ميليشيات "مجلس شورى بني غازي" و"أنصار الشريعة ببني غازي"، وهما من الميليشيات الإرهابية التي سيطرت لفترة على مدينة بني غازي، فأعاد الأمن إلى المدنيين، وقام بتوفير تعويضات مالية للمدنيين من ضحايا الإرهاب، ومقتله يترك فراغاً عسكرياً وشعبياً كبيراً، وهي فرصة لإثارة الفتنة ونشر الشائعات حول خلافات مزعومة بين قادة الجيش الوطني، وزعزعة انتماء بعض القبائل الموالية للجيش الوطني لتفتيت معسكر المشير حفتر، فضلاً عن أنّ مقتله يُعدّ انتقاماً يشفي صدور عناصر الميليشيات الإرهابية التي ترى أنّ محمود الورفلي هو المتسبب الرئيسي في هزيمتهم وإخراجهم من بني غازي.

الكاتب والباحث في الشأن الليبي عبد الهادي ربيع

ويقول ربيع على مدار الشهرين الماضيين كانت صفحات الإرهابيين، وعلى رأسهم عناصر من الإخوان المسلمين، "تحرّض على قتل محمود الورفلي، وبشروا بعملية اغتيال قادمة باعتبارها معلومة وليست توقعاً، وهم أوّل من أعلن نبأ اغتيال الورفلي بعد لحظات وقبل أن يصل الخبر لأيّ من مستويات القيادة في ليبيا عبر قناتهم "فبراير"، ما يؤكد أنّ العملية ليست تصرفاً فردياً أو عشوائياً، وإنما هي عملية مرتبة ومدبرة ومحكمة".

ربيع: على مدار الشهرين الماضيين كانت صفحات عناصر من الإخوان المسلمين تحرّض على قتل الورفلي، وبشروا بعملية اغتيال قادمة باعتبارها معلومة وليست توقعاً

وحول ما إذا كانت تلك العملية تفتح باب الاغتيالات المتبادلة للعسكريين، أكد ربيع أنّ من المستبعد أن يتورّط الموالون للجيش الوطني في أيّ عملية اغتيال، وإن كان من المتوقع أن يقوم بعض عناصر من الميليشيات في عمليات اغتيال أخرى، نظراً لما يتمتعون به من قدرة على التخفي، إضافة إلى وجود خلايا نائمة في بني غازي.

وصرّح مصدر أمني لـ"حفريات"، فضل عدم ذكر اسمه لدواع أمنية، "بأنّ اغتيال محمود الورفلي لن يكون الأخير، وأنّ هناك مؤشرات أمنية قوية تفيد باحتمال استهداف شخصيات عسكرية، وأنّ العملية أكبر من قدرات الميليشيات للتخطيط لها، من إعداد مسرح الجريمة واختيار التوقيت وأسلوب التنفيذ، وتؤكد أنّ ثمة دعماً كبيراً قُدّم للمنفذين".

اقرأ أيضاً: ليبيا: قرار بتفكيك ميليشيات تابعة للسراج... هل تعود طرابلس إلى دائرة الاقتتال؟

وأشار المصدر الأمني إلى "احتمال تورّط مخابرات دولة إقليمية تؤيد الجماعات الإرهابية في العملية"، موضحاً أنّ المنفذين "من عناصر الجماعات الإرهابية المتسللة إلى بني غازي أو الخلايا النائمة فيها".

ومن المرجح، وفق المصدر، أنّ الهدف من عملية الاغتيال هو بثّ الفرقة وإثارة الفتنة في إقليم برقة وبني غازي، لتدخل مرحلة من الفوضى وخروج بني غازي من يد الجيش الوطني الليبي، وحسب العلوم العسكرية فإنّ بني غازي هي عمق الأمن الاستراتيجي لليبيا، فإذا سقطت بني غازي في الإرهاب، سقطت ليبيا في الإرهاب، والعكس صحيح، إذا عاشت بني غازي في الأمن والاستقرار، عاشت ليبيا في أمان واستقرار، وأنّ استقرار بني غازي مرتبط بنجاح عملية الانتقال السياسي وانتقال السلطة إلى حكومة عبد الحميد الدبيبة، وألمح إلى أنّ بعض الميليشيات لا تريد إفساح المجال كاملاً أمام الحكومة الجديدة، حتى لا تجبر على نزع سلاحها ومحاكمة قادتها.

وحذّر المصدر من عدم اتخاذ خطوات جادة نحو وقف موجة الاغتيالات المحتمل قدومها، لأنها ستكون سبباً في إفشال الوحدة الوطنية، وأنّ على المسؤولين ملاحقة فلول الميليشيات المسلحة، سواء الليبية أو المرتزقة من الخارج.

شعبان: توقيت اغتيال الورفلي يشير إلى وجود محاولات لإحداث ارتباك في الشرق عموماً وفي صفوف الجيش الوطني الليبي

وحول مدى اعتبار أنّ عملية اغتيال الورفلي ستغلق باب جرائم الحرب في ليبيا، أكد المصدر "أنّ اغتيال الورفلي يربك المشهد، فهو مطلوب لمحكمة الجنايات الدولية لاتهامه بارتكاب أعمال قتل خارج إطار القانون، صنفت على أنها "جرائم حرب"، وطالبت المحكمة الجنائية الدولية في مناسبات عدة تسليم الورفلي إليها، لكنّ القيادة العام للجيش الوطني رفضت تسليمه، وأكدت أنها تخضعه للتحقيق العسكري بشأن الاتهامات الموجّهة إليه، واضعين في الاعتبار ظروف الحرب، فلم يكن هناك سجون عسكرية ولا محاكمات في ظلّ غياب تام لمؤسسات الدولة، وهو ليس الوحيد المطلوب لمحكمة الجنايات الدولية، فهناك من معسكر ميليشيات طرابلس العديد من الأسماء المطلوبة كذلك، مثل صلاح بادي آمر لواء الصمود، وعبدالرحمن ميلاد المعروف بـ "البيجا" المحسوب على قوات الوفاق والمتهم بتهريب البشر، وإبراهيم الجضران آمر حرس المنشآت النفطية سابقاً، الذي حاصر منشآت الهلال النفطي لمدة 3 أعوام، إلى أن تمكّنت قوات الجيش الوطني الليبي من طرده، وإياد بلعم القيادي بمجلس شورى بنغازي الذي حارب مع مجلس شورى ثوار بنغازي وأنصار الشريعة المتهمة بمقتل السفير الأمريكي في بنغازي، وأحمد الدباشي آمر كتيبة أنس الدباشي الموالية لميليشيات طرابلس، كلّ هؤلاء المطلوبين من الصعب إغلاق ملفاتهم بمحكمة الجنايات الدولية وإسقاط التهم عنهم بمقتل الورفلي".

من جهته، يرى رضا شعبان، الكاتب والباحث في الشأن الليبي، أنّ توقيت اغتيال الورفلي يشير إلى وجود محاولات لإحداث ارتباك في الشرق عموماً وفي صفوف الجيش الوطني الليبي.الكاتب والباحث في الشأن الليبي رضا شعبان

وقال شعبان، في تصريحه لـ"حفريات": إنّ فشل محاولات محاكمة الورفلي أمام المحكمة الجنائية الدولية في إطار محاولات إدانة الجيش الوطني الليبي هو الدافع الأساسي في اغتيال الورفلي، إضافة إلى محاولات ضرب التوافق على حكومة الدبيبة وبعد ثبات موقف الجيش الوطني الليبي وقيادته العامة ونجاح اللجنة العسكرية المشتركة والدعم الدولي لقراراتها القاضية بتفكيك الميليشيات وإخراج المرتزقة من ليبيا والسعي لفتح الطرق بين سرت ومصراتة وباقي المدن وشيوع الروح الإيجابية بإجراءات تعزيز الثقة بين الليبيين  والإفراج عن المحتجزين لدى كل طرف.

اقرأ أيضاً: ملف المرتزقة في ليبيا على طاولة الحوار... هل اقتربت نهايتهم؟

وأشار شعبان، إلى أنّ عملية اختيار الورفلي تعود لـ"رمزيته بالجيش الوطني الليبي التي تنبع من دوره في القضاء على الإرهابيين ودوره مع المرحوم اللواء ونيس بوخمادة في تطهير الشرق الليبي من أبرز عناصر التنظيمات الإرهابية الدولية مثل؛ القاعدة وداعش وتصفية عدد كبير منهم".

وأكد أنّ بقايا التنظيمات الإرهابية تسعى لفرض الفوضى والخلافات لكسر إرادة الجيش الوطني الليبي في الفترة المقبلة، وتمهيداً لحرق الأرض من تحت القوى الوطنية التي تناؤئ الإخوان استعداداً للانتخابات القادمة، التي يخشى الإخوان سيطرة رموز وطنية موالية للجيش الوطني، فجاءت عملية الاغتيال استبعاد الورفلي من المعادلة الانتخابية لما له من ثقل سياسي وشعبي ومن جانب آخر تهديداً وإرهاباً لشخصيات أخرى يمكن أن تقوم بذات الدور.

ويشدد شعبان على أنّ الإخوان يراهنون على هذه الانتخابات بكل أوراقهم وبكل أدواتهم القانونية منها وغير القانونية؛ فالجماعة ليس لها طريق للعودة إلى المشهد الليبي إلا بالفوز بهذه الانتخابات.



انشر مقالك

لإرسال مقال للنشر في حفريات اضغط هنا سياسة استقبال المساهمات
الصفحة الرئيسية