هل تحقق اتفاقية السلام في جوبا أهداف الثورة السودانية؟

هل تحقق اتفاقية السلام في جوبا أهداف الثورة السودانية؟


07/10/2020

أصدر مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة، في آب (أغسطس) عام 2004، قراراً يطالب الحكومة السودانية بنزع سلاح قوّات الجنجويد ومقاضاتهم، جنباً إلى جنب مع القوات الحكومية.

اتفاقية السلام الموقّعة بين الحكومة والجبهة الثورية، قدّمت الصيغة الملائمة، لضمان وحدة السودان، على أسس تعبّر عن المصالح الحقيقية للسودان، بعيداً عن عقلية تقاسم السلطة والثروة

وحمّل مجلس الأمن الميليشيا العربية المسلحة (الجنجويد)، مسؤولية مقتل ما يصل إلى 50 ألف من القرويين الأفارقة، وتشريد أكثر من مليون آخرين من منازلهم في إقليم دارفور، غرب البلاد، ومنح مجلس الأمن، الجبهة الإسلامية القومية الحاكمة 30 يوماً للامتثال للقرار، وإلا سيواجه السودان إجراءات دبلوماسية واقتصادية، علاوة على الإجراءات التي عاناها لــ 15 عاماً، سبقت هذا القرار، أي منذ تولّى البشير الحكم.

غير أنّ اتفاقية السلام، التي عقدت قبل أيام في جوبا، أعادت الأمل من جديد، لحالة من الاستقرار والبناء، يحتاج إليها السودان أيما احتياج في هذه الأوقات العصيبة.

عقد جديد من السلام

 استقبلت عاصمة جنوب السودان (جوبا)، وفداً من الحكومة السودانية، وعدداً من قيادات الحركات المسلحة، في كردفان ودار فور، والنيل الأزرق، إلى جانب وفود من الدول الراعية لهذا الاتفاق التاريخي، الذي يراه الباحث والمحلل السياسي السوداني، الدكتور محمود نورين، خطوة كبيرة نحو الاستقرار، ودفعة للاقتصاد الذي يعاني أسوأ حالاته، منذ حكم الإخوان المسلمين المنحل في البلاد.

حمّل مجلس الأمن الميليشيا العربية المسلحة (الجنجويد)، مسؤولية مقتل ما يصل إلى 50 ألف من القرويين الأفارقة

يقول نورين، في تصريح لـ "حفريات": "على المستوى النظري؛ يعدّ التوقيع على اتفاقية السلام، التي أبرمت في عاصمة جنوب السودان (جوبا)، السبت الماضي، بين الحكومة الانتقالية (من قوى إعلان الحرية والتغيير)، الخطوة الأكبر نحو تحقيق الاستقرار السياسي والاقتصادي، وديمومة الديمقراطية في البلاد، كذلك يُعدّ إنجازاً كبيراً لثورة كانون الأول (ديسمبر)، إذ يحقق أهم شعاراتها (السلام)، لكن على المستوى العملي؛ فإنّ الاتفاق مهدّد بمخاطر أيضاً، أوّلها: إحجام أكبر حركتين في دارفور، وجنوب كردفان (جبال النوبة)، عن التوقيع، وهما حركة تحرير السودان الدافورية، بقيادة عبد الواحد محمد نور، والحركة الشعبية لتحرير السودان ــ شمال (جناح عبد العزيز الحلو)، علماً بأنّ الأخيرة وقعت اتفاقية مبادئ، لكنّها ما تزال متحفظّة إزاء إبرام اتفاقية نهائية، أمّا الأولى، فلم تنخرط في المفاوضات، وظلت رافضة لها طوال الوقت".

اقرأ أيضاً: ترحيب دولي واسع باتفاق جوبا التاريخي في السودان

المعضلة الأخرى التي ستجابه هذه الاتفاقية، من وجهة نظر الباحث تتمثل في "رفضها من جانب طيف من شرق السودان، بقيادة زعيم إحدى القبائل البجاوية الكبرى، وظلّ مؤيدوه يمارسون ضغوطاً متواصلة، تتّسم بالطابع القبَلي أكثر ممّا تحمل توجهات سياسية أو فكرية، وهذه المجموعة تعدّ مُهدداً حقيقياً للسلام، لجهة أنّ ميناء السودان الأول (بورتسودان)، يقع في مناطق نفوذها، فضلاً عن الطريق الإستراتيجي، الذي يربط مناطق الإنتاج والعاصمة بالميناء".

اقرأ أيضاً: اتفاق جوبا للسلام فصل جديد في الثورة السودانية

ويستدرك "لكنّ ذلك لا ينفي أهمية الاتفاقية التي تمّت برعاية وضمانات دولية وإقليمية، ولعلّ في هذه الرعاية والضمانات ما يشكّل ضغطاً كبيراً على المجموعات الرافضة، ويجعلها في مجابهة مباشرة مع المحيطَين الدولي والإقليمي، ما سيضعف موقفها التفاوضي، وربما يطيح به".

ما تمنحه الاتفاقية لأطراف النزاع

قوبلت الاتفاقية بترحيب كبير من كافة الأطراف، اللهم إلّا بعض القيادات، التي يرى مراقبون، أنّهم في النهاية سيخضعون للاتفاقية، آجلاً أم عاجلاً، أمّا الأمر الأكثر أهمية في الاتفاقية، هو أنّها منَحت إقليمَي النيل الأزرق وجنوب كردفان حقّ الحكم الذاتي، وقسمت مواردهما بنسبة 60% للحكومة المركزية، و40% للحكومات المحلية، وأعطت الجبهة الثورية 25% من الحقائب الوزارية، للفترة الانتقالية، إلى جانب 39% من مجلس السيادة، كما أقرّت بتشكيل قوة مشتركة من الحكومة، والحركات المسلحة الموقعة على الاتفاقية من أجل حماية المدنيين في دافور .

ووفق رأي "نورين"؛ فإنّ هذا كلّه يعطي مؤشرات إيجابية على أنّ الحكومة الانتقالية تسير نحو الاتجاه الصحيح، رُغم الأزمات الخانقة التي يعانيها السودان، في كافة مناحي الحياة، والتي خلّفها النظام السابق.

اقرأ أيضاً: كيف أسهمت الإمارات في التوصل لاتفاق السلام في السودان؟

من ناحية أخرى، يشير المحلل السياسي، إلى أنّه يجب علينا توخي الحيطة والحذر، من بعض بنود الاتفاق، وإن رآها البعض من مستحقات السلام، وأهمها حقّ الحكم الذاتي، لمنطقتَي النيل الأزرق وجنوب كردفان، والذي يمكن تطويره لاحقاً إذا ما فشلت الاتفاقية على مستوى التنفيذ، واشتعلت الحرب مرة أخرى، إلى حقّ لتقرير المصير، كما حدث في جنوب السودان، ومن ثمّ قد يفضي، على المدى الطويل، إلى الانفصال وتمزّق السودان مجدداً، خاصةً أنّ بعض الأصوات في شرق السودان، وإن كانت معزولة، شرعت في حشد الجماهير، وتحريضها على المطالبة بحقّ تقرير المصير، وكذلك يحدث الأمر نفسه في دارفور.

اقرأ أيضاً: اتفاقية السلام السوداني في جوبا .. أجواء كرنفالية تستبق الاتفاق التاريخي

وبناءً على ما سبق، ومع وجود قوات مسلحة شبه نظامية، ذات استقلالية تامّة عن الجيش، وحركات مسلحة، ومع تنامي المدّ القبلي والعنصري، فإنّ توخي الحذر في تحليل مخرجات اتفاقية جوبا، والإحجام عن منحها تقديرات عالية، أمر ضروري ومهمّ.

كلفة الاتّحاد

بدت بنود الاتفاقية عادلة للجانبين، وكان أهم ما جاء فيها: "بدء فترة انتقالية في البلاد تستمر ثلاثة أعوام، بداية من لحظة التوقيع، إضافة إلى ثلاثة مقاعد في مجلس السيادة، وخمس حقائب وزارية في مجلس الوزراء، لقادة الفصائل المسلحة، وحكم ذاتي لكلّ من ولايتَي جنوب كردفان والنيل الأزرق، وفي جانب الترتيبات الأمنية، قرّر الاتفاق دمج قوات فصائل الجبهة الثورية في القوات المسلحة مع تشكيل قوة مشتركة قوامها عشرون ألف جندي لحفظ الأمن في إقليم دارفور.

وبحسب الكاتب الصحفي السوداني، عبد الرحمن فاروق؛ فإنّ الاتفاق المبرم بين الجانبين، هو أولى خطوات السودان الفعلية نحو الاستقرار المنشود، بعد أن دمّر النظام البائد اقتصاد السودان، وجعله أحد الدول الراعية للإرهاب، أمّا الآن؛ فالسودان يتحسس طريقه الوعر نحو عقد جديد، يبدّد غيوم الحرب، ويفتح آفاق التنمية.

الصحفي السوداني عبد الرحمن فاروق لـ"حفريات": الاتفاق المبرم بين الجانبين، هو أولى خطوات السودان الفعلية نحو الاستقرار المنشود، بعد أن دمّر النظام البائد اقتصاد السودان

يتابع فاروق، في تصريح لـ "حفريات": "اتفاقية السلام الموقّعة بين الحكومة والجبهة الثورية، قدّمت الصيغة الملائمة، لضمان وحدة السودان، واستدامة السلام فيه، على أسس تعبّر عن المصالح الحقيقية للسودان، بعيداً عن عقلية تقاسم السلطة والثروة، التي اتسمت بها اتفاقيات السلام السابقة، لا سيما اتفاقيات السلام بين نظام المؤتمر الوطني، والحركات المسلحة، وعلى رأسها اتفاقية نيفاشا، وهذا التجاوز حقق معادلة التنمية في مقابل السلام، وضمن مشاركة واقعية جداً لأبناء دارفور، على وجه الخصوص في مستويات الحكم المختلفة، وفيه استلهام لتجارب عالمية مختلفة، من بينها تجربة إعادة توحيد ألمانيا، وفيه التزمت ألمانيا الغربية، وما تزال، بدفع مبالغ سنوية لألمانيا الشرقية لإعادة الإعمار، وقد كلّف ذلك الاقتصاد الألماني أكثر من ترليون يورو، لكنّ هذه ضريبة الوحدة".

بدأت حرب دارفور، التي انتهت بتمزيق السودان، إلى دولتين، عام 2003، في صراع استمر حتّى توقيع اتفاقية السلام، غفل عنها الإعلام العالمي، أو غضّ الطرف عنها، بحسب وصف فاروق،  اندلع الصراع، القائم في الأساس على النزعات القبلية، حتى تدخلت قوات الجنجاويد، فحوّلته إلى إبادة جماعية، عجز مجلس الأمن والولايات المتحدة عن وصفها بهذا المصطلح؛ لأنّهم إن فعلوا يتوجب عليهم الدخول إلى السودان، فيما كانوا منشغلين بدخول العراق وأفغانستان في اللحظة ذاتها، وترك الشعب السوداني ليلقى مئات الآلاف مصرعهم، ويتمّ تهجير أكثر من مليون ونصف مليون مواطن من منازلهم، فيما اكتفت المؤسسات الدولية بإصدار مذكرة  اعتقال بحقّ البشير، بتهمة جرائم ضدّ الإنسانية، إلّا أنّه ظلّ حاكماً على السودان، حتى تمّ إسقاطه، عام 2019، عقب تظاهرات شعبية استمرت عدة أشهر، احتجاجاً على رفع الدعم عن الخبز، وسوء الأحوال الاقتصادية.



انشر مقالك

لإرسال مقال للنشر في حفريات اضغط هنا سياسة استقبال المساهمات

آخر الأخبار

الصفحة الرئيسية