هل تحرر مجزرة المعمداني الرأي العام الغربي من السطوة الإسرائيلية؟

رغم التضامن المكشوف من قبل الولايات المتحدة ودول أوروبية مع الاحتلال الإسرائيلي في عدوانه الأخير على قطاع غزة، إلا أنّ المجزرة التي ارتكبها الاحتلال ليل الثلاثاء الأربعاء بقصف المستشفى الأهلي المعمداني وراح ضحيته المئات، غالبيتهم من الأطفال والنساء، من شأنها أن تؤثر في نظرة الرأي العام الغربي للاحتلال الإسرائيلي الذي وضتعه المجزرة أمام مأزق إنساني.

فبعد المجزرة التي راح ضحيتها مئات الشهداء، صدر الكثير من التصريحات عن قادة غربيين تندد بالجريمية ضد الإنسانية، وأوّل تلك التصريحات صدرت من فرنسا، وقالت وزارة خارجيتها في بيان نشرته وكالة (فرانس برس): "تدين فرنسا بشدة الغارة التي استهدفت المستشفى الأهلي في مدينة غزة، والتي تسببت في سقوط عدد كبير جداً من الضحايا المدنيين الفلسطينيين. القانون الإنساني الدولي ملزم للجميع، ويجب أن يسمح بحماية السكان المدنيين، يجب فتح إمكانية وصول المساعدات الإنسانية إلى قطاع غزة دون تأخير".

قادة غربيون يدينون جريمة الكيان الصهيوني بعد قصف المستشفى دون الإشارة إلى إسرائيل، ومراقبون يؤكدون أنّهم أصبحوا في مأزق بسبب دعمهم إسرائيل

وندّد الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون بقصف المستشفى، معتبراً أنّه "لا شيء يمكن أن يبرّر استهداف المدنيين".

وقال ماكرون في منشور على منصة (إكس)، "تويتر سابقاً": إنّه "يجب جلاء كل ملابسات ما حصل في المستشفى الأهلي في غزة"، داعياً أيضاً إلى إتاحة وصول المساعدات الإنسانية للقطاع "بدون تأخير".

وقالت وزارة الخارجية البريطانية، في بيان نقلته (بي بي سي): إنّنا نراقب التقارير التي تتحدث عن "غارة واضحة للعيان" استهدفت مستشفى في غزة.

ويرى وزير الخارجية البريطاني جيمس كليفرلي، حسب ما ذكر على حسابه عبر منصة (إكس)، أنّ هدم المستشفى الأهلي في غزة بالأرض أمس، يعني "خسارة فادحة في الأرواح البشرية"، مضيفاً أنّ "حماية حياة المدنيين يجب أن تأتي أوّلاً".

وشدد أنّ "بلاده ستعمل مع حلفائها لمعرفة ما حدث، وحماية المدنيين الأبرياء في غزة".

ورغم أنّ كل التصريحات لم تشر إلى إسرائيل بشكل صريح، إلّا أنّ مراقبين أكدوا أنّ القادة أصبحوا في مأزق؛ بسبب دعمهم الكيان الصهيوني، وأنّهم يجدون أنفسهم في الوقت الراهن مضطرين لإدانة جرائم هذا الكيان بحق الشعب الفلسطيني في قطاع غزة.

وفي السياق، قال عضو البرلمان المستقل في بريطانيا، الزعيم السابق لحزب العمال جيرمي كوربن: إنّ المجزرة التي ارتكبها جيش الاحتلال الإسرائيلي بقصف مستشفى المعمداني، والتي خلفت أكثر من (500) شهيد ومئات المصابين، ستشكل نقطة تحول كبرى في المشهد الجاري.

وذكر أنّه تلقى الكثير من الرسائل من أصدقائه في قطاع غزة، ووصفوا له ما حدث، والذي أدى لسقوط عدد كبير من الضحايا، واصفاً إيّاه بالأمر المريع والفظيع.

وأكد أنّ هذه المجزرة ستكون حدثاً لا يمكن نسيانه، وهو أمر من شأنه أن يغير مجرى الأحداث في غزة وكل مكان في العالم، على حدّ وصفه، مؤكداً ضرورة أن يعلم الجميع نوعية الوحشية التي ترتكبها إسرائيل بحق المدنيين، وفق ما نقلت شبكة (الجزيرة).

وفي سياق متصل، قالت المحللة العسكرية كيمبرلي دوزير في مقابلة مع شبكة CNN: إنّ الصور التي ظهرت بعد تعرّض المستشفى الأهلي المعمداني لضربة قد تغير الرأي الدولي حيال ما تفعله إسرائيل الآن، وحيال الجرائم التي ترتبكها بحق الشعب الفلسطيني.

وتساءل المحلل العسكري في الشبكة الأمريكية ذاتها سيدريك لايتون: ما الذي كانت تستهدفه إسرائيل عندما قصفت المستشفى المعمداني؟ وما نوع التبرير الذي سيكون موجوداً للقيام بهذا النوع من الضربات؟.

وتابع لايتون بالقول: "إنّه شيء، كما تعلم، مختلف تماماً عن الطريقة التي ننفذ بها عملية الاستهداف في القوات الجوية الأمريكية، على الأقل يبدو الأمر كذلك"، مؤكد أنّ إسرائيل ستجد صعوبة في مواصلة هذه العمليات، إذا استمر هذا النوع من الأخطاء.

من جهتها، نشرت شبكة (بي بي سي)، تصريحات مواطنين فلسطينيين ونقلت معاناتهم من القصف الإسرائيلي على قطاع غزة، ممّا اعتبره البعض "محاولة من الشبكة لإعادة ماء وجهها"، لا سيما أن ناشطين اتهموا المؤسسة الإعلامية العالمية بـ"انحيازها إلى الطرف الذي يرتكب جرائم بحق العرب والفلسطينيين".  

المحللة العسكرية كيمبرلي دوزير: الصور التي ظهرت بعد تعرّض المستشفى الأهلي المعمداني لضربة، قد تغير الرأي الدولي حيال ما تفعله إسرائيل الآن

وقد أثر فنانون ورياضيون ونشطاء في الرأي العام الغربي، بتداول مقاطع مصورة لا لبس فيها لتوثيق ما يحدث على الأرض في غزة، وهو ما أزعج الجانب الصهيوني وحلفاءه من الغرب.

ووفق ما نقلت وكالات أنباء، فإنّ الفنانة الأمريكية مادونا، وجّهت خلال حفلها في لندن رسالة لإحلال السلام في الشرق الأوسط، وهو ما اعتبره البعض إدانة ضمنية للكيان الصهيوني الذي يرتكب الجرائم يومياً، كما أعلنت ماريا نجلة المدرب الإسباني الشهير غورديولا، تعاطفها مع الشعب الفلسطيني، وهو ما انتشر بشكل واسع عبر مواقع التواصل الاجتماعي.

وكذلك أعلن كريم بنزيما دعمه للشعب الفلسطيني، واستنكاره لجرائم إسرائيل بحقهم، ممّا دفع الآلاف من محبيه ومتابعيه من الدول الأوروبية لتغيير نظرتهم للكيان الصهيوني.

هذا، ودعم عدد من الفنانين العرب، الذين يتابعهم مئات الآلاف في الدول الغربية بشكل يومي، الفلسطينيين، ويأتي في مقدمتهم الفنانة لطيفة التونسية، التي أعادت نشر أغنيتها السابقة "إلى طغاة العالم"، فقام العديد من المنصات العالمية بحذفها، وأصدرت الفنانة الأردنية ديانا كرزون أغنية "الشعب البطل"، كما أصدر الفنان المصري أحمد سعد أغنية "غصن الزيتون"، بالإضافة الى الفنان نبيل شعيل، الذي رسم خارطة فلسطين على جبهته، كذلك دعم الفنان  عبد الله الرويشد والفنانة الإماراتية أحلام قطاع غزة بمنشوراتهما.

وقد أزعج كثير من الفنانين العرب الاحتلال الإسرائيلي، بتضامنهم مع غزة، وما ينشرونه من مقاطع وصور، من بينهم على سبيل المثال لا الحصر، سلاف فواخرجي، وشكران مرتجى، ومنذر رياحنة، ونبيل الحلفاوي، وكريم عبد العزيز، وقد تبنّت الفنانتان منى زكي ودنيا سمير غانم حملة تبرعات واسعة دعماً لأطفال غزة، باعتبارهما سفيرتين للنوايا الحسنة في (اليونيسف).

  وبالمقابل، خسرت كايلي جينر مليوناً من متابعيها، بمجرد إعلان دعمها إسرائيل، وردّ عليها العشرات من النشطاء الغربيين، مؤكدين أنّها مع الجانب الخاطئ الذي يرتكب إبادة جماعية لشعب بأكمله.

كما خسرت الممثلة والمنتجة الأمريكية جيمي لي كيرتيس ملايين المتابعين، بعد أن حذفت منشوراً لها على (تلغرام) تضمن صورة لطفل فلسطيني يحمل أخاه، وينظران إلى السماء رعباً، وكتبت: الرعب من السماء.

وجاء حذف الممثلة، التي تصف نفسها بأنّها كاتبة فقط لحقوق الأطفال، منشورها الذي وضعت فيه علم إسرائيل، جاء بعد أن اكتشفت أنّ الصورة تعود لطفلين فلسطينيين، وليسا إسرائيليين.

لايتون: ما الذي كانت تستهدفه إسرائيل عندما قصفت المستشفى؟ إنّ إسرائيل ستجد صعوبة في مواصلة هذه العمليات إذا استمر هذا النوع من الأخطاء

ومن أبرز النشطاء الذين غيروا الرأي العام الغربي حول إسرائيل، الصحفي الأمريكي جاكسون هينكل، الذي ينشر يومياً فيديوهات وصوراً حول جرائم الكيان الصهيوني بحق الفلسطينيين، وكيف زيف السردية الصهيونية، وادعاءات قادته.

هينكل الذي يتابعه نحو مليون عبر (تويتر) نقل بشكل صريح ومهني كلّ جرائم الاحتلال الإسرائيلي من قتل الأطفال والنساء، والتفاعلات على منشوراته تؤكد أنّه نجح في تغيير نظرة مئات الآلاف من الغرب المغيب لصالح دولة الاحتلال.

مواضيع ذات صلة:

- إيران وغزة: أين قآني؟

- غزة.. وطوفان الخسائر

- تقارير : إسرائيل أكملت استعدادات الهجوم البري على غزة.. متى؟