أمام مصر وموريتانيا فرصة واعدة لتطوير علاقات ثنائية مشتركة، تحقّق مصالح البلدين، خاصّة أنّ مصر لا أطماع سياسيّة لديها في موريتانيا، أو منطقة غرب أفريقيا؛ إذ تقوم سياستها الخارجيّة على أهداف موضوعيّة، بخلاف سياسة تركيا، التي يحتلّ العامل الأيديولوجيّ ركناً أساسياً فيها.
وأجرى الرئيس الموريتاني، محمد ولد الغزواني، اتصالاً هاتفياً بالرئيس المصري، عبد الفتاح السيسي، الأحد الماضي 13 كانون الأول (ديسمبر) الجاري، تناول قضايا ثنائية مشتركة، على الصعيد العسكريّ والأمنيّ والاقتصاديّ، وقضايا إقليميّة، وعلى رأسها الأزمة في ليبيا.
ترى السياسة المصريّة أنّ مكافحة الإرهاب عمل مشترك، ما يجعل موريتانيا، التي تعاني من خطر الإرهاب في دول الساحل الأفريقي، شريكاً مهمّاً لمصر
وجاء الاتصال في وقت تشهد فيه منطقة غرب أفريقيا تمدّداً تركيّاً كبيراً، تُوِّج بتوقيع تفاهمات عسكريّة مع النيجر، وهو ما عدّه مراقبون تغلغلاً أمنياً، يرتبط بالوجود العسكريّ التركيّ في ليبيا، والذي يخطّط أردوغان لأن يكون دائماً.
السيسي والغزواني
نشرت صفحة المتحدث باسم رئاسة الجمهورية المصرية، السفير بسام راضي، العناوين العامة التي بحثها الرئيسان؛ السيسي وولد الغزواني، في المكالمة الهاتفيّة التي جمعتهما.
وصرّح المتحدث الرسميّ باسم رئاسة الجمهورية؛ بأنّ الاتصال تناول التباحث بشأن تعزيز التعاون الثنائيّ المشترك بين البلدين الشقيقَين، خاصّةً على الصعيد العسكريّ والأمنيّ ومكافحة الإرهاب في منطقة الساحل، إضافة إلى التعاون الاقتصاديّ والتبادل التجاريّ وزيادة الاستثمارات البينيّة.
اقرأ أيضاً: هكذا تغلغلت تيارات الإسلام السياسي في موريتانيا.. ما علاقة قطر وتركيا؟
وعلى صعيد القضايا الإقليميّة؛ تمّ تبادل الرؤى بشأن الأزمة الليبيّة؛ حيث توافق الجانبان على ضرورة تكثيف التنسيق في هذا الصدد، في ضوء الانعكاسات المباشرة لاستمرار الأزمة الليبيّة على الأمن القومي للبلدين، وكذلك الأمن الإقليميّ، مع تأكيد الحرص الكامل على إنهاء تلك الأزمة عبر التوصل لحلّ سياسيّ، يمهّد الطريق لعودة الأمن والاستقرار في ليبيا.
كما شهد الاتصال بحث جهود مكافحة انتشار فيروس كورونا؛ حيث تمّ التوافق حول التنسيق بين مصر وموريتانيا بخصوص إجراءات المكافحة، من خلال تبادل التجارب والتواصل بين الأجهزة المعنية بالبلدين.
الباحث محمد عزّ الدين لـ "حفريات": هناك تمدّد تركي في النيجر ومالي، وموريتانيا ليست بعيدة عن أنقرة التي تريد تأسيس علاقات مع دول أفريقيا
وتعليقاً على الاتصال؛ قال السفير صلاح حليمة، نائب رئيس المجلس المصريّ للشؤون الأفريقية؛ إنّ الاتصال ركّز على الجانب الأمنيّ بالدّرجة الأولى.
وأضاف خلال مداخلة مع قناة "إكسترا نيوز"، المصرية؛ أنّ مصر تدعم جهود مكافحة الإرهاب فى القارة الأفريقية، لا سيما منطقة الساحل.
وفي السياق ذاته، رحّب الصحفي الموريتانيّ، محمد ولد المختار، بالاتصال المهمّ بين رئيسَي البلدَين، وقال في حديثه لـ "حفريات": "هذا خبر جيّد، خاصّة أنّه يأتي في ظلّ تحركات مصريّة كبيرة في الأونة الأخيرة، تسعى لاستعادة الدور الرياديّ في القارة الأفريقية، ولو على المستوى السياسيّ، بعد التراجع الذي أصابه عقب 2011".
علاقات ثنائيّة دون المستوى
وتجمع مصر بموريتانيا علاقات اقتصادية هزيلة؛ إذ لم يتجاوز حجم التبادل التجاري بينهما حاجز 25 مليون دولار، عام 2018، وحقّق الميزان التجاريّ فائضاً لصالح مصر بنحو 20.6 مليون دولار، خلال 2018، مقابل 18 مليون خلال 2017.
بينما ارتفع التبادل التجاريّ بين موريتانيا وتركيا؛ من 40 مليون دولار قبل افتتاح السفارة التركية بنواكشوط، عام 2011، إلى 150 مليون دولار، عام 2017، بحسب تصريحات سابقة للسفير التركيّ في نواكشوط.
اقرأ أيضاً: بعد أن ترعرع في أحضان قطر: عودة عرّاب "القاعدة" إلى موريتانيا
ووقّعت مصر وموريتانيا اتفاقيّات تعاون مشترك، في مجالات الثروة السمكيّة، والزراعة، والتدريب، وأسّس رجال أعمال من الجانبَين أربع شركات مشتركة، تعمل في أنشطة الصيد البحريّ، وقامت مصر بإيفاد خبراء في مجال المزارع السمكية، والتدريب على الصيد البحري.
وعن الفرص الاقتصادية الواعدة في موريتانيا، يقول الصحفي ولد المختار: "تمثّل اكتشاف الغاز في المنطقة الحدودية مع السنغال، وحاجة موريتانيا إلى إنشاء الموانئ البحرية، ومجال البنية التحتية، فرصاً واعدة أمام الاستثمار، وهو ما يجذب الأتراك، وكذلك يتطلّع شعب موريتانيا للاستفادة من التعليم في مصر".
اقرأ أيضاً: لماذا طار ماكرون إلى موريتانيا في ظل كورونا؟.. وما علاقة ليبيا؟
ومطلع العام الجاري، أعلنت الحكومة اكتشافات كبيرة من الغاز، تصل إلى 50 تريليون قدم مكعب بمياهها الإقليمية، وتتولّى شركة "بريتش بتروليوم" امتياز الاستكشاف والإنتاج.
ويقول الباحث في الشؤون الأفريقية، محمد عزّ الدين: "تعاني موريتانيا تردّياً وضعفاً كبيرَين في البنية التحتية، وهو الأمر الذي يمكن أن تتعاون القاهرة مع الحكومة الموريتانية في معالجته، عبر الشراكات في مجال الخدمات الأساسية، مما سيمثّل أساساً متيناً لعلاقة وصداقة قوية تجمع البلدين".
وجاءت المكالمة الهاتفية بين السيسي وولد الغزواني في إطار تحرّكات مصريّة واسعة في القارة الأفريقية، تهدف إلى تعزيز التعاون وتنشيط التبادل التجاري، والتعاون في مكافحة الإرهاب، ومواجهة مخاطر الكوارث الصحّية، خصوصاً جائحة كورونا.
بوابة غرب أفريقيا
وتمتاز موريتانيا بخصائص جغرافيّة وثقافيّة وسكّانية فريدة؛ لموقعها الجغرافيّ الذي يربط شمال أفريقيا بغربها، وتعدّ حلقة وصل ثقافيّة بين العرب والأفارقة، وهو ما يمنحها مكانة متميزة، كبوابة عربية أفريقية، كالتي يحوزها السودان في شرق القارة، كما يرى الباحث الأنثروبولوجي، خليل منون.
اقرأ أيضاً: إخوان موريتانيا في 2019.. صراعات وانشقاقات وفساد
ويتابع منون، في حديثه لـ "حفريات": "العلاقات الموريتانيّة المصريّة ضعيفة جداً، مقارنةً بما كانت عليه منذ قرون مضت؛ إذ كان لمصر علاقات قويّة بغرب أفريقيا، خصوصاً في العهد المملوكيّ؛ سياسياً وتجارياً وثقافياًً؛ فالمصادر التاريخية المصرية هي التي خلّدت تاريخ غرب أفريقيا، خصوصاً سلطنة مالي، التي سمّيت منطقة "بولاق الدكرور" في القاهرة، نسبة إلى اسم شعب إقليم التكرور في غرب أفريقيا، الذي جمعته علاقات قوية بمصر، وكانت تربطهم طرق تجارة تجمع غرب القارة بالقاهرة".
يرى منون؛ أنّ القاهرة يجب أن تعيد صياغة رؤيتها لغرب أفريقيا، ولا تقتصر علاقاتها الثقافية على مؤسسة الأزهر، بل تحتاج إلى دراسات متبادلة لفهم هوية مجتمعات القارة وخصوصيتها، وهو الأمر الذي سيعود بالنفع على المجالات السياسيّة والثقافيّة والأمنيّة.
ويؤكّد الباحث في الشؤون الأفريقية، محمد عز الدين، أنّ وجود علاقات مصرية موريتانية قوية، على جميع المستويات، سيقطع الطريق على التمدد التركيّ، وأيّ تمدّد آخر له أهداف تتعارض مع استقرار مصر، أو تؤثر سلباً على القارة.
اقرأ أيضاً: موريتانيا الغزواني.. بين تجار الدين والسياسة
ويتابع عزّ الدين، لـ "حفريات": "هناك تمدّد تركي كبير في النيجر ومالي، وموريتانيا ليست بعيدة عن الخطط التركية، التي تريد تأسيس علاقات مع دول أفريقيا، لدعم طموحاتها الاستعمارية، خاصةً في ليبيا، وهو ما يهدّد الأمن القوميّ العربيّ، والمصريّ بشكل خاص".
الخطر التركي
وتشهد منطقة غرب أفريقيا نشاطاً إرهابياً كبيراً، وتوجد مجموعات إرهابية في إقليم غرب أفريقيا، بشكل يفوق قدرات هذه الدول على مواجهتها.
وحول خطر التمدّد التركيّ في غرب أفريقيا، يقول الباحث خليل منون: "تركيا لا تضرّ مصر فقط، أو المنطقة العربية، بل تضرّ العالم، بتبنّيها أيديولوجيّة العثمانية الجديدة، التي هي مشروع عفى عليه الزمن، لكنّ أردوغان يتبنّى المشروع بحثاً عن مسوّغ يُوطن نفسه به، داخل تركيا في المقام الأول".
اقرأ أيضاً: "إخوان" موريتانيا بين مطرقة الانشقاقات وسندان إغلاق الجمعيات
ويردف منون: "يقوم مشروع أردوغان على التوسّع والهيمنة، عبر دعم الفوضى والاضطرابات في مناطق واسعة، عربية أو أفريقية أو آسيوية، لتحقيق مكاسب، مثلما استفاد من وجود داعش في سوريا، عبر توسيع نفوذه، والسيطرة على الموارد، وشراء النفط بثمن بخس، وكذلك الأمر في العراق.
كما يستخدم أردوغان سياسة الفوضى في إدارة علاقاته مع الاتحاد الأوروبي، خاصّة ملفّ غاز شرق المتوسط، وأفريقيا ليست بعيدة عن ذلك؛ فهي منطقة مهمّة لأوروبا، ومرتبطة بها".
اقرأ أيضاً: رئاسيات موريتانيا.. الإخوان يشقون صف المعارضة حول المرشح الواحد
ويريد أردوغان توسيع علاقات تركيا بالدول الأفريقية وتعزيزها، لتعزيز وجوده في ليبيا، التي يعدّها جزءاً أساسياً من نفوذ بلاده، وفق أيديولوجية العثمانيين الجدد، وفي إطار ذلك جاءت زيارة وزير خارجيته، مولود جاويش أوغلو، لدول غرب أفريقيا، في تموز (يوليو) الماضي، والتي شهدت توقيع اتفاقيات ثنائية متعددة، كان من بينها اتفاق للتعاون الأمنيّ والعسكريّ مع النيجر.
وتزامناً مع جولة أوغلو الأفريقية، نشرت وكالة "الأناضول" التركية، خبراً عن بدء تصدير مدرّعات "خضر"، إلى عدّة بلدان أفريقية، دون تسميتها، في صفقة بلغت قيمتها 20 مليون دولار، وأشارت الشركة المصنعة إلى صفقات أكبر قادمة.
مكافحة الإرهاب
وترى السياسة المصريّة؛ أنّ مكافحة الإرهاب عمل مشترك، يتطلب انخراط المجتمع الدولي بأكمله، كون الإرهاب عابراً للحواجز الجغرافية والسياسية، ومرتبطاً بشكل قوي تنظيمياً وفكرياً، ما يجعل موريتانيا، التي تعاني من خطر الإرهاب في دول الساحل الأفريقي، خصوصاً في شمال مالي، شريكاً مهمّاً لمصر.
اقرأ أيضاً: موريتانيا تقصقص ريش الإخوان.. لن يدمروا دولتنا
ويقول خليل منون: "اللافت للنظر في عمل المجموعات الإرهابية في أفريقيا؛ تمركزها حول مناطق الموارد الطبيعية؛ من نفط وغاز ومعادن ثمينة، مما يوفّر لها موارد ذاتية كبيرة، بجانب التمويل الذي يأتي من دول وجهات أجنبية؛ من بينها قطر وتركيا، وهو الأمر الذي يتطلب تعاوناً أفريقياً واسع النطاق في مكافحة هذا الخطر".
وفي إطار الرؤية المصرية للتعاون الدولي في مكافحة الإرهاب، دعمت مصر بقوة مبادرة "إسكات البنادق" في أفريقيا، والتي اعتمدها مجلس الأمن الدولي، بقراره رقم 2457، وتهدف إلى القضاء على كافة النزاعات والصراعات في قارة أفريقيا، مع حلول عام 2020، من خلال إعداد أطر تنفيذية واضحة تعالج جذور النزاعات، وتساهم في إعادة الإعمار والتنمية في فترة ما بعد انتهاء الصراع.
وتمتلك تركيا 42 سفارة في القارة الأفريقية، بزيادة قدرها 30 سفارة خلال 8 أعوام (2012 - 202)، كما أعلن جاويش أوغلو افتتاح السفارة رقم 43 في دولة توغو، وفق بيان الخارجية التركية.
وتوسّعت تركيا في إنشاء السفارات في أفريقيا، منذ عام 2012، الذي شهد صعود الإسلام السياسي إلى سدّة الحكم، في مصر وليبيا وتونس؛ فحتّى ذلك العام لم تملك تركيا سوى 12 سفارة فقط في القارة السمراء، وفق بيانات وزارة الخارجيّة التركيّة.