هل تتحول "المشاحنات" على الحدود اللبنانية الإسرائيلية إلى حرب كبرى؟

هل تتحول "المشاحنات" على الحدود اللبنانية الإسرائيلية إلى حرب كبرى؟

هل تتحول "المشاحنات" على الحدود اللبنانية الإسرائيلية إلى حرب كبرى؟


08/01/2024

ترجمة: محمد الدخاخني

 تقع مسألة التصوّرات في قلب الصراعات في جميع أنحاء العالم. إنّ ما يُفكّر فيه كلّ جانب يُحدّد أفعاله، وهذه الأفعال تُحدّد بدورها جزئيّاً اتجاه الصراع. ويجب أن نضع ذلك في الاعتبار اليوم، وسط تقارير تفيد بأنّ إسرائيل وحزب الله قد يُصعّدان قريباً اشتباكاتهما على طول الحدود اللبنانية الإسرائيلية إلى حرب شاملة.

 وفي مقابل الرواية الغربية التي تقول إنّ إسرائيل تتقدّم في غزّة، وإنّ هزيمة حماس مسألة وقت، فإنّ حزب الله وحلفاءه لديهم قراءة مختلفة بعض الشيء. وحتى لو كانت هناك أوجه قصور كبيرة في الطريقة التي يُفسّر بها الطرفان ما يحدث، فإنّ السؤال الحقيقي هو ما الذي يفعلانه بشكل صحيح، وكيف سيؤثر ذلك على خياراتهم؟

 بالنسبة إلى حزب الله، من المهم فهم العوامل التي تدفع الحزب إلى تجنّب انفجار كبير قد ينتشر سريعاً إلى المستوى الإقليمي. حزب الله ببساطة لا يرى ضرورة في إشعال حرب كبرى. وبينما يراقب تطوّر الغزو الإسرائيلي لغزّة، فإنّ ما يراه، أو يعتقد أنّه يراه، عبارة عن أخطاء إسرائيلية كبرى.

 أوّلاً، على الرّغم من أنّ الإسرائيليين توغلوا في مناطق واسعة من غزّة، فإنّ سيطرتهم هشّة. على سبيل المثال، بعد وقت قصير من إعلان إسرائيل سيطرتها على مدينة غزّة، أطلقت حماس سراح رهائن إسرائيليين في عرض عام نُظِّم في قلب المدينة.

 كما أعلنت إسرائيل عن سيطرتها العملياتية على النصف الشمالي من قطاع غزّة، إلّا أنّها تواصل قتال حماس هناك. واستغرقت المعارك حول منطقتي جباليا والشجاعية أسابيع، مع ارتفاع عدد الضحايا الإسرائيليين. وكما قال أحد المسؤولين الإسرائيليين لصحيفة (لوموند): "في حالة وجود مدينة تحت الأرض، فمن الصعب إعلان السيطرة الكاملة"، في إشارة إلى شبكة أنفاق حماس التي تغطّي أجزاء كبيرة من غزّة.

الدخان يتصاعد فوق خان يونس في جنوب قطاع غزة، كما يظهر من رفح، خلال غارات جوية إسرائيلية متواصلة

وعلى الصعيد السياسي، يعتبر حزب الله أيضاً أنّ إسرائيل في مأزق، حيث يبقى من غير الواضح ما الذي سيشكّل انتصاراً مقبولاً للحكومة الإسرائيلية. كما أنّ جيشها لا يبدو أقرب إلى قتل كبار قادة حماس، الأمر الذي قد يسمح لإسرائيل بإعلان النصر. وكلّما دمّرت القوات المسلحة الإسرائيلية القطاع بشكل لا مُبرّر له، وقالت إنّ هناك حاجة إلى أشهر عديدة من القتال، بدا بشكل أقلّ أنّ لديها هدفاً محدّداً بشكل جيّد.

 إنّ فكرة أنّ إسرائيل غارقة وبلا اتجاه تنتشر في العديد من وسائل الإعلام، بما في ذلك تلك المتعاطفة مع حماس وما يُسمّى بـ "محور المقاومة". على سبيل المثال، ركّزت صحيفة (الأخبار) المؤيّدة لحزب الله على كيفيّة انقسام الحكومة الإسرائيلية حول ما سيحدث في غزّة بمجرّد انتهاء القتال، والتوترات التي ولّدها ذلك مع إدارة بايدن.

في وقت ما تزال فيه إسرائيل بعيدة عن تحقيق نصر مُقنع في غزّة، فإنّ توسيع صراعها إلى لبنان ومحاربة خصم أكثر هيبة ليس له أيّ معنى. ويصبح هذا أكثر صدقاً إذا عارضته الولايات المتحدة

 

 إنّ المبالغة في تقدير الصعوبات التي تواجهها إسرائيل جزء من الحرب النفسية التي يشنّها حزب الله. ومع ذلك، عندما يردّد خطاب الحزب ما قاله حلفاء إسرائيل سابقاً، فإنّه يكتسب مصداقية كبرى. على سبيل المثال، قال الرئيس الأمريكي جو بايدن للإسرائيليين في تشرين الأوّل (أكتوبر): "إنّ قراراتهم الحربية يعوزها التأنّي، وتتطلّب طرح أسئلة صعبة للغاية، وتتطلّب وضوحاً بشأن الأهداف، وتقييماً صادقاً بشأن ما إذا كان المسار الذي يسلكونه سيحقّق تلك الأهداف. ويبدو أنّ الطبيعة الطاحنة وغير الحاسمة حتى الآن لغزو غزّة تؤكّد هذه الشكوك.

 لماذا يهمّ هذا؟ لأنّ حزب الله، ومعه إيران، سيتجنّبان الانجرار إلى صراع يعتقدان أنّ إسرائيل تريد إثارته، وهما على قناعة بأنّ القيادة الإسرائيلية قد تحاول استخدام ذلك لإخراج نفسها من مأزقها. ولعل هذا يفسّر كيف ردّ الحزب على القتل الاستفزازي بشكل واضح الذي قامت به إسرائيل لقائد كبير في فيلق القدس الإيراني، رضي موسوي، في سوريا في 25 كانون الأوّل (ديسمبر).

 في اليوم التالي لاغتياله، كان هناك تصاعد في هجمات حزب الله ضدّ أهداف إسرائيلية على طول الحدود وفي مزارع شبعا المحتلة. بالنسبة إلى الحزب، كان ذلك ضرورياً في ضوء اغتيال موسوي. لكن بعد يوم واحد، خفّض الحزب ردّه، وسط تهديدات إسرائيلية بأنّ الوضع على الجبهة اللبنانية "غير مستدام"، وهي الفكرة التي ردّدها حلفاء إسرائيل في واشنطن.

 يعتزم حزب الله الحفاظ على هذا التوازن لأطول فترة ممكنة، مدركاً أنّ إدارة بايدن تعتبر اندلاع حرب إسرائيلية مع لبنان خطاً أحمر، لأنّها قد تؤدّي إلى صراع إقليمي يدفع الولايات المتحدة إلى مواجهة مع إيران، ويريد بايدن تجنّب ذلك بأيّ ثمن في عام الانتخابات.

أطفال فلسطينيون، نزحوا بعد أن أجبروا على الفرار من منازلهم بسبب الحرب في غزة، لجأوا إلى مخيم في رفح

وقد يكون لهذا الوضع من الاستقرار المتقلقل تأثير متناقض على إسرائيل؛ فمن ناحية سيزيد ذلك من الإحباطات الإسرائيلية، ممّا سيخلق الظروف لردّ فعل أقوى. ومن ناحية أخرى يجب على إسرائيل أن تدرك أنّ فتح جبهة لبنانية سيكون أمراً محفوفاً بالمخاطر للغاية، وسيؤدّي إلى توترات أمريكية إسرائيلية أكثر وضوحاً، ممّا يدفع إسرائيل إلى تجنّب هذه النتيجة.

على الصعيد السياسي، يعتبر حزب الله أيضاً أنّ إسرائيل في مأزق، حيث يبقى من غير الواضح ما الذي سيشكّل انتصاراً مقبولاً للحكومة الإسرائيلية

 

 وفي وقت ما تزال فيه إسرائيل بعيدة عن تحقيق نصر مُقنع في غزّة، فإنّ توسيع صراعها إلى لبنان ومحاربة خصم أكثر هيبة ليس له أيّ معنى. ويصبح هذا أكثر صدقاً إذا عارضته الولايات المتحدة. وعلاوة على ذلك، فإنّ رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو يواجه صراعاً في الداخل، ومن الممكن أن يدفع ثمناً باهظاً في حال توسيع نطاق حرب قد ينظر الإسرائيليون إليها باعتبارها تذكرة انتهازية لنجاته سياسيّاً.

 لكلّ هذه الأسباب؛ سيظلّ حزب الله وحلفاؤه يعتقدون أنّ إسرائيل محاصرة عند حدودها الشمالية، مع خيارات قليلة لإنهاء الوضع. وكان هذا هو مضمون التصريح الذي أدلى به نائب الأمين العام لحزب الله نعيم قاسم في 31 كانون الأوّل (ديسمبر). ولهذا السّبب؛ إذا عبر أيّ طرف الحدّ الأقصى، وبدأ حرباً أوسع نطاقاً وأكثر تدميراً في لبنان، فمن المرجح أن يكون إسرائيل، وليس حزب الله، أو إيران، أو شركاءهما.  

 المصدر:

 مايكل يونغ، ذي ناشيونال نيوز، 2 كانون الثاني (يناير) 2024




انشر مقالك

لإرسال مقال للنشر في حفريات اضغط هنا سياسة استقبال المساهمات
الصفحة الرئيسية